الحوار الهاديء

مشروع قانون البطاقة الوطنية الموحدة: غبنٌ وإجحافٌ بحق المواطنة العراقية

الكاتب: لويس اقليمس
مشروع قانون البطاقة الوطنية الموحدة: غبنٌ وإجحافٌ بحق المواطنة العراقية
أقرّ مجلس النواب العراقي في 27 تشرين أول 2015، مشروع قانون البطاقة الوطنية الموحدة، وسط جدالات وخلافات حول العديد من البنود المختلف عليها، إلى جانب امتعاض وغضب نواب من كتلٍ غير مسلمة.
باختصار، هناك ملاحظتان سلبيتان في مشروع القانون المذكور جديرتان بالمراجعة. أولاها تتعلّق بمشكلة اللقب الذي سيشكل تحديًا خطيرًا للمواطن الذي يمكن تعرّضه لمخاطر الق*ت*ل على الهوية بسببه. وهذا ماحذّر منه العديد من نواب الشعب، نظرًا لتجربة الأعوام السابقة التي أشرت حوادث عديدة من هذا القبيل.
أما الثانية، فهي تصبُّ في خانة الانتقاص من المواطن غير المسلم، بالرغم من مساواة الدستور بين الجميع على صعيد المواطنة. حيث يرى العديد من النواب والمثقفين والعقلاء في الصيغة القانونية للمادة 26 منه، “مثارالجدل”، حيدًا وابتعادًا عن صفة الدولة المدنية التي تسعى غالبية الشعب العراقي للترويج لها واعتمادها منهاجًا من أجل بناء وطن موحد متراص الصفوف وقوي النسيج، وطن يحتضن الجميع تحت خيمة واحدة عادلة، من دون تمييز في الدين أو المذهب أو الطائفة أو اللون أو الجنس أو العشيرة أو القبيلة وما نحو هذه جميعًا.
ممّا لاشكّ فيه، أن هذا المشروع الوطني يُعدّ إنجازًا على صعيد التحوّل من نظام ورقيّ متخلّف إلى نظام الحوكمة الالكترونية من خلال تهيئة قاعدة بيانات نظامية إلكترونية تساهم في تحسين الخدمات ودعم الخطط الحكومية في مجال الإصلاح الإداري ومنه أيضًا في تسهيل محاربة الار*ها*ب والج#ريم*ة المنظمة وملاحقة الميليشيات السائبة. كما أنه سيحلّ الكثير من الإشكالات الورقية القديمة باعتماد سجلات إلكترونية نظامية تختزل مشكلة الأوراق الثبوتية المستخدمة حاليًا في التعريف الشخصي للمواطن. ومن محاسنه أيضًا، أنه سيقوم بربط جميع دوائر الدولة ومؤسساتها بحماية وطنية الكترونيًا. ومن ذلك، فهو مشروع عملاق قد يأخذ وقتًا طويلاً نسبيًا لتحقيقه، لكنه في النهاية سيخدم الدولة بمؤسساتها، كما يخدم المواطن الحائر بمستمسكاته الرسمية العديدة المطلوبة في كلّ معاملة أو زيارة لدائرة حكومية.
لكنّ إقحام المادة 26 فيه، قد أثارت بقوة، حفيظة نواب الأقليات الدينية غير المسلمة التي رأت فيه ظلمًا وإجحافًا وتمييزًا عنصريًّا ضدّ كلّ ما هو خارج عن الإسلام. وهذا ما يتناقض مع العديد من مواد الدستور العراقي الذي يؤكد على تساوي جميع المواطنين وحماية حقوقهم. وبحسب هذه المادة المجحفة وغير الحضارية، يضطرّ القاصرون باتباع ديانة أحد الأبوين في حالة تغيير ديانة أحدها إلى الإسلام، قبل سن البلوغ، “أنْ يتبع الاولادُ القاصرون في الدين مَن اعتنق الدينَ الاسلامي من أحد الأبوين”. بعبارة أخرى، فإنّ “القاصر المولود لأبوين غير مسلمين يولد على دينهما، فإنْ أسلمَ أحدُهما بحكمِ القانون سيكونُ ملزَمًا قانونيًا أنْ يتحولَ الابناءُ القاصرون إلى الدين الجديد، ومن ثمَّ لا يحقُ له العودة في حال رغب أن يرجع على الدين الذي كان عليه”.
إنّ مثل هذا النص العنصري غير المتوازن يتناقض أيضًا، مع الحرية الشخصية في اختيار الدين. فالعراق كان وما يزال دولة مدنية، حيث فشلت كل المحاولات، ومنها ما بعد أحداث 2003، بتحويله إلى دولة حكم ثيوقراطي مع قدوم الأحزاب الدينية التي أثبتت فشلها الذريع، إدارة وسياسة واقتصادًا وتعليمًا وصناعةً. ف”الدين لله والوطن للجميع”.
إن هذه المادة العنصرية، إذا ما تمّ اعتمادُها بلا رجعة، سوف تلحق بمواطنين أصلاء في البلد، ظلمًا وإجحافًا وغبنًا بحقوقهم، لا لشيء سوى ذنبهُم أنهم يختلفون في الدين عن دين الأغلبية. فهُم، سوف يتحملون ظلمًا إضافيًا على ما يقاسونه اليوم من تهجير وتنكيل وخطف وق*ت*ل من جانب العصابات
الإجرامية من أمثال “د*اع*ش” ومثيلاتها ومن قبل الميليشيات التي تتحرك على الأرض بكلّ حرية وتستهدف أبناء هذه المكوّنات المسالمة غير المسالمة التي لا تعرف العن*ف والق*ت*ل والظلم طريقًا للعيش. فالظلمُ الأول، كونُهم من أتباع أديانٍ أخرى تختلف عن دين الأغلبية التي تتحكم وتحكم سيطرَتها على جميع مقدّرات الدولة وثرواتِها ومناصبِها، مقابل تهميشِها وإقصائِها لأتباع الأديان الأخرى، ومنهم المسيحيون والصابئة المندائيون والإيزيديون، وغيرهم إذا ما تواجدوا فوق أرض العراق.
ومن المؤسف عدم تفاعل البرلمان مع نداءات رئاسة الكنيسة العراقية والرئاسة الروحية لكلّ من الطائفة الإيزيدية والصابئة المندائيين لتعديل نص هذه المادة المجحفة التي تنتقص من مواطنيتهم ومن دينهم ومعتقدهم على السواء. ف”الدين علاقة بين الانسان وربه ولااكراه فيه”، كما أشار غبطة البطريرك لويس ساكو في بيان له بهذا الخصوص. فقد سبق أن طالب ساكو مجلسَ النواب العراقي، بتعديل قانون البطاقة الوطنية الموحدة قبل صدورِه بأشهر، وذلك “تحقيقًا للعدالة والمساواة”، إلاّ أنّ هذا الإصرار بتمرير هذه المادة المجحفة “يشكل تراجعًا مؤسفًا عن مبدأ التعددية واحترام التنوع والخصوصية”.
فإذا كان الشعب العراقي قد اصطفّ صفًا واحدً، ضدّ العصابات الإجرامية بسبب ما ألحقته هذه من أذى وآلام ومحن ومصائب بحق شعوبٍ مسالمة تحرص في ولائها للوطن والأرض أكثر من غيرها، فكيف بنواب الشعب وزعاماتهم السياسية أن تقبل بظلمٍ إضافيّ بحقّهم؟ فالحرية الدينية وحرية المعتقد التي تنادي بها شرعة حقوق الإنسان، وكذا الاتفاقات والمواثيق ومختلف العهود الدولية التي صادق عليها العراق، تعدّمن أساسيات الحريات والديمقراطية التي تنص عليها هذه جميعًا. هذا إضافةً إلى حماية الدستور العراقي لحقوق المواطنين العراقيين ورفض التعرّض لمحاولات فرض فكر أو دين أو معتقد إكراهًا وخارجًا عن إرادة الشخص. بل إنّ مثل هذا الفرض بالإكراه يدخل في خانة الاضطهاد لمواطنين ينتمون إلى ذات الوطن وليس لهم من ذنب سوى الاختلاف في الدين. فهل هذه رسالة إضافية صريحة أخرى تدعو العراقيين المختلفين عن دين الأغلبية بترك أرض الآباء والأجداد لسبب عنصريّ يدخل الدين في أسبابه؟
 
 
بغداد، في 4 تشرين ثاني 2015..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!