آراء متنوعة

ضابط الركن العراقي… المعادلة التي لا يفهمها

اللواء الركن ضرغام زهير الخفاجي
كاتب وباحث في قضايا الأمن الإقليمي
خبير في شؤون الدفاع والتدريب والعلاقات الدولية

في زمن الانحطاط الأكاديمي والانفلات الأخلاقي لم يعد مستغربًا أن ترى الجاهل يعتلي المنابر والمزوِّر يوزِّع شهادات وهمية والجاهل يتحدث في الشأن العسكري وكأنه مونتغمري أو رومل … وهو بالكاد يعرف الفرق بين المدفع والبندقية!
تطفو على سطح المشهد كائنات هجينة تحمل شهاداتٍ ضحلة اشتُريت من دهاليز ضواحي مدن رخيصة أو من جامعات وهمية لا تاريخ لها ولا اعتراف و لا تسلسل ولا مكانة. ثم يتجرأ هؤلاء وبكل وقاحة وجهلٍ متخم على مقارنة أنفسهم بضباط الركن العراقيين.

نعم يقارنون أنفسهم بمن تخرّج من أعرق كلية أركان في الشرق الأوسط الكلية التي ظلت شامخة رغم كل ما أصاب التعليم من فساد تُخرّج ضباطًا لا تُقاس قيمتهم بالألقاب بل بالتخطيط لا بالشهادات الورقية بل بتقدير الموقف وتدقيق الركن لا بالظهور الإعلامي بل بإصدار الأوامر وقت الشدة وتحت القصف.
ضابط الركن العراقي يتقن القراءة ما بين السطور وسبر أغوار النصوص وأحكام النهايات السائبة والكتابة بلغة العقول لا لغة الزيف يعرف كيف يُصدر أوامر مختلفة في أصعب الظروف وبكل دقة ويعرف كيف يُنجز “تقدير موقف عملياتي” أمام خريطة معركة وتحت نيران المدفعية والطائرات لا أمام شاشة البوبجي و تحت التبريد و يعرف كيف يحلِّل ويخطط ويبني. يُدرَّس في كراسات ومحاضرات كلية الأركان العراقية لا يقتبس من غوغل ويضع اسمه تحت النصوص المسروقة.

ضابط الركن… بين صناعة العقول وادعاء الجهلة
أما الجاهل و المزوِّر فيجهل حتى كتابة سيرته الذاتية ويظن أن “كتابة الخدمة” نوعٌ من الرسائل الغرامية ويسأل بكل بلادة و وقاحة كيف لضابط ركن أن يكتب مقالًا لغويًا محكمًا؟
وكيف يجيد اللغة العربية؟ وكيف له أن يُحسن التعبير والتحليل؟
ونجيبه: لأنك لم تفهم يومًا أن المدارس الحقيقية تصنع العقول لا تُباع في الأكشاك.
هل تظن أن من اشترى شهادته بثمن قنينة خمر قادرٌ على فهم فلسفة “واجبات الأركان” أو “المفهوم الاستراتيجي” أو “تحليل البيئة العملياتية”؟
هل تعتقد أن من قضى عمره في خداع نفسه وشراء ذمم مُدرّسيه يمكنه أن يوازي من قضى سنين بين جدران كلية الدفاع الوطني وكلية الحرب ومنشآت التدريب والدورات المشتركة مع الجيوش العالمية الكبرى؟
إنك تُقارن الضابط المدرَّب تدريبًا راقيًا بالجاهل الذي بالكاد أنهى تعليمه الابتدائي.
تُقارن من خدم في الميدان ووقف في وجه النار ويعلم صفحات المعركة كيف تدار وما يتخللها من موت ودمار وخسائر بمن قضى حياته في لعبة “بلي ستيشن” وشهادات مزوَّرة وبدلات مشدودة على أجساد خاوية بخمسين ألف دينار.
وللأسف في هذا الزمن المرتبك سمح لهؤلاء الورقيين أن يعتلوا المنصات تحت لافتات وألقاب علمية وهمية وهم لا يعرفون معنى الاستراتيجية والأمن ولا يجيدون إلا فتح الأبواب.
نقولها بلا تردد ولا مداراة:
ضابط الركن العراقي هو موسوعة تتحرك وعقل محترف بُني على سنوات من الانضباط والتحليل والقراءة والتخطيط.
أما الجاهل؟
فهو مجرد ملف حفظ ملفق مليء بالسرقات .
الفرق واضح وصارخ:
كالفرق بين قلمٍ يكتب التاريخ وقلمٍ يزوِّر الأسماء.
كالفرق بين رجل دولة ومُهرّج شاشة.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!