آراء متنوعة

العراق بين الهويات الفرعية والهوية الجامعة

أ. د. سامي جودة الزيدي

تُعدّ وحدة الهوية الوطنية وتفاعل أبناء الأمة ضمن مشروع وطني يحفظ مصالح الجميع من أهم عوامل الاستقرار والتنمية. ويأتي ذلك مع احتفاظ كل فرد بهوياته الفرعية المتعددة، التي تظل في مرتبة ثانوية أمام الهوية العليا: هوية الوطن والمواطنة. فجميع أبناء الأمة الواحدة في مركب واحد، مهما اختلفت اتجاهاتهم العقدية والفكرية. وإذا غرق المركب، غرق الجميع دون استثناء. لذا، لا بد للجميع من توحيد هويتهم والتمسك بها، فهي الضامن الوحيد لاستمرار النسيج الجمعي لأبناء الأمة، حاضرًا ومستقبلًا.

إن الغوص في بحر الروايات التاريخية والعيش داخلها يكلّفنا الكثير، لا سيما إذا تمسكنا بحبال الفرقة والخصومة التي صنعتها أيادٍ خفية، سعت إلى تمزيق نسيجنا الاجتماعي، ليظل حاضرنا مهددًا بالاقتتال، مما يؤدي إلى ضعفنا وتفكك وحدتنا، وبالتالي يسهل السيطرة علينا، فنفقد الحاضر والمستقبل لصالح تاريخ الفتنة والصراع.

إن صناعة الهويات الفرعية المتعددة هي من أدوات الاستعمار الحديث، الذي يكرّس إعلامه المضلل لتمزيق الهوية الجامعة وتحويلها إلى هويات متنازعة، تخضع للعقل الجمعي وتترسخ في ذهن الأمة. فمصطلحات مثل: “الذيل”، و”ابن السفارات”، و”الجوكر” وغيرها، التي شاع استخدامها بين أبناء الشعب الواحد، لم تكن إلا أدوات لتمزيق اللحمة الوطنية، وتعزيز الفرقة، وخلق هويات متناحرة تصنع حواجز بين الإخوة ذوي الهوية الواحدة، فيحقد بعضهم على بعض، ويكره بعضهم بعضًا، وكأنهم شعوب متعددة وأمم مختلفة، يحاول كل منهم الإطاحة بالآخر، رغم أنهم قد يكونون من أسرة واحدة أو عشيرة واحدة، أو حتى من عقيدة واحدة. العدو لا يخسر شيئًا سوى صناعة المصطلح وتصديره، ليتم تبنيه محليًا وفق إرادته.

كما أن ضعف الدولة، وعدم امتلاكها جهازًا إعلاميًا قادرًا على مواجهة الهجمات الإعلامية للعدو وتفكيكها، أدى إلى إشاعة هذه المصطلحات الممزقة. ويُضاف إلى ذلك افتقار الدولة إلى فلسفة واضحة في علاقاتها مع المحيط الدولي، وعدم توجيه إعلامها بما ينسجم مع تلك الفلسفة، مما يدفع المواطن إلى التيه وعدم الثبات على نهج واضح في التعامل مع العالم.

إن الدولة تتحمل مسؤولية كبرى في تمزيق الهوية الجامعة، فهي الحاضنة الأساس لاستمرار وحدتنا وتوحيد أطيافنا في إطار وطني جامع لا يقبل التشظي أو الانقسام، ولا ينبغي التنازل عنه أو المساومة عليه. فبدون هذه الهوية الجامعة نصبح فئات مشتتة يسهل القضاء علينا. ولا ضير من وجود العقيدة، والمذهب، والانتماء العشائري كهويات فرعية، لكنها لا يمكن أن تكون بديلًا عن الهوية الوطنية العليا.

فالعراقية هي الهوية الجامعة لكل العراقيين، والمواطنة هي الأساس المشترك الذي يؤطر مصيرنا، ويشكّل عامل وحدتنا وقوتنا ونهضتنا واستقرار حياتنا .

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!