آراء متنوعة

الحرب فضحت نفاق إيران في علاقتها بالغرب

الحرب فضحت نفاق إيران في علاقتها بالغرب

لغة الكراهية للاستهلاك المحلي فقط
“ما نجحت فيه إيران فشل فيه العرب” ذلك وصف مضلل للرد الإيراني على القصف وعمليات الاغتيال التي نفذتها إس*رائي*ل داخل الأراضي الإيرانية. ذلك لأنه يجرد الوقائع من خلفياتها التاريخية وأساليب العمل السياسي التي سبقتها ورافقتها. فعلى الرغم من حالة العداء التي ميزت علاقة إيران بالغرب وبالأخص الولايات المتحدة ومن خلالها إس*رائي*ل فإن أحدا لم يتدخل في الشؤون الداخلية لإيران بل إنها حظيت دائما بالرعاية السرية والعلنية عبر أكثر من أربعين سنة، بدءا بتزويدها بصفقات السلاح أثناء حربها مع العراق وليس انتهاء بالاستثناءات التي فتحت أمامها سبل تخفيف العقوبات الاقتصادية التي فُرضت عليها.

ذلك على المستوى المعلن، أما في الخفاء فقد كانت هناك دائما تسريبات محكمة تشير إلى وجود اتصالات تحت الطاولة، إما من خلال رجال أعمال من الطرفين كانوا ينجزون صفقات سلاح وأجهزة ذات علاقة بالمشروع النووي، أو من خلال شركات متعددة الجنسيات برعت إيران في تأسيسها ونشرها حول العالم، ولم يكن ذلك ليتم بمعزل عن دراية ومعرفة أجهزة المخابرات في إس*رائي*ل وأميركا وأوروبا. ما يمكن استخلاصه من كل ذلك أن إيران كانت دائما تحظى بمرتبة لم ينلها حلفاء الغرب من العرب على الرغم من لغة الكراهية التي كانت مصرة على نشرها بين شعوبها وفي صفوف أتباعها.

عبر أكثر من أربعين سنة عملت إيران بطريقة أو بأخرى على إلحاق الضرر بالمصالح الغربية، كما أنها كانت تسابق الزمن في تطوير أسلحتها ناهيك عن نشر ميليشياتها المسلحة في أنحاء مختلفة من العالم العربي، وهو ما دفعها إلى الإعلان عن اتساع رقعتها الجغرافية، بحيث صار بإمكان جنرالاتها أن يتحدثوا عن حدود دولتهم التي تشرف على البحر المتوسط والبحر الأحمر معا.

العرب أخطأوا كثيرا في علاقتهم بالغرب، فالغرب صنع إس*رائي*ل على حسابهم وزرعها في خاصرتهم ليذكرهم بكراهيته لهم وحين حانت اللحظة التاريخية لتحررهم من استعماره كان الغرب جاهزا للتآمر على استقلالهم

كان احتواء العراق إيرانيا بإشراف أميركي هو لحظة البدء التي انطلق بعدها مشروع الهيمنة الإيرانية على لبنان وسوريا واليمن. وكما يبدو فإن العقل السياسي الغربي الذي يضع الدفاع عن وجود إس*رائي*ل في المرتبة الأولى على سلّم برامجه، كان يدرك جيدا أن كل ما تفعله إيران لن يضر إس*رائي*ل في شيء. ولو انتقلنا إلى أسلوب تفكير ذلك العقل في ما يفعله العرب، لاكتشفنا أنه يعتبر تصنيع إبرة وليس سيارة وزراعة متر واحد إضافي وليس فدانا يشكلان عملا مهددا لبقاء الدولة العبرية. كان الغرب على يقين من أن إيران لا تشكل خطرا على إس*رائي*ل وهي التي وضعت كل جهدها في إضعاف العرب.

لقد أخطأ العرب كثيرا في علاقتهم بالغرب. فالغرب صنع إس*رائي*ل على حسابهم. زرعها في خاصرتهم ليذكرهم بكراهيته لهم. وحين حانت اللحظة التاريخية لتحررهم من استعماره كان الغرب جاهزا للتآمر على استقلالهم.

ذلك ما حدث عام 1956 في العدوان الثلاثي على مصر وما حدث عام 1958 حين قام النظام الجمهوري في العراق فنشر المارينز الأميركي قطعاته في لبنان. أما حين قصفت إيران منشآت النفط التابعة لشركة أرامكو السعودية وهي التي تمول الغرب بالنفط عام 2019 فإنه لم يفعل شيئا لردع إيران.

لم يشكل العرب عبر التاريخ الحديث تهديدا للسلام والأمن العالميين، غير أن الأكاذيب والصور الزائفة لاحقت نظام صدام حسين في العراق حتى أسقطته بعد غزو همجي ليس له غطاء قانوني نتج عنه انهيار الدولة العربية التي كانت الأكثر تفوقا في المجال العلمي. أخطأ العرب حين أولوا الغرب ثقتهم وهو الذي يتآمر علنا عليهم. احتلت إيران العراق بميليشياتها في ظل إشراف القوات الأميركية التي هدمت الدولة العراقية. وفي اليمن لم تكن الصواريخ البالستية لتصل إلى الحوثيين لولا أن الأميركان قد سمحوا بذلك.

وإذا ما أمعنّا النظر في تفاصيل الحرب الحالية نجد أولا أنها لم تشتعل لأن إيران بدأتها نصرة لأهل غ*ز*ة ودفاعا عن القضية ا*لفلس*طينية. حرصت إيران على أن تعلن عن عدم مسؤوليتها عمّا جرى في السابع من أكتوبر 2024. وثانيا أن الغرب ممثلا بالولايات المتحدة عمل على تأخيرها لولا أن رئيس الوزراء الإ*سر*ائي*لي بنيامين نتنياهو وجد في التلكؤ الإيراني في المفاوضات النووية فرصته لتنفيذ مخططه في الانقضاض على المنشآت النووية الإيرانية. وثالثا لا تزال إيران تأمل في أن تتدخل الولايات المتحدة من أجل إنهاء الحرب وهو ما كشفت عنه رغبتها في أن تستعيد سلطنة عمان وساطتها.

نسفت هذه الحرب منذ ساعاتها الأولى النظرية التي يزعم مروجوها أن إيران دولة عظمى، غير أنها في الوقت نفسه فتحت الباب أمام قراءة جديدة للعلاقة الملتبسة التي كانت قائمة بين إيران والغرب. ومن المؤكد أن إيران لا تشعر بالحرج بسبب افتضاح تفاصيل تلك العلاقة، غير أن المؤسف حقا أن العرب وقد أقاموا علاقتهم بالغرب من غير رياء أو نفاق لم يحظوا بما حظيت به إيران من رعاية الغرب وثقته.

فاروق يوسف
كاتب عراقي

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!