طبيعة الارتقاء السوبر خلاّقة – حسن عجمي
على النقيض من نظرية داروين، تؤكِّد البيولوجيا السوبر خلاّقة على سيادة الارتقاء السوبر خلاّق القائم على انتقاء الصفات والقدرات البيولوجية الأنجح في إعادة إنتاج المحيط الطبيعي و تحويله بما يناسب استمرارية تطوّر الكائنات الحيّة والبيولوجية. بينما تصرّ نظرية داروين على وجود الانتقاء الطبيعي الكامن في اختيار الصفات والقدرات البيولوجية الأنجح في التكيّف مع المحيط الطبيعي، تقول فرضية الارتقاء السوبر خلاّق إنَّ الكائنات الحيّة والبيولوجية تُنتِج محيطها الطبيعي بدلاً من أن تكون وظيفتها أن تتكيّف مع محيطها الطبيعي. وبذلك الكائنات الحيّة والبيولوجية غير مُحدَّدة مُسبَقاً بمحيطها الطبيعي و غير مُحدَّدة سلفاً بوظيفة التكيّف مع محيطها الطبيعي بل الكائنات الحيّة والبيولوجية تُعيد إنتاج المحيط الطبيعي و تحوّله بما يضمن التطوّر المستمر. من هنا، الكائنات الحيّة والبيولوجية فعّالة بدلاً من أن تكون منفعلة مما يشير إلى أنها كائنات سوبر خلاّقة. فالكائنات الحيّة والبيولوجية تُنتِج محيطها الطبيعي بما يناسب استمرارية تطوّرها مما يضمن و يُفسِّر استدامة تطوّر تلك الكائنات. إن كانت الوظيفة الأساسية للكائنات الحيّة والبيولوجية أن تتكيّف مع محيطها الطبيعي فحينئذٍ لن توجد آلية من خلالها سوف يستمر تطوّر تلك الكائنات بل سوف تكتفي بالتكيّف مع محيطها الطبيعي و حينها لن يستمر تطوّرها. لذلك الكائنات الحيّة والبيولوجية مُنتِجة لمحيطها الطبيعي بما يناسب تطوّرها الدائم مما يُفسِّر استمرارية تطوّرها.
نقيض نظرية داروين
بالنسبة إلى نظرية داروين، الكائنات الحيّة والبيولوجية تتطوّر من جراء الانتقاء الطبيعي الذي يختار لها الصفات والقدرات الأنجح في التكيّف مع المحيط الطبيعي [1]. لكن فرضية الارتقاء السوبر خلاّق تناقض نظرية داروين لأنها تؤكِّد على أنَّ الكائنات الحيّة والبيولوجية تتطوّر من جراء الارتقاء السوبر خلاّق الكامن في انتقاء الصفات والقدرات الأنجح في إعادة إنتاج و تحويل المحيط الطبيعي بما يناسب استمرارية تطوّر الأحياء. وبذلك، بالنسبة إلى فرضية الارتقاء السوبر خلاّق، الكائنات الحيّة والبيولوجية تصنع محيطها الطبيعي بدلاً من أن تكون نتائج محيطها الطبيعي. و هذا نقيض نظرية داروين. و مثلٌ على أنَّ الكائنات الحيّة والبيولوجية تصنع محيطها الطبيعي هو التالي: الأشجار تُنتِج الأوكسجين فتُغيِّر مناخ الأرض فتضاريسها. و بذلك الأشجار ككائنات حيّة تُنتِج محيطها الطبيعي مما يدلّ على أنها فعّالة في إنتاج الطبيعة و بهذا المعنى هي سوبر خلاّقة.
الجينات نفسها بنتائج مختلفة
أثبت الاكتشاف العلمي بأنَّ الجينات نفسها تؤدي إلى نتائج مختلفة أي تؤدي إلى صفات بيولوجية مختلفة [2] . هذا يدلّ على أنَّ الجينات ليست معلومات متوارثة تُحدِّد صفات الكائن الحيّ بل الجينات برامج سوبر خلاّقة كبرنامج إنتاج الصفات الأنجح في تحقيق استمرارية البقاء والتطوّر. بكلامٍ آخر، الجينات نفسها لا تؤدي إلى النتائج نفسها لأنَّ الجينات ليست معلومات متوارثة مُحدَّدة مُسبَقاً بل الجينات برامج سوبر خلاّقة في إنناج الصفات والقدرات الأنجح في تحقيق تطوّر الأحياء و ما يتضمن ذلك من إنتاج للمحيط الطبيعي بما يضمن استمرارية تطوّر الأحياء. إن كانت الجينات معلومات متوارثة مُحدَّدة سلفاً فحينئذٍ لا بدّ أن تؤدي الجينات نفسها إلى النتائج نفسها. ولكن الجينات نفسها لا تؤدي إلى النتائج نفسها. وبذلك الجينات ليست معلومات متوارثة مُحدَّدة سلفاً بل هي برامج سوبر خلاّقة قادرة على إنتاج الجديد من الصفات والقدرات كضمانات للبقاء والتطوّر.
الجينات برامج سوبر خلاّقة
يعتبر النموذج العلمي السائد في العلوم البيولوجية أنَّ الجينات معلومات متوارثة بفضلها تتكوّن صفات الحيّ و قدراته [3] . لكن البيولوجيا السوبر خلاّقة تناقض النموذج السائد فتُقدِّم فرضية جديدة من خلال تأكيدها على أنَّ الجينات برامج سوبر خلاّقة في إنتاج الارتقاء السوبر خلاّق الكامن في صناعة الصفات والقدرات الأنجح في البقاء والتطوّر. هذا يعني أنَّ الجينات سوبر خلاّقة من جراء أنها مُنتِجة للصفات والقدرات الأنجح في تطوير الكائنات الحيّة و تغيير المحيط الطبيعي بما يناسب تطوّر الكائنات الحيّة بدلاً من أن تكون الجينات معلومات مُحدَّدة مُسبَقاً. الجينات برامج سوبر خلاّقة كبرنامج الانتقاء السوبر خلاّق الذي ينتقي الصفات والقدرات الأنجح في تحقيق تطوّر الكائنات الحيّة فيُحتِّم إعادة تشكيل أو تحويل المحيط الطبيعي بما يناسب تطوّر الأحياء. وبذلك الجينات فعّالة بدلاً من أن تكون منفعلة لأنها تُنتِج الصفات والقدرات الأنجح في عملية التطوّر بدلاً من أن تكون معلومات متوارثة مُحدَّدة سلفاً. من هذا المنطلق، صفات الحيّ و قدراته تتكوّن على ضوء برامج سوبر خلاّقة كبرنامج إنتاج الصفات والقدرات الأنجح في استمرارية التطوّر.
بالإضافة إلى ذلك، و من منظور فرضية الارتقاء السوبر خلاّق، الجينات تصنع المعلومات بدلاً من أن تكون نتائج معلومات متوارثة. و بما أنَّ الجينات تصنع المعلومات، إذن قد تُنتِج معلومات مختلفة عما تنتجه عادةً مما يفسِّر نشوء التحوّل الجيني على ضوء المعلومات المتغيّرة. بكلامٍ آخر، بما أنَّ الجينات برامج سوبر خلاّقة بينما هذه البرامج غير مُحدَّدة سلفاً، إذن قد تتغيّر هذه البرامج مما يؤدي إلى التحوّل الجيني. هكذا تنجح فرضية الارتقاء السوبر خلاّق في تفسير قابلية الجينات للتحوّل. ولكن إن لم تكن الجينات معلومات متوارثة، فلماذا الأبناء يشبهون آباءهم؟ بالنسبة إلى البيولوجيا السوبر خلاّقة، الأبناء يشبهون آباءهم وأجدادهم من جراء أنَّ من برامج الجينات السوبر خلاّقة برنامج إنتاج أبناء يشبهون آباءهم وأجدادهم لأنَّ آباءهم وأجدادهم نجحوا في البقاء على قيد الحياة وإنجاب أبناء لهم. هكذا تنجح فرضية الجينات السوبر خلاّقة في تفسير الشبه بين الأبناء والآباء مما يتضمن عدم ضرورة اعتبار الجينات معلومات متوارثة مُحدَّدة مُسبَقاً.
فرضية علمية
فرضية الارتقاء السوبر خلاّق فرضية علمية لأنها قابلة للاختبار. بما أنَّ، بالنسبة إلى فرضية الارتقاء السوبر خلاّق، الكائنات الحيّة والبيولوجية تُنتِج محيطها الطبيعي من جراء طبيعتها السوبر خلاّقة بدلاً من أن تكون صفاتها و قدراتها نتائج محيطها الطبيعي، إذن تتنبأ هذه الفرضية بأنَّ التغيّر أو التحوّل الجيني والبيولوجي يأتي أولاً و من ثمّ ينشأ التغيّر في المحيط الطبيعي (كنتيجة للتحوّل الجيني والبيولوجي الذي يُسبِّب تحوّلاً فيما تُنتِج الكائنات الحيّة والبيولوجية فيؤثِّر على تشكيل المحيط الطبيعي). إذا صدق هذا التنبؤ، صدقت فرضية الارتقاء السوبر خلاّق. و إذا كذب هذا التنبؤ، كذبت فرضية الارتقاء السوبر خلاّق. وبذلك فرضية الارتقاء السوبر خلاّق قابلة للاختبار مما يدلّ على أنها فرضية علمية.
الإنسانوية و الطبيعة كظاهرة مستقبلية
من منطلق فرضية الارتقاء السوبر خلاّق، الأحياء يُنتِجون الطبيعة بدلاً من أن يكونوا نتائج لها. من هنا، نحن مَن نصنع الطبيعة بدلاً من أن تصنعنا. وبذلك الطبيعة ظاهرة مستقبلية معتمدة على كيفية إنتاجنا لها. هكذا الكائنات الحيّة كافة سوبر خلاّقة في إنتاج الطبيعة. و لذا الإنسان ككائن حيّ مسؤول عن استدامة ازدهار الطبيعة و تطوّرها مما يدلّ على أنَّ فرضية الارتقاء السوبر خلاّق تؤدي إلى الإنسانوية الكامنة في الحفاظ على الطبيعة و كلّ الكائنات الحيّة و تطويرها. يكمن التطوّر السوبر خلاّق في صياغة الطبيعة بأفضل الأشكال والمضامين والحفاظ على الطبيعة و كلّ الكائنات الحيّة و تطويرها المستدام. و هذا أيضاً مضمون السوبر إنسانوية الكبرى. هكذا فرضية الارتقاء السوبر خلاّق هي أيضاً فرضية إنسانوية بامتياز.
المراجع
[1] Charles Darwin: The Origin of Species. 1984. Random House. [2] Brian Thomas: Genetic Expression: Same Genes Can Produce Different Results. 2008. ICR (The Institute for Creation Research). [3] Sarah Adelaide Crawford: The Gene Book: Explorations in the Code of Life. 2018. Cognella Academic Publishing.الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.