آراء متنوعة

الغشاش في القاعة والعقوبة في الشارع؟

عماد آل جلال

في العراق، لم تعد الامتحانات الوزارية حدثاً تعليمياً فحسب، بل تحوّلت إلى أزمة وطنية متكررة. ومن أغرب ما فيها أن الدولة، بكل مؤسساتها وخططها الرقمية، تلجأ إلى إغلاق الإنترنت في عموم البلاد لمدة ساعتين يومياً أثناء الامتحانات، وكأنها تضغط زر “إيقاف الحياة” لإيقاف الغش.
ما يجري لا يمكن تبريره منطقياً ولا تقنياً. ففي الوقت الذي تتحدث فيه الوزارات عن “الحوكمة الإلكترونية” و”التحول الرقمي”، تنظر وزارة التربية للإنترنت كأنه هو الجاني الحقيقي، وتتجاهل حقيقة وجود ضعف في البنى الرقابية، وتساهل في ضبط البيئة الامتحانية نفسها؟
ببساطة ما تخسره الدولة من هذا القرار أكثر مما تربح. تتضرر البنوك، والمستشفيات، والجامعات، وشركات التجارة الإلكترونية، وحتى الناس العاديون الذين بات الإنترنت جزءاً من أبسط تفاصيل يومهم. إنه قرار جماعي لمعاقبة الجميع بسبب خلل إداري وتقني في بضع قاعات امتحان.
في بلدان العالم التي تحترم التقنية، لا يُطفأ الإنترنت من أجل امتحان، بل تُشغَّل حلول ذكية: كاميرات، أجهزة تشويش محلية، أنظمة مراقبة رقمية، وبنوك أسئلة مؤمنة. أما في العراق، فالأسهل دائماً هو “إطفاء الزر” بدل تشغيل المنظومة.
الغش ليس وليد التكنولوجيا، بل هو نتيجة ضعف في الإرادة الإدارية والمهنية. أما الإنترنت، فهو ليس عدواً، بل حليف يمكن أن يتحول إلى أداة رقابة وتعليم، لو أحسنّا استخدامه.
نحتاج في العراق إلى أن نُعيد تعريف الأمن التربوي، لا كمسألة انضباط فقط، بل كمسار إصلاحي يشمل النظام كله: من إعداد الأسئلة إلى بناء الثقة بالمؤسسات. أما إطفاء الإنترنت كل عام، فهو ليس حلاً… بل علامة فشل نُكرّرها بثقة.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!