الجامعات العراقية والبحث العلمي
الجامعات العراقية والبحث العلمي
ضياء المياح
المتتبع لمستوى التدريس والبحث العلمي في الجامعات العراقية الحكومية والأهلية لا يُصدم من اي أخبار عن نتائج تقييم سلبية للجامعات العراقية على المستوى العربي والعالمي. إذ أن مثل هذه التقييمات جرت خارج العراق وأعتمدت معايير علمية معقولة إن لم تكن حقيقية على أقل تقدير. الصدمة الحقيقية هي أن تحصل جامعاتنا العراقية على نتائج ايجابية جدا أو عالية أو تقارن بجامعات عالمية مرموقة. فالحقيقة تقاس بالنتائج الفعلية وليس التصريحات والمجاملات والتملق لإرضاء أشخاص معينين.
من يعرف كيف تكتب البحوث العلمية من قبل الكثير من تدريسي الجامعات العراقية لا يستغرب أي نتيجة سلبية تحصل عليها أية جامعة عراقية. من يطلع على كيفية أقامة المؤتمرات العلمية وآلية قبولها للبحوث والإلقاء والنشر في أعداد خاصة بمجلة الجامعة، يعرف إن الموضوع مجرد دعاية وإعلان عن نشاطات صورية للجامعة ولرئيسها ولعميد الكلية ولرؤساء الأقسام فيها ولمستثمرها إذا كانت جامعة خاصة. وكان الأولى بدوائر وزارة التعليم العالي أن تتابع وتشرف وتقيم نشاطات هذه المؤتمرات لا أن تشجعها أو تغض الطرف عنها.
تركز وزارتنا العزيزة على أن تكون بحوث التدريسيين في الجامعات العراقية منشورة في مجلات علمية عالمية. ولأن معظم إن لم يكن جميع هذه المجلات العالمية تنشر بلغات أجنبية ولا سيما اللغة الإنكليزية، فيفترض بالباحث العراقي أن يكون عارفا باللغة وهو أمرا غير متحقق لكثير أو معظم الباحثيين العراقيين. ومع هذا تصدر بحوث منشورة في مجلات علمية رصينة لأساتذة عراقيين لا يعرفون من اللغة الأنكليزية إلا كلمات معدودة، فكيف نشروا هذه البحوث التي يتفاخرون بها في سيرهم الذاتية وجلساتهم العلمية والخاصة؟ ببساطة .. أنهم أشتروها! ونفس الوصف ينطبق على متطلبات إكمال الدراسات العليا فيما يخص بحوث طلبة الماجستير والدكتوراة في هذه الجامعات.
وإلتزاما بطلبات ومتطلبات وزارتنا العزيزة الخاصة بالنشر في المجلات العالمية الرصينة، تم تجاهل المجلات العلمية العراقية من خلال تقليل شأنها مقارنة بمثيلاتها من المجلات العالمية وسهولة النشر فيها دون الإلتزام بالمعايير العلمية فيها والمجاملات في قبول البحوث وتقييمها ونشرها، وكان الموضوع برمته لا يعدو إلا شكلا روتينا مطلوب الظهور فيه دون الأصالة العلمية المطلوبة. وإكتمالا لهذا الشكل، فمن يدير ويحرر المجلات العلمية العراقية تدريسيين لا علاقة لهم بالبحث العلمي ولا يعرفوا عنه شيئا إلا في بحوث دراستهم للماجستير والدكتوراة.
وإستكمالا لدورة البحث العلمي في العراق، فإن متطلبات الترقية العلمية لا تصب إلا في نفس النتيجة السلبية المتحققة فعلا. فأعطت لجان الترقية العلمية نقاطا اكثر للبحوث (المشتراة) المنشورة في مجلات عالمية رصينة مقارنة ببحوث (المجاملات والواسطات والتساهل) المنشورة في مجلات عراقية محلية. كما إن متطلبات الترقية العلمية أعتمدث متطلبات قد لا تكون لها علاقة مباشرة ولا حتى غير مباشرة بالمستوى الحقيقي لعلمية الإستاذ الجامعي العراقي.
إن معالجة هذا الحال لا تحله لجنة تحقق في فقدان النزاهة في بحوث أساتذة جامعات حكومية رصينة او جامعات أهلية تعتمد الإعلانات في الشوارع. لأن نتائج هذه اللجنة ستكون تبريرات ومجاملات وتعود الأمور لسابق عهدها إن لم تزد سوءا. ما نحتاجه لمعالجة مستوى البحث العلمي في العراق هو وجود خطط فعالة تعيد النظر في كل ما له علاقة بالبحث العلمي في الجامعات العراقية وتنفيذ دقيق لمفردات هذه الخطط ورقابة صارمة لسنوات وسنوات على أن يتم وضع الخطط ومراقبة تنفيذها من قبل أساتذة يحملون شهادات حقيقية.
إن مستقبل الجامعات العراقية في البحوث العلمية إذا ما أستمر الحال على ما هو عليه الآن، ليس مجهول المآل بل هو قاتم الظلام وسيء الحال ومهدد مصير البلاد. كل هذا والموضوع لحد الآن لم يشمل المستوى المتدني للدراسة والتدريس في هذه الجامعات الحكومية والأهلية والرداءة العلمية لمستويات الخريجيين الذين سيكونون ركيزة مستقبل العراق وبنائه وقيادته. وفي يوما ما سيفتح هذا الموضوع وسنرى الكوارث والكوارث. فيا وزارة التعليم العالي تنبهي واسرعي لوقف الهدم إن لم تقدري على البناء وكلنا عونا لك وفي خدمة بلدنا.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.