مقالات دينية

دراســة فـي ســفــر يــونـــان

الكاتب: مشرف المنتدى الديني
                                     دراســة فـي ســفــر يــونـــان
مقدمة:
يعتبر سفر يونان سفر العناية الألهية. فالله يستخدم وسائل لا يفهمها العقل البشري من أجل العناية بأولاده. مثلا في سفر يونان الله يستخدم الرياح ويكاد يحطّم السفينة ليس من أجل أذية الموجودين بل من أجل خلاص يونان والذين في السفينة . وأيضا الله استخدم الحوت من أجل توبة يونان. فأول درس نخرج به أنه لا توجد في حياة الأنسان صدفة , فكل ما يصيب الأنسان هو في يد الله لخير الأنسان. لأن ( كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله ) رو 8: 28 . يعني لو وضعنا في صحن طحين وفي صحن أخر بيض وفي آخر سكّر وفي آخر كاكاو. وطُلِب منـّا أن نتذوق كل صحن لوحده. فليس هناك أي طعم للطحين وحده ولا البيض وحده ولا الكاكاو وحده. ولكن لو خلطنا كل هذه المواد ووضعناها في الفرن ( الألم ) لخرجنا بأكلة كيك لذيذة. والدرس الثاني في سفر يونان هو توقيت الله – المكان والزمان – وسنرى بالتفصيل عن هذه العناية الألهية من خلال دراستنا للسفر.
نحن نعلم أن يونان هو من كتب هذا السفر ولكن من هو يونان هذا ؟ لو رجعنا الى سفر الملوك الثاني : 14 والأية 25 نرى أن يونان تنبأ في وقت الملك يربعام ابن يوأش. حيث قال للملك يربعام أنك ستسترّد الأراضي التي فُقِدت من حماه الى بحر العربة . وفعلا تحققت النبؤة ورجعت الأراضي. ولكن عندما طلب الله من يونان أن يذهب الى نينوى لم يتقبّل الأمر لماذا ؟ السبب هو أن الله اختار شعب اس*رائ*يل ليكونوا شعب الله. وعندما يذهب يونان الى شعب نينوى ( الوثني ) كي يخلـّصهم من شرورهم, فهم يونان ان الله غاضب على شعبه اس*رائ*يل ويريد ان يستبدله بشعب أخر. فحزن يونان لهذا الأمر وأمتنع عن الذهاب.
ما هو بلد يونان ؟ ايضا يخبرنا الكتاب المقدس في سفر الملوك الثاني 14: 25 أنه من بلدة ( جتّ حافر ) . والتقليد اليهودي يقول أن يونان هو ابن أرملة صرفة صيدا الذي أقامه النبي ايليا من الموت.
أهمية سفر يونان : أولا: يتميز سفر يونان أنه السفر الوحيد في العهد القديم يحمل الكرازة للأمم. ثانيا: في هذا السفر يظهر رحمة الله وعدله. رحمته لأنه أرسل يونان الى نينوى من اجل خلاصها, وعدله أن بعد ذلك نجد نينوى عادت الى شرّها فأرسل لها النبي ناحوم ليتنبأ عن خراب نينوى. وأن نينوى كانت محاطة بسور عظيم ولكن كان نهر دجلة يمر من وسطها. فعندما جاء ناحوم حوّل مجرى النهر ودخل الى المدينة من مكان النهر وحرقها بالكامل. ثالثا: من أهمية سفر يونان ايضا أن شعب اس*رائ*يل يقرأون هذا السفر في يوم الكفارة عندما يدخل الكاهن مرة واحدة في السنة الى قدس الأقداس ليقدّم ذبيحة عن كل خطايا الشعب. لأن الأسرائيليون اليوم يقولون اذا كان الله رحم شعب نينوى الوثني لأنهم تابوا فكيف لا يرحمنا ونحن شعبه. رابعا: من اهمية سفر يونان انه سفر نبوي ( أي مصنّف ضمن الأسفار النبوية ) رغم عدم وجود اي نبؤة فيه لأنه قصة مثل سفر أستير. ولكن اٌعتُبِر سفر نبوي لأن المسيح أتـّخذ يونان مثالا له ( كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالي, هكذا يكون ابن الأنسان ايضا في جوف القبر ثلاثة أيام وثلاث ليالي). اذا لم يتنبأ يونان في سفره ولكن هو اصبح بنفسه نبوءة.
 
الأصحاح الأول : تــمــّرد يــونــان
( صار قول الرب الى يونان ابن أمتاي) … عندما يأتينا صوت الرب هل نستجيب أم نرفض ؟
أن كلمة يونان معناها – حمامة – وهذا يذكرنا بحمامة نوح عندما أرسلها أول مرة ورجعت . فهي استجابت لطلب نوح. وأرسلها للمرة الثانية فرجعت ومعها غصن زيتون. فهناك اوجه شبه وتناقض بين حمامة نوح ويونان – الحمامة. حمامة نوح سمعت من أول مرة وذهبت أما يونان لم يسمع كلام الرب من اول مرة. فأرسله مرة ثانية . حمامة نوح ويونان في المرة الأولى لذهابهما لم يرجعا بشيء ولكن في المرة الثانية حمامة نوح رجعت بغصن زيتون وهو علامة السلام ويونان رجع بتوبة اهل نينوى.
نرى ان الحيوان ( الحمامة ) استجابت لكلام الله في المرتين , أما يونان ( الحمامة ) رفض في المرة الأولى واستجاب في المرة الثانية. فنرى ان الخليقة كلها تخضع لله ما عدا الأنسان والذي هو تاج الخليقة.
ويونان هو ابن أمتاي – أمتاي معناها ( حقـّي أو أمانتي ) . فعندما نسمع كلام الرب جميعنا نصبح يونان ابن أمتاي ( أي حمامة وتمسّك بالحق والأمانة لله ).
– ( قائلا قم اذهب الى نينوى ) – كانت نينوى عاصمة آشور آنذاك – وهي مدينة الموصل حاليا في العراق . والذي بنى نينوى هو ( نمرود ) كما مذكور في سفر التكوين . كانت نينوى مدينة عظيمة أولا لأنها عاصمة الأمبراطورية الآشورية وثانيا عظيمة في مساحتها – محيطها ما يقارب 77 كيلومتر. وثالثا عدد سكانها 12 ربوة – والربوة هي عشرة الاف – يعني عدد نفوسها اكثر من 120000 شخص, وفي ذلك الوقت يعتبر هذا الرقم كبير جدا. ورابعا عظيمة في خيراتها. وعرفنا ذلك من سفر ناحوم – انهبوا فضة , انهبوا ذهبا , فلا نهاية للتحف وكل متاع .
– ( لأنه قد صعد شرّهم أمامي ) . اذا بمقاييس العالم نينوى عظيمة , لكن بمقاييس الله فهي مدينة شرّيرة . قال يسوع عن يوحنا المعمدان أنه أعظم مواليد النساء . فأين عظمته ؟ عندما عاش في البرية وكان يلبس وبر الأبل ويأكل جراد وعسل برّي . ووظيفته صوت صارخ في البرية. فالعظيم في عين الله مثلما قال المسيح ( من أراد ان يكون فيكم عظيما يكون خادم الكل ).
( صعد شرّهم ) اي كثر وازداد ولكن الله بصبره وطول أناته عليهم ولكثرة رحمته أرسل لهم يونان لعلـّهم يتوبوا. هنا يظهر رحمة الله وعدله . والله قبل ان يعاقب يُرسل تحذيره. فمتى ذهب يونان ليحذّر نينوى؟ ذهب يونان سنة 759 قبل الميلاد , ونينوى عاصمة آشور سبت مملكة الشمال سنة 722 قبل الميلاد . يعني بعد 37 سنة من ذهاب يونان اصبحت نينوى بهذه العظمة. وخربت نينوى سنة 612 قبل الميلاد . يعني بعد 110 سنة من عظمتها . يعني جاء خراب نينوى بعد 147 سنة من ذهاب يونان اليها . في حين قال يسوع ( ان رجال نينوى سيقومون ويدينون لأنهم تابوا بمناداة يونان ). اذا الناس الذين تابوا في وقت يونان هم الذين سيقومون ويدينون . ولكن بعد 147 سنة جاء ناس اشرار في نينوى وتنبأ لهم ناحوم بخراب نينوى . وعندما طلب الله الى يونان ان يذهب الى نينوى كانت هناك عداوة شديدة بين نينوى وأسرائيل . فأرسل الله النبي يونان الى نينوى وهم شعب وثني . فهذا الطلب من الله كان غريبا بعض الشيء. ونعرف من الكتاب المقدس ان الله طلب من بعض الأنبياء طلبات غريبة – مثلا طلب من النبي اشعياء ان يمشي حافيا ثلاث سنوات . وطلب من النبي هوشع ان يتزوج زانية . ولكن لكل واحد منهم اراد ان يوصل رسالة الى الشعب.
– ( فقام يونان ليهرب الى ترشيش من وجه الرب ) . العجيب ان يونان هو نبي الرب ويعرف انه من المستحيل الهروب من وجه الرب . كما فعل آدم بعد أن أكل من التفاحة وهرب وأختبأ من وجه الرب. اذا الخطية تجعل الأنسان يتصرف بحماقة. قد يجوز يونان فكـّر في أمرين: الأول, ان الله أمره أن يذهب الى نينوى التي هي بالشرق وهو ذهب الى ترشيش التي هي في الغرب. وقد يجوز أن يونان فكّر أن بذهابه الى أقصى الغرب تنتهي مهلة الأربعين يوم التي اعطاها الرب لشعب نينوى. الثاني , قد يجوز يُرسل الله شخصا آخر الى نينوى بدلا من يونان.
لنعود الى معاني الأسماء في سفر يونان . يونان ترك نينوى وذهب الى ترشيش . نينوى معناها ( الذرية الباقية ) أو ( النسل المقدّس ) وترشيش معناها ( قاسية ). فالله طلب من يونان الذهاب الى ( النسل المقدس ) وهو ذهب الى ( قاسية ). فلهذا قال الكتاب المقدس ( أن المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة ). فالله دائما يطلب منّا أن نذهب الى ( النسل المقدس ) ونحن نختار ( النسل القاسي ) .
– ( فنزل الى يافا ووجد سفينة ذاهبة الى ترشيش, فدفع اُجرتها ). من المعروف ان تدفع الأجرة بعد ان تصل غايتك. لكن يونان دفع الأجرة مقدما. وهكذا نحن مع الخطية دائما ندفع الثمن مقدما. مثلما دفع أدم وحواء ثمن خطيئتهما. وايضا في قصة الأبن الضال يقول الكتاب – انه أنفق كل ما يملك وبالأخير لم يعطه أحد حتى الخرنوب التي كانت تأكله الخنازير. وايضا يخبرنا الكتاب أن كل سفن ترشيش تكسّرت. في سفر الملوك الأول 22 : 48 يحكي عن ملك من ملوك يهوذا اسمه يهوشافاط سمع ان هناك ذهب في ترشيش فصنع اسطولا بحريا ليجلب الذهب من ترشيش . ويقول الكتاب ان السفن تكسّرت ولم تصل الى ترشيش. وايضا في مز 48: 7 يقول ( بريح شرقية تُكسّر سفن ترشيش ).
عندما نفسّر الكتاب المقدس بصورة رمزية نلاحظ انه في كل الأماكن يذكر ان سفن ترشيش تتكسّر. اذا من يحاول الذهاب الى ترشيش ( القساوة ) يجب ان ينكسر , مهذا المعنى الذي يريد الله ان يوصله لنا. والكتاب يقول ( إن سمعتم صوته اليوم فلا تُقسّوا قلوبكم ).
فالسؤال لماذا رفض يونان الذهاب الى نينوى ؟ الحقيقة ان يونان هو من شعب الله ويعرف من الكتب المقدسة أن الله لم يرسل نبيّا الى الشعوب الوثنية . وعندما يطلب الله اليوم لنبي من شعب الله الذهاب الى الشعوب الوثنية , يعني أن الله قد رفض شعبه وسيختار شعب وثني بدلا منهم . فيونان لم يقبلها على نفسه ان يكون هو الرسول لهذا الشعب. ( فنزل الى يافا ) . في بداية الأصحاح قال الله ليونان ( قم ) وأذهب الى نينوى, أما يونان ( فنزل ) الى يافا. الله يريدنا ان نرتفع ونقوم ولكن مع الأسف نحن دائما ( ننزل ) فالرسول بولس قال في رسالته للعبرانيين ( كان ينبغي بسبب طول الزمان ان تكونوا معلمين . ولكن سقيتكم لبنا لا طعاما ).
يافا هي ميناء في اس*رائ*يل ومعناها ( الجميل ) . الله يريدنا ان نتقدّس ولكننا نختار ما هو ( جميل ) في نظرنا . وهذا هو اول الطريق للسقوط ونحن نتجه الى ترشيش. فيونان نزل الى يافا هربا من الذهاب ليبشر الأمم. ونرى بعد ذلك اختار الله يافا نقطة انطلاق لتبشير الأمم. كما في سفر أعمال الرسل الأصحاح العاشر يقول أن سمعان بطرس نزل الى يافا عند سمعان الدباغ الذي بيته عند البحر. وطلب بطرس ان يجهزوا له ليأكل وصعد هو الى السطح ليصلي وجاءته الرؤيا ان ملاءة نزلت من السماء وعليها كل انواع الحيوانات والطيور وقال له الله قم اذبح وكل وتكررت الرؤيا ثلاث مرات.  وجاءه اربعة رجال من عند كرنيليوس يطلبونه للذهاب معهم . فقام وذهب معهم الى كرنيليوس فآمنوا وعمذهم وحلّ الروح القدس عليهم.  ولحد الأصحاح العاشر لا يوجد شخص اممي في الكنيسة .
– ( فأرسل الرب ريحا شديدة الى البحر فحدث نوء عظيم في البحر حتى كادت السفينة ان تنكسر. فخاف الملاحون وصرخوا كل واحد الى الى الهه, وطرحوا الأمتعة التي في السفينة الى البحر ليخففوا عنهم. وأما يونان فكان قد نزل الى جوف السفينة وأضطجع ونام نوما ثقيلا ). في البداية أرسل الله يونان الى نينوى فهل سمع يونان لله؟ كلا . ولكن من الذي سمع كلام الله . نلاحظ في الأية 4 ان الله ( أرسل ريحا شديدة الى البحر ) . نعرف أن الأنسان المخلوق على صورة الله ومثاله هو الذي يتمرّد ويعصي الله بينما الطبيعة الجامدة غير العاقلة هي التي تطيع امر الله. وكما في مز 35 يقول ان الله يحفظ الريح في خزائنه . وايضا في مز 48 يقول – الريح العاصفة الصانعة كلمته . وفي سفر الأمثال يقول ( اذهب الى النملة وتعلّم ايها الكسلان ). لأن بعد سقوط الأنسان في الخطية الله يوصي الأنسان ان يتعلم من الحيوان . فماذا حصل بعد ان ارسل الله ريحا شديدة الى البحر , يقول ( فحدث نوء عظيم في البحر ). كل الذين يعملون في البحر يعرفون الأوقات التي يحدث فيها النوء والعلامات التي تؤدي الى النوء واتجاهها ومواسمها .
( حتى كادت السفينة ان تنكسر ) . عرفنا مسبقا ان كل سفن ترشيش كانت تتكسّر . لكن هذه السفينة لم تتكسّر لأن الله كانت لديه خطة لأنقاذ البحارة وارسال يونان الى نينوى في مهمته. فالدرس الروحي الذي نخرج به الآن هو طريقة اللطف في تعامل الله مع يونان في طلبه للذهاب الى نينوى ولكن عند هروب يونان كان لابد للرب ان يستخدم طرق اخرى لأرجاع يونان الى طريق الرب فأستخدم الرب البحر والريح لمعاقبته. فنحن بتصرفاتنا نجعل الله يستخدم اساليبه في معاقبتنا لتنبيهنا . فلهذا قال الرسول بطرس ( تواضعوا تحت يد الله القوية ). وايضا يقول ( الذي يحبّه الرب يؤدبه ).  
( فخاف الملاّحون, وصرخوا كل واحد الى الهه). فالذي يعبد الشمس صرخ الى الشمس والذي يعبد البقر صرخ الى البقر والذي يعبد النار صرخ الى النار . فالخوف يقودنا الى الصلاة كما قال الرسول يعقوب ( ان كان على احد مشقّات فليصلّي ). ونلاحظ انه في وقت الضيق نصلي بحرارة أما في وقت الراحة نصلي بفتور. الذين يعبدون الأوثان صرخوا الى آلهتهم أما الذي يعبد الأله الحقيقي كان نائما. ونرى أن البحارة أول شيء عملوه ( خافوا ) وثانيا ( صلّوا ) وثالثا ( عملوا ) فألقوا أمتعتهم في البحر . فهذه نقطة مهمة جدا , فالصلاة لا تمنع الأنسان من ان يعمل. والله لم يلغي دور الأنسان , فالمهم أن تطلب من الله وتعمل واجباتك. وفي رسالة يعقوب يقول ( ايمان بدون أعمال ميّت ). يعني لو كان عندي امتحان وقضيت وقتي في الصلاة من أجل الأمتحان فهل سأنجح ؟ . في حين ان من واجباتي ان ادرس واصلّي للرب ليساعدني.
( فطرحوا الأمتعة التي في السفينة ليخففوا عنهم ). السفينة تمثّل رحلة حياتنا في هذا العالم وننتقل من شاطيء الحياة الى شاطيء الملكوت. وفي الطريق تصادفنا رياح شديدة ( تجارب او ضيقات ) . فما الذي يُثقـّل السفينة ( المال – الشهادات – الممتلكات ) فحتى نخفف عن سفينة حياتنا يجب ان نلقي بأحمالنا وأثقالنا . فمثلا الذين يتسلقون الجبال لا يأخذون معهم الا ما يحتاجونه فقط لأنهم لا يستطيعون ان يزيدوا من أثقالهم لأنها ستعيقهم في الطريق. فلهذا قال الرسول بولس ( لنطرح عنّا كل ثقل والخطية المحيطة بنا ) وهكذا قال الرب يسوع ( احترزوا لئلا تُثقّل قلوبكم في خمار وسكر وهموم الحياة ).
( أما يونان فكان نزل الى جوف السفينة واضطجع ونام نوما ثقيلا. فجاء اليه رئيس النوتية وقال له: ” مالك نائما ؟ قم واصرخ الى الهك عسى ان يفتكر الأله فينا فلا نهلك ” . وقال بعضهم لبعض ” هلمّ نلقي قرعاً لنعرف بسبب من هذه البليّة”. فألقوا قرعاً , فوقعت القرعة على يونان ). كان الوقت وقت موت وهلاك والكل يصرخ الى الهه أما يونان فكان نائما وهاربا من وجه الله. واذا قارنّا نفس الموقف الذي حصل ليونان بالموقف الذي حصل لبولس في سفر اعمال الرسل. الأثنين كانوا في مركب , والأثنين هاج البحر عليهما , والأثنين في حكم الموت. قال بولس ( لم نرى الشمس اربعة عشر يوما , فسلّمنا فصرنا نُحمل ). فلنقارن بين الأثنين – يونان كان نائما وبولس كان يصلي وقال ( لقد وقف بي هذه الليلة ملاك الأله الذي اعبده وقال لي لا تخف يا بولس فقد وهبك الله جميع الأنفس التي بالسفينة ). فكان بولس سبب بركة لركاب السفينة الذين عددهم 176 . ففي كثير من الأحيان تكون الأحداث حولنا ملتهبة ونحن في غفلة منها كما كان يونان عندما كادت السفينة تنكسر وهو نائم نوما ثقيلا . نلاحظ الأنحدار الذي انحدر به يونان : اول انحدار هو نزل الى يافا , وثاني انحدار ( وجد سفينة ونزل فيها ) , ثالث انحدار ( نزل الى خوف السفينة ) , وسنرى في الأصحاح الثاني الأنحدار الرابع بعد ان رموه في البحر وابتلعه الحوت وهو يقول ( نزلت الى أسافل الجبال ). وقد يجوز ان نفسّر نوم يونان بطريقة اخرى , وهو ان اولاد الله رغم الضيقات والأزمات فهم يتمتعون بسلام عظيم ( سلام الله الذي يفوق كل عقل ). وطبعا هذا لا ينطبق على يونان . ولكن مثال على ذلك عندما وضعوا بطرس بالسجن بين اربعة ارابع من العسكر وكان هيرودس مزمع ان يقدمه للذبح بعد العيد وليس له مجال للخلاص لأنه قبل العيد هيرودس ذبح يعقوب وعندما رأى انه عجب اليهود قرر ان يذبح بطرس ايضا . ونرى ان بطرس نام نوما ثقيلا تلك الليلة وعندما جاءه ملاك الرب أضاء السجن بنور عظيم ولم يستيقظ بطرس وقال له الملاك ” يا بطرس ” ولم يستيقظ بطرس , فضربه الملاك على جنبه ليوقظه, وطلب منه ان ينهض وينتعل ويلبس رداءه واخرجه من السجن . ويحق لنا ان نسأل : من اين هذا السلام لبطرس ؟ الحقيقة ان المسيح كان قد وعد بطرس عندما قال له – عندما كنت اكثر حداثة كنت تمنطق ذاتك وتذهب حيث تشاء . لكن متى شخت تمدّ يدك وآخر يمنطقك ويأخذك حيث لا تشاء . قال هذا مشيرا الى اية ميتة كان مزمع ان يموت ليمجّد الله بها. ففهم بطرس انه سيعيش الى ان يصبح شيخا. فالسلام الذي كان يتمتع به بطرس هو من ( الوعد ) اي كلمة المسيح. وكلمة المسيح والوعود في الكتاب المقدس تمنحنا هذا السلام ( الذي يفوق كل عقل ).
أما يونان فجاءه رئيس النوتية وقال له ” مالك نائما ؟ قم اصرخ الى الهك عسى ان يفتكر الأله فينا ولا نهلك ). فالناس الوثنيين في سفينة يونان ادركوا ان الموقف اقوى منهم لأن الوقت ليس وقت هيجان البحر ولا وقت رياح. وعملوا كل ما يحملوه من خبرة في امور البحر. حتى آلهتهم لم تشفع لهم ورئيس النوتية حاول مع الجميع واخيرا جاء الى يونان الذي هو نبي الله ليوبخه رجل وثني .
( هلمّ نلقي قرعا لنعرف بسبب من هذه البلية, فألقوا قرعا , فوقعت القرعة على يونان ). فوصلوا الى الحلّ الأخير . ونرى ان الرب تعامل معهم بالقرعة لتصيب يونان . قد يجوز انها ليست الطريقة الصحيحة ولكن الله تعامل معهم بالطريقة والأساليب التي يعرفوها . ولكن نحن كمسيحيين نؤمن بمشيئة الله . ومشيئة الله لا نبحث عنها بل نختبرها, ( ان تختبروا ما هي مشيئة الله الصالحة المرضية ).
( فسألوه أخبرنا بسبب من هذه المصيبة علينا ؟ ). كان من المفروض بعد ان وقعت القرعة على يونان ان يق*ت*لوه لأنهم وثنيين ويؤمنون بهذه الأمور. ولكن نرى هنا ان الوثنيين كانوا اكثر حكمة من يونان وتصرفوا بعقل وايمان. وسألوه اربعة اسئلة ليتحققوا منه ومن عمله ومن هم شعبه ومن اين جاء ؟. فأجابهم يونان وقال ” أنا عبراني – ولم يقل يهودي او اس*رائ*يلي رغم انها تسميات واحدة لنفس الشعب – وانا خائف من الرب اله السماء الذي صنع البحر والبر . فأذا كان يونان يعرف ان الرب هو اله السماء والبحر والبر . فكيف يهرب من البر ويذهب الى البحر . فلو كان الرب هو اله البر فقط ويونان هرب الى البحر يعني ان الرب ليس له سلطة على البحر فيكون يونان تخلص من محنته – هذا هو الفكر الوثني . ولكن اين نهرب والله هو ضابط الكل . فعرفوا البحارة انه هارب من وجه الرب لأنه أخبرهم – آية 15 . اذا فلماذا خاف الرجال خوفا عظيما ؟ خافوا لأنه أخبرهم ان الهه هو اله البحر والبر, وهم في البحر يعني تحت سلطانه . فخافوا خوفا عظيما وقالوا له لماذا فعلت هذا ؟ وهذا توبيخ ليونان من الوثنيين . فقالوا له ( ماذا نصنع بك ليسكن البحر عنا ؟ ). ومرة اخرى تصرّف البحارة الوثنيون بحكمة واتضاع عندما سألوا يونان أنه يعرف الهه اكثر منهم ويعرف كيف ينقذهم من هيجان البحر الذي كان يزداد اضطرابا. لأن البحر أطاع الله الذي أمره بأعادة يونان وكان البحر ينتظر , لأن البحارة صلّوا كل واحد لألهه وبعد ذلك رموا الأمتعة والقوا القرعة وكل هذا الوقت البحر ينتظر يونان. فقال لهم يونان ” خذوني وأطرحوني في البحر فيسكن البحر عنكم , لأنني عالم أنه بسببي هذا النوء العظيم عليكم “. فحكم يونان على نفسه ! واستيقظ من نومه العميق ووصل الى يقظة روحية ارجعته الى علاقته بالله .
( ولكن الرجال جدفوا ليرجعوا السفينة الى البر ولم يستطيعوا ) . نجد موقف جديد للبحارة الوثنيين ومحاولة انقاذ يونان . في حين ان يونان طلب منهم ان يطرحوه في البحر . ولو كان هذا المفروض ان يفعلوه بيونان دون ان يطلب. ولكن تقوى هؤلاء البحارة والحكمة التي عندهم حاولوا انقاذ يونان. فنرى هنا انه بسبب يونان اراد الله توبة هؤلاء البحارة. ونجد البحارة مرة اخرى يصرخوا للرب وقالوا ” آه يارب لا نهلك من اجل نفس هذا الرجل ولا تجعل علينا دما بريئا لأنك يارب فعلت كما شئت “. فهنا لم يصرخوا لآلهتهم بل صرخوا لرب يونان وآمنوا ان رب يونان قادر على كل شيء. واعترفوا ان الرب هو ضابط الكل عندما قالوا ( لأنك يارب فعلت كما شئت ).
( ثم اخذوا يونان وطرحوه في البحر ). موقف رهيب ولحظة حاسمة ليونان عند طرحه في البحر . ونرى ان يونان لم يتب الى هذه اللحظة . فلو كان قد تاب كان من الممكن الرب يهديء البحر ولا يطرحوا يونان فيه. والكتاب يقول ان الذي يتوب فان خطاياه تُلقى في البحر ولا يعرف مكانها احد. وبما ان يونان لم يتب فعليه ان ينطرح هو في البحر. فيقول ( فوقف البحر عن هيجانه ). هذا هو سلطان الله. فعند توبتنا ونطرح ثقل خطايانا في البحر ونقترب من الله يتوقف البحر ( العالم ) عن هيجانه.
( فخاف الرجال من الرب خوفا عظيما وذبحوا ذبيحة للرب ونذروا نذورا ). هل كان البحارة سيقدمون ذبائح ونذور مادام يونان معهم ؟ كلا . ولكن بعد ان طرحوا يونان قدموا الذبائح والنذور . فلو أخذناها بالصورة الرمزية . البحارة يمثلون الأمم , هل كان من الممكن قبول الأمم في المسيحية اثناء وجود المسيح بالجسد ؟ لم يحصل , ولكن بعد ان طرح المسيح في الموت وقام قال للتلاميذ ” اذهبوا وتلمذوا وعمدوا في اورشليم والسامرة وكل الأمم “.
( وأما الرب فأعدّ حوتا عظيما ليبتلع يونان . فكان يونان في جوف الحوت ثلاثة ايام وثلاث ليالي ). فهل انتقم الرب من يونان وهل عاقبه لأنه هرب من وجهه؟ كلا. لم ينتقم منه ولم يعاقبه بل ( أعدّ ) اي هيأ له حوتا خاصا ليحتفظ به . فلو مات يونان لكان مكانه الجحيم لأنه لم يتُب. ولكن هنا تظهر رحمة الله ومحبته وعطفه على ابناءه. فمن يتوقع بعد ان طرحوا يونان في البحر انه سيعيش لأن الكل ايقن ان يونان ذهب الى حتفه. ولكن طرق الله غير طرقنا ومحبته لا توصف ويجعل مع التجربة منفذ وعند السيد الرب للموت مخارج. وحتى يكمل الرمز في الكتاب المقدس قال المسيح ( كما كان يونان في جوف الحوت ثلاثة ايام وثلاث ليالي هكذا يكون ابن الأنسان في جوف القبر ثلاثة ايام وثلاث ليالي ).
الأصحاح الثاني : صلاة يونان . ويسمّى ايضا مزمور يونان .
( فصلّى يونان الى الرب الهه من جوف الحوت وقال: دعوت من ضيقي الرب فأستجابني , صرخت من جوف الهاوية فسمعتَ صوتي ). وأخيرا صلّى يونان. ولكن متى نصلّي ؟ عندما نكون في ضيقة . فالضيقة التي مرّت في السفينة وهيجان البحر لم تجعل يونان يصلّي. ولكن البحارة هم الذين صلّوا لأنهم شعروا بالهلاك. ولكنهم تابوا الى الرب . أما يونان الى ان طرحوه في البحر لم يتب ولم يصلّي. ولكن صلّى عندما جاءت الضيقة الكبرى عندما ابتلعه الحوت. فهل كان مرتاح في بطن الحوت ليصلّي. يونان كان في حجرة داخل بلعوم الحوت التي تعتبر مثل الحوصلة الهوائية . فالحوت يغطس ويبتلع الماء فيدخل الماء الى هذه الحوصلة الهوائية ليحصل على الأوكسجين ( لهذا بقي يونان حيّاً ). بعد ذلك يرتفع الحوت الى سطح الماء ويقذف الماء من خلال فتحة في رأسه. وهكذا تتكرر العملية ويونان يدخل الماء عليه والحوت يصعد وينزل في الماء ويونان يتقلّب داخل الحوت وهو في ظلام تام لا يعرف ما الذي يجري حوله ولا يعرف الوقت. فلماذا لم يقذفه الحوت في اليوم الأول او الثاني ولكن في اليوم الثالث قذفه. اذا هذه قدرة احتمال يونان والكتاب يقول ( لا يدعكم تُجرّبون فوق ما تحتملون ). فكل واحد حسب احتماله في مدة الضيقة وكل واحد ما يناسبه من نوع الضيقة . فجاءت صلاة يونان بثقة كاملة بالرب عندما قال ( دعوت من ضيقي الرب فأستجابني ). فكيف استجيبت صلاته وهو لايزال يتقلب داخل الحوت . ولكنه كان واثق بالرب.
( لأنك طرحتني في العمق في قلب البحار, فأحاط بي نهر , جازت فوقي جميع تياراتك ولججك. فقلت: قد طُرِحت من أمام عينيك ولكنني أعود أنظر الى هيكل قدسك). يونان هنا يكلم الرب ويقول ( لأنك طرحتني ) في حين نحن نعلم ان البحارة هم الذين طرحوا يونان والحقيقة هو الذي قال لهم اطرحوني في البحر فيهدأ البحر عنكم . ولكن هنا يعترف يونان ان هذه هي ارادة الله ومشيئته وليس ارادة البحارة . يجب ان تكون لنا هذه النظرة الأيمانية . وبهذه الحالة لن نلوم احد من الناس ولن نتذمر ولن نشعر بثقل الدنيا علينا. ونرى هذا في قصة يوسف عندما القوه اخوته في البئر وباعوه للأسماعيليين . ولكن عندما التقى بهم يوسف قال لهم ( انه لأستبقاء حياة أرسلني الله أمامكم ). فيقول يونان ( أنك طرحتني في قلب البحار فأحاط بي نهر ). فما هذا التناقض ؟ نحن نعلم ان ماء البحر مالح وماء النهر عذب. فهل هذا خطأ لغوي او ان يونان يهذي لأنه في بطن الحوت ؟ كلا . نحن نعلم ان الذين كتبوا الكتاب المقدس هم مسوقين من الروح القدس. والمسيح قال الأرض والسماء تزولان ولكن حرف واحد من الكتاب لا يزول. اذا فما المقصود في هذه الآية ؟ هناك معنى رمزي بديع في هذه الآية . فالبحر وماءه المالح هو اشارة للضيقات والآلام. فرغم ضيقة يونان في وسط البحر والماء المالح . لكن كان يحيط به نهر عذب اي تعزيات الروح القدس. فالله يريد ان يقول للأنسان حتى في ضيقتك وتجربتك فهناك أرسل لك تعزيات الروح القدس . كما كان بولس وسيلا في السجن ومقيدين بالسلاسل ومضروبين وكانا يرتلان ويسبحان الله .
( جازت فوقي جميع تياراتك ولججك ). هنا يوضح يونان شدة الضيقة التي كان فيها . ومن يستطيع ان يقف ضد تيارات البحر ولججه وارتفاع امواجه. والمعنى الرمزي ايضا يوضح غضب الله على الخطية . نرجع للكتاب المقدس في سفر التكوين عندما غضب الله على البشر ايام نوح فأرسل الله تياراته ولججه ليعاقب البشر الخطاة. وايضا اشارة اخرى الى المسيح الذي وُضِعَ عليه إثمنا جميعا. فتحمّل التيارات واللجج ( الأهانات والضربات والبصق ) من أجل خطايانا وحملها على الصليب . وهذه الآية موجودة في مزامير داؤد, وهذا دليل على ان يونان كان يحفظ مزامير داؤد. والحقيقة ان يونان اقتبس تسعة آيات من مزامير داؤد. والأصحاح الثاني من سفر يونان هو 10 آيات وقد اقتبس يونان تسعة آيات من مزامير داؤد يعني تقريبا الأصحاح الثاني كله مأخوذ من المزامير. مز 118 : 5 يقول ( من ضيقي دعوت الرب فأجابني من الرحب ) وقال يونان في العدد 1 ( دعوت من ضيقي الرب فأستجابني ). وفي مزمور 88 :6 ( وٌضِعت في الجب الأسفل في ظلمات في أعماق ). ويونان قال ( صرخت من جوف الهاوية ). ومز 42: 7 ( كل لججك وتياراتك طمت عليّ ). ويونان قال ( جازت فوقي جميع تياراتك ولججك ). ومز 31: 22 ( وانا قلت في حيرتي قد انقطعت من قدام عينيك ولكنك سمعت صوت تضرعي اذ صرخت اليك ). ويونان قال ( قد طردت من امام عينيك ). وكذلك مز 69 :1 – ومز 18: 1 – ومز 31: 6 – ومز 50: 14 – ومز 3 : 8 . وهنا نفهم ان يونان كان يحفظ المزامير فجاءت له هذه الآيات وهو في بطن الحوت. ونفهم أهمية حفظ الآيات من الكتاب المقدس وحاجتنا لها وقت الصلاة.
( قد طُرِدّتُ من امام عينيك ). هنا شعر يونان ان الله تخلّى عنه. فلم يشتكي يونان عندما هاج البحر ولم يشتكي عندما طرحوه في البحر ولم يشتكي عندما ابتلعه الحوت. ولكنه بدأ يشتكي عندما شعر ان الله قد حجب وجهه عنه . نجد في سفر أيوب انه خسر ماشيته ولم يشتكي وخسر اولاده ولم يشتكي وقال الرب اعطى والرب اخذ. ولكن اشتكى الى الله وقال ( فهّمني لماذا تخاصمني ). وداؤد ايضا كان مطاردا وهاربا وقال للرب ( لا تطرحني من قدام عينيك ).
بعد التعزيات السابقة نجد في صلاة يونان ان هناك رجاء بعد هذه التعزيات فقال ( ولكنني اعود انظر الى هيكل قدسك ). فأيمان يونان غلب الشك وغلب الخوف . وكان واثق انه سيخرج من هذه الضيقة ويعود ويقف في الهيكل. قال الرسول بولس ( متحيرين لكن غير يائسين ). فلو سألنا يونان هل حصل قبلك شخص في الكتاب ابتلعه الحوت وخرج الى الحياة ؟ عرفنا ذلك من النبي ابراهيم ( فهو على خلاف الرجاء آمن على الرجاء ). فمن اين يأتي الرجاء؟ يأتي من خبرات ايمانية سابقة . ولكن ايمان على خلاف الرجاء يختلف لأنه لا يوجد خبرات ايمانية سابقة . فأبراهيم عندما ذهب ليقدم ابنه اسحق ذبيحة , فكيف استطاع ان يضع ابنه فوق المذبح ويمسك السكين ليذبحه ولكن كان عنده رجاء عظيم لأنه أخذ ابنه اسحق من مستودع ميت ( رحم سارة ) . فهل حصل مثل هذا قبل ابراهيم ؟ كلا, فهذا هو خلاف الرجاء . وكذلك يونان آمن على خلاف الرجاء وكان ايمانه ليس ليخرج من بطن الحوت الى الحياة ليعيش ولكنه ليعود وينظر الهيكل المقدس . فهل لنا هذا الأيمان عندما ندخل في ضيقة ؟ فيعود يونان ويقول ( ثم أصعدت من الوهدة حياتي ). فهو واثق ان حياته صعدت من الضيقة . ويقول ( فجاءت اليك صلاتي الى هيكل قدسك ). فصلاة يونان وصلت الى الرب الى هيكل قدسه يعني ان الله سمع الصلاة واستجاب . كانت صلاة يونان من جوف البحر كما قال واعماق الهاوية وأسافل الجبال اي اقسام الأرض السفلى ولكنها وصلت الى هيكل قدسك حيث كان الهيكل مبني على أعلى جبل في اورشليم ولكنها وصلت الى الله في اعالي السماوات أمام عرش قدسه. وبعدها يترك لنا يونان نصيحة ويقول ( الذين يراعون أباطيل كاذبة يتركون نعمتهم ). ويختم يونان صلاته ويقول ( أما أنا فبصوت الحمد أذبح لك , وأوفي بما نذرته ). نحن عادة ننذر النذور عندما ندخل في ضيقة ونقول اننا سنفعل كذا ونقدم كذا . وأحيانا ننسى ما نذرناه والكتاب في سفر الأمثال يوصينا ( ان لا ننذر خير من ان ننذر ولا نوفي ). ولكن لننظر ماذا نذر يونان وهو لا يملك شيء ولكنه قال ( أما أنا فبصوت الحمد أذبح لك ). فكان نذره ان يسبّح الله ( وأوفي بما نذرته ). والتسبيح هو أسمى درجات الصلاة . ولا يوجد في التسبيح اي نوع طلبات او تشكرات او توبة ولكن التسبيح هو ذكر جمال الخالق وما ابدع في خلقه وصفات واعمال الله العظيمة وقداسته . كما يرتل الملائكة ويسبحون الله ويقولون ( قدوس قدوس قدوس انت الرب القوي الأله الصباؤت .. السماء والأرض مملوئتان من مجدك العظيم ). ويختم يونان صلاته ويقول ( للرب الخلاص ). فالله له طرق عديدة للخلاص , فنرى انه خلّص البحارة من هيجان البحر . وخلّص يونان عندما سقط في البحر وابتلعه الحوت. وخلّص اهل نينوى بعدما كرز بهم يونان. فبعد ان انتهى يونان من صلاته ( فأمر الرب الحوت فقذف يونان الى البر ). ليظهر سلطان الله وقوته أمر الرب الحوت فنرى مرة اخرى استجابة الخليقة غير العاقلة الى سلطان الله . والحوت أوصل يونان الى المكان الذي أمره الله بقذفه هناك ليذهب الى نينوى. والمفارقة هنا عندما اراد يونان ان يهرب من وجه الله كما رأينا في الأصحاح الأول ان يونان نزل الى يافا فوجد سفينة متجهة الى ترشيش ( فدفع اجرتها ) فهو دفع الأجرة لأنه هارب من وجه الله. ولكنه بعد ان تاب وصلّى الى الرب أوصله الرب مجانا.
الأصحاح الثالث : كرازة يونان
( ثم صار قول الرب الى يونان ثانية قائلا: قم اذهب الى نينوى المدينة العظيمة وناد لها المناداة التي انا مكلّمك بها ). هناك امران يخصّان الله وامر يخصّ الأنسان . الأمر الأول هو صلاح الله الذي به كان ممكنا عندما رفض يونان الذهاب الى نينوى ان يجد الله نبي آخر ليذهب الى نينوى وينتهي الأمر. ولكن الله بصلاحه يبقى يسعى وراء الأنسان رغم جحود الأنسان وابتعاده عن الله. ولكن الله لم يترك يونان ( ثم صار قول الرب الى يونان ثانية ). ونرى في الكتاب المقدس ايضا بطرس الرسول وكل تعاملات الله له , ولكنه بعد ان انكره اعتقد بطرس ان الرب يسوع لن ينظر في وجهه ثانية , فقرر ان يرجع الى عمله الأول وقال للتلاميذ انا ذاهب لأتصيد. فهل تركه الرب يسوع ؟ كلا , بل ذهب اليه في السفينة وسأله ثلات مرات ” اتحبني يا بطرس ؟ ارعى خرافي “. فكان قرار الله ان يذهب يونان الى نينوى, والله لن يغيّر الخادم ولا نوع الخدمة . ولكن الله غير الشخص نفسه من الداخل ليكون الخادم ويقوم بالخدمة نفسها. وكان هذا الأمر الثاني الذي يخص الله وهو ( ثبات الله ). أما الأمر الذي يخص الأنسان هو ( التوبة ). توبة يونان هي التي ارجعته الى طريق الله ليكون الخادم الأمين ويؤدي نفس الخدمة التي وكّله الله بها منذ البداية . فلو قارنّا بين الأصحاح الأول والأصحاح الثالث في دعوة الله ليونان نجد ان الدعوة هي نفسها والشخص المدعو هو نفسه لم يتغير ولكن نجد تغير في كلمة واحدة . ففي الأصحاح الأول يقول ( وصار قول الرب الى يونان بن أمتاي قائلا: قم اذهب الى نينوى المدينة العظيمة وناد ( عليها ). وفي الأصحاح الثالث قال ( ثم صار قول الرب الى يونان ثانية قائلا: قم اذهب الى نينوى المدينة العظيمة وناد ( لها ). فما الفرق بين ( ناد عليها ) و ( ناد لها ) ؟ ( ناد عليها ) لأنه كانت الدينونة وغضب الله ( على ) نينوى . أما ( ناد لها ) , الآن جاءت نعمة الله لشعب نينوى. فمتى جاءت النعمة ؟ بعد ان صار يونان في بطن الحوت ثلاثة ايام وثلاث ليالي . والتي هي رمز للمسيح بصلبه وقيامته. اذا هنا نفهم ان الكرازة للأمم قبل القيامة كانت دينونة للأمم أما الكرازة بعد القيامة فكانت ( لهم ) بالخلاص والفداء.
( فقام يونان وذهب الى نينوى بحسب قول الرب ). وأخيرا قام يونان ليؤدي خدمته. ولكن لنتخيّل يونان وهو ذاهب الى نينوى بعد ان خرج من بطن الحوت : هل كان مرتاح جسديا وشبعان أكل ونوم ؟ أم ذهب بمنظره المقزز ورائحته النتنة والعشب حول رأسه . يعني جسديا غير مهيأ للخدمة أما نفسيا بعد ان شعر انه مرفوض من الله. وروحيا شعوره ان الله زعلان منه. يعني يونان لم يكن مهيأ لا جسديا ولا نفسيا ولا روحيا. أما نحن لو كان عندنا صداع فقط لا نذهب الى الكنيسة ولا نحضر القداس لأن مزاجنا متقلب. فذهاب يونان بهذه الوضعية هو توبيخ لنا جميعا.
( أما نينوى فكانت مدينة عظيمة لله مسيرة ثلاثة ايام . فأبتدأ يونان يدخل المدينة مسيرة يوم واحد ونادى وقال : بعد اربعين يوما تنقلب نينوى ). كانت نينوى تحتاج ثلاثة ايام للسير فيها. ولكن يونان ذهب مسيرة يوم واحد. والسؤال هو : هل بهذه الخمسة كلمات ( بعد اربعين يوما تنقلب نينوى ) كرز في نينوى ؟ لو كانت هذه الكلمات فقط لقالوا انه شخص مجنون رغم ان منظره كان يوحي بذلك كما قلنا قبل قليل. ولكن بالحقيقة لم يذكر يونان ذلك في كتابه ولا نعرف ما الذي قاله وتابت المدينة كلها . ومن خلال نظرتنا الموضوعية للأحداث نجد ان يونان لم يذكر اي شيء ايجابي عن نفسه لكنه سرد كل سلبياته منذ ان دعاه الله الى ان ذهب الى نينوى وفي نينوى لم يكتب لنا ماذا قال لأهل نينوى حتى تابوا من ملكهم الى اصغر واحد فيهم . وليس كما فعل بطرس في اعمال الرسل الذي ذكرت موعظته كاملة والتي اهتدى اليها اكثر من 3000 شخص. انا في رأي هذه هي صفات الخادم الأمين دائما يخفي نفسه ليظهر مجد الله من خلال خدماته. وهناك امثلة كثيرة في الكتاب المقدس مثل يوحنا المعمدان لم يقل انه نبي ولا انه معلم ولا اي شيء بل قال ( انا صوت صارخ بالبرية ). وايضا نرى النبي اليشع بعد ان جاءه نعمان السرياني ليشفيه من برصه يقول الكتاب ان النبي اليشع لم يخرج للقاء نعمان السرياني بل كلمه من وراء الباب . في حين كان بأمكانه ان يقابله ويقول له سأشفيك ويأخذ منه الهدايا التي جاء بها نعمان, ولكنه رفض الهدايا وكلمه من وراء الباب, يعني الباب كان هو الحاجز بينه وبين نعمان. فمن هو ( الباب ) في الكتاب المقدس , انه المسيح الذي قال ( انا هو الباب ). فياليت كل خادم في الكنيسة يختفي وراء الباب اثناء خدمته.
في ايمان اهل نينوى نجد بعض النقاط كما في الآية 5 تقول ( فآمن اهل نينوى بالله ). اي لم يعاندوا وقبلوا كلمة يونان بدون نقاش ولم يسخروا منه . والمعروف عن الآشوريون ( اهل نينوى ) انهم قساة القلوب ورجال حرب وايضا شعب ليس لهم خبرة مع الله, والذي جاءهم هو شخص غريب ليس من جنسهم ولا من شعبهم . فهل هناك اقوى من هذا الأيمان ؟ نحن نحضر القداس ونسمع الموعظة ونحضر الأجتماعات الروحية ولكن كثيرين لم تتحرك قلوبهم ليتوقفوا عن خطاياهم ويرجعوا الى الله . ويونان قال لهم ( بعد اربعين يوما )  . كان من الممكن ان ينتظروا قليلا ليتحققوا من كلام هذا الغريب. والدليل عندنا كثير من الناس لا يحضرون الى الكنيسة ويقولون عندما نكبر نتوب ونرجع الى الله. ومن يضمن حياته بعد ساعة ؟ ومن علامات التوبة عند اهل نينوى انهم ( آمنوا بالله ) وهم شعب وثني ولهم آلهة متعددة. والحقيقة انهم وثقوا بكلام يونان بسبب لو اراد الله ان يهلكهم لكان فعل ذلك دون ان يرسل لهم يونان . ولكن عندما جاء يونان بالرسالة لهم اصبح لهم رجاء بالخلاص. وماذا كان بعد التوبة .. أنهم نادوا ( بصوم ). من ملكهم الى صغيرهم وحتى الحيوانات. والكنيسة عندما تدعو للتوبة فهذه التوبة يجب ان تقترن بالصوم. وماذا بعد ؟ .. يقول ( يصرخوا الى الله بشدة ). اذا التوبة تكتمل بصوم وصلاة . فالصوم وحده لا يكفي للتوبة بدون الصلاة , والصلاة وحدها لا تكفي للتوبة بدون الصوم . والنتيجة ستكون الرجوع الى الله. اذا سيكون هناك تغيير في الأتجاه مثل الأبن الضال الذي قال ( أقوم وأرجع الى ابي ). اذا يجب ان لا نكتفي اثناء التوبة بالمشاعر والأحساس بالذنب ولكن يجب ان يكون هناك الفعل ( أقوم وأرجع ) لتكون النتيجة مرضية أمام الله . فماذا كان رد فعل الله بعد ان تاب شعب نينوى ؟.
( فلما رأى الله اعمالهم انهم رجعوا عن طريقهم الرديئة , ندم الله عن الشر الذي تكلم ان يصنعه بهم , ولم يصنعه ). كثير من الأشخاص اعترضوا على هذه الآية بسبب كلمة ( ندم الله ) فهل ممكن ان يندم الله ؟. نحن البشر مفهومنا عن الندم يقتصر على اقوال وأفعال نقولها او نفعلها ونندم ونقول لو لم اقل ذلك او لو لم افعل ذلك وغيرها. فهل ينطبق هذا الشيء على الله ؟ كلا طبعا . لأن الله يعرف كل شيء ويتحكم بالأزمنة والأوقات وهو ضابط الكل. ومن هذا المفهوم الله لا يندم ونرى في سفر العدد 23: 19 يقول ( ليس الله انسانا فيكذب ولا ابن انسان فيندم ). وايضا في 1 صم 15: 29 يقول ( نصيح اس*رائ*يل لا يكذب ولا يندم لأنه ليس انسانا ليندم ). وايضا في رسالة القديس يعقوب في الأصحاح الأول يقول ( ليس عنده تغيير ولا ظل دوران ). فأذا كان الله لا يندم حسب مفهومنا البشري اذا فما الذي يقصده في هذه الآية ؟ . أسأل سؤال : هل الله يكره الخطيئة ؟ ستقولون طبعا. وهل الله يعاقب على الخطيئة ؟ ستقولون طبعا . ولكن اذا تغيّر الأنسان وابتعد عن الخطيئة فهل يبقى الله على موقفه في العقاب ؟ كلا طبعا. ولو أخذنا العكس , أنسان مؤمن ويخاف الله, ألا يسير الله معه وينعم عليه بالبركات ؟ طبعا. ولكن اذا سقط هذا المؤمن في الخطيئة ولم يتب فهل يستمر الله وينعم عليه بالبركات ؟ لا طبعا . اذا موقف الله ثابت حسب الحالة التي نحن فيها. فنحن الذين نتغير دائما , والله يتخذ موقفه منا حسب الحالة التي نحن فيها. وهذا معنى كلمة ( ندم الله على الشر ). نينوى كانت شريرة وقرر الله معاقبتها. ولكن عندما تابوا فهل يعاقبهم ؟ كلا , بل ( يرجع عن الشر الذي تكلم ان يصنعه بهم ). فالكتاب المقدس مكتوب للبشر وبلغة البشر التي يفهمونها فلهذا جاءت بعض الكلمات بلغة البشر حتى يفهموها.
 
الأصحاح الرابع : غضب يونان
بعد ان رجع الله عن الشر ولم يعاقب نينوى فماذا كان رد فعل يونان ؟ يقول ( فغمّ ذلك يونان غمّاً شديداً , فأغتاظ ). اغتاظ يونان عندما رأى توبة اهل نينوى. في حين هو الذي ذهب اليهم وأنذرهم ان يتوبوا. كان المفروض ان يفرح لأنهم سمعوا له وتابوا. ولكنه اغتاظ لسببين : الأول انه رأى في توبة اهل نينوى ( المدينة كلها من ملكها الى صغيرها ) ولم يرى ذلك في اهل بلده اس*رائ*يل . فهل يكون لنا غيرة اهل نينوى الذين لم يعرفوا الله؟ احيانا نجد اشخاص من ديانات اخرى بغيرتهم على ديانتهم ونحن الذين جاء المسيح من اجلنا وانصلب ومات وقام ليعطينا الغفران والفداء ويعطينا حياة افضل, لا نمتلك مثل هذه الغيرة على ديانتنا . والسبب الثاني : هو ان يونان يعلم ان الله اختار شعب اس*رائ*يل , ولكن بعد توبة نينوى بهذه الصورة الرائعة يمكن ان يغير الله شعب اس*رائ*يل ويختار شعب نينوى بدلا منهم . فأغتاظ يونان . وكان يتمنّى ان لا يسمع له شعب نينوى ولا يتوبوا. لأنه يعرف ان الله ( رؤوف ورحيم بطيء الغضب وكثير الرحمة ). فلهذا قال له الرب ( هل اغتظت بالصواب ؟ ). هل اغتظت يا يونان لأن الرب روؤف رحيم ؟ وهل اغتظت يا يونان لأن الله ندم على الشر ولم يعاقب شعب بأكمله ؟ فلم يجاوب يونان . ولكنه ( خرج يونان من المدينة وجلس شرقي المدينة , وصنع لنفسه هناك مظلّة وجلس تحتها في الظل, حتى يرى ما يحدث في المدينة). لم يذهب يونان الى الملك ليكافئه ويسكن في القصر. ولكنه خرج الى خارج المدينة لينتظر ماذا سيحدث هل ستنقلب المدينة ام لا . ولكن الله لا يزال عطوف ويحب يونان رغم انه مغتاظ فيقول ( فأعدّ الله يقطينة فأرتفعت فوق يونان لتكون ظلاّ على رأسه, لكي يخلّصه من غمّه. ( ففرح يونان من أجل اليقطينة فرحا عظيما). كان من الممكن ان يتجاهل الله يونان بعد ان قام بمهمته ويتركه يغتاظ. ولكن الله أشفق على يونان لأنه خرج ليجلس خارج المدينة تحت الشمس. فمن الذي أتعب الله اكثر يونان ام شعب نينوى ؟ طبعا يونان أتعب الله اكثر من شعب نينوى. ولكن الله يهتم بشخص واحد مثل يونان كما يهتم بشعب كامل مثل نينوى. فأظهر الله رحمته ليونان باليقطينة ويقول ( ففرح يونان من اجل اليقطينة فرحا عظيما ).
( ثم أعدّ الله دودة عند طلوع الفجر في الغد , فضربت اليقطينة فيبست ). اراد الله ان يعطي يونان درسا عندما أنبت له اليقطينة لتظلله. ولكن يونان لم يفهم الدرس . فكان لابد من الله بحسب رحمته ومحبته الواسعة ان يعطي يونان درسا آخر. نلاحظ ان يونان بطبيعته البشرية وتصرفه الطفولي انه طلب الموت لنفسه عندما غفر الله خطيئة شعب نينوى. وايضا طلب الموت ثانية عندما يبست اليقطينة وضربت الشمس رأس يونان. ومن خلال هذا التصرف الطفولي لابدّ من التأديب وهذا ما نفعله مع اطفالنا عندما يعاندون . وهذا ما فعله الله مع يونان – التأديب. فمنذ بداية رحلته والرب يؤدبه ويعطيه دروس كي يفهم قصد الله. فاليقطينة التي بسببها فرح يونان فرحا عظيما. ايضا بسببها طلب الموت لنفسه. فلم يتركه الله ولكن اراد ان يفهمه الدرس فقال الله ليونان ( هل اغتظت بالصواب من اجل اليقطينة ؟ ). فهذه المرة الثانية الله يسأل يونان ( هل اغتظت بالصواب ). في المرة الأولى عندما سأله الله لم يجاوب بل خرج وجلس خارج المدينة. وفي المرة الثانية عندما سأله الله أجاب يونان وقال( اغتظت بالصواب حتى الموت ) . في حين كان من المفروض ان يعتذر يونان ويطلب المغفرة من الله ولكنه بقي في عناده بأنه مغتاظ وكرر طلبه بالموت. ونرى ان الله اجابه وقال ( انت أشفقت على اليقطينة التي لم تتعب فيها ولا ربيتها, التي بنت ليلة كانت وبنت ليلة هلكت. أفلا أشفق انا على نينوى المدينة العظيمة التي يوجد فيها اكثر من اثنتي عشر ربوة من الناس الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم وبهائم كثيرة ؟ ). فيونان الأنسان أشفق على يقطينة واحدة لم يتعب فيها . فكيف الله خالق الكل لا يشفق على مدينة كاملة تعدادها اكثر من اثنتي عشر ربوة. والربوة هي عشرة الاف شخص . يعني كان تعداد مدينة نينوى اكثر من مائة وعشرون الف شخص ( 120000 ) . والدرس الذي اراد الله ان يفهمه يونان هو ان يونان كان مغتاظ لأن الدودة افسدت اليقطينة ويبست. والله مغتاظ من الدودة ( الخطيئة ) التي افسدت شعب نينوى .
انتهى سفر يونان الى هذا الحد . فنسأل هل تاب يونان ؟ نقول طبعا تاب ورجع ليكتب لنا هذا السفر. وكما قلنا ان يونان لم يذكر ايجابياته ولكنه ذكر سلبياته فقط .
بالختام نقول القول الذي قاله الرب ( أفلا أشفق أنا ). أولا أشفق الله على النوتية ( البحارة ) ولم يهلكهم – وأشفق على يونان وأرسل له الحوت وأنبت له اليقطينة – وأشفق على شعب نينوى . ورأينا سلطان الله على الرياح والبحر والنبات ( اليقطينة ) والحيوان ( الحوت والدودة ). ورأينا ايضا طول أناة الله وصبره وتعامله مع يونان وحتى عندما أنذر شعب نينوى أعطاهم مهلة اربعين يوما. ورأينا غضب الله عندما رأى فساد شعب نينوى وبعث لهم الأنذار , ورأينا غضب الله في هيجان البحر . كل هذا ليظهر لنا مدى اهتمامه بالشخص الواحد مثل يونان وأهتمامه بشعب كامل مثل شعب نينوى.
 
                                              نـائــل بــربـــري – كندا
 
  
                                       ..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!