مقالات عامة

أنت لستَ فاهمًا، ولا أنا جاهلٌ

إن كنتَ تعرفُ سرًّا عنَّا يُحرِّكُ لسانَك، ويُعَتمل في صدرَك كالنارِ المدفونةِ تحت الرمادِ، وتظنُّ أنَّ سكوتَنا عن جرَيانِ المياهِ تحت أقدامِنا هو غفلةٌ عن حقائقَ نعرفُها، فاعلمْ أنَّ الحكمةَ ليست في إطلاقِ اللهيبِ، بل في احتضانِ الجمرِ أحيانًا…؛ فالكلامُ قد يكونُ سكينًا يقطعُ وترَ الوجودِ، والصمتُ قد يكونُ جسرًا نعبرُ عليه إلى شاطئِ السلامِ. 

فإنَّنا وإيَّاك كالصابرِ والشامتِ، وكالمتغابي والمدَّعي معرفةَ الحالِ والذي عرفَ شيئًا وغابتْ عنه أشياءُ. 

فبعضُ الكلماتِ الجارحةِ كالسهامِ المثلَّثةِ المسمومةِ، التي تنزفُ سمًّا زعافًا، وتق*ت*لُ الراميَ والمرميِّ معًا… ؛  ولو كنتَ تعرفُ –أيُّها الغِرُّ المتربِّصُ بالناس– كم تحتفظُ الأرضُ تحت ترابِها من أسرارٍ وأمورٍ، لصحتَّ بأعلى صوتِك : “الصمتُ لغةُ الحكمةِ، وفي الكتمانِ تكمنُ عظمةُ الإنسانِ”. 

لذا ترانا نلبسُ قناعَ العمى، ونُغمِضُ أعينَنا عن أمورٍ كثيرةٍ، ليس لأنَّنا لا نرى، بل لأنَّ الرؤيةَ المفرطةَ قد تحوِّلُ الحياةَ إلى مسرحِ أشباحٍ وجرائمَ ومجازرَ وسيلٍ من الدماءِ. 

هكذا نَبني أخلاقَنا: ننحتُها من صخرِ التجاهلِ والتعامي والتغافلِ، ونُرسِّخُها بمسمارِ “إنِّي بأخلاقِ الجميعِ خبيرٌ إلا أنَّني كالأطرشِ البصيرِ “، فالكاتمُ ليس جاهلًا، بل هو من يفهمُ الظروفَ، ويقدِّرُ البلايا قبل وقوعِها، ويعرفُ تداعياتِ الثرثرةِ ومخرجاتِ الكلامِ.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!