مقالات

المدافعين عن حقوق الإنسان وحمايتهم وفق اعلان الأمم المتحدة

مقدمة
المدافعون عن حقوق الإنسان هم أفراد أو جماعات يعملون بطرق سلمية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، سواء على المستوى الوطني أو الدولي. يشمل هؤلاء النشطاء، الصحفيين، المحامين، القضاة، وأحيانًا موظفي الدولة أو أفرادًا من المجتمع المدني الذين يبذلون جهودًا استثنائية لضمان العدالة والمساواة. ومع ذلك، غالبًا ما يواجه هؤلاء المدافعون تهديدات خطيرة، بما في ذلك الاعتقال التعسفي، الترهيب، وحتى الق*ت*ل، مما دفع الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي إلى إصدار إعلانات وقرارات تهدف إلى حمايتهم. في هذه المقالة، سنستعرض إعلان الأمم المتحدة بشأن المدافعين عن حقوق الإنسان، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ودور مجلس الأمن الدولي، بالإضافة إلى الجهود المبذولة لحمايتهم.

إعلان الأمم المتحدة بشأن المدافعين عن حقوق الإنسان
أُقر إعلان الأمم المتحدة بشأن المدافعين عن حقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1998 بقرار الجمعية العامة رقم 53/144، ويُعرف رسميًا باسم “الإعلان المتعلق بحق ومسؤولية الأفراد والجماعات وهيئات المجتمع في تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها عالميًا”. يهدف الإعلان إلى تعزيز وحماية حقوق الأفراد والجماعات الذين يعملون على الدفاع عن حقوق الإنسان بطرق سلمية.
الأهداف الرئيسية للإعلان
تأكيد الحقوق الأساسية: يعيد الإعلان التأكيد على حقوق أساسية مثل حرية التعبير، تكوين الجمعيات، والتجمع السلمي، والحق في الحصول على المعلومات وتقديم المساعدة القانونية.
مسؤولية الدول: ينص الإعلان في المادة 2 على أن الدول تتحمل المسؤولية الرئيسية عن حماية وتعزيز حقوق الإنسان من خلال تهيئة الأوضاع الاجتماعية، الاقتصادية، والسياسية اللازمة لضمان تمتع الأفراد بهذه الحقوق.
حماية المدافعين : يحظر الإعلان أي نشاط يهدف إلى تقويض الحقوق المنصوص عليها في الإعلان، ويؤكد على ضرورة حماية المدافعين من الانتهاكات
الإعلان ليس ملزمًا قانونيًا، لكنه يمثل إطارًا هامًا يعزز الالتزامات الدولية لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان. وقد ألهم إنشاء آليات دولية وإقليمية لحماية هؤلاء النشطاء، مثل المقرر الخاص المعني بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان الذي أُنشئ عام 2000 بقرار لجنة حقوق الإنسان (الآن مجلس حقوق الإنسان).
قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالمدافعين عن حقوق الإنسان
أصدرت الأمم المتحدة عدة قرارات تدعم المدافعين عن حقوق الإنسان، ومن أبرزها:

قرار الجمعية العامة 53/144 (1998): أقر هذا القرار إعلان المدافعين عن حقوق الإنسان، مؤكدًا على أهمية دورهم في تعزيز حقوق الإنسان وضرورة حمايتهم من الانتهاكات.
قرار مجلس حقوق الإنسان 43/16 (2020): جدد هذا القرار ولاية المقرر الخاص المعني بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، مؤكدًا على ضرورة وضع استراتيجيات فعالة لحمايتهم، مع التركيز على التحديات التي تواجه المدافعات عن حقوق الإنسان.
قرار مجلس حقوق الإنسان 40/11 (2019): ركز هذا القرار على المدافعين عن حقوق الإنسان البيئية، مشددًا على دورهم في حماية البيئة والتنمية المستدامة، وضرورة حمايتهم من التهديدات والعن*ف.
تقرير الأمين العام (2018): بمناسبة الذكرى السنوية العشرين للإعلان، طلب الأمين العام إجراء تقييم للتقدم المحرز في حماية المدافعين، مشيرًا إلى التحديات المستمرة مثل الترهيب والاعتقال التعسفي. دور المقرر الخاص انشأت لجنة حقوق الإنسان في عام 2000 منصب المقرر الخاص المعني بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان لدعم تنفيذ الإعلان. تشغل السيدة ماري لولور هذا المنصب منذ مايو 2020، وقد قدمت تقارير دورية تسلط الضوء على التهديدات التي يواجهها المدافعون، مثل تقريرها في مارس 2025 الذي تناول العراقيل التي تواجه النشطاء عالميًا.

دور مجلس الأمن الدولي
على الرغم من أن مجلس الأمن الدولي يركز بشكل رئيسي على حفظ السلم والأمن الدوليين، إلا أنه أشار في عدة قرارات إلى أهمية حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، خاصة في سياق النزاعات المسلحة والأزمات الإنسانية.ومن هذه القرارات:

-القرار 1325 (2000) حول المرأة والسلام والأمن: أكد هذا القرار على ضرورة حماية المدافعات عن حقوق الإنسان في مناطق النزاع، مشددًا على دورهن في بناء السلام.
-القرار 2417 (2018): تناول هذا القرار حماية المدنيين في النزاعات المسلحة، بما في ذلك المدافعون عن حقوق الإنسان الذين يوثقون الانتهاكات أو يقدمون المساعدات الإنسانية.
-القرار 2475 (2019): ركز على حماية الأشخاص ذوي الإعاقة في النزاعات، مشيرًا إلى المدافعين عن حقوق الإنسان الذين يعملون على قضايا الإعاقة.
على الرغم من هذه القرارات، فإن دور مجلس الأمن في حماية المدافعين عن حقوق الإنسان يبقى محدودًا مقارنة بمجلس حقوق الإنسان، حيث يركز المجلس على قضايا الأمن أكثر من قضايا حقوق الإنسان. ومع ذلك، فإن قراراته الملزمة قانونيًا تلعب دورًا هامًا في تعزيز الحماية في سياقات النزاع.
الجهود المبذولة لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان
تتعدد الجهود على المستويات الوطنية، الإقليمية، والدولية لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان، وتشمل:

1. آليات الحماية الدولية:
– إجراءات خاصة: يقوم المقررون الخاصون ومجموعات العمل التابعة لمجلس حقوق الإنسان بمراقبة أوضاع المدافعين وتقديم تقارير حول الانتهاكات.
– هيئات مراقبة المعاهدات: تراقب هذه الهيئات التزام الدول بالمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك حماية المدافعين.
– آلية المراجعة الدورية الشاملة: تتيح هذه الآلية لمجلس حقوق الإنسان مراجعة التزام الدول بحقوق الإنسان، بما في ذلك حماية المدافعين.
2. آليات الحماية الإقليمية:
– في أفريقيا وأوروبا والأمريكتين، تم إنشاء آليات إقليمية لحماية المدافعين، مثل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان. ومع ذلك، لا توجد آليات إقليمية موحدة في العالم العربي أو آسيا، مما يبرز الحاجة إلى تعزيز الحماية في هذه المناطق.
– الميثاق العربي لحقوق الإنسان، الذي أقرته جامعة الدول العربية، لا يتضمن آلية فعالة للشكاوى الفردية، مما يحد من فعاليته في حماية المدافعين.
3. آليات الحماية الوطنية:
– أوصت الأمم المتحدة الدول بإنشاء مؤسسات وطنية مستقلة لحقوق الإنسان (NHRIs) لدعم المدافعين. وقد أنشأت 117 دولة مثل هذه المؤسسات ،مع تميز السويد بإنشاء أربع مؤسسات متخصصة، وكذلك في العراق حيث المفوضية العليا لحقوق الانسان التي شكلت وفق قانون رقم 53 لسنة 2008 المعدل .
بعض الدول، مثل كوستاريكا، التزمت بحماية المدافعين البيئيين من خلال سياسات وطنية تهدف إلى مساءلة الشركات وأصحاب المصالح.
جهود المجتمع المدني
– منظمات مثل “الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان” و”مدافعون على الخط الأمامي” تقدم الدعم للمدافعين من خلال برامج تدريب، حماية جسدية ورقمية، ومنح مالية.
– القمة العالمية للمدافعين عن حقوق الإنسان (باريس، 2018) وضعت خطة عمل لتعزيز حماية المدافعين، مع التركيز على القضايا البيئية والتمييز بين الجنسين.
التحديات التي تواجه المدافعين عن حقوق الإنسان
على الرغم من هذه الجهود، يواجه المدافعون تحديات جمة، منها:
التهديدات والعن*ف: يتعرض المدافعون، خاصة في مجال البيئة، للتهديدات، المضايقات، وحتى الق*ت*ل. على سبيل المثال، قُتل العديد من المدافعين البيئيين من الشعوب الأصلية بسبب عملهم.
التجريم: يُوصف المدافعون أحيانًا بـ”المجرمين” أو “الار*ها*بيين” لتبرير استهدافهم .
غياب الحماية الإقليمية: في مناطق مثل العالم العربي، تفتقر الآليات الإقليمية إلى الفعالية، مما يعرض المدافعين لمخاطر أكبر.
الافتقار إلى المساءلة: غالبًا ما تفشل الدول في محاسبة الجهات المسؤولة عن الانتهاكات ضد المدافعين.
توصيات لتعزيز حماية المدافعين
1.تعزيز الآليات الدولية والإقليمية: يجب على الدول العمل على إنشاء آليات إقليمية فعالة، خاصة في العالم العربي وآسيا، لدعم المدافعين.
2. تشريعات وطنية قوية: ينبغي للدول سن قوانين تحمي المدافعين وتضمن استقلالية المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان.
3. تعزيز المساءلة: يجب محاسبة الشركات والجهات التي تنتهك حقوق المدافعين، مع تقديم تعويضات للضحايا.
4. دعم المجتمع المدني: ينبغي تعزيز التعاون بين المؤسسات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني لتوفير الحماية والتدريب للمدافعين.
5. تسليط الضوء على المدافعات: يجب إيلاء اهتمام خاص بالتحديات التي تواجهها المدافعات عن حقوق الإنسان، خاصة في القضايا التمييزية بين الجنسين.
خاتمة
يُعد إعلان الأمم المتحدة بشأن المدافعين عن حقوق الإنسان وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي خطوات هامة نحو حماية أولئك الذين يكرسون حياتهم للدفاع عن حقوق الإنسان. ومع ذلك، فإن التحديات المستمرة تتطلب جهودًا متضافرة من الدول، المؤسسات الدولية، والمجتمع المدني لضمان بيئة آمنة وداعمة للمدافعين. من خلال تعزيز الآليات الدولية والإقليمية، وسن تشريعات وطنية قوية، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، يمكننا ضمان استمرار المدافعين في دورهم الحيوي في بناء عالم أكثر عدالة ومساواة.

المصادر
1. OHCHR, “نبذة عن المدافعين عن حقوق الإنسان,” https://www.ohchr.org[](https://www.ohchr.org/ar/special-procedures/sr-human-rights-defenders/about-human-rights-defenders)
2. الجزيرة نت, “إعلان حماية المدافعين عن حقوق الإنسان,” 2016, https://www.aljazeera.net[](https://www.aljazeera.net/2016/03/09/%25D8%25A5%25D8%25B9%25D9%2584%25D8%25A7%25D9%2586-%25D8%25AD%25D9%2585%25D8%25A7%25D9%258A%25D8%25A9-%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2585%25D8%25AF%25D8%25A7%25D9%2581%25D8%25B9%25D9%258A%25D9%2586-%25D8%25B9%25D9%2586-%25D8%25AD%25D9%2582%25D9%2588%25D9%2582-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A5%25D9%2586%25D8%25B3%25D8%25A7%25D9%2586)
3. المركز السوري للإعلام وحرية التعبير, “حقوق المدافعين عن حقوق الإنسان,” 2011, scm.bz[](https://scm.bz/%25D8%25AD%25D9%2582%25D9%2588%25D9%2582-%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2585%25D8%25AF%25D8%25A7%25D9%2581%25D8%25B9%25D9%258A%25D9%2586-%25D8%25B9%25D9%2586-%25D8%25AD%25D9%2582%25D9%2588%25D9%2582-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A5%25D9%2586%25D8%25B3%25D8%25A7%25D9%2586/)
4. Amnesty International, “الدفاع عن المدافعين عن حقوق الإنسان,” 2019, https://www.amnesty.org[](https://www.amnesty.org/ar/documents/ior60/0995/2019/ar/)
5. OHCHR, “لضرورة الإصغاء إلى المدافعين عن حقوق الإنسان البيئية وحمايتهم,” 2022, https://www.ohchr.org[](https://www.ohchr.org/ar/stories/2022/03/environmental-human-rights-defenders-must-be-heard-and-protected)
6. OHCHR, “المقرر الخاص المعني بالمدافعين عن حقوق الإنسان,” https://www.ohchr.org[](https://www.ohchr.org/ar/special-procedures/sr-human-rights-defenders)
7. Amnesty International, “قمة عالمية تؤكد على تعهدات جديدة لحماية المدافعين,” 2018, https://www.amnesty.org[](https://www.amnesty.org/ar/latest/press-release/2018/10/world-summit-brings-surge-of-new-commitments-to-protect-human-rights-defenders/)
8. الأمم المتحدة, “ميثاق الأمم المتحدة,” 2024, https://www.un.org[](https://www.un.org/ar/about-us/un-charter/full-text)
9. @hespress, تقرير المقررة الخاصة ماري لولور, 6 مارس 2025, X
#سرود

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!