مقالات دينية

الثالوث الأقدس في العهد القديم

الكاتب: وردا اسحاق

 

 

الثالوث الأقدس في العهد القديم

بقلم / وردا أسحاق قلّو

في المقدمة يجب أن نعلن إيماننا بوجود إله واحد غير محدود ، ومن يؤمن به فحسناً يفعل ( يع19:2) لكننا نؤمن بوجود ثالوث في وحدانية الله القدوس لأنه لا يمكن لهذا الإله الموجود قبل كل الأشياء أن يكون بلا وجود ذاتي ، هذا الذي خلق كل شىء بكلمة ناطقة لا يمكن أن لا يكون ناطقاً بكلمة . أيضاً نقول لا يجوز لله الذي خلق الكائنات الحية ومنها الأنسان ، أن يكون غير حي بالروح . لهذا السبب يجب أن يكون في اله الواحد ثالوثاُ موحداً . فعلينا أن نبحث في معتقدات ( العهد القديم – الوثنيين – العهد الجديد – المريميين – القرآن ) لفهم الموضوع .

لدراسة الموضوع في كل هذه الأديان والمعتقدات يجب تقسيمه إلى ثلاث أجزاء لكي يتسنى للأخوة القراء قرائتها وفهمها بسهولة ، وتحت ثلاث عناوين هي ( 1- الثالوث الأقدس في العهد القديم. 2- التثليث في الوثنية والمسيحية والفرق بين العقيدتين . 3- التثليث في بدعة المريميين وعند الأسلام  ) ، الآن نتناول الثالوث الأقدس في العهد القديم .   

العهد القديم

          الثالوث الأقدس عقيدة إيمانية بإله واحد مثلث الأقانيم ، وهذا المعتقد يحَيّر العقول . جذور هذا التعليم متأصل بتعاليم الكتاب المقدس الذي يعلمنا بأن الله واحد في ثلاثة أقانيم مرتبطة بثالوث واحد موحد . أي ثمة اله واحد يحيا في ثلاثة أقانيم , وكل منها اله كامل الألوهة ، وفي الوقت ذاته يختلف عن الآخرين بصفات يتميز بها وحده دون الآخرين . فالآب هو المبدأ ، يلد أو المنبثق ، والأبن مولود ، ليس مخلوق ، والروح القدس منبثق من الأثنين معاً. هؤلاء الثلاثة ومع الأختلافات في صفاتهم , لهم طبيعة واحدة وصفة الألوهة الغير المجزأة بينهم مما ينفي كونهم آلهة ثلاثة ، لأن الجوهر واحد والطبيعة واحدة . كل أقنوم هو مالك هذا الجوهر والأختلاف هو في الأفعال. 
لأجل توضيح حقيقة الله في الثالوث علينا أن نبحث عن كلامه في كتابه المقدس الذي يعلن لنا عن صورته الحقيقية  .  الله خلق الإنسان على تلك الصورة الثلاثية  ،  فالإنسان المكُون من الجسد ، والنفس, والروح ، تختلف كل منها عن الأخرى لكنها تجمع معاً لتكون إنساناً واحداً . أي هناك تعددية في الوحدانية  . هكذا وضع الله طبيعته الألهية ، الآب ، والأبن ، والروح القدس . ليسوا ثلاثة آلهة بل أله واحد موحد في ثلالوث واحد . يجب أن يكون الله كذلك ليمارس الحب والكلام والسمع . أي الآب المصدر ، والأبن الكلمة الناطقة الخالقة ( اللوغوس )، والروح القدس النور .  الله اللامحدود هو سر ثالوثه فلا يستطيع الإنسان بعقله المحدود أن يدرك اللامحدود الموجود في ثالوث الله المقدس.الله هو كامل بثالوثه ، والكمال يفترض الوحدة التامة وانتفاء تعدد الألهة كما يتهمنا البعض بأننا نعبد ثلاثة آلهة كما كان الأسلاف يفعلون كالأله الثلاثي في بابل وفي الهند وفي مصر .
 الله منذ الأزل هو المبدأ هو ما نسميه ( الآب) والموجود فيه هو ما ندعوه ب (الأبن) لأن الأثنان واحد في واحد حسب قول الرب يسوع ( أنا والآب واحد ) ( أنا في الآب والآب فيّ )  .  هناك ترابط بينهما نتيجة الحب بين الأثنين , وأنطلق منهما روح المحبة وهو بشكل طبيعي أقنوم كامل الألوهة وهذا الكمال في كل منهما هو ما يجعلهما كامل الفردية دون أن تنفصل في جوهرها. هذا الأعتقاد  كان صعباً لأبناء العهد القديم لهذا لن يفصح الله عن عقيدة الثالوث  في العهد القديم الى أن كبرالأنسان في الأيمان عبر أزمنة طويلة ، لهذا كان ينادي الإنسان قديماً كأنه مجرد من الأقانيم كما في الآية  :  ( أنا الرب الهك ولا اله آخر غيري)  أي أن الله لم يكشف عن ذاته للإنسان بصيغة الثالوث ، فآمن الإنسان في تلك الحقبة بالله الواحد علماً بأن الثالوث واضح جداً في أسفار العهد القديم ومنذ الآية الأولى والثانية من سفر التكوين التي تقول : ( في البدء خلق الله السموات والأرض …  وروح الله يرف على وجه المياه. وقال الله : ليكن نور فكان النور)  ” تك 1: 1-2″ .  هنا نجد كلمة خلق التي يعنى بها الأقنوم الثاني أي الرب يسوع لأن الله كان يخلق بالكلمة ، والكلمة هو يسوع الذي خلق الله به كل شىء  ” يو 1-3″ والله يعنى به الآب. وروح الله هو الروح القدس .أي أن الله في هذه الآيه يتكلم بكل وضوح بثالوثه الموحد ، لأنه حي بروحه وناطق بكلمته . في قصة خلق آدم تقول الاية ( وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا ) “تك 26:1 ” هنا الله يتكلم بصيغة جمع أي مثلث الأقانيم . كذلك هنا يتحدث بصيغة الجمع ويقول  ( هوذا الإنسان صار كواحد منا ) ” تك 22:3″
     أظهر الله ذاته لنا بصيغة مفرد تارة وبصيغة جمع تارة أخرى فيقول : ( أسمع يا أسرائيل الرب الهنا رب واحد) لكن هذا الواحد هو بصيغة جمع فيقول : ( نعمل الإنسان على صورتنا كشبيهنا) صيغة الجمع واضحة أيضاً . الله عندما كان يتكلم فيتكلم بصيغة ثالوث لكنه عندما يخلق أو يصنع شيئاً فأنه يصنعه بصيغة مفرد أي يعمل بالتعددية ويصنع بالتوحيدية. كما يقول في هذه الآية ( هوذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفاً الخير والشر) فكلمة منا هي جمع ، لماذا؟ لكي تشمل الثالوث كله. وكما قال عن برج بابل  : ( هلما ننزل فنبلبل السنتهم) أي بصيغة الجمع ثم يضيف قائلاً ( فنزل الله) أي بصيغة المفرد. إذاً كان الله يعمل مع الإنسان بصيغة مفرد وجمع . هكذا وبسبب عدم تهىء الأنسان لقبول مبدأ الثالوث كان فقط يلمح له بوجود الجمع في ذاته وكما يقول في أشعيا ” 4/6″  ( من أرسل ومن يذهب من أجلنا ؟ ) كلمة أرسل يعني بها الله المفرد  , ومن أجلنا يشير الى الثالوث بأكمله. هكذا أظهر ثالوثه لشعبه المختار معلناً عن ذاته في المزمور ” 17/33″  :  ( بكلمة الله أسست السموات وبنسمة فيه كل جندها) أي الله الآب ، وكلمته الأبن ، ونسمته أي روحه القدوس. 
    نذكر بعض الآيات التي ترمز الى التوحيد في العهد القديم :( أنا هو الرب الهك الذي أخرجتك من أرض مصر…. لا يكن لك الهة أخرى أمامي) ” تث 5: 6-7″ , ( ليعلم كل شعوب الأرض أن الرب هو الله وليس آخر) ” 1مل 6:8″ . (يا رب ليس مثلك ولا اله غيرك) ” 1 أخ 20:17″ . ( أليس آب واحد لكلنا؟ أليس اله واحد خلقنا؟ ) ” ملا 10:2″ وغيرها من الآيات. 
    يتكلم أشعياء النبي على لسان يسوع المسيح قائلاً  :  ( منذ وجوده أنا هناك ، والآن السيد الرب أرسلني وروحه)  ” أش 16:48″   هنا نجد المرسِل الذي هو الآب والمرسَل أي المسيح وروح الأرسال . كما يوضح النبي أشعياء مساوات الأقانيم الثلاثة في قداستها فيقول : ( السرافيم واقفون فوقه ….  وهذا نادى ذاك وقال  : قدوس , قدوس , قدوس , رب الجنود. مجده ملء كل الأرض)    “أش 6: 2-3” قصد النبي بكل كلمة قدوس أقنوم فشمل الأقانيم الثلاثة بالتساوي.
      مزمور” 45  ” يقول : ( كرسيك يا الله الى دهر الدهور، لذلك مسحك الله)  اذاً هل هناك الهين؟ الجواب كلا حيث يقول لبني اس*رائ*يل :( أسمع يا أسرائيل الرب الهنا رب واحد) , لكن الأثنان هما الأب والأبن ،  وكذلك يقول المزمور :( قال الرب لربي …) أي ألآب والأبن ، كما تتوضح صورة الأبن وتنطق بكل وضوح أمام الله الآب فتصبح واضحة في المزمور “2” حيث يقول :( الرب قال لي أنت أبني واليوم ولدتك) . وكذلك يقول: ( يقبل الأبن لئلا يغضب) “أم30/ 4-5” ( من صعد الى السموات ونزل؟ من جمع الريح في حفنتيه؟ من قاس الأرض بالشبر من وزن الجبال ما أسمه وما أسم أبيه أن عرفته ؟) أسمه الله واسم ابنه يسوع المسيح , اذاً توضح لنا بأن في العهد القديم يوجد أبن الله , وكان اليهود يعرفون هذه الحقيقة حتى في زمن المسيح بأن لله أبن لذا أرادوا رجم يسوع لأنه قال أني ابن الله , أي انه كالله , فقالوا له نرجمك لا بسبب أعمالك بل لأنك تجعل نفسك اله وأنت انسان . أما هوشع فيقول في “7/4” : ( ترنمي وافرحي يا ابنة صهيون لأنه أنا ذا آتي وأسكن في وسطك يقول الرب) المتكلم هنا هو الرب يسوع وفي عهد يوشع ،أي العهد القديم ويضيف:( فتعلمين بأن رب الجنود قد أرسلني اليك  )” أي الآب ” .

أما أشعياء النبي فقد كتب آية في سفره  تثبت لنا الثالوث الأقدس ، يقول ( هوذا فتاي الذي أعضده مختري الذي رضيت عنه نفسي قد جعلت روحي عليه فهو يبدي الحق للأمم ) “1:42” فأقنوم الآب هو المتكلم ، وأقنوم الأبن ” فتاي “ ، وأقنوم الروح القدس هو ” روحي “ أي روح الله المتكلم .
   الروح القدس يذكر بوضوح في العهد القديم وإن لم يكن واضحاً كما في العهد الجديد . وفي بعض الآيات يذكر أقنوماً واحداً أو أقنومين معاً .

أما عن أقنوم الروح القدس فلم يذكر كثيراً في هذا العهد ، نقرأ عنه في المزمور “50” يقول ( وروحك القدوس لا تنزعه منه) اضافة الى الآية الثانية , الأصحاح الأول من سفر التكوين ,تقول: (  وروح الله يرف على المياه) . أما صوئيل النبي فقال لشاؤول الملك عندما تخرج من هنا تصادف جماعة من الأنبياء فيحل عليك روح الرب فتتنبأ معهم وتتحول الى رجل آخر . هذا الروح كان الروح القدس الذي يتنبأ . وهناك آيات أخرى تتناول الثالوث الأقدس لكي يعلن الله عن أسرار ثالوثه المقدس الذي لا يسعه الكون كله . إذا كانت عقيدة التثليث شبه مخفية عن البعض في العهد القديم ، ففي العهد الجديد بعد تجسد الله الكلمة ظهر الثالوث على نهر الأردن أثناء معمودية يسوع وعلى جبل التجلي .

إلى اللقاء في مقال أخر عنوانه ( التثليث في الوثنية والمسيحية والفرق بين العقيدتين )

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!