القانون الجنائي و الميتافيرس: حين تصبح الج#ريم*ة بلا حدود –
مع كل قفزة تكنولوجية يشهدها العالم تتغير ملامح الجرائم وأساليب ارتكابها واليوم نقف أمام تحدٍّ جديد يتمثل في عالم الميتافيرس هذا الفضاء الرقمي الهائل الذي يحاكي الواقع ويمنح الإنسان القدرة على الدخول بشخصية افتراضية “أفاتار” والتفاعل مع الآخرين البيع والشراء توقيع العقود، بل وحتى إنشاء مجتمعات كاملة لا تخضع إلا لقوانين رقمية قد تغيب عنها الرقابة أو المسؤولية.
لكن ماذا لو تحولت هذه المساحة الافتراضية إلى مسرح لجرائم خطيرة؟ كيف سنتعامل قانونيًا مع الابتزاز الإلكتروني والت*حر*ش الجنسي الافتراضي والاحتيال والسرقة الرقمية والتشهير داخل الميتافيرس؟ هل يكفي القانون الجنائي التقليدي للتصدي لهذا الواقع الجديد؟
القانون الجنائي العراقي كسائر التشريعات التقليدية وُضع لمعالجة جرائم ذات طبيعة مادية وملموسة في العالم الواقعي يقوم على مبدأ “لا ج#ريم*ة ولا عقوبة إلا بنص”، ويشترط توافر الركن المادي للج#ريم*ة ووقوع ضرر فعلي لكن الميتافيرس يكسر هذه القواعد فالج#ريم*ة هنا قد تقع على “أفاتار”، وقد تُسرق أصول رقمية أو تُرتكب أفعال تمس كرامة الإنسان وحقوقه دون أن تترك أثرًا مادياً مباشراً في الواقع.
المعضلة الأخطر تكمن في تحديد المسؤولية الجنائية من الذي يُحاسب قانونيًا؟ هل هو الشخص الحقيقي خلف الأفاتار؟ أم أن المنصة الافتراضية تتحمل جزءًا من المسؤولية لعدم توفير بيئة آمنة؟
كل هذه التساؤلات تفرض على المشرّع العراقي والعربي التحرك سريعًا لصياغة قوانين حديثة تستوعب هذا العالم الرقمي المتطور وتجعل من الميتافيرس مساحة محكومة بالقانون لا ملاذًا آمناً للمجرمين. فالعالم الافتراضي اليوم بات امتداداً للواقع، والعدالة يجب أن تلاحق الج#ريم*ة أينما وُجدت… حتى لو كانت خلف شاشة !
ولا شك في ان خطورة جرائم الميتافيرس لاتؤثر على الجانب الفردي فحسب بل تمتد لتشكّل تهديداً حقيقياً للأمن القومي والاقتصاد الوطني خاصة مع انتشار الأصول الرقمية والعملات المشفرة التي تُستخدم كغطاء لغسل الأموال وتمويل الار*ها*ب داخلهذه العوالم الافتراضية بعيداً عن أعين الرقابة المالية التقليدية لذلك أصبح من الضروري إدراج الجرائم الافتراضية ضمن منظومة التجريم والعقاب ووضع تشريعات خاصةتواكب هذه التحديات المستجدة مع تفعيل التعاون الدولي في تتبع الجرائم العابرة
للحدود والتي قد تبدأ داخل الميتافيرس وتنتهي بتهديد واقعي للدول والمجتمعاتفمستقبل العدالة الجنائية لن يُبنى فقط داخل قاعات المحاكم بل سيمتد إلى الفضاء الرقمي حيث يجب أن يُدرك المشرّعون أن العالم الافتراضي بات واقعاً لا يمكن تجاهلهأو تركه بلا ضوابط قانونية تحمي الإنسان وحقوقه في كل زمان ومكان.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.