في الذكرى 156..الصحافة العراقية وتأريخها المشرق – يحيى
للصحافة العراقية تأريخ مشرف يثبت ان العراق سبق أكثر دول المنطقة في صناعة عالم الصحافة الجميل، وفي تأسيس طريق تزهو به الكلمة الحرة الشريفة .
فالصحافة مهنة لا يمكن تجاهلها أو التقليل من شأنها أبداً، وستبقى في طليعة المهن في الحياة، حتى وإن أحجم الناس عن القراءة أحيانا، لكنها ستبقى مهنة خالدة ذات أهمية كبيرة،رغم وجود بعض الطارئون عليها.
أقول ..تبحث الصحافة عادة في القضايا الشائكة والمنتشرة في المجتمع، وتحاول أن توجّه الأنظار إليها، وإخراجها من دائرة التجاهل، ومن القضايا التي تتحدث فيها الصحافة قضايا البطالة والفساد وكذلك التي تخص الصحة النفسية والجسدية، والقضايا المتعلقة بالغذاء والدواء.
لهذا فإنّ الصحافة تمارس سلطتها على جميع المهن، وتستطيع أن تعبر عن رأي جميع فئات المجتمع، وتوجه لها الأسئلة للحصول على الإجابة الشافية، وهي بهذا تقوم بدورها التاريخي المناط إليها على أكمل وجه.
فالصحفيّ مؤتمن في هذه المهنة، ومهمته الأساسية تتلخص في أن يبحث عن الحقيقة ويُظهرها، ولهذا من واجب الدولة ألّا تسمح لأي أحد بالتأثير على الصحافة والصحفيين والتأثير عليهم، وألّا تفتح مجالا لأيّ أحد بتكميم أفواه الصحفيين كي يعملوا بكلّ ما يملكون من طاقات وإبداع.
اذاً..لابدّ من تغذية الكلمة الحرّة الجريئة ودفعها إلى خضم الأحداث، فوجودها يمثل ركنا أساسيا من أركان بناء الحياة، وعاملا مهما من عوامل النهوض.
فالكلمة الحرة التي تدافع عن مصالح الشعوب، وتقف شامخة في مواجهة الطغيان والتعسف لابد أن تخرج من حاضنة الصحافة، ووفق هذا المفهوم الواضح رسمت الصحافة دورها الريادي في بناء الحياة ، ولعبت دوراً وطنياً في مقارعة الظلم، حتى احتلت السلطة الرابعة بجدارة بعد السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية ، وراحت تشق طريقها وسط العواصف التي إجتاحت المنطقة منذ زمن بعيد، وهي تقدم قوافل الشهداء على طريق ترسيخ المبادئ الديمقراطية التي أصبحت أملاً الجميع .
زمن الصحف الورقية في العصر الحاضر لم ينته بعد، ولن ينتهي قريباً كما يزعم المتشائمون، ولكن على الصحف الورقية أن تجعل لها موقعاً ألكترونيا ويحدث بشكل يومي، ليطل على العالم والقراء بنسخ إلكترونية، اضافة الى النسخ الورقية.
لأن المواقع الالكترونية أصبحت نافذة الصحافة الورقية للقراء.
وثمة مفارقة بالغة الدلالة على حيوية الصحف الورقية وهي ان كثيراً من الصحف التي بدأت بداية إلكترونية فقط، توجهت بعد ذلك إلى الطباعة الورقية، ويبدو ان العلاقة المتبادلة بين الوسيلتين الورقية والرقمية ماضية إلى مزيد من التجسير والتكامل رغم المنافسة الشديدة بينهما.
وتجربة موقع “ويكليكس” دليل آخر على ان الصحافة الورقية ما زالت مؤثرة جدا، رغم كل ما يقال عن سطوة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص، فالوثائق السرية التي نشرها الموقع المذكور اتسع تأثيره كثيراً، بعد لجوء صاحب الموقع جوليان أسانج إلى كبريات المؤسسات الصحفية في جميع دول العالم لنشر ما بحوزته من وثائق في صحفها المطبوعة بشكل ورقي لاسيما في بريطانيا، وقد أحدث هذا النشر ضجة كبرى اهتزت لها الحكومات، خاصة الفاسدة منها.
وهذا دليل آخر على أن الصحافة الرقمية لن تكون بديلاً عن الصحافة الورقية في المستقبل المنظور على الأقل، وان الوقت ما يزال مبكراً للحديث عن اختفاء الصحف المطبوعة قريباً.
لقد استحقت الصحافة العراقية كل الإحترام والتقدير، من خلال تصديها لحالات الفساد، ونقلها لما يدور من مناكفات سياسية، وإختناقات إقتصادية، وأزمات إجتماعية، فكانت الناطقة بلسان الناس، من خلال الأقلام الرائدة التي كشفت الغطاء عن المستور، ورفعت الحجاب عن المخفي ، ودفعت ثمن ذلك كبيراً من أجل أن تكون الحقيقة مهندسة لرسم المستقبل المشرق القائم على احترام الرأي الآخر، واعتماد أسلوب الحوار النزيه، ومقارعة الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان .
نعم..مع كل مرحلة من مراحل تأريخنا، كانت الصحافة تبني عرشها بقوة القائمين عليها، حتى وصلت إلى درجة تقدمت فيها على الكثير من صحافة البلدان التي سبقتها في الدخول إلى الميدان الديمقراطي، ومع كل مرحلة تحصد الصحافة ثمار النجاح، وتحتل مواقع التألق، وتقف على هرم الفوز .
إنّ الذي حققته الصحافة العراقية من نجاحات باهرة جاء ثمرة جهود الأسرة الصحفية العراقية، وهو فوز لجميع الأقلام التي ساهمت في بناء الحياة .
اليوم ..عيد الصحافة العراقية يمثل انتصاراً كبيراً لدم الشهداء الزكية من الصحفيين الذين أريقت دماؤهم على أرض العراق، وهم يؤدون واجبهم من أجل أن تنتصر كلمة الحق، ويعم الأمن والاستقرار ربوع بلادنا .
وفي الختام.. مبارك للصحافة العراقية في عيدهها الـ 156 وأحيي جميع الزملاء الصحفيين والإعلاميين الذين عملوا معنا سابقا، وحالياً، في العراق وفي كل مكان، وأبارك لهم عيدهم.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.