لا تُضيء في الظلام… ما لم تكن مستعدًا للنجاة من الحريق
في الأزمنة الرمادية والامكنة الملوثة، حين تتلبد الأرواح بغيوم الحقد وتضيق الأزقة بالحسد والعجز، يغدو النقاء خطرًا، والتميز ج#ريم*ة، والضياء فتنةً توقظ الوحوش من سباتها… ؛ ففي مثل هذه البيئات المنهكة بالفقر، والمثقلة بالجهل، والمغطاة بغبار الخيبة والعفن، لا تُظهر معدنك، لا تفتح قلبك، لا تكشف عن روحك البيضاء في محيط لا يرى في النور إلا عدوًا يجب إطفاؤه.
إن العيش بين المأزومين نفسيًا، والمتآكلين أخلاقيًا، يشبه السباحة في مستنقع آسن؛ لا يجديك صفاؤك، بل قد يغدو لعنتك… ؛ هنا، التفاهة قيمة، والانحطاط شجاعة، والمبادئ ضعف، والصدق حماقة… ؛ إنهم لا يريدون أن يروا فيك ما ينقصهم، ولا أن يشعروا من خلالك بما يفضح عجزهم… ؛ و في هذا الجوّ المكهرب بالسلبية ، يكون التفكير المستقل وقول الحقيقة بمثابة تمرّد يستوجب القصاص.
■ حين تكون الفضيلة تهمة
في المجتمعات المنهارة، لا يُكافأ الخير، بل يُرجم، ولا يُحتفى بالعقل، بل يُقصى، ولا تُرحّب الروح الحرة، بل تُحاصر وتُسجن… ؛ تلك البيئات — التي تشبه قاعات الانتظار الطويلة للموت البطيء — تعيد إنتاج نفسها على هيئة قطيع : يخشى كل فردٍ فيه من أن يرى أحدهم أفقًا أبعد، أو يحمل حلمًا أنقى… ؛ و كل بادرة ضوء تُقرأ كإهانة جماعية، وكل طموح يُفسر كخيانة للقطيع .
فكن على حذر، لا ترفع راية صدقك بينهم، ولا تنشد الجمال في خرابهم، لا تبنِ قصرك وسط خرابهم، لأنهم سيهدمونه لا حسدًا فحسب، بل ليطمئنوا أنهم ليسوا وحدهم في القاع.
■ حيلة البقاء: الذكاء المقنّع
إذا كُتب عليك أن تمر عبر هذا الجحيم، فسر بينهم كأنك لا تبصر، تحدث كأنك لا تفهم، واصمت كأنك لا تملك ما يُقال… ؛ و تظاهر بالبلادة والسذاجة ، ولكن لا تنسَ أن تفكر بذكاء… ؛ فكن ثعلبا في التخطيط، وطفلاً في الواجهة… ؛ اخفِ قوتك، وابنِ استراتيجيتك بصمت.
اجعل تواضعك درعًا، لا ضعفًا، وصمتك دهاءً لا استسلامًا… ؛و كن كمن يزحف تحت الأرض، لا خوفًا بل ليصل إلى بر الأمان… ؛ نعم حافظ على نظافة قلبك، ولكن لا تتركه مكشوفًا… ؛ و قوي جسدك، عقلك، مواردك، ثم — حين يحين الوقت — ارحل عنهم دون التفات، وارفع علمك في أرض لا تجرّم الحلم ولا تجهض النجاح.
■ في المجتمع الحي: تُحتَرم لا تُستَهدف
هناك، حيث الأبواب تُفتح لمن يستحق، لا لمن ينافق؛ حيث تُقاس القيمة بالعقل والموهبة لا بالخضوع والسطحية؛ حيث القوة تُحترم لا تُخشى، هناك تزهر الأرواح وتتنفس الأحلام… ؛ ففي مثل هذا الوسط، تصبح جاذبيتك قوة، وذكاؤك رأس مال، وإنجازك سببًا للشراكة لا للعداء.
■ الختام: لا تُضيء في الظلام… إلا إن كنت نارًا لا تُطفأ
إن لم تكن مستعدًا للقتال، لا تُضيء… ؛ و لا ترفع رأسك في أرض تُقطع فيها الأعناق وترفع على الرماح بدلًا من رفع الرايات… ؛ و لا تُشعل شمعتك في العتمة ما لم تكن قادرًا على حمايتها من الريح، ولا تبنِ أحلامك فوق رماد الآخرين.
إذا أردت أن ترتقي، فابحث عن أرض لا تُغتال فيها الأحلام، ولا يُذبح فيها النبل على موائد الكراهية… ؛ فبعض البيئات لا تستحق النور، وبعض المعارك لا تخوضها إلا إذا كنت مستعدًا للنجاة من الحريق.