مقالات دينية

الحروب وأسبابها في العهد القديم

الحروب وأسبابها في العهد القديم

بقلم / وردا إسحاق قلّو

( لي الإنتقام أنا أجازي يقول الرب ) ” عب 30:10″

   إبتدأ العن*ف في الكتاب المقدس من سفر التكوين ، بدأت بقصة مق*ت*ل هابيل من قبل أخيه قاين . والله إنتقم من قاين سبعة أضعاف ، ولم يسمح لأحد من أن ينتقم منه . قال ( لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء ، بل أعطو مكاناً للغضب لأنه مكتوب: لي النقمة أنا أجازي يقول الرب ) ” رو 19:12″ . كذلك إنتقم الله من لامك المنحدر من قاين .

  العن*ف الصادر من الإنسان لم يصدر من إنسانيته وبشريتهِ ، بل صادر من جزئه الحيواني . وستبقى خطيئته تلاحقه لتأخذ أجر جريمته ، لهذا قال الله لقاين ( أن الخطيئة رابضة عن بابك ، وإليك تنقاد أشواقها ) ” تك 7:4 ” هنا نجد فعل ( ربض ) لا يصلح للبشر بل للحيوانات . والخطيئة الأولى حصلت عندما دخل الشيطان في الحيوان ( الحية ) وربضت عند حواء لتحاربها ، وتسقطها من النعمة ، وهنا يختبأ سر بدء العن*ف والعداوة التي استمرت بين نسل المرأة والحية إلى أن سحق رأس الحية بإبن المرأة . وبعد هذا الإنتصار نشأت سياسة المحبة والمغفرة بدل العن*ف والإنتقام . الإنسان لا يمكن تشبيهه بالحيوان ، إنما بالله المحب ، لأنه صورة الله ،فعلى الإنسان إذاً أن يتمييز بالوداعة في النظام الجديد الذي أتى به المسيح ليكمل نظام العهد القديم .

   كان الإنسان المحب في جنة عدن يسكن مع جميع الحيوانات ، والحيوانات مع بعضها . فهل يستطيع الإنسان أن يعيد ذلك السلام وتلك المحبة والتآلف بينه وبين الإنسان ، وبينه وبين الحيوانات ؟

   في العهد الجديد أعادوا بعض القديسين تلك الصداقة ، كالقديس فرنسيس الأسيزي الذي كان يجذب الطيور بكلمتهِ ، وهدى ذئب كوبيو المفترس بقوله للذئب ( آمرك بالتخلي عن إلحاق الضرر بأشخاص خلقوا على صورة الله ) ، ثم عقد معه ميثاق سلام فصار الذئب أليفاً . كذلك القديس إغناطيوس دي لويولا ، قال ( أرى كل المركب البشري بين البهائم العجم ) والقديسة تيريزا الأبيلية  ( لقد تعودت النفوس المريضة أن لا تكون على صلة بالحيوانات ) . أما إشعياء النبي فتنبأ قائلاً ( صار الذئب يسكن مع الحمل … والعجل والشبل يعلفان معاً .. ).

   إذاً ينبغي أن يكون الإنسان مع أخيه الإنسان في محبة وتعاون ، فالعن*ف يجب أن لا يطلق على ما هو للإنسان العاقل . وإن أذن له الله في ق*ت*ل الحيوان لأجل الطعام ، فهذا جاء بعد الطو*فا*ن ، فأمر بأن يتجنب من تناول الدم . أو ذبح الحيوان لأجل تقديمها قرابين مرضية لله . لكن العن*ف يبدأ بالتطور والإنتشار فنجد بأن الله يأمر في ق*ت*ل البشر بأيدي بشر ، وخاصةً الوثنيون الذي يأمر الله بإبادتهم ، ويد الله تعضد شعبه المؤمن ويقول ( عاديت أعداءك ، وخاصمت مخاصميك ) . ( أما مدن تلك الشعوب التي يعطيك الرب إلاهك إياها ميراثاً ، فلا تستبقي منها نسمة ) ” تث 16:20 ” . وذلك لأنهم يحاربون الشعب المؤمن ، ففرض بتدمير العماليق من ملكه حتى رضعائه وماشيته ( طالع 1 صم 3:15 ) لهذا رفض الله الملك الأول على شعبه والذي إختاره هو ليمسح ملكاً ، وهو شاول بن قيس ، هذا الذي أبقى ماشية العدو لنفسه ولم يق*ت*لها فخالف وصية الله ، والله إنتقم من شاول وخوزقه الجبعونيون وأولاده تعويضاً عن دين الدم . كما قال يسوع لبطرس ( من حمل السيف بالسيف يهلك ) . وهكذا حارب إليشاع النبي حرب الرب ، وبإسم الله لعن الصبية الذين سخروا منه . فمزقت الدبات أثنين وأربعين منهم بسبب تلك اللعنة ( 2 مل 23:2 ) . وفي قوانين الشريعة نجد العن*ف والإنتقام كشريعة ( العين بالعين … ) لهذا لا يمكن فهم العن*ف والحروب فهماً حقيقياً إلا في صلته بالوصايا العشر .

   هناك صلة بين عبادة الأوثان والعن*ف وأبرز مثال كتابي لعبادة الأوثان كان ( عجل الذهب ) الذي هو صورة حيوانية ترمز إلى القوة التي تفوق قوة الإنسان العضلية ، أي أنه صورة واضحة للعن*ف ، وإلى قدرة القتال ، والثور الصغير هو البعل ( إله الكنعانيين ) والله إله غيور يلخص أخطاء شعب إس*رائي*ل المتمردين عليه ، فيقول ( ..  يُعرضون عني ، ذابحين للبعل ومحرقين البخور للأوثان ) ” هو 2:11 ” .ويلفت الله إنتباه شعبه ويقول ( لي كان يجب تقريب الذبائح لا للوثن ) وإستمرت الأخطاء ليتطور الموقف إلى تقديم الأولاد ذبائح للأصنام . كما تم تقديمها للإله ( مولك ) وقد أكد هذه الحقيقة علم الآثار . والله لا يريد تقديم الذبائح حتى لهُ ، بل أن طاعة وصاياه هي خير من الذبيحة .

       نطالع في علم التفسير الكتابي عبارة ( الحرب المقدسة ) للدلالة على الحروب التي نُسبت إلى أمر من الله ، لكن في الحقيقة لا وجود لها في الكتاب المقدس . فالحروب المقدسة في إس*رائي*ل لم تكن حروب دينية . أي لم يكن يحاربون من أجل دينهم فقط ، بلبحسب أقوالهم ( من أجل حياتنا ، ومن أجل شرائعنا ) ” 1 مك 40:2 ، 21:3 ” . وإذا صح أن الكتاب المقدس لا يتكلم على ( حرب مقدسة ) فعبارات ( حروب يهوة ) هي مألوفة ( 1 صم 17:18 و 28:25 ) لا بل كان يهوة نفسه محارباً ( طالع خر 3:15 و1صم47:17 ) فكانت جيوش إس*رائي*ل ( جيوش يهوة ) وكان أعداؤه ” أعداء يهوة ” ( خر 16:17 ) و ( عد35:10 ) و ( قض 21:5 ) . عند جميع الشعوب القديمة ربطت الحرب بأعمال دينية ، كانت تشن بأمر من الآلهة ، على الأقل بموافقتهم المعلنة عن طريق التطيّرات ، ترافقها ذبائح وتتم بمساعدة الآلهة الذين يؤكدون الإنتصار فيشكرون الألهة بتقديم جزء من الغنائم لهم , ولكن هذا لا يعني أن الحرب كانت دينية . لم يظهر هذا إلا في وقت متأخر في زمن المكابيين .

  نعم أن الله طلب إبادة تامة للكنعانيين لتجنيب إس*رائي*ل من أن تفسدهُ عبادة الأوثان ، فالميل إلى الآلهة الوثنية محكوم عليه جذرياً ، بدل أن يفهموا منها دعوة إلى سفك دماء خصومهم . ومن الأمثلة الخاصة بحروب الله بدل شعبه ( الضربات العشرة على فرعون وشعبه ) ومن ثم إبادتهم في بحر السوف . خاف شعب إس*رائي*ل عندما شاهدوا فرعون يلاحقهم فعاتبوا موسى . فقال لهم ( لا تخافوا ، إصمدوا تعاينوا الخلاص ، يهوة يحارب عنكم وأنتم تصمتون ) ” خر 14:14 ” . هنا كلمة موسى إتخذت أبعاداً مميزة ، وبما أن الحدث كان مركزياً في تاريخ الشعب بصفته نموذجاً حقيقياً للخلاص .، ومصالاً للأجيال اللاحقة ، كان لا بد أن يضفى عليه معنى بإلقاء خطبة واضحة بوجه خاص تكون نوعاً من تعليم في إنتصارات الله . الله أسلحته يقتبسها من عناصر الطبيعة ، فيضرب بها بطريقة غير مباشرة ففي كل ضربات مصر ، إستنفر الله الخليقة ، وأخيراً جعل البحر يثور ويبتلع فرعون وجيشه ، كما في زمن الطو*فا*ن ، وفي سادوم وغيرها . كان عن*ف الطبيعة يعاقب عن*ف البشر .

   الله لم يسمح لداود أن يبني الهيكل المقدس لأنه سفك دماء كثيرة على الأرض أمامه ( 1 أخ 8:22 ) .

 نختم ونقول : على المبدأ الكتابي ( الشرير بشره يموت ) ” مز 22:34 ، أم 23:14 ” أي كل واحد يعاقب بما خطىء به ) ” حك 16:11 ” فخلاصة القول نتعلق بدقة عدالة الله والعقاب . لأن إجرة الخطيئة هي الموت . فقرب عبادة الأوثان يجب أن يكون منفذ العقوبة لما فيها من تمرد على الله وتجاهل عمله كخالق الكون . وفي يوم الدينونة فكل أنواع الق*ت*ل ستحكم على نفسها ، بالنظر إلى البار الذي ق*ت*لوه على خشبة الصليب . وقبل ذلك اليوم الرهيب ستبدأ حروب سفر الرؤيا لنهاية العالم ، ( وفي ذلك اليوم سيكسر القوس والسيف والحرب من الأرض ) ” هو 20:2 ، أش 11: 1-9 ” ويسلم الملك إلى الله الآب ، بعد ان يكون قد أباد كل رئاسة وسلطان وقوة ، فيجعل جميع أعداءه تحت قدميه ، وهكذا سينتصر الحب على الظلم والعن*ف

توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) ” 16:1 “.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!