عندما يكون القانون خطراً اجتماعياً في رأي الفيلسوف (بجارن
تعتبر القوانين ضرورية لبناء أي مجتمع منظم وعادل ومستقر، يحمي حقوق أفراده ويعزز رفاهيتهم، ويدفع عنهم الاخطار، والقانون من اهم وسائل حماية المجتمع من الاخطار، فهو وسيلة امان للجميع، لكن يرى احد فلاسفة القانون المعاصرين، ان هذا القانون الذي يحمي من الخطر، هو ايضاً بحاجة الى من يحميه من الخطر لانه قد يتعرض الى خطر خارجي واخر خطر داخلي، ان لحقا به او احدهم فانه سوف يكون هو خطر على المجتمع، وبهذا التحليل والرؤية الفلسفية للفيلسوف الكندي بجارن ملكفيك (Bjarne Melkevik) وهو أستاذ في كلية الحقوق بجامعة لافال في مقاطعة كيبيك الكندية حصل على درجة الدكتوراة في القانون من جامعة باريس الثانية ونشر على نطاق واسع في فلسفة القانون ونظرية المعرفة القانونية، وفي احدى دراساته في فلسفة القانون يصل الى رؤيا بان القانون يشكل خطر على المجتمع اذا ما وظف باعتباره وسيلة للإغواء والاستعباد، لصالح الطبقة التي تتحكم بأمور البلاد واطلق عليها (الاوليغارشية) ويقول ان هذه القوانين تصبح ببساطة (لحن السعادة للأغبياء) وعلى وفق ما ذكره في دراسته الموسومة (تقديم: واقعية نقدية: القانون امامنا) التي نشرت في كتابه الموسوم (نصوص فلسفية قانونية معاصرة، ترجمة الدكتور جورج سعد ، منشورات مكتبة الحلبي الحقوقية طبعة عام 2022، ص11)
ويضيف ملكفيك ان الخطر الأول على القانون هو خطر خارجي ويتمثل في قطع القانون عن جذوره ويضع بين قوسين عبارة (الشعب) فهو يقصد ان القانون الذي يصدر بعيد عن إرادة الشعب فهو خطر على المجتمع لانه مقطوع عن جذوره، ولا يمثل مصالحه، فيؤدي الى حصول النزاع والفوضى أحيانا وضياع الحقوق في اغلب الحالات،
ثم يضيف في ذات الصفحة أعلاه ان الخطر الثاني هو الاجتهاد في التطبيق عندما لا يكون مطابقاً لحاجة المجتمع، او يكون في تمييز بين شخص واخر، من جراء سعة النص وقابليته على التفسير المتعدد الأوجه والتأويل الذي ينعطف به في مهاوي الخطر، فيؤدي الى افساد القانون، ويقول ان الشواهد التاريخية والمعاصرة في معظم الدول وحتى المتقدمة في مجال حقوق الانسان والديمقراطية، حصلت فيها حالات افساد للعدالة وتشويه للمحاكمة العادلة، بسبب هذين الخطرين ويقول (ملكفيك) بان خطورتهما تؤدي الى مساوئ كثيرة وقد وصفها بعبارة وضعها بين قوسين وعلى وفق النص الاتي (“اختطاف العدالة” من اجل استخدامها لأهداف ايدلوجية خاصة باوليغارشية اليسار او اليمين) وعلى وفق ما ورد في الصفحة (10) من الكتاب أعلاه،
لذلك فان إمكانية الحديث عن الحماية التي يؤمنها القانون الذي لحقه العوار سواء الخارجي او الداخلي او كلاهما، تكاد تكون عبث ولا وجود لها ويقول (بان إمكانية الحديث عن القانون تتلاشى، بينما يضيع معنى المحاكمة العادلة او المنصفة، اذا قبل كثير من الناس ان يوضعوا في اقلية او عبودية، تحت سيطرة (الاوليغارشية)، ولا يوجد أي سبب للفرح بوجود القانون)
وحيث ان القانون هو نتاج الفكر الإنساني ولم يقف عند مجتمع دون اخر، فان التفكير الفلسفي تجاه النص القانوني، لا تحده الحدود وانما هو عابر لها، ويمكن ان يكون مشرط لتشريح أي نص في أي منظومة تشريعية، واذا ما وضعنا بعض تشريعاتنا، وعلى وجه الخصوص في الفترة الأخيرة خلال هذه الدورة البرلمانية، تحت مشرط التشريح الفلسفي للقانون سنجد انها تمثل الخطر على الحقوق وليس وسيلة الحماية لها، ومن الأمثلة على ذلك قانون العفو العام وقانون تعديل قانون الأحوال الشخصية، فانهما قد مثلا الخطر بعينه عندما أتاح قانون العفو العام الفرصة للفاسدين وسراق المال العام من الإفلات من العقاب، وعدم تحقيق الغاية من تشريعه في انصاف من يستحقون الانصاف، مما دعا الإدارة القضائية الى تكثيف المعالجة لتدارك النقص والانحراف في التشريع قدر الإمكان مع انها لم تتمكن من معالجة أوضاع الفاسدين لان النص القانوني وكانه كان مصمم لحمايتهم، وكذلك في قانون الأحوال الشخصية الذي وضع القضاء في حرج الاجتهاد المتباين، وخلق الاضطراب الاسري وتأثيره على الامن الاجتماعي.
قاضٍ متقاعد
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.