الحوار الهاديء

المهنة والوظيفة والهوية القومية

الكاتب: نزار ملاخا
المهنة والوظيفة والهوية القومية

حيّا عما كلدايا

نزار ملاخا
نحن أمام طريقين رئيسيين هما : ــ الكفاح أو الصراع من أجل البقاء حيث أن الجميع مهددون بالفَناء، ولم يبق شئ أسمه أمن أو أمان أو تملك أو غيرذلك، الصراع على أشده من أجل العثور على لقمة العيش بكل الطرق حيث أن الطرق النظيفة والعفيفة والشريفة أصبحت أغلبها في خبر كان، والثاني هو النضال من أجل الهوية
موضوع مهم جداً خاصة في هذه المرحلة المزدوجة والتي يمر بها شعبنا العراقي بوجه عام وشعبنا الكلداني على وجه الخصوص، إزدواجية هذه المرحلة هي في المنافسة ما بين هدفين القومية، ومسؤولية الفرد والدولة العراقية تحديداً( المركز والإقليم) والمجتمع الدولي في الحفاظ على سكان ما بين النهرين الأصليين وهم الكلدان بكافة تسمياتهم سواء كانوا كلدان الجبال أو النساطرة( التسمية المذهبية القديمة للكلدان قبل أن يعتنقوا المذهب الكاثوليكي).
هنا لا يمكن إستثناء أحد والموضوع هو تحديداً حول الكنيسة والكهنوت والكهنة، والسؤال المطروح هو :  هل الكهنوت مهنة أم وظيفة؟ ومهما يكن هل يتعارض ذلك مع الهوية القومية لرجل الدين ايّاً كان ؟
بعض الأسئلة ارتأيتُ أن أثبتها في المقدمة كمدخل للموضوع وهي، هل الكهنوت مهنة أم وظيفة ؟ أم الإثنين معاً ؟ وما علاقة المهنة أو الوظيفة بالهوية القومية؟ وهل مَن يختص بمهنة معينة يتوجب عليه أن يتنكر لهويته القومية أو الوطنية أو المناطقية أو العشائرية بحجة الأممية؟ وهل تعتبر مهمات الكاهن أممية أم محدودة بالوطن أم بالعشيرة والقومية ؟ يعني هل يجوز للسمكري أن يمتنع عن تقديم خدماته لغير بني قومه ؟ هل يصح للطبيب أن يمتنع عن الإجابة عندما يُسأل عن هويته القومية بحجة أنه طبيب لجميع الناس؟ وهل يُسقط المعلم من حساباته إنتمائه الوطني بحجة أنه معلم لكل فئات الشعب ؟ وكذلك بيت القصيد الكاهن هل يجب أن يُسقط  من حساباته كل هذا الإرث القومي والمناطقي والوطني لأنه كاهن وبحجة أنه يقدم الخدمات الدينية لكل الأمم( أذهبوا وتلمذوا جميع الأمم) ! هل هناك تجارب على ذلك ؟
على سبيل المثال هناك الكثير من رجال الدين ممن خدموا في أنحاء متفرقة من دول العالم في تركيا العثمانية وفي الهند والصين ودول أوربا، ولكن عندما كانوا يُسأَلون عن بلدانهم كانوا يجيبون بكل جرأة، وهذا أحد رجال الدين يقول ويكتب بأنه كلداني، المطران يعقوب أو جين منا الكلداني والقس بطرس نصري الكلداني وآخرون كثيرون، لماذا تقف الكنيسة اليوم بوجه هذه الهوية؟ لماذا يتنكر رجال الدين لهويتهم القومية ولغتهم وتراثهم بحجة واهية وهي أنهم رجال دين ؟ مَن نكر عليكم هويتكم الدينية ؟
يحدثنا التأريخ الكلداني بأن الكلدانيون أمتهنوا العلوم المقدسة منذ غابر الأزمان( مارگريت روثن، علوم الكلدانيين، ترجمة الأب الدكتور يوسف حبي إلى علوم البابليين) أمتهنوا علم الفلك والرياضيات والهندسة، وابدعوا فيها وتفاخروا بهويتهم القومية الكلدانية.
الموسوعة الحرة تحدثنا عن المهنة بأنها وظيفة مبنية على اساس من العلم والخبرة وتحكمها قوانين وأنظمة، أو هي الحرفة التي بواسطتها يمكن تطبيق المعرفة.
يحسن بنا أن نعطي موجزات مختصرة عن هذه المصطلحات المختلفة والمترابطة،
العمل WORK هو بذل جهد سواء كان فكري أو عضلي، وسواء من أجل مادة أو مقابل أشياء أخرى كأن ( تكون مقايضة) إنجاز عمل مقابل غذاء أو مادة. ويمكن أن يكون مهنة أو شغل أو وظيفة.
المهنة  CAREER وهي وحدة من وحدات العمل، على سبيل المثال، الطب والهندسة والتجارة والكهنوت، كلها مهن، من هذا المفهوم نعتبر المهنة هي الطريق والوظائف هي المحطات المنتشرة على طول هذا الطريق.
الوظيفة JOB  هي محطة من محطات المهنة، وهي جزء منها، ولهذا نرى في المهنة الواحدة عدة وظائف، والوظيفة تكون (على الأغلب) محدودة الأجل، بعكس المهنة، رئيس أطباء، مدير مستشفى، رئيس قسم،  مدير شركة،  وزير، مطران، أسقف، رئيس اساقفة، بطريرك، بابا، 
أين نضع الكهنوت ؟ في أي نقطة
نبتدئ في شرح كلمة كهنوت أو كاهن، هو رجل الله وهو من أختاره الله من أجل نشر رسالته،
بحسب قاموس المصطلحات الكنسية، فإن كلمة “كاهن” قد جاءت من كلمة “كوهين” العبرية، و” كَهَنَ” بمعنى أنبأ الناس بإرادة الله، أو قضى بالغيب، أو عرف الأسرار، و “كهنا” بالكلدانية، وهي تُطلق على رجل الدين الذي يقوم بخدمة الناس، ويسعى في حاجتهم.
أما قاموس الكتاب المقدس فيقول في الكاهن بأنه الشخص المخصص لتقديم الذبائح.
الكهنوت سر مقدس، والكاهن هو خادم هذا السر، وعن طريقه تقام الذبيحة لله، ويقول القديس يوحنا في رؤياه(1: 5 ) هو الذي أحبنا وحررنا بدمه من خطايانا، وجعل منا ملكوتاً وكهنة لله أبيه. وفي رسالة بطرس الأولى يقول تكونون فيه كهنة مقدسين تقدمون ذبائح روحية مقبولة لديه بفضل يسوع المسيح…… وأما أنتم فإنكم تشكلون جماعة كهنة ملوكية وسلالة أختارها الله وأمة كرسها لنفسه وشعباً أمتلكه.
قبل أن يُسن نظام خدمة المذبح وتقديم الذبائح، وقبل وجود الكاهن، كانت الذبائح تُقدم بشكل فردي، وكان لكل فرد الحق في تقديم الذبائح والقرابين لله عز وجل،
والكاهن من يقوم بالذبيحة الإلهية في عصرنا الحاضر، وخدمة الكهنوت اساسها دعوة، والدعوة تصدر من الله، لأن الله يدعو البشر إلى خدمته من خلال الكهنوت وهو الذي أفرز آل لاوي في العهد القديم لخدمة الكهنوت، الكهنوت مهنة وليست وظيفة، لأن من وظائف الكهنوت ما ذكرناه في أعلاه، والوظائف هي شماس رسائلي وشماس إنجيلي وقس ومطران واسقف ورئيس اساقفة وغير ذلك. وهنا نعيد السؤال عن الكهنوت مهنة أم وظيفة؟ من خلال ما تقدم يتبين لنا بأن الكهنوت مهنة وليست وظيفة. لذلك أمر الله بأن تكون ثياب الكهنة فضفاضة واسعة للدلالة على سعة الصدر، وأن تكون من الكتان النقي الذي يرمز إلى الطهارة والنقاء. وقد أعطى الرب يسوع صلاحيات واسعة ومواهب مختلفة للتلاميذ ومن ثم للرسل والكهنة من بعدهم، ونفخ فيهم الروح القدس، وأعطاهم القدرة على إخراج الشياطين وشفاء المرضى وسيامة الأساقفة والكهنة وإستحضار الروح القدس، وبهذا يشتركون في كهنوت سيدنا يسوع المسيح، ويدخلون في شركة خاصة مع الثالوث القدوس لأنهم يخدمون الكنيسة بقوة الروح القدس، والكهنة مسؤولون مسؤولية مباشرة عن تلك الوديعة التي أأتمنهم عليها السيد المسيح وهي الكلمة والبشارة وخدمة الأسرار المقدسة،  وكل هذه قال لهم مجاناً أخذتم مجاناً أعطوا،وليس مقابل ثمن، وهكذا اوصى تلاميذه كذلك ان يسيروا على خطاه وتعاليمه، اِشْفُوا المَرْضَى. طَهِّرُوا البُرْص. أَقِيمُوا المَوْتَى. أَخْرِجُوا الشَيَاطِينَ. مَجَّانًا أَخَذْتُمْ، مَجَّانًا أَعْطُوا. لاَ تَقْتَنُوا ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً وَلاَ نُحَاسًا فِي مَنَاطِقِكُمْ، وَلاَ مِزْوَدًا لِلطَّرِيقِ وَلاَ ثَوْبَيْنِ وَلاَ أَحْذِيَةً وَلاَ عَصًا، لأَنَّ الْفَاعِلَ مُسْتَحِقٌ طَعَامَهُ،
بمزيد من الحزن والأسى والأسف نرى اليوم كهنة  ليسوا بتلك الصفات التي وضع أسسها السيد المسيح له المجد، نرى اليوم كهنة محبين للخمر، محبين للمال، منقادين وراء شهوات الجسد، لهذا أصبح الدين تجارة ومهنة الكهنوت عند البعض متاجرة،
على ما أعتقد أول متاجرة بالكهنوت واسراره المقدسة حدثت في زمن البابا لاون العاشر عندما اراد بناء كنيسة القديس بطرس في روما، حينها أصدر تلك الصكوك (صكوك الغفران) لغرض جمع المال، حيث سبب هذا القرار إرهاقاً مادياً بحق المؤمنين، مما جعل الكثيرين منهم يتركون الكنائس وحينها ظهر مارتن لوثر ونادى بنظريته والبدعة البروتستانتية،
الخلاصة/ بعد كل هذا نرى اليوم كهنة على غرار هذه الأمثلة، فمنهم مَن يُجبر المؤمنين على التبرع بالمال، ومنهم مَن يفرض المال على المؤمنين حسب رغبته، بحجة إشتراك سنوي وبحجة تشييد كنيسة او ترميم مصلى وغير ذلك، والأدهى والأمر أن يقوم كاهن بتهديد الرعية بأنه سوف يمتنع عن تقديم الأسرار كغسل ارجل التلاميذ والتناول الأول والزواج والوفاة وغير ذلك ما لم يسددوا الإشتراك السنوي الذي فرضه عليهم، ضارباً عرض الحائط إمكانية المؤمن المادية ودخله الشهري، مما تسبب في إنقطاع الكثيرين وعدم حضورهم القداس الإلهي،
إلى اين سيوصلوننا كهنة هذا اليوم ؟
بالأمس القريب كانت الكنيسة أم لكل فقير، توزع الكسوة والطعام مجاناً بلا مقابل، أما عن الأسرار فحدث ولا حرج، وأما عن هوياتهم مهما كانت فلم بخجلوا في يوم ما من الإفصاح عنها، حتى أن الكتاب المقدس جاهر علناً بهوية يسوع المناطقية، فها هو متى البشير يقول عن يسوع على لسان الأنبياء: ليتم ما قال الأنبياء  ويُدعى ناصرياً، . الم تكن الناصرة مدينة وموقع جغرافي ؟ الم يجاهر بهويته المناطقية ؟ لماذا نستكثر على كاهن لوقال أنا من ألقوش أو من تللسقف أو من منگيش ؟ ولماذا يحاول رجال الدين محاربة ابناء الشعب في هوياتهم وإنكارها عليهم ؟ لماذا يرفضون أن يقولوا بأنهم كلداناً ويوقعون الحرم على كل كاهن يقول بأنه كلداني أو يجاهر بهويته القومية، ها هو يسوع يقولون عنه أنه أبن يوسف النجار، اليست النجارة مهنة ؟ وفي يوحنا الفصل الأول يقول يسوع عندما رأى نثنائيل مقبلا إليه فقال ” هذا إس*رائي*لي صميم لا شك فيه، أما في أعمال الرسل فقد أجاب مار بطرس الرسول هامة الرسل علناً وهو ممتلئ من الروح القدس  وأطلق على يسوع أسم يسوع المسيح الناصري، وتمت هذه بعد الصلب والقيامة، ما معنى أن يكون ممتلئاً من الروح القدس وينطق بهوية يسوع المناطقية .  ولم يكتفِ الرسل بذلك ولكنهم كرروا التسمية المناطقية على يهوذا حينما قالوا عنه يهوذا الجليلي ( أعمال 5 : 37) هل تعلمون ما هي الجليل ؟ إنها منطقة وليست دين أو مذهب أو كنيسة ،أما بولس الرسول فقال لقائد الحامية ” أنا مواطن يهودي ومواطن روماني من طرسوس” أليست غريبة من رسول بعظمة بولس أن يقول جملة فيها ثلاث كلمات لا نعرف موقعها  وتحليلها في ذهن كهنة اليوم ؟
لهذا نقول أيها الكهنة لا تخافوا من العمل القومي فهو اساس وجودكم، فلولا الشعب الكلداني واقصد الكلدانيون بكل ما تعنية هذه الكلمة شعب أو أمة أو هوية قومية، لا يغرّكم قائل بأنكم كهنة وأنتم مجهولوا الهوية القومية، رسالتكم الدينية هي لجميع العالم أما عن هويتكم فلا تخافوا أن تجاهروا بها وخذوا يسوع المسيح له المجد و بولس الرسول مثالا لكم .
هويتنا القومية هي الكلدانية
لغتنا هي اللغة الكلدانية ،
عاش العراق العظيم وعاشت الأمة الكلدانية . وإلى لقاء..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!