مقالات دينية

الحقائق اللاهوتية في سر التجسد 

الحقائق اللاهوتية في سر التجسد 

بقلم / وردا إسحاق قلّو 

 قالت مريم عن نفسها ( لقد صنع الله بي عظائم واسمه قدوس ، ورحمته غلى جيل وجيل للذين يتقونه ) ” لو 1: 49-50 ”  

بعد بشارة الملاك للعذراء مريم بدات بأتخاذ كافة التدابير فأستعدت لأستقبال ابنها الإلهي ، وقد رفعها الله في رؤية حدسية بمقدار من الوضوح والمجد حتى أن الملائكة لم يستطيعوا فهم هذا السر ، أما الشيطان فلم يعلم بهذا السر العظيم . حصلت العذراء على معلومات من الله الذي كشف لها فقط فرأت مريم الحكمة السامية والنتيجة الرفيعة التي كانت واضحة في أعمال اله العجيبة في حياتها ، وقد رجته بتواضع عميق أن يعطيها النعم الخاصة لتتمم بأهلية واجباتها الجديدة كأم نحو الكلمة المتجسد الذي سوف تستقبله بين ذراعيها ، وتغذيه من حليبها . وبما أنها كانت قد تنازلت حتى العدم ، رفعها الله إليه وقال لها أن تعامله كأم حقيقية لأنه هو ابنها الحقيقي أيضاً .  

  لقد خرج يسوع من مخدعه دون دنس ، محافطاً على بتولية امه وكما أرادت ، بل العكس هو صحيح حيث خرج منها مقدساً أياها بإشراق أكبر ، وكما يمر شعاع الشمس من خلال زجاج شفاف فيجعله أكثر لمعاناً . ولد المسيح وكان ذا جمال خارق ، ومجدُ نفسه كان يفيض أشراقاً على جسده ، وكما حدث بعدئذ أثناء تجليه على جبل طابور . لقد أراد الله أن تشاهده أمهُ لأول مرة بهذه الرفعة من المجد حتى تشعر أكثر فأكثر بالأحترام الذي يستوجب عليها أن تحيطه به ، وحتى تجد عيناها بعذوبة هذا المشهد .  

   سر تجسد الإله هو سر عظيم يفوق إدراك الملائكة . أما عقل الإنسان فيسلم به تسليما ويؤمن به إيماناً لأنه لا يدرك جوهره ، لكنه يقبله لأنه لا يرى فيه ما يناقض المبادىء الأساسية التي يسير عليها منطقه . وسر التجسد له معاني لاهوتية  كثيرة منها :   

  1. يسوع المسيح إبن البتول هو حقاً إبن الله ، والكلمة الأزلي ، الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس . وكذلك بقي بعد التجسد كما كان قبله ، لأن أقنوم إبن الله بقي كما كان بذاته وجوهره . وما وجد قط في المسيح يسوع أقنوم آخر أو ذات أخرى سوى أقنوم إبن الله . ولآجل ذلك يحق لنا أن نقول أن الطفل المتجسد في أحشاء مريم هو إبن الله ، وهو كلمة الله ، وهو الله ، والأقنوم الثاني في الله .  
  2. يسوع المسيح هو حقاً إلهنا ، لأنه إله مع الآب والروح . والثلاثة جوهر واحد وطبيعة واحدة وإله واحد ، إله الملائكة والبشر وجميع الكائنات . 
  3. صار المسيح للمسيح بعد التجسد طبيعتان : إلهية بما أنه إله ، وإنسانية بما أنه إنسان . وجمع الطبيعتين في أقنوم واحد هو إقنوم أبن ، والله ثالوث في أقانيمه . وبطبيعة واحدة في ثلاث أقانيم . أما المسيح فأقنوم واحد في طبيعتين متميزتين ، وفعلين كاملين . وهذا ما أثبتته الكنيسة المقدسة في مجامعها المسكونية .  
  4.  ليسوع المسيح فعلين كاملين ، بطبيعتين كاملتين . وقد أثبتت الكنيسة ذلك أيضاً في المجمع المسكوني السادس المنعقد في القسطنطينية سنة 680م ضد القائلين بالمشيئة الواحدة في المسيح .  
  5. أن البتول مريم أضحت بالتجسد الإلهي حقاً أم الله . لأنها صارت أم يسوع الذي هو ابن الله . وهذا ما قالته الكنيسة جمعاء في المجمع المسكوني الرابع الأفسسي سنة 431 وترنمت به الأجيال من عهد الرسل إلى يومنا هذا . ولذلك حتى البتول هتفت في بيت نسيبتها أليصابات ، وقالت : لأن القدير صنع بي عظائم . هذا هو سر التجسد ، وهذه هي حقائقه ، وقد ألمعنا إليها إلماعاً . ولقد أفاض الأباء القديسون والكتبة اللاهوتيون في تعريفها وشرحها ، وملآوا الكتب والمجلدات الضخمة في الكلام عليها . والنفس تجد في التأمل فيها ينابيع أنوار ونعم .  

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!