الفردوس وكلّ «السينمات» وثقافة الوزير
الفردوس وكلّ «السينمات» وثقافة الوزير
د . فاتح عبد السلام
كانت الموصل أبرز مدينة عراقية في غناها بدور العرض السينمائي، لعلّها كانت تتفوق على بغداد ذاتها. قبل قليل اعادني نص شعري رائع لمروان ياسين يحمل عنوان “سينما الفردوس” ونشرته الزمان الدولية، الى ذلك العالم الذي اندثر في المدينة العريقة بتنوعها واتجاهاتها التي لم تشهد الغاء أحد لصالح آخر، قبل ان تنجرف مع موجات ظلامية بعد الاحتلال الأمريكي، ومن ثمّ نمو الطفيليات.
كانت في الموصل منذ الأربعينات دور لعرض افلام السينما العربية والعالمية، ولعلّ فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي شهدت المرحلة الذهبية التي كانت السينما فيها من معالم الحياة الثقافية والاجتماعية في الموصل. وكانت أسماء دور العرض مرتبطة بأنواع معينة من الأفلام في توجه يشبه التخصص أحياناً بين الأفلام الرومانسية وأفلام الاكشن والأفلام الهندية وسواها، ويتوزع ذلك الغنى والثراء المعرفي والفني والجمالي على سينما لوكس وأطلس والسندباد وسمير أميس والنجوم والفردوس والجمهورية واشبيلية وغرناطة وحمورابي، فضلا عن سينما المركز الطلابي أو أفلام المركز الثقافي الاجتماعي لجامعة الموصل لاحقاً.
وكانت الصالات مبردة ومُكيفة، وذات تصاميم حديثة حتى بالقياس على عمارة زماننا اليوم. ولن أنسي كيف كنتُ مداوما مع صديقي جاسم كل يوم تقريباً في فترة ما بعد خروجي من محاضرات الجامعة ظهرا، والولوج الى دار سينما تعرض فيلما جديدا، لنقضي الظهيرة، وبعدها نخرج لندخل مكتبة “اقرأ” او “شاهين” بالدواسة نتابع إصدارات الكتب الحديثة التي كانت تصل باستمرار من بيروت والقاهرة، ويكون يومنا قد ختمناه بفيلم وكتاب، لنبدأ بعده يوماً طلابياً جامعياً جديداً لا يقل في ثرائه عن يوم سبقه.
وزراء الثقافة بالعراق اليوم يقتعدون المناصب ويغادرونها ولا يلتفتون الى كنوز الحياة الثقافية المندثرة والتي لها دور أساسي في تنمية جماليات المجتمع ومسارات اذهان الشباب والنُخب في المدن المهمة. وزير الثقافة بات يركض وراء المتداول العادي واليومي من دون خطط استراتيجية أو يهرول منقاداً لما هو مرسوم في الإطار الدولي مثل “الاثار” التي لها جانب اكاديمي أولاً وعالمي ثانياً بلا شك، لكن ليس على حساب استنهاض النقاط المضيئة المكونة لتاريخ معالم المدن العراقية الكبيرة.
هل يفكر وزير الثقافة باقتراح بناء الدولة مع القطاع الخاص دوراً للسينما مجدداً في المدن الكبيرة، بدل مضيعة الاموال على التوافه والزوائل وما أكثرها، ولنا عودة عميقة وكاشفة اليها. أعرف انّ هموم المسوولين تصب في مسارات أخرى بعيدة تماماً عنه روح المسؤولية التاريخية لعناوينهم البراقة، واعلم أنّ التبريرات جاهزة لتقال في الرد على ما قوله هنا، فقد اعتدنا رد العاجزين الضالين المضلين.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.