مقالات

قيمة تعلّم التوراة

قيمة تعلّّمِ التوراة
The Value of Learning the Torah
By Kamāl Yūsuf Habīb Ṣadaqa al-Ṣabāḥi (1926-2016)
ترجمة ب. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي

בנימים צדקה (כתב וערך), אוצר הסיפורים העממיים של הישראלים השומרונים. מכון א. ב. ללימודי השומרונות, הרגרזים–חולון, 2021, כרך ב’ עמ’ 413–415.

تعلُّم التوراة في الماضي وفي الحاضر

عندما أنظر اليومَ إلى شباب الطائفة، لا سيّما الأولاد، لا أقدِر ألّا أعود وأدعوهم ”إِوْلاد الدلال/الشوكولاتة“، فكلّ ما يطلبونه يُعطى لهم بلا جِدال. كلّ شيء جاهز لهم. وعادة ينسون أن يقولوا ”شكرًا“، سامحهمُ الله.
صحيح، ثمّة واجبات ملقاةٌ عليهم، لم تكن موجودةً حينما كنّا بجيلهم. نظام التعليم آنذاك اختلف تمامًا، ليس كما اليوم، حيث عبء ثقيل من الفروض البيتيّة ملقًى على التلميذ. ولكن، إن تسألوني لأجبتُ لا شيءَ في العالم حقيق بأن نهمِل شيئًا من تعلّم تقليدنا، وبخاصّة القراءة في توراة الحقّ والحياة، فهي كلّ حياتنا، كلّ أيّامنا على هذه الأرض.
لكن القراءات في التوراة مختلفة. في طفولتنا وشبابنا، كنّا نقرأ في كلّ يوم سبت بعد الظهر، سِفرًا واحدًا أوِ اثنين من أسفار التوراة الخمسة. اليوم، من جهة أُخرى، إذا قرأ الولد نوْبتين أو ثلاثًا تراه يبدأ بالتذمّر، بأنّ ذلك أكثر من اللازم. وهنالك والدون يتأفّفون، ولا يروق لهم الإثقال على أبنائهم بحسب ادّعائهم. في أيّامنا، إذا ضُبط شخص غير مُصغٍ لقراءة آخرَ وانتبه المقرىء، الويل لنا وما حدث لنا كان رهيبًا، أمّا اليوم فيكتفون بالتأنيب الخفيف. المهمّ أن يقرؤوا.
هذا يذكّرني، أنّي في طفولتي وفُتُوّتي تعلّمت القراءة في التوراة، لدى الكاهن تَقي بن توفيق [بن خضر]، الذي كان كاهنًَا أكبر بين السنتين 1982–1984، رحمه الله. كنّا مجموعة غير صغيرة من الأولاد والفتيان، نتعلّم القراءة عنده. مجموعة مشابهة أُخرى كانت تتعلّم القراءة لدى أبي الحسن يعقوب، رحمه الله.

تعليم التوراة بالطريقة القاسية

ذات يوم، توجّه إليّ بعض أصدقائي من المجموعة التي قرأت عند الكاهن أبي الحسن وقالوا لي: ما رأيُك في الانضمام إلينا اليوم للقراءة؟ رفضت في البداية، إذ لم أرغب في إغضاب الكاهن تقي. حرِص كلّ واحد من الكهنة الذين علّموا القراءة على ألّا ينتقل أحدٌ من تلاميذه إلى كاهن آخر. كانت بينهم شِبه منافسة. كلّ واحد منهم اِفتخر بمجتهديه القادرين على قراءة كلّ آيات التوراة بدون أخطاء. توتّر شديدٌ رافق تلك المنافسة. آنذاك، كنتُ ولدًا صغيرًا ولم يكن لديّ أيّ علم بتلك المنافسة بين الكهنة.
بعد أن رجع أصدقائي وألحّوا عليّ بالانضمام إليهم وافقتُ. ذهبنا في ذاك السبت لقراءة التوراة عند الكاهن أبي الحسن. كنتُ واثقًا بأنّ مستواي في القراءة كان جيّدًا جدّا بالمقارنة مع الأولاد الآخرين. اِشتهر الكاهن أبو الحسن بسيرته الطيّبة. لم أخشَ أن أصلَ إلى وضع يستوجب التأنيب على أخطائي. لم أعرف أنّ الكاهن أبا الحسن، الذي أحبّته كلّ الناس، ها هو يسلُك مع من لم يقرأ جيّدًا، بصرامة شديدة جدّا.

عنده، كلّ واحد يجب أن يقرأ بلا أخطاء. لم يكن يتنازل عن أيّة غلطة. لم يميّز بين كبير وصغير، المخطىء نال عقابه حالًا. قال دائمًا لنا إنّ التعليم الجيّدَ يُنجَز بالوسيلة القاسية فقط. إذا أردت الحصول على المعرفة فلا بدَّ من العرَق. إنّ التساهلَ مع التلميذ المخطىء لن يفيد، أمّا الذي يعاقَب على خطأ ارتكبه فسيذكره ولن يكرّرَه. هذه كانت فلسفة القراءة لدى الكاهن أبي الحسن.

ثلاثون جلدةً

جلسنا متربّعين، قعدة شرقيّة، بخطّ أُفقيّ على السجّادة في الغرفة الكبيرة. لا أعرف ماذا حدث لي وعمّا فكّرت في تلك اللحظة. لاحظ الكاهن أبو الحسن بأنّي لا أُصغي (مِشِ مْتَبِّع) بل أنتظر دوري للقراءة. فما كان من الكاهن أن أوقف قراءة صاحبي وأمرني بمواصلة القراءة من ذاك المكان. لكن، كما قلت، لم أُصْغِ؛ حلمتُ. لم أعرف من أين أُواصل. لم يتطوّع أحدٌ من أصدقائي ولو بهمسة. رمقوني بنظرات فرحٍ ببليّتي.
لم ينتظرِ الكاهن أبو الحسن ولو ثانية واحدة. دعا ابنه يوسف، اليوم الكاهن الأكبر1987-1998، أمره بإحضار الهندزه – مسْطرة خشبيّة طويلة بحبل غير طويل [لا وجودَ لهذه الكلمة اليوم لدى السامريّين، كما أبلغني إلكترونيًّا صديقاي، الكاهن عزيز يعقوب النابلسيّ والأمين راضي صدقة الحولونيّ، في بداية العام 2023]. ابنه يوسف، الذي كان وجهه يشّع بالسعادة، قفز مسرعًا من مكانه لتنفيذ أمر أبيه. عرف الجميع ما يجب فعله. تطوّع قارئان آخران لمساعدة الكاهن. ربطوا رجليّ بالحبل، ألقوني على بطني وكفّي قدميّ متّجهتان إلى الأعلى. مهمّة يوسف كانت جلدي ثلاثين مرّة بالمسطرة الخشبيّة، بالهندزة، في حين كان أبوه الكاهن أبو الحسن يعُدّ الجلدات.
لستُ بحاجة لإخبارك، كيف أرعبَ صُراخي كلّ الحيّ السامريّ في نابلس. بعد كلّ جلدة زعقتُ بألم شديد. لاحظت أنّ ابن الكاهن أبي الحسن يشدّد في الجلد. ربّما كان ذلك بمثابة حسن الضيافة المألوفة، لمن لا يتعلّم القراءة عند أبيه. إن كنتم تظنّون أنّ أصدقائي أبدوا رحمة ما، وتعزيتي فأنتم مُخطئون. بالعكس، هم تحلّقوا حولَنا ضاحكين ومُستمتعين بتعذيبي.
عند انتهاء الجلدات، فكّوا رجليّ، جررتُ نفسي على ركبتيّ إلى مكاني. كفّا رجليّ اِزرقّا من الجلْد. لا أدري، حتّى اليوم، كيف تمكّنت من الوصول إلى البيت بعد هذا القصاص. وحال وصولي البيت، انطلقتُ إلى سريري متنهّدًا متأوّهًا، إلى أن ارتحتُ قليلًا.
حرِصت بعد ذلك ألّا أُصغي لإلحاح أصدقائي، للعودة والقراءة لدى الكاهن أبي الحسن. رجعت للقراءة عند الكاهن تقي. إذا ظننتم أنّي ضَغَنتُ على الكاهن أبي الحسن بسبب ما تلقّيت من الجلد، فأنتم مُخطئون مرّة أخرى. اليوم، بنظرة إلى الوراء، فإنّي أشكره على ذلك. لقد تعلّمتٌ بفضْل ألم الجلدات الإصغاءَ للقراءة، ولا سيّما حفظها جيّدًا غيبا. لست متأكدًا من وجود طريقة أفضل للتعليم اليوم. إنّ جروح/آلام تعلّم التوراة عسيرة، إلّا أنّ الغباء أعسرُ منها ألفَ مرّة.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!