هل سيتحول ملف "أوجلان" إلى ورقة مساومة دولية
الشرق الأوسط ساحة صراعات متشابكة، تتداخل فيها المصالح وتتنافس فيها القوى الكبرى على مناطق النفوذ والتأثير. وتقع تركيا على مفترق الطرق بين آسيا وأوروبا، وهي ليست بمنأى عن هذا التداخل، وقد لعبت دورًا مهمًا في معادلة التوازنات الإقليمية والدولية. واليوم، عادت قضية السياسة والصراع إلى الواجهة من جديد مع دعوة عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون، إلى نزع سلاحه. هذه الدعوة هي أكثر من مجرد دعوة للسلام، فهي تكشف عن تغيير في تفكير القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة وإس*رائي*ل، وتغيير في مقاربتها للمسألة الكردية التي ظلت لعقود من الزمن ورقة الضغط الأكثر خفاءً لدى الفاعلين الدوليين.
فبعد أن بنت تركيا سياستها الداخلية والخارجية على ثنائية ”الأمن والتنمية“، لم تتعامل تركيا مع القضية الكردية باعتبارها معضلة يمكن حلها بالحوار وحده، كما حدث في ثمانينيات القرن الماضي، بل تعاملت معها باعتبارها أزمة وجودية يجب مواجهتها عسكريًا واستخباراتيًا. ومنذ ذلك الحين، استند نهج تركيا باستمرار على فكرة القضاء على التهديدات قبل أن تصبح واقعًا سياسيًا. ومع ذلك، أظهرت تركيا تغيرات في تعاملها مع المسألة الكردية استجابة للوضع الدولي والمحلي. فمن المفاوضات السرية إلى القطيعة التامة، ومن سياسة الاحتواء إلى استراتيجية الضربات الاستباقية داخل حدودها وخارجها، بما في ذلك شمال العراق وسوريا.
وفي ضوء هذا التغير الديناميكي، فإن مطالب أوجلان بنزع سلاحه هي حدث لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي والدولي. فعلى الرغم من نفوذها المتنامي، فإن تركيا محاطة بتحديات كبيرة، بدءاً من التوترات مع الغرب إلى مساومتها الحساسة مع روسيا وإيران في سوريا. ولا تقل أهمية عن ذلك علاقات أنقرة مع واشنطن وإس*رائي*ل. وذلك لأن التطورات داخل تركيا مرتبطة بمواقف هذه القوى التي تدرك أن الورقة الكردية لم تفقد قيمتها الاستراتيجية في لعبة التوازنات.
فالولايات المتحدة، التي لطالما استغلت التناقضات الإقليمية، وجدت في الأكراد حليفاً مهماً لها من خلال حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية (د*اع*ش) وخاصة دعمها لقوات سوريا الديمقراطية في سوريا. وفي الوقت نفسه، سعت إلى الحفاظ على علاقاتها مع تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي، وهو عنصر أساسي في استراتيجيتها لاحتواء روسيا والصين.
وبالتالي فإن الإدارة الأمريكية لا تريد خسارة أنقرة، لكنها تدرك أن الكرد قوة لا يمكن تجاهلها في أي حل مستقبلي في المنطقة. ولذلك، قد تكون دعوة أوجلان فرصة لواشنطن لإعادة بناء العلاقات مع تركيا وحلفائها الكرد بطريقة لا تقوض مصالحها الرئيسية.
تنظر إس*رائي*ل إلى القضية الكردية من زاوية مختلفة. فإس*رائي*ل ترى في القضية الكردية عنصراً يمكن أن تستخدمه لموازنة مصالحها مع مصالح القوى الإقليمية، وخاصة إيران.
لم تخفِ إس*رائي*ل المتعاطفة مع القضية الكردية رغبتها في استقلال الأكراد، وإن كان ذلك بشكل غير رسمي. وعلى الرغم من أن تل أبيب لا تشارك مباشرة في مفاوضات نزع السلاح بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني، إلا أنها وكما تبدو، تراقب الوضع عن كثب وتدرك تداعيات تغير الظروف على الاستراتيجية الأمنية والاقتصادية في المنطقة.
ومع ذلك، في السياسة، لا تسير الأمور دائماً وفقاً لما هو مخطط لها. فدعوة أوجلان، على الرغم من رمزيتها، قد لا تلقى آذاناً صاغية في أنقرة. وعلى الرغم من اهتمام القوى الكبرى بهذه المسألة، إلا أنه من غير المرجح أن تمارس ضغوطاً مباشرة على تركيا لتغيير سياستها.
وتكمن الإجابة على هذا السؤال في مدى قدرة الكرد على التموضع في الساحة الدولية ومدى استعداد تركيا لمراجعة استراتيجيتها الأمنية في المسألة الكردية. لكن الواضح أن الدعوة ليست مجرد نقطة عابرة بل اختبار جديد لمدى إمكانية توجيه الصراع في الشرق الأوسط لصالح القوى الكبرى.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.