مقالات دينية

ثورة المسيح على القوانين والسياسة

ثورة المسيح على القوانين والسياسة

بقلم / وردا إسحاق قلّو

 قال لهم يسوع عن هيرودس الملك ( إذهبوا فقولوا لهذا الثعلب : ها أني أطرد الشياطين ، وأجري الشفاء اليوم وغداً ، وفي اليوم الثالث ينتهي امري )

 ” لو 32:13 ”  

  ولد المسيح فقيراً ومن عائلة فقيرة . لم يدرس في المدارس ، لكنهُ ناقش علماء الهيكل وهو في عمر 12 سنة . عاش كباقي الناس خاضعاً لأنظمة الدولة وإحترم قوانينها لكنه كان ينظر ساعة بلوغهِ الثلاثين لكي يحسبوه بالغاً وبعد ذلك ينتفض من أجل تطوير القوانين والشرائع . عاش في المجتمع بين الناس وشعر بالظلم وعناء الحياة . تضامن مع الفقراء الرازحين تحت ظلم الأقوياء وقف مع كل مزدري ومنبوذ في المجيمع . تكلم في السنين الثلاثة الأخيرة من عمره بحيث لم يتكلم مثلهُ إنسان ، وإحترم الإنسان أكثر من كل الناس ، ولم يحرج أحداً في حياتهِ ، بل دافع عن المظلومين وعن الخطاة أيضاً كدفاعه عن الزانية فوقاها من رياء الفريسين ، وأنقذها من ج#ريم*ة الرجم .

  لم ينزعج يوماً من الأطفال ، إنما كان ينظر إلى برائتهم وطهارة قلوبهم فدعاهم إليهِ وأوصى بهم لكي يصير الكبير مثلهم متواضع وطاهر . لم ينقد يوماً عمل الموظفين العشارين ، بل إقترب منهم ، وعبّرَ عن محبته لهم ، وكسبهم إلى طريق الحق . كذلك لم يقل ليهودا الأسخريوطي عندما سلَّمَهُ يا خائن ، بل قال له ” يا صاحب ” عندما قَبَّلَهُ ليسلمه لصالبيه . كما لم يقل لرؤساء الكهنة والحكام إنهم ظالمون ، ولا لبيلاطس بأنه جَبان لأنه إعترف ببراءته وحكم عليه بالموت .

عاش يسوع وديعاً متواضعاً لكنه قام بثورة جبارة هزَت بقوتها قوانين وأنظمة وشرائع كثيرة لكي يقلع كل غرسٍ لم يغرسه أبوه السماوي ( مت 13:15 ) . وأحدى شعاراته الثورية التي أغضب بها قادة اليهود هو إدعائه بأنه إبن الله . وأنه مساوي للآب ، وأنه والآب واحد ، وهو موجود قبل إبراهيم ، وهو أيضاً خالق الكون كله . وبأقواله الكثيرة غيّرَ الموازين ، فعلى الإنسان أن يقرأ ما حدث في التاريخ ليفهم النبؤات جيداً لكي يجدد حاضره ومستقبله ليضمن مصيرهُ .

   إله إس*رائي*ل كان غضوباً وقاسياً ورؤفاً في آن معاً . أما إله يسوع في العهد الجديد فكان محباً ومسامحاً للخطاة . يسوع لم يحاسب الإبن الخاطىء ، ولا الخروف الضال ، لأنه وديع ومتواضع القلب . كما شملت ثورته بإبراز نعمة التواضع في حياة الإنسان ، فقال ( طوبى للفقراء فإن لهم ملكوت السموات . طوبى للباكين فأنهم يعزون . طوبى للمضطهدين … ) إنه إله يكشف نفسه للصغار ، لكنه كان يخفيها عن الحكماء . إختار تلاميذ من البسطاء لكي يتحدى بهم العالم . كانت وعظته الشهيرة على الجبل ثورة عظيمة تبقى قوانينها سارية إلى مجيئه الثاني .

  هز شريعة اليهود بشرائعه التي تُكَمّل كل ما جاء في الناموس والأنبياء . رفض كل التقاليد اليهودية التي ألبستها ثوباً براقاً أخفت منها لب الحقيقة ، فوضع الست مئة وصية التي شبكتها الأيام في أطرها الحقيقية ، فما يختص بالطهارة والنجاسة . ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان ، بل ما يخرج من الفم والذي مصدرهُ القلب . وكذلك ما يختص بقوانين السبت التي كانت تجعل الإنسان عبداً للسبت . فجعل هو السبت للإنسان ، فقولهُ هذا زعزع النظرة إلى الإنسان وأحدث إروع إنقلاب ناجح فلخص الشريعة كلها في وصيتين فقط ، فقال ( أحبب الرب إلهك من كل قلبك … وإحبب قريبك كنفسك ) . وعلّمَ تلاميذه وصية جديدة ( أحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم ) وقال أن الشريعة كلها توجز في المحبة . علمهم أن لا يغضبوا ، بل أن يسامحوا سبع مرات سبعين مرة ، وألغى الطلاق ، وعلمهم للنطق بالصدق ، فقال : لتكن نعمكم نعم ، ، ولاكم ، لا . وأن لا يقاوموا الشر بالشر ، بل بالخير . وأن يقدموا خد الأيسر إذا لطم الأيمن وبكل صبر , ويحبوا أعدائهم ، ويصلّوا لأجلهم . ووصايا أخرى كثيرة غير موجودة في الوسط اليهودي . وتلك القوانين الجديدة كانوا يضنوها بأنها تصلح للعبيد .

   كما أظهر يسوع ثورة في مفهوم الإنسان الذي هو صورة الله ومثالهِ ، والله يتكلم إلى قلب كل إنسان . وثورة المسيح تعدت حدود بني إس*رائي*ل لتشمل العالم كله ُ . فرسالة المسيح له المجد شاملة لتدعوا كل إنسان إلى الخلاص ، وسيأتون إلى ملكوت الله من المشارق والمغارب ويجلسون في أحضان إبراهيم . أما أبناء الملكوت الذين كانوا هم أمناء على كرم الرب فسينزع منهم ويعطى للأممين , ليس لله إذاً محابات لقوم ما لأنه إله كل الأمم . كما أحدث ثورة في إسلوب عبادة الله . فقال للسامرية : ستأتي ساعة وقد حضرت الآن ، فيها العباد الصادقون يعبدون الآب بالروح والحق ، وبهذا قطع يسوع علاقتهِ بهيكل اليهود وطقوسه وذبائحه التي سينهيها بذبيحة جسده الطاهر على الصليب لأنه هو الهيكل الحقيقي ، كما سيجعل كل إنسان هيكل له . لهذا انتهى زمن هيكل سليمان ، وسيهدم بعد مماته قريباً ، وفعلاً تم ذلك في سنة 70م من قبل الرومان لينتهي إلى الأبد . فمنذ أن مات المسيح على الصليب إنشق حجاب الهيكل .

  أما الجانب السياسي فأحدث ثورة في مفاهيم السلطة . لذا قال : تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونها وإن أكابرها يتسلطون عليها فلا يكن هكذا منكم ، بل من أراد أن يكون كبيراً منكم فليكن لكم عبداً . والمسيح لم يأتي ليُخدَم ، بل ليَخدِم  ويفدي نفسه لخلاص البشرية . فالسلطة إذاً مسؤولية وخدمة وتضحية بلا تسلط .

  كما أحدث يسوع ثورة في مفهوم السياسة فرفض أن تحكم الدولة سلطة دينية ، ، كما لا يجوز تأليه السلطة المدنية أو تُعبَد . فقال ( أعط ما لقيصر لقيصر ، وما لله لله ) لم يرد أن يقحم الله في ألاعيب السياسة وشوائبها ومصالحها الدنيوية . أي عكس ما كان يحلمون به تلاميذه بأن يرد الملك لأسرائيل . كما رفض أن يكون ملكاً . كما أحدث تجديد في الولادة الجديدة لعهد جديد ، فقال لنقيدوموس ، إن لم يولد من فوق ، إن لم يولد من الماء والروح لا يمكنه أن يرى ملكوت الله .

   جعل المسيح ذاته طعاماً وشراباً لمن يتناولها لينال الخلاص ، وأحدث ثورة في موت الله ، فمات إبن الله على الصليب ليحيا الإنسان . لهذا نقول :

  كيف يمكن أن يقبل قادة اليهود من الكهنة والكتبة وغيرهم بمثل هذه الثورة ؟ لهذا قرروا القضاء على صاحب هذه الثوراة بالموت . وكيف كان بإمكان أباطرة الرومان المحتلين أن يقبلوا بهذا النظام السياسي الجديد والذي يرفض أن تعبد الأباطرة وقيصر وآلهتهم ؟ لهذا إتهم المسيحيون بأنهم كفرة ، وخونة للسلطة عكس اليهود الذين إدعوا بأن ملكهم واحد ، وهو قيصر رغم كون الرومان مستعمرين لأرضهم وشعبهم .

  ثورة المسيح لا توازيها ثورة في العالم والتاريخ . فقبلَ العالم رسالتهِ رغم أنها نشرت من قبل تلاميذ بسطاء لا يحملون شهادات أو سيوف ، بل نقلوا محبة الله الصادقة إلى العالم كله .  مجداً لأسم يسوع .

توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) ” 16:1 “.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!