مقالات

إذا انتهت الدورة وبقيت العائلة – سجاد خماس الساعدي

إذا انتهت الدورة وبقيت ا

(سيناريو قانوني تخيلي لما قد يحدث في حال انتهاء الدورة البرلمانية دون إقرار مدونة الأحكام الشرعية)

مع اقتراب نهاية الدورة النيابية الحالية لمجلس النواب العراقي، والتي بدأت في 9 كانون الثاني 2022 وتنتهي في 9 كانون الثاني 2026 استنادًا إلى المادة (56) من الدستور العراقي، يواجه الواقع التشريعي حالة من الجمود في ظل غياب الجلسات البرلمانية وانشغال النواب بالاستعدادات المبكرة للانتخابات المقبلة، المتوقع إجراؤها في موعد أقصاه 25 تشرين الثاني 2025 وفق قانون الانتخابات رقم 12 لسنة 2018 المعدل.

في هذا السياق، تثار تساؤلات جوهرية حول مصير مدونة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية على وفق المذهب الشيعي الجعفري، التي نص قانون تعديل الأحوال الشخصية على إعدادها من قبل المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي، بالاستعانة بعدد من القضاة وخبراء القانون وبالتنسيق مع مجلس الدولة.

القانون وضع جدولًا زمنيًا واضحًا: تُنجز المدونة خلال أربعة أشهر من تاريخ نفاذ القانون، ثم تُعرض على مجلس النواب للموافقة عليها خلال 30 يومًا. لكن ماذا لو انتهت دورة البرلمان ولم يُنجز هذا الاستحقاق؟ وماذا لو تأخرت الانتخابات أو استغرق تشكيل الحكومة الجديدة وقتًا طويلًا بسبب الطعون والتحالفات السياسية والتوافقات المتأخرة، كما هو معتاد في السياق العراقي؟

هل تبقى المدونة معلّقة؟ وهل تسري أحكامها دون موافقة البرلمان؟

هنا يظهر التعارض العملي مع نص المادة (2/د) من التعديل، التي اشترطت صراحة أن تُقدّم المدونة لمجلس النواب للموافقة عليها. وبالتالي، فالموافقة النيابية ليست خيارًا سياسيًا بل شرط قانوني لازم لإضفاء الشرعية على المدونة ولجعلها قابلة للتطبيق في محاكم الأحوال الشخصية.

هل هناك تفويض من مجلس النواب للمجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي لإصدار المدونة دون الرجوع إلى مجلس النواب؟
لا. لا يوجد في القانون تفويض صريح يُمكّن المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي – حتى مع استعانته بالقضاة وخبراء القانون وبالتنسيق مع مجلس الدولة – من إصدار مدونة الأحكام الشرعية وتطبيقها دون موافقة مجلس النواب. المادة (2/د) من التعديل تُلزم المجلس العلمي بإعداد المدونة وتقديمها إلى مجلس النواب خلال أربعة أشهر، على أن يُلزم المجلس نفسه بالموافقة عليها خلال 30 يومًا. وبذلك فإن الموافقة النيابية تبقى خطوة قانونية ضرورية ولا غنى عنها لإضفاء الشرعية الدستورية على المدونة.

وما هو مصير العائلة العراقية إذا ما تأخرت هذه الموافقة أو لم تتم أصلاً؟
يعود النص القانوني في الفقرة (ز) من المادة الثانية ليقرر أن المحكمة، وفي حال عدم وجود مدونة نافذة، تسترشد بآراء المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي كـ”خبير شرعي” في القضايا المتعلقة بمن اختار تطبيق أحكام المذهب الجعفري. لكن هذا الحل المؤقت يثير إشكالات عملية وقانونية، منها:
• غياب المرجعية المكتوبة الموحدة يُضعف من وحدة الاجتهاد القضائي ويؤدي إلى تفاوت في الأحكام.
• الاعتماد على “رأي خبير” وليس على مدونة نافذة قد يُضعف القوة الإلزامية للأحكام، ويُثير طعونًا أكثر أمام محاكم التمييز أو المحكمة الاتحادية.
• استمرار هذه الحالة المؤقتة قد يدخلنا في ازدواجية تشريعية بين القانون رقم 188 لسنة 1959 ومدونة غير نافذة، مما يُعقّد وضع العائلة العراقية بدلًا من أن يحله.

وفي نهاية المطاف، تبقى العائلة العراقية هي الحلقة الأضعف في هذا المسار السياسي القانوني المعقد. فبين دورة نيابية تنتهي، ومدونة لم تُقر، وانتخابات تتأخر، تظل القضايا اليومية للناس: الطلاق، الحضانة، الميراث، الزواج، في مهب الاجتهاد والتأجيل والتضارب.

وما نخشاه أن تنتهي الدورة… وتبقى العائلة وحدها تواجه مصيرها بين محكمة وأخرى، وبين اجتهاد واجتهاد، في غياب نصٍ نافذٍ وقاطعٍ يحميها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!