مقالات

الضمانات الدستورية لحرية الرأي والتعبير في فلسطين

تخضع الضمانات الدستورية لحرية الرأي والتعبير في فلسطين، لمجموعة من المرجعيات الأساسية الوطنية والدستورية وهي على النحو التالي:
أولاُ: الميثاق الوطني الفلسطيني
صدر الميثاق بتاريخ 10/7/1968، وهو بمثابة وثيقة سياسية دستورية، ويعتبر المرجع الأساسي لمنظمة التحرير ا*لفلس*طينية والبرنامج الإستراتيجي الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، لم يتضمن الميثاق نصاً صريحاً يكفل الحق في حرية الرأي والتعبير، إلا أنه يمكن إستخلاص الضمانة الدستورية لهذا الحق من خلال نص المادة (24) منه، والتي نصت على أنه ” يؤمن الشعب العربي الفلسطيني بمبادئ العدل والحرية والسيادة وتقرير المصير والكرامة الإنسانية وحق الشعوب في ممارستها” .
ثانياً: وثيقة إعلان الاستقلال ا*لفلس*طينية
وهي وثيقة تاريخية أعلنت فيها منظمة التحرير ا*لفلس*طينية استقلال دولة فلسطين، وأقِرَت خلال أعمال المجلس الوطني الفلسطيني “الدورة 19” بتاريخ 15/11/1988 في الجزائر، تعتبر وثيقة اعلان الاستقلال ا*لفلس*طينية أحد المرجعيات الدستورية الوطنية الأساس التي يقوم عليها النظام السياسي لدولة فلسطين، لذا فإن نصوصها تعتبر ملزمة وواجبة النفاذ. تضمنت وثيقة إعلان الإستقلال نصاً صريحاً يكفل الحق في حرية الرأي والتعبير وذلك بموجب الفقرة (12) منها، حيث نصت الفقرة على أنه “إن دولة فلسطين هي للفلسطينيين أينما كانوا فيها يطورون هويتهم الوطنية والثقافية، ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق، وتصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية وكرامتهم الإنسانية، في ظل نظام ديمقراطي برلماني يقوم على أساس حرية الرأي وحرية تكوين الأحزاب ورعاية الأغلبية حقوق الأقلية واحترام الأقلية قرارات الأغلبية، وعلى العدل الاجتماعي والمساواة وعدم التمييز في الحقوق العامة على أساس العرق أو الدين أو اللون أو بين المرأة والرجل، في ظل دستور يؤمن سيادة القانون والقضاء المستقل وعلى أساس الوفاء الكامل لتراث فلسطين الروحي والحضاري في التسامح والتعايش السمح بين الأديان عبر القرون”.
وعليه، وبالرجوع الى هذه الفقرة نجد بأن وثيقة إعلان الاستقلال ا*لفلس*طينية، كفلت الحق في حرية الرأي والتعبير من حيث النص الصريح حول حق كل فلسطيني التمتع بنظام ديمقراطي يقوم على أساس حرية الرأي، بالإضافة إلى إعلان دولة فلسطين نفسها ملزمة بمبادئ الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ والذي يعني ذلك التزام فلسطين القانوني والدستوري والدولي بحرية الرأي والتعبير؛ مما يشكل هذا النص ضمانة دستورية لحرية الرأي والتعبير في فلسطين.
ثالثاً: وثيقة الوفاق الوطني
تعتبر وثيقة الوفاق الوطني أحد المرجعيات ا*لفلس*طينية الأساس، وهي اتفاق سياسي وطني تم التوصل إليه في عام 2006 بين قادة الأحزاب السياسية ا*لفلس*طينية بما فيها حركتي فتح وح*ما*س، هدف الوثيقة الوطنية هو تحقيق المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام السياسي والإداري بين الضفة الغربية وقطاع غ*ز*ة، وتوحيد الجهود ا*لفلس*طينية في مواجهة الاحتلال الإ*سر*ائي*لي وتحقيق حقوق الشعب الفلسطيني.
وعلى الرغم من أن وثيقة الوفاق الوطني لم تتضمن نصاً صريحاً لحرية الرأي والتعبير بشكل خاص، إلا أنها اشتملت على التزامات بحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية ما بين الأحزاب السياسية ا*لفلس*طينية، بما في ذلك حرية الرأي والتعبير وحق الصحافة والإعلام.
حيث نصت الفقرة (11) منها على ” التمسك بالنهج الديمقراطي، وبإجراء انتخابات عامة ودورية وحرة ونزيهة وديمقراطية طبقاً للقانون، للرئيس والتشريعي وللمجالس المحلية والبلدية، واحترام مبدأ التداول السلمي للسلطة، والتعهد بحماية التجربة ا*لفلس*طينية الديمقراطية، واحترام الخيار الديمقراطي ونتائجه، واحترام سيادة القانون والحريات الضرورية والعامة وحرية الصحافة، والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات دون تمييز، وحماية مكتسبات المرأة وتطويرها وتعزيزها”
كما ونصت الفقرة (14) منها على ” نبذ كل مظاهر الفرقة والانقسام وما يقود إلى الفتنة، وإدانة استخدام السلاح مهما كانت المبررات لفض النزاعات الداخلية، وتحريم استخدام السلاح بين أبناء الشعب الواحد، والتأكيد على حرمة الدم الفلسطيني، والالتزام بالحوار أسلوباً وحيداً لحل الخلافات، والتعبير عن الرأي بكافة الوسائل بما في ذلك معارضة السلطة وقراراتها على أساس ما يكفله القانون وحق الاحتجاج السلمي، وتنظيم المسيرات والتظاهرات والاعتصامات شريطة أن تكون سلمية وخالية من السلاح، ولا تتعدى على المواطنين وممتلكاتهم والممتلكات العامة” .
وعليه، وبالرجوع الى هاتين الفقرتين، نجد أن وثيقة الوفاق الوطني كفلت الحق في حرية الرأي والتعبير من حيث النص الصريح حول حق كل فلسطيني التمتع بنظام ديمقراطي يقوم على أساس احترام الحريات الأساسية والضرورية، بما في ذلك حرية الصحافة وحرية الرأي؛ لذا فإن وثيقة الوفاق الوطني بموجب هاتين الفقرتين تعتبر بمثابة ضمانة دستورية لممارسة الحق في حرية الرأي والتعبير في فلسطين.
رابعاً: القانون الأساسي الفلسطيني
أصدر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات القانون الأساسي بتاريخ 29/05/2002 ونُشر في جريدة الوقائع ا*لفلس*طينية بتاريخ 07/07/2002، واستمر العمل فيه إلى أن عُدلت بعض أحكامه سنة 2003 وسنة 2005، فصدر القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 ونُشر في العدد ممتاز من جريدة الوقائع ا*لفلس*طينية بتاريخ 19/03/2003 . ويعتبر القانون الأساسي بأنه الوثيقة الدستورية التي تُشكل الدستور الأساسي لدولة فلسطين، وتحدد شكل النظام السياسي والجوانب الدستورية والقانونية للدولة، ويتكون القانون الأساسي الفلسطيني من مجموعة من النصوص والمبادئ التوجيهية والمواد الدستورية والتي تتناول الإطار القانوني والمؤسساتي لدولة فلسطين، بما في ذلك توزيع سلطات وصلاحيات السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، ويحدد الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين.
تضمن القانون الأساسي في المواد (9-33) من الباب الثاني “الحقوق والحريات العامة للأفراد والمواطنين” بما فيها حرية الرأي والتعبير.
حيث نص بموجب المادة (19) منه على أنه “لا مساس بحرية الرأي، ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن مع مراعاة أحكام القانون”.
كما ونصت المادة (27) منه على أنه:
” 1- تأسيس الصحف وسائر وسائل الإعلام حق للجميع يكفله هذا القانون الأساسي وتخضع مصادر تمويلها لرقابة القانون.
2- حرية وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة وحرية الطباعة والنشر والتوزيع والبث، وحرية العاملين فيها، مكفولة وفقاً لهذا القانون الأساسي والقوانين ذات العلاقة.
3- تحظر الرقابة على وسائل الإعلام، ولا يجوز إنذارها أو وقفها أو مصادرتها أو إلغاؤها أو فرض قيود عليها إلا وفقاً للقانون وبموجب حكم قضائي.”
تشكل هاتين المادتين من القانون الأساسي الضمانة الدستورية للحق في حرية الرأي والتعبير في فلسطين، حيث تعد المواد الدستورية الواردة في القانون الأساسي بمثابة القواعد القانونية التي تهيمن على نظام الحكم ويجب على جميع القوانين والقرارات بقانون في المنظومة التشريعية ا*لفلس*طينية الإلتزام بها وبتطبيقها وعدم معارضتها أو تجاهلها أو تقييد الأحكام الواردة فيها.
وبالرجوع إلى هاتين المادتين نجد بأن القانون الأساسي لم ينص على قيود محددة ترد على حرية الرأي والتعبير، واكتفى بالنص على مراعاة أحكام القانون الخاص بذلك، ثم أخضع مصادر تمويل وسائل الإعلام لرقابة القانون وحظر فرض قيود عليها إلا وفقاً للقانون وبموجب حكم قضائي؛ وعلى الرغم من أن تلك المادتين تعتبر نص شامل لحرية الرأي والتعبير؛ إلا أنه كان الأولى أن تكون هذه القيود محددة المعالم وفقاً للمعايير الدولية، خاصة بأنه وفي تاريخ 30/9/1993 أعلن رئيس السلطة الوطنية عن إلتزام منظمة التحرير ا*لفلس*طينية بإحترام المواثيق والمعاهدات الدولية التي تضمن حقوق الإنسان ومن ضمنها الحق في حرية الرأي والتعبير.
ورغم أن المفهوم الضمني لما ورد في المادة (10) من القانون الأساسي والتي نصت على أنه:
” 1- حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ملزمة وواجبة الاحترام.
2- تعمل السلطة الوطنية ا*لفلس*طينية دون إبطاء على الانضمام إلى الإعلانات والمواثيق الإقليمية والدولية التي تحمي حقوق الإنسان”
يعني ذلك بأن القانون الأساسي وإن لم يحدد القيود التي ترد على حرية التعبير ووسائل الإعلام، إلا أنه وبموجب هذه المادة فإن السلطة التشريعية عليها واجب الإلتزام بمراعاة المعايير الدولية بشأن حماية حقوق الإنسان بما فيها حرية الرأي والتعبير والقيود التي يمكن أن ترد عليها في التشريعات والقوانين التي تسّنها وعدم مخالفتها للمواثيق الدولية بهذا الخصوص.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!