الطاغية والمستبد بين حال السلطان العثماني ومخيال الاديب جرجي
ان السلاطين ومنهم سلاطين الدولة العثمانية يتسمون بالاستبداد والتعالي على شعوبهم، وانهم لا يسمعون صوت الشعب بل يستغرب احدهم ان سمع شخصاً سواء من العامة او من الخاصة يتذمر او يتبرم من ضيق العيش وغيره، ويذكر الاديب اللبناني جرجي زيدان في روايته (الانقلاب العثماني) الى قول السلطان عبدالحميد الذي كان معروفاً بسطوته واستبداده فيقول في من يعاني من الجوع والفقر في سلطنته فيقول (امن الإخلاص انهم اذا جاعوا خرجوا على مولاهم)
وهذا القول الذي خطه الاديب سواء كان من واقع الحال الذي كان عليه السلطان او من مخيال الاديب عند سبك الرواية التي امتزج فيها الخيال مع الحقيقة الواقعية، فانتج لونا من الادب التاريخي الرائع، وهذا مؤشر على ان المستبد والطاغية هو من لا يسمع قول شعبه ولا يهتم لقولهم، بل انه يقرر ما يراه هو لا ما يراه القانون ومنطق الحق، وينصب نفسه رب الناس الذي تمكن من ان يحكمهم، وليس بالضرورة ان يكون رئيساً للبلاد او قائداً عاماً للقوات المسلحة، بل قد يكون متحكماً بمصير الشعب والأمة بوسائل دستورية احياناً، حيث كان الكثير من الطغاة والمستبدين يزينون اعمالهم الاستبدادية بزخرف القانون، فترى هؤلاء مثل هذا السلطان العثماني ، يستغربون حتى من صوت الجائع او المظلوم الذي ظلمه الطاغية والمستبد، ولا يسمحون له بالتعبير عن رأيه،
كما ورد في تلك الرواية صورة عن عنجهية وطغيان الحاكم والسلطان والمتحكم في أمور البلد والأمة، فانه لا يسمع أي صوت حتى لو كان صوت الضمير والعقل، بل انه لا يقبل حتى من غير العاقل ان يقلد صوته ولا يرضى الا بان يسمع صوته من لسانه هو وليس من غيره حتى وان كان تقليداً،
ويروي الاديب جرجي زيدان في روايته أعلاه بان كان للسلطان عبدالحميد ولداً صبياً يعزه جداً وكان يملك ببغاء مميز وله القدرة على تقليد كافة الأصوات وفي احدى الصباحات كان يلاعب ولده ومعهم الببغاء، وحضر احد العاملين في قصره فنادى عليه باستعلاء وتجبر وتكبر، ثم بعد انهى جلسته سمع صوتا يشبه صوته في نبرته يردد ما قاله وباستعلاء واستكبار، فاغتاظ السلطان وانزعج كثيراً، ويروي الاديب جرجي زيدان معبراً عن هذه الصورة بقوله (فبان الغضب في عيني عبد الحميد وصاح: «أخرجوا هذا الطير من قصري أو اق*ت*لوه، فإني لا أطيق أن أسمع صوتًا يأمر وينهى غير صوتي»)
لذلك فان الطاغية لا يرغب في سماع أي صوت حتى لو كان صوته لكن لم يكن صادراً منه، فهذه الأحوال التي عليها الطغاة والمستبدين تتكرر كلما ظهر لنا مستبد وطاغية، والحقيقة الواقعية التي سجلها التاريخ عن هؤلاء الطغاة انهم لم يهنئوا في حياتهم، ويصورهم جرجي زيدان فيقول كان عبد الحميد سلطان البرين وخاقان البحرين، الذي دانت له الرقاب، وكاد يسيطر حتى على عناصر الطبيعة فإذا غضب غضبت، وإن رضي ابتسمت. على أن ذلك كله لم ينفعه بعد ما ارتكبه من الشطط في تلك السيادة، وتجاوز بها الحد، فتولاه الخوف القلق.) ثم يصف حاله بقوله (كان في شبابه طلق المحيى مستدير الوجه، فأصبح يومئذ وقد تغيرت سحنته لفرط ما عاناه من بواعث الحذر على حياته، لأنه قاسى عذاب الموت خوفا من الموت، وكابد مرارة الاستعباد رغبة في الاستبداد فمن عرفه في شبابه ينكره الآن،)
ثم انتهى الحال بالسلطان عبدالحميد الى ان ينقلب عليه شعبه ويموت وهو تحت الإقامة الجبرية، فاقداً لحريته وكرامته، وهذا امر حتمي لكل من تكبر وتجبر،
قاضٍ متقاعد
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.