مقالات دينية

القديسون الشهداء ( بمفيس البيروتي ورفقته ) ” 307م “

القديسون الشهداء ( بمفيس البيروتي ورفقته ) ” 307م “

إعداد / وردا إسحاق قلّو

القديسون الشهداء ( بمفيس البيروتي ورفقته ) " 307م "

 ملاحظة : سنبدأ هذه السنة بنشر سيرة قديسي بلاد لبنان بعد أن نشرنا في السنة الماضية قديسي سوريا . كذلك سننشر هذا العام سيرة قديسين آخرين من بلدان أخرى في موضوع مستقل ، والرب يبارك كل الأخوة القراء . وكل عام والجميع بخير وصحة وفرح المسيح المولود بيننا .

   إستشهد بمفياس ورفقته البالغ عددهم أحد عشر في قيصرية فلسطين زمن الأمبراطور الروماني مكسيمينوس ديا في حدود العام 307 للميلاد .

   فأما بمفيلس فقيل عنه إنه بيروتي الأصل ، أقام في الأسكندرية تلميذاً لبياريوس الذي خلّفَ أوريجينوس المعلم على رأس مدرسة الأسكندرية للتعليم المسيحي . كان جدّ متحمس لمعلمه وإعتنى بالفقراء . صبّ إهتمامه على السلوك في الفضيلة والتأمل في الكتاب المقدس . ومن الأسكندرية إنتقل بمفياس إلى قيصرية فلسطين حيث أضحى كاهناً وأهتم بالمدرسة اللاهوتية التي أسسها أوريجنيس هناك . بكلام أفسافيوس القيصري . الذي منه استمددنا خبرة وخبر رفقته ، أشتهر بمفليس بكل فضيلة جميع أيام حياته ، ونبذ العالم وإحتقاره ، وإشراك المحتاجين في ممتلكاته .

 والإزدراء بكل الأمجاد الأرضية ، والحياة الفلسفية النسكية ، وفاق الجميع في عصرنا بصفة خاصة في الإنكباب على الأسفار الإلهية ، والجهد الذي لا يكل في كلّ ما يعهد إليه ومساعدته لأقربائه ومعارفه . وأضاف أفسافيوس أنه وضع أخبار فضيلته في مؤلف خاص ، من ثلاث كتب .

   هذا وقد تم توقيف بمفيلس خلال العام 307م إثر موجة الإضطهاد التي اندلعت على المسيحيية بشراسة في تلك الآونة . استيق إلى حضرة حاكم فلسطين ، أوربانوس ، الذي شاءهُ أن يقدم الذبائح للأوثان فأبى . فما كان من الحاكم سوى أن عرّض بمفيلس للتعذيب وألقاه في السجن .

    أما الثاني بعد بمفيلس فهم فالنس ، هذا كان شماساً من إليا ، أي من اورشليم وكان مكرماً لشيبته الوقورة ، واسع الإطلاع على الأسفار الإلهية أكثر من أي شخص آخر بكلام أفساسيوس . حفظها عن ظهر قلب حتى أنه لم يكن في حاجة للرجوع إليها إن أراد إستعادة أي فقرة من الكتاب المقدس .

    ثالث الشهداء كان بولس من بلدة يمنيا . إشتهر بغيرته وحرارة روحه ، وقبل إستشهاده عانى الكيّ بالنار .

    بقي الثلاثة ، بمفيلس وفالنس وبولس ، في السجن سنتين . ولما حان وقت إستشهادهم وصل أخوة من مصر وإشتركو معهم في الآلام . هؤلاء رافقوا معترفين إلى كيليكيا للعمل في مناجمها ثم شرعوا في العودة إلى أوطانهم . فلما بلغوا أبواب قيصرية فلسطين لاحظهم الحرّاس فسألوهم عن هويتهم والمكان ألذي قدموا منه . فقالوا ألحقّ وجاهروا بمسيحيتهم ، فقبض عليهم متلبسين بما كانت تحسبه السلطات ج#ريم*ة وألقوا بهم في السجن .

   في اليوم التالي ، هنا يذكر أفسافيوس تاريخاً محدداً ، التاسع عشر من شهر بيريتوس ، أو الرابع عشر قبل شهر مارس بحساب الرومانيين . دفع المصريون الخمسة إلى القاضي . كذلك مثل بمفيلس ورفيقاه للمحاكمة مجدداً . أول ما فعله القاضي بالمصر يين الخمسة أن أختبر ثباتهم بكل أنواع التعذيب . وبإستعمال آلات غريبة متنوعة . هذا يذكر أفسافيوس أنه بعد إيقاع الأهوال على زعيم الجماعة ، سأله القاضي عن شخصيته من يكون ، فسمع إسم نبيّ بدلاً من إسمه لأن العادة سرت بين المسيحيين أن يتخذوا أسماء أخرى بدل أسمائهم الوثنية التي أطلقها عليهم أباؤهم . هؤلاء الخمسة لقّبوا أنفسهم بالأسماء التالية :

   إيليا – إرميا – إشعيا ، صموئيل ، ودانيال . فلما سمع فرمليانوس القاضي هذه الأسماء ، سأل من أين أتوا ؟ فقيل له من أورشليم ، وكانوا يقصدون اورشليم العليا إستناداً لقول بولس الرسول : وأما أورشليم العليا التي هي أمنا جميعاً فهي حرة ( غلا 26:4 ) وأيضاً قد أتيتم إلى جبل صهيون وإلى مدينة الله الحي أورشليم السماوية ( عب 22:12 ) . لم يرق الجواب للقاضي فسأل أين توجد هذه المدينة ؟ فقالوا له إنها وطن الأتقياء فقط وتقع في الشرق البعيد في مشرق الشمس ، أورشليم ، في ذلك الزمان لم تكن تدعى بهذا الإسم ، بل كانت تعرف ب ( إليا ) . للحال خطر ببال القاضي أن هؤلاء المسيحيين المشبوهين يعدّون لبناء مدينة معادية للرومانيين فطلب المزيد من المعلومات عنها . ولكي يجبر الجماعة على البوح بما إعتبره سرّاً أشبع الخمسة ضرباً وتعذيباً ، ولكن على غير طائل . ولما لم يظفر القاضي ببغيته حكم على الخمسة بالموت . على الأثر تحوّلُ فرمليانوس إلى بمفيلس ورفيقيه فسألهم ما إذا كانوا مستعدين لأن يكونوا أكثر تعاوناً وطاعة من ذي قبل فألفاهم على موقفهم . لا يتزحزحزن . ولما تلقى من كان واحد الإجابة الرافضة عينها كأخر كلمة له حكم على الثلاثة بالموت . في تلك الأثناء أنبرى من بين الجمع شاب يدعى برفيريوس كان خادماً لبميلس تربى في الحياة الفضلى على يديه . هذا لما سمع بالحكم الصادر إليه وأمر بالقبض على الشاب وإخضاعه للتعذيب ، وإذ عُرض على برفيريوس أن يذبح للأوثان رفض فأشار القاضي إلى المُعذبين بكشط جلده حتى إلى العظم والأحشاء ففعلوا . وبخلاف ما كان الحاكم يظن ثبت برفيريوس طويلاً . أخيراً أمر فرمليانوس بشيّه على نار خفيفة فأسلم الروح . هكذا وصفه أفسافيوس في لحظاته الأخيرة : ” كان المرء يستطيع أن يرى برفيريوس كرجل خرج ظافراً من كلّ موقعه . جسده مغطى بالتراب ، أما طلعته فباشة رغم كل تلك الآلام ، متقدماً للموت بشجاعة نادرة وثبات عجيب . وإذ كان ممتلئاً بالروح القدس . مرتدياً الثوب الفلسفي ( يقصد به حياة الإيمان بيسوع ، تلك كانت فلسفته ) الذي تغطى بع كعباءة . أومأ إلى أصدقائه برزانة عما أراد ، محتفظاً ببشاشة الوجه حتى وهو مشدود إلى الخشبة التي أعدت له . وعندما أشعلت النيران حولهُ في شكل دائرة وعلى بعد قليل منه ، وصار يستنشق اللهب في فمه ، ظل مستمراً في صمته ببسالة نادرة منذ تلك اللحظة حتى مات بعد الكلمة الوحيدة التي نطق بها إذ مسّهُ اللهيب ، صارخاً وطالباً معونة يسوع إ[ن الله . هكذا كان نضال برفيريوس .

هذا وقد نقل رسول إسمه سلوقس نبأ موت برفيريوس إلى بمفيلس . كان هذا الرسول من المؤمنين بيسوع وكان عسكرياً فاق أقربائه في القامة والقوة البدنية والفخامة والشجاعة ، وقد جاء من كبادوكيا . فلأنه حمل رسالة كهذه أهله الله لمصير الشهداء . فما إن روى نبأ موت برفيريوس وحيّ أحد الشهداء بقلبه ، ألقى الجنود القبض عليه وساقوه إلى الوالي الذي أمر بموته للحال . وقد ذكر أفسافيوس أن هذا الشهيد برز جداً في نضال الإعتراف بصبرهِ على الجلدات التي تحمّلها . وقال عنه أيضاً أنه بعدما ترك الجيش وضع نصب عينيه الإقتداء بالنسّاك . كما أظهر كأنه أسقف . نصير للأيتام والأرامل اللواتي لا سند لهن . وكذا للمتألمين الذين كانوا يعانون الفقر والمرض كأنه أبوهم وولي أمرهم . ولعله لهذا السبب ، على حد تعبير أفسافيوس ، أعتبر خليقاً بدعوة خاصة للإستشهاد إلأيه من الله الذي يسر بهذه الأمور أكثر من دخان الذبائح ودمائها .

  وتبع سلوقس شيخ تقي وقور إسمه ثيوذولس كان مسيحياً وكان أحد خدام الوالي فرمليانوس نفسه . فلما جاهر بإيمانه غضب سيّده عليه أكثر مما غضب على الذين تقدّموه وحكم عليه بالموت صلباً .

   أما الثاني عشر والأخير فهو يوليانوس ، هذا شاء الرّب الإله أن يصل من سفر في ذلك الوقت بالذات الذي كان الشهداء يتساقطون أمام الجمع الواحد تلو الآخر . فاندفع في الحال ليراهم . ولما رأى أجساد القديسين مطروحة على الأرض تقد فعانقهم وقبلهم جميعاً وكلّهُ جسارة وفرح . فلما رآه الجند بتصرف على هذا النحو ألقوا القبض عليه وساقوه إلى فرمليانوس الذي أمر يطرحه في نار بطيئة . للحال قفز يوليانوس فرحاً . وبصوت عال شكر الرب الذي حسبه أهلاً لمثل هذه الأمور ونال إكليل الشهادة . هو أيضاً كان كبادوكياً وكان في سلوكه ، حريصاً ، أميناً ، مخلصاً ، غيوراً في كلّ النواحي ، مسوقاً بالروح القدس نفسه .

   تركت أجساد القديسين الطاهرة المباركة طعاماً للوحوش أربعة أيام وأربع ليال . ويفضل عناية الله لم يقترب إليها شىء ، لا وحوش ضارية ولا طيور جارحة ولا كلاب . وقد رفعت سليمة وبعد الإستعدادات المناسبة دفنت بالطريقة العادية . وقد ذُكر إنها نقلت في وقت لاحق إلى إنطاكية ومنها إلى القسطنطينية .

    أخيراً ذكر أفسافيوس أن غضب السماء حلّ ، في وقت وجيز ، على الولاة الفجار ، وكذا على الطغاة أنفسهم فرملينوس نفسه الذي أساء إلى شهداء المسيح قُتل بالسيف بعد أن عانى أقصى قصاص مع الآخرين .

    يذكر أن أفسافيوس الذي كتب عن بمفيلس ورفقته كان أحد تلامذته . تعيّد لهم الكنيسة الغريبة مثلنا هذا اليوم .

نطلب شفاعته وصلواته . 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!