الواقع والتغيير في -خطابات الإسكندر- فيصل زريقات – رائد
الأدباء/الكتاب يلجؤون للرمز حتى يستطيعوا أن يمرروا أفكارهم وما يريدون قوله/طرحه، وأحيانا نجدهم يلجؤون لتورية، أو إيجاد شيء/ كائن/شخص آخر يخاطبونه، مبتعدين عن الخطاب المباشر، من خلال استخدام بديل، بديل للمتكلم، وبديل للجمهور المستمعين، من هنا يمكن لأي قارئ/مستمع أن يعلم أن الخطاب موجه له، وليس كما يظهر على (سطح) خطابات قديمة موجه لقوم أصبحوا من الماضي، ولم يعد لهم وجود بيننا الآن.
في هذه الخطابات الموجهة للإغريق: “أيها الإغريق” نجد الواقع الأردني تحديدا، والواقع العربي عموما، فالخطيب يلم بكافة جوانب الحياة العسكرية، والسياسية، والأمنة، والتعليمية والتربوية، والثقافية، والدينية، والاقتصادية، والاجتماعية، والفكرية، والعلمية، كاشفا نواحي الخلل والضعف، ومقدما البديل (الحل).
وبما أننا أمام خطب، فنجدها تتراوح بين نقد الواقع وكشف ما فيه، وبين إعطاء المستمع دفعة معنوية ليتقدم في الطريق الصحيح: “هيا تحركوا وأصنعوا لنا تاريخا جميلا وعقولا تعرف كيف تعيش” ص13، مما يجعل شكل وصيغة ما جاء في الكتاب متماثل تماما مع طبيعة الخطابات.
سنحاول التوقف قليلا عند بعض ما جاء في الخطابات، لتبيان ما أراد كاتبها طرحه فيها، ونبدأ من العقل العربي وارتباطه بالتاريخ الذي يرى نفسه فيه، متجاهلا واقعه المرير وما فيه من انتكاسات وانكسارات: يقول الخطيب: “إنني أرى تاريخكم كما أرى هذه الصخور الوعرة المليئة بالنبات عديم الفائدة، فهو لا يثمر وإن أثمر فهو عجر لا ينفع أو مر لا يؤكل” ص15، هذه الرؤية للتاريخ وكيف ننظر إليه، هي حقيقة، حقيقة أننا نجد أنفسنا في الماضي وليس في المستقبل، حتى أمسى العقل الباطن فينا (يعوض) عجزنا وتقاعسنا بالتوجه إلى الماضي، إلى التاريخ، فعشنا الواقع من خلال هروبنا إلى الماضي، فلا طلنا الماضي ولا تحسن حاضرنا/مستقبلنا.
ويتحدث عن (المصلحين/الأنبياء) الذين يسعون للتغيير والصفات التي تميزهم عن غيرهم: “إننا نحتاج إلى الذين يتمسكون بالمبادئ، دون مصلحة أنانية وينذرون حياتهم بشرف من أجل هذه المبادئ، ويفعلون ما يقولون حتى لو أدى ذلك إلى تحدي المجتمع والحياة” ص16.
كما يحذرنا من الانتهازيين ومن الوصوليين الذي يحترفون التعلق والتسلق على أكتاف الآخرين: “وإنني أُحذركم من هؤلاء الذين يزعمون الثقافة ويلهثون في شرق المدينة وغربها باحثين عن اللبن اللذيذ وأجساد النساء” ص17.
ثم ينقلنا إلى الثورة، إلى ضرورة التغيير، كاشفا وهن السلطة وضعفها: “ولا تخافوا من السلطة فهي كالعجوز التي تخاف من ظلها واصرخوا في وجهها كما تصرخ الريح في شراع السفينة التائهة وانتفضوا…فالويل لكم إذا كان فتات يحولكم إلى مخلوقات أليفة” ص18.
وعن جيش السلطة وطبيعته يقول: “رجالا كالنعاج عاطفيون إقليميون طائفيون بدون باقي الرجال الذين عرفتهم فهم يحبون الحياة ولا يأخذن لقمتهم ولا كلمتهم إلا من اليد العليا وعندما يثورون يسيطر عليهم الهرج، فاعلموا أن الحضارات لا يصنعها الضعفاء ولا المجاملون” ص18.
وعن طبيعة العامة وكيف تساق خلف كل قوي، يقول: “إن الجموع التي كانت اليوم تصفق لي بحرارة هي نفسها التي كانت تصفق لسابقي” ص22.
وعن المرأة وكيف يجب النظر/التعامل معها يقول: “احترموا المرأة حتى العبادة وقدسوها تلد لكم العظماء، وأعلموا أنها روج الجمال ورمز الوطن، وخالقة الثقافة، إنها أنقى وأجمل ما في الوجود” ص23.
ويضيف أيضا: “لا يمكن فصل تخلف وضع المرأة في مجتمع ما عن التخلف الفكري لهذا المجتمع… لا يمكن أن تكون المرأة حرة إذا لم يكن الرجل الذي يعيش معها رجل حر” ص51.
ويقدم أفكارا جديدة عن الحياة: “فإن الحياة نفسها إذا طالت تصبح عذابا… إن قليلا من الحزن يريح القلب، كما أن قليلا من الفرح يريحه أيضا” ص23،
وعن الحرية يقول: “إن الحرية والحياة لا ينفصلان، فإذا سلبت إنسانا حريته فإنك تسلبه حياته كلها، فالإنسان المكبل كالميت المحنط” ص24
ويتحدث الخطيب عن الألم/الهم الذي يقع على كاهل المثقف المبدئي بقوله: “ليتني كنت كحجارة هذه المدينة، ليس لها دموع ليتني كنت ماء وردا أو تبرا … لكنني كالشراع الثائر وسط أمواج المحيط الهادرة” ص27.
وعن الثورة الثقافية يقول: “فالمطلوب هو تحرير الإنسان من السطحية وتربية إنسان جديد بفكر قادر على استيعاب ظروف العصر وتحريره من حالة التخلف الفكري التي تشل من رأسه إلى أخمص قدميه” ص29.
وعن علاقة الشعب بالحاكم يقول: “فالكلام الذي كان مسموحا للرعية أن توجهه للراعي هو قصائد المدح والاسترحام، أما الراعي فقد كانت له كل الحقوق بما فيها استباحة الشعير والبعير…ولا حرج في أن نقول إن حقبا طويلة مرت في تاريخنا وكان نصف مالنا ينفق في مطابخ السلاطين” ص32.
أم عن طبيعة تركيبة الدولة فيقول: “إن الدولة أصبحت تغرق نفسها ببيروقراطية ثقيلة التكلفة وتنمية سخيفة بائسة أو متناسية ضعف البنية الجذرية لمجتمعنا سوف تضع نفسها في مأزق حضاري بعد أن يمزق التناقض هذه الملايين لتكتشف بالنهاية أنها خدعت كل شيء، حتى بالثقافة التي تلبسها” ص32.
كما نجده يرى الدولة أداة للقمع وسلب المواطن: “فالصراع الوحيد الذي كان دائما موجودا هو الصراع بين الإنسان والدولة وقد كان الإنسان هو الغالب دائما” ص33.
ويتحدث عنها كونها أداة لنهب المواطن: “ولقد أورثت الدولة باستمرار وبإخلاص حلب المواطن بشكل متعاقب وتم تكريس كل الطاقات من اجل المحافظة على الركود والانحطاط” ص36.
وعن أهمية العلم يقول: “ليعلم المتلمضون بالكلمات أننا إذا صنعنا العقول الحرة فلن يهمنا بعد ذلك كل الجيوش” ص34.
وعن أهمية تطوير الفكر يقول: ” إن أي فكر لا يتطور يحكم على نفسه بالموت ولا يوجد فكر صالح لكل زمان ومكان” ص36و37.
وعن رجال الدين وخلفاء الله في الأرض يقول: “إن من يحسب نفسه منكم حارسا لخزائن الله على الأرض وبأنه وحده الذي يتكلم الحقيقة وإن من ينكر حقه في ذلك فهو عدو الله…لهو شبيه بالمعتوه الذي يحرس بركة ماء معتقدا أنه لا يوجد ماء إلا في بركته، فما كان إلا أن تحولت بركته إلى مستنقع وهو لا يعلم” ص37.
ويقدم حكمته في الحياة بقوله: ” فلا يمكن أن نحصل على نبة صالحة إذا لم تكن البذرة صالحة” ص41.
وفي نهاية الكتاب يكشف لنا الخطيب حقيقة الخطابات: “بأنه لم يكن يهمني حياة الإسكندر أو حملاته في هذا الكتاب، بل أن الذي كان يهمني هو الرمز في هذا الكتاب، الحكاية كلها” ص67، وهذا يجعل الخطابات موجهة لقارئها الآن، وفي أي وقت لاحق، فهي تتجاوز الزمن والمكان، لتكون صالحة لكل مجتمع يعيش البؤس والذل والفقر والقمع والهزيمة، والتخلف، ويتعلق بأفكار جامدة تجاوزها الزمن والمكان.
الكتاب من منشورات دار النسر للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى1990.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.