آراء متنوعة

حرب غ*ز*ة في مرحلة الحرب الإيرانيّة – الإ*سر*ائي*ليّة

حرب غ*ز*ة في مرحلة الحرب الإيرانيّة – الإ*سر*ائي*ليّة
لا بدّ من ملاحظة أولى في غاية الأهمّية تتمثّل في أنّ الخاسر الأكيد سيكون غزّة التي استطاعت إيران جعلها أقرب إلى قضيّة ثانوية بالمقارنة مع ما يدور بين “الجمهوريّة الإسلاميّة” وإس*رائي*ل.

معروف كيف بدأت الحرب.. ولكن، كيف ستنتهي؟
في ضوء الهجوم الذي شنته إيران والردّ الإ*سر*ائي*لي عليه، يبدو أنّ الدولة العبريّة تريد الاستفادة إلى أبعد حدود من الهجوم الإيراني الذي انتهى بفشل عسكري ذريع ونجاح سياسي كبير.

تحاول إس*رائي*ل حاليا الانضمام إلى إيران في تحقيق نجاح سياسي مستغلة التعاطف الدولي معها. لذلك ضربت في أصفهان ومواقع أخرى في الداخل الإيراني ولم تعلن أنّها ضربتها. لا تريد التفريط في جبهة دولية، على رأسها الولايات المتحدة، تدعم الدولة العبريّة من دون أي تحفّظ. ركضت أوروبا إلى إس*رائي*ل من أجل إقناعها بتفادي الردّ على الهجوم الإيراني. حصلت حكومة بنيامين نتنياهو في المقابل على ضوء أخضر يسمح لها بالقيام بعملية في رفح حيث احتشد مليون ونصف مليون فلسطيني. كرّست الدولة العبرية معادلة جديدة تقوم على الردّ على إيران، من دون الإعلان رسميا عن ذلك في مقابل السماح بهجوم مدروس ومحسوب على رفح.

تردّ إس*رائي*ل على إيران بما يتفق مع حساباتها. لا يمكن تجاهل أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” تجرأت للمرّة الأولى، منذ قيامها، على مهاجمة إس*رائي*ل. ردّد المسؤولون الإيرانيون، في مرحلة ما بعد سقوط الشاه في العام 1979، كلّ الشعارات المعادية لإس*رائي*ل بصفة كونها “غدّة سرطانيّة”. لكنّ الحرب الإيرانية على الدولة العبريّة كانت دائما بالواسطة. هذه المرّة تجرّأت “الجمهوريّة الإسلاميّة” بحجة أن إس*رائي*ل استهدفت ضباطا في “فيلق القدس”، كانوا في قنصليتها في دمشق، أي على أرض إيرانيّة، أقلّه نظريا.

◄ المتاجرة بهذه القضيّة إلى ما لا نهاية أمرٌ مستحيل؛ لا حسابات إس*رائي*ل في محلها ولا حسابات إيران، لا لشيء سوى أنّ الجانبين يتجاهلان وجود الشعب الفلسطيني الذي تستحيل تصفية قضيّته كما يحلم نتنياهو

ردت إس*رائي*ل بعدما وجدت الفرصة المناسبة لذلك من دون استنفاد التعاطف الذي توفّر لها أميركيا وأوروبيا ودوليا. جاء ذلك في وقت لم يعد سرّا أنّ العالم متخوف من أن الشرق الأوسط “على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل” على حدّ تعبير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

قال غوتيريش الذي يمثل العقل والتعقّل في عالم غابت عنه الضوابط “إنّ أيّ خطأ في التقدير، أو سوء في التواصل أو هفوة، يمكن أن يؤدّي إلى صراع إقليمي واسع النطاق لا يمكن تصوّره وسيكون مدمّرا لجميع المعنيين، ولبقية العالم”.

استطاع النظام الإيراني من خلال الهجوم، المنسق في شأنه مسبقا بين طهران وواشنطن، المحافظة على ماء الوجه. لا شكّ أنّه حقّق الغرض الذي أراده. سيبقى السؤال في المرحلة المقبلة من سيكون المستفيد الأوّل من الهجوم الذي شنته “الجمهوريّة الإسلاميّة”؟ بكلام أوضح، من يستفيد أكثر إيران أم إس*رائي*ل التي أجبرت الإدارة الأميركية على استخدام حق الفيتو في مجلس الأمن لمنع قبول فلسطين عضوا في الأمم المتحدة؟

في انتظار معرفة من سيخرج رابحا، لا بدّ من ملاحظة أولى في غاية الأهمّية؛ تتمثّل هذه الملاحظة في أنّ الخاسر الأكيد سيكون غزّة التي استطاعت إيران جعلها أقرب إلى قضيّة ثانوية بالمقارنة مع ما يدور بين “الجمهوريّة الإسلاميّة” وإس*رائي*ل. يعرف كلّ من الطرفين ما الذي يريده. تريد إيران تأكيد أنّها القوة المهيمنة في المنطقة، في الخليج وفي الشرق الأوسط. من هذا المنطلق، على الولايات المتحدة التفاوض معها بغية الوصول إلى صفقة بين الجانبين. أمّا إس*رائي*ل فهي مصرّة في ظلّ الحكومة الحالية، التي على رأسها “بيبي” نتنياهو، على متابعة سياسة الاستيطان التي لا هدف منها سوى تكريس الاحتلال للضفّة الغربيّة والقدس الشرقيّة.

وحدها “ح*ما*س”، التي شنّت هجوم “طو*فا*ن الأقصى” من دون أفق سياسي، لا تعرف ما الذي تريده. تتصرف الحركة من منطلق أنّها خرجت منتصرة من حرب غزّة، لمجرّد أنّ لديها رهائن إس*رائي*ليّين… وأن في استطاعتها فرض شروطها على إس*رائي*ل. تعتبر “ح*ما*س” أن وجود رهائن إس*رائي*ليّين لديها سيجبر إس*رائي*ل على الانسحاب من غزّة وإعادتها إلى سلطة الحركة. هذا غير صحيح، أقلّه لسبب واحد، هو أنّ إيران تعتبر نفسها المنتصر في حرب غزّة وأنّه إذا كان من طرف يستحق مكافأة، في ضوء حرب غزّة، فإنّ هذا الطرف هو “الجمهوريّة الإسلاميّة” ممثلة بـ“الحرس الثوري”. ثمّة سابقة في غاية الأهمّية لا بدّ من تذكّرها هي ظاهرة الحرب الأميركية على العراق في 2003، وهي حرب لم يخرج منها سوى منتصر واحد هو إيران!

◄ إس*رائي*ل تحاول حاليا الانضمام إلى إيران في تحقيق نجاح سياسي مستغلة التعاطف الدولي معها. لذلك ضربت في أصفهان ومواقع أخرى في الداخل الإيراني ولم تعلن أنّها ضربتها

استطاعت إس*رائي*ل إزالة غزّة من الوجود، فيما نجحت إيران في تسجيل نقاط سياسية عدّة على هامش حرب غزّة. نجحت في تأكيد أنّها تستطيع مهاجمة إس*رائي*ل وأن تفتح جبهة جنوب لبنان ساعة تشاء بغض النظر عن الأضرار التي تلحق باللبنانيين، بما في ذلك شيعة الجنوب. أكثر من ذلك، نجحت إيران في إثبات أنّ الملاحة في البحر الأحمر تحت رحمة الحوثيين الموجودين في شمال اليمن.

خلاصة الأمر أنّ حرب غزّة دخلت مرحلة جديدة مختلفة بعدما صارت حربا إيرانيّة – إس*رائي*ليّة. معروف كيف بدأت الحرب واليوم الذي بدأت فيه في السابع من تشرين الأوّل – أكتوبر 2023. ليس معروفا كيف ستنتهي هذه الحرب. من سينتصر في نهاية المطاف إيران أم إس*رائي*ل في وقت صار معروفا من هو الخاسر أي “ح*ما*س” التي لا تمتلك مشروعا سياسيا باستثناء القضاء على غزّة وأهلها.

يبقى أن لا حسابات إس*رائي*ل في محلها ولا حسابات “الجمهوريّة الإسلاميّة”، لا لشيء سوى أنّ الجانبين يتجاهلان وجود الشعب الفلسطيني الذي تستحيل تصفية قضيّته، كما تحلم حكومة نتنياهو. في الوقت ذاته تستحيل المتاجرة بهذه القضيّة إلى ما لا نهاية، كما تفعل إيران.

لا تزال حرب غزّة، في مرحلتها الجديدة، في بدايتها. السؤال من يأتي ببعض المنطق إلى حرب لم يكن لديها أي منطق في يوم من الأيام؟ لا وجود لمنطق لدى “ح*ما*س” ولا وجود لمنطق لدى إس*رائي*ل غير منطق تدمير غزّة وتهجير أهلها بوحشية، فيما يمكن للهجوم الذي شنته إيران على إس*رائي*ل أن يرتدّ عليها في يوم من الأيّام.

خيرالله خيرالله

إعلامي لبناني

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!