مقالات

لغز زيارة الشيوخ الدروز وسيناريوهات ضم محافظة السويداء السورية لإس*رائي*ل؟

صباح البغدادي

خلال الساعات والأيام القادمة التي ستكون حتمآ مليئة بالخفايا والإسرار، وما سوف يخرج من تصريحات علنية لبعض الشيوخ الدروز حين انتهاء هذه الزيارة المشبوهة، والتي قد تحدث بين لحظة وأخرى، لتبوح معها لانطلاق شرارة الغموض في مواجهة تحديات الصدام الدرزي اللبناني-الإ*سر*ائي*لي وتُشعل نار التحدي وتُهدد وتوقد فتيل شرارة صراع داخلي يكون مدو بين شيوخ الدروز في كل من سوريا ولبنان وإس*رائي*ل.

لنبدأ بالتاريخ كمرآة للحاضر والمستقبل، ففي خمسينيات القرن الماضي، نفذت إس*رائي*ل، عبر جهاز الموساد، عمليات تفجير مفتعلة استهدفت اليهود العراقيين والمصريين لدفعهم إلى الهجرة إلى الكيان الناشئ. كان الهدف واضحاً: استغلال ثرواتهم وخبراتهم لبناء كيانهم المصطنع. في العراق، كشفت الحكومة عام 1951 خلية تجسس بقيادة يهودا تاجر وروبرت رودني، عميل بريطاني تابع للموساد، وراء تفجيرات أجبرت آلاف اليهود على ترك جذورهم. هذا النمط من العمليات ليس مجرد حدث عابر، بل استراتيجية متكررة تُظهر استعداد إس*رائي*ل لاستخدام العن*ف ضد مواطنيها المحتملين لتحقيق أهدافها.

وبدورنا نرى بان محافظة السويداء اليوم حاضرة بقوة لمسرح جديد للمؤامرة ولسيناريوهات قد تكون أعده سلفا أو ما تزال في طور الإعداد , من خلال سلسلة من التفجيرات والاغتيالات المفتعلة والتي تبرع فيها أجهزة الموساد؟ وبين بيوت وشوارع السويداء، تبرز تكهنات حادة ووقائع تشير إلى أن إس*رائي*ل قد تسعى لتكرار هذا السيناريو، لكن هذه المرة مع الدروز. المحافظة، والتي تقع جنوب سوريا على مقربة من الحدود مع الأردن والجولان المحتل، تتمتع بموقع استراتيجي حساس. الدروز، بتاريخهم النضالي ضد الاستعمار والاحتلال، يشكلون مجتمعاً متماسكاً يصعب اختراقه، لكنهم في الوقت ذاته عرضة للضغوط في ظل الفوضى السورية المستمرة. فرضيتنا التحليلية هنا هي أن إس*رائي*ل قد تحاول استغلال هذا الواقع لفرض “حماية” مزعومة على الدروز، أو دفع بعض فصائلهم نحو الانضمام إلى مشروعها التوسعي عبر خلق أزمات داخلية أو تفجيرات مفتعلة. التصريحات الإ*سر*ائي*لية في الفترة الأخيرة أصبحت بارزة ولها صدى أعلامي داخليآ وخارجيآ ، أبدت إس*رائي*ل اهتماماً علنياً بحماية الدروز في سوريا، كما فعل رئيس الوزراء نتنياهو وكذلك وزير الدفاع في تصريحات سابقة، مما يثير تساؤلات حول نواياها الحقيقية. هل هي حماية إنسانية أم محاولة لخلق نفوذ جيوسياسي؟
هذه السيناريوهات المحتملة والتي سوف نناقشها ونطرحها في بحثنا حول هذا الموضوع عن المدى ما سوف يصل اليه خطورة الصراع الدرزي / الدرزي ورؤيتنا قد تحمل معها كذلك في طياته عمقًا سياسيًا واجتماعيًا ودينيًا ويستحق منا وقد يكون كذلك من الراي العام التأمل والتحليل الدقيق، خاصة في ظل التعقيدات التي تحيط بالعلاقات بين الطائفة الدرزية وإس*رائي*ل، والتداعيات المحتملة التي سوف نناقشها لمثل هذه الخطوات على المستويين المحلي والإقليمي والدولي. لذا بدورنا سنحاول قدر الإمكان وحسب متابعتنا بالأحداث وان أفكك المشهد بطريقة واقعية ومفعمة بالتحليل، مع تقديمنا رؤية قد تكون شبه شاملة تتجاوز فيها القراءات السطحية الارتجالية والمسهبة ولكن سنحفر إلى جذور الأمور وتطلعات المستقبل.
*الزيارة التاريخية المفاجئة ما هي دلالاتها الإن وهل هي بداية لشرارة في فضاء سوريا الذي ما يزال مشحون طائفيآ :
الزيارة التي قام بها شيوخ دروز من سوريا اليوم، 14 مارس 2025، إلى إس*رائي*ل لزيارة مرقد ديني تُعد حدثًا غير مسبوق منذ عقود، وهي ليست مجرد خطوة رمزية، بل قد تكون بمثابة رمي صخرة ثقيلة أو لنقل “حجر في بركة راكدة” تثير تموجات واسعة في الأوساط الدرزية وخارجها. هذه الزيارة، التي تأتي في سياق علاقات معقدة بين الدروز وإس*رائي*ل، تحمل في طياتها أبعادًا دينية وسياسية، وربما تكون مؤشرًا على محاولات إ*سرائ*يل*ية لتعزيز نفوذها بين أبناء هذه الطائفة خارج حدود كيانها المصطنع .ولكنها، في الوقت ذاته، أثارت عاصفة هوجاء من الرفض والاستنكار والاستهجان من قبل مشيخة العقل الدرزية في لبنان، التي رأت فيها تهديدًا للوحدة الروحية والوطنية للطائفة، وحذرت من مخاطر الانزلاق إلى مستنقع التطبيع مع كيان مستحدث غاصب ومحتل يراه الكثيرون في المنطقة عدوًا تاريخيًا.
الرفض الدرزي اللبناني ليس مجرد موقف عابر، بل هو صرخة مدوية تعكس حساسية خارقة تجاه أي محاولة لجرّ الطائفة الدرزية إلى مربع التقارب مع إس*رائي*ل. مشيخة العقل في لبنان، بقيادة شخصيات مثل الشيخ سامي أبي المنى ، وكذلك وليد جنبلاط ترى في هذه الزيارة “خنجرًا مسمومآ في خاصرة الهوية الدرزية”، وتخشى أن تكون بداية لمسار يهدف إلى تقسيم الطائفة واستغلالها في أجندات سياسية تخدم مصالح إس*رائي*ل على حساب وحدة سوريا ولبنان.
*محافظة السويداء والتفجيرات المفتعلة واغتيال الشخصيات والرموز الدينية الدرزية وهل سيكون من قبل إس*رائي*ل هدف استراتيجي تعمل عليه حاليآ أم سيكون لها وهم استراتيجي سياسي؟
 حاليا وحسب قراءتنا لهذه الزيارة، بأن إس*رائي*ل قد تسعى مستقبلًا إلى حث مشايخ الدروز في محافظة السويداء السورية على إجراء استفتاء للانضمام إلى إس*رائي*ل ليس بعيدًا عن الواقعية، لكنه يحتاج إلى تفكيك دقيق للسياقات والدوافع. السويداء، القلعة الدرزية في جنوب سوريا، تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي قريب من الحدود مع إس*رائي*ل والجولان المحتل، وهي منطقة ظلت على مدى سنوات الصراع السوري مثل “جزيرة عصية” على الاختراق الكامل من النظام أو حتى الفصائل الإسلامية المسلحة. هذا الاستقلال النسبي، إلى جانب التماسك الاجتماعي للدروز، يجعلها هدفًا محتملاً لأي قوة تسعى إلى “زرع أوتادها” في الجنوب السوري. إس*رائي*ل، التي لطالما روّجت لنفسها كحامية الأقليات في المنطقة، قد تجد في السويداء فرصة ذهبية لتوسيع نفوذها تحت ذريعة “حماية الدروز” من الفوضى السورية أو التهديدات المحتملة. استخدام أساليب “الترهيب والترغيب”، كما أشرنا اليه، ليس بجديد في سياساتها. الترغيب قد يأتي عبر وعود بالدعم الاقتصادي أو الحماية العسكرية، بينما الترهيب قد يتمثل في الضغط على قادة الطائفة عبر تهديدات غير مباشرة أو استغلال الأوضاع الأمنية الهشة في سوريا بخلق أرضية خصبة لتفجيرات واغتيالات مفتعلة ترم فورا على شماعة الإدارة السورية الجديدة أو حتى المتعاطفين معها من الفصائل الإسلامية الأخرى أو حتى يكون بإنتاج فصيل إسلامي معين ومن خلال سيناريوا بانه هو الذي قام بهذه التفجير سواء أكانت سيارة مفخخة أو دراجة نارية أو عبوة ناسفة وضعت على الطريق أو اغتيال شخصيات ومشايخ درزية بكاتم الصوت ويتم الترويج لهذا الحدث بصورة إعلامية وبصورة مستمرة . لكن السؤال الأعمق هو: هل الدروز في السويداء مستعدون فعلاً لقبول مثل هذا السيناريو؟ ولكن قد يكون الواقع يشير إلى أن الدروز في السويداء، رغم استيائهم من النظام السوري وصراعهم المستمر من أجل الكرامة والاستقلالية، يتمسكون بهويتهم السورية. انتفاضة السويداء منذ 2023، أظهرت رفضًا قاطعًا لأي تدخل خارجي، بما في ذلك الإ*سر*ائي*لي. هذا الرفض ليس مجرد شعار، بل هو “خط أحمر” يعكس وعيًا عميقًا بمخاطر الوقوع في فخ التقسيم الطائفي الذي قد يحول سوريا إلى “دولة فسيفسائية” تخدم مصالح القوى الإقليمية والدولية.
* تخوفنا سيكون نابع من تكرار سيناريو الجولان والرئيس دونالد ترامب والأمر التنفيذي:
فرضيتنا التي نجد فيها أنها قد تكون واقعا في المستقبل القريب حول إمكانية قيام إس*رائي*ل بالتعاون مع دونالد ترامب لإصدار أمر تنفيذي يدعم انضمام السويداء إلى إس*رائي*ل تستند إلى سابقة واقعية حدثت ومن خلال توقيع ترامب في 25 أذار 2019 على قرار الاعتراف بسيادة إس*رائي*ل على الجولان السوري المحتل. هذا القرار، الذي أثار جدلاً دوليًا واسعًا واعتبر خرقًا للقانون الدولي، أظهر استعداد ترامب لدعم المطامع الإ*سر*ائي*لية بقرارات “صاعقة” تخدم حلفاءه السياسيين، وفي مقدمتهم بنيامين نتنياهو.
في ظل عودة ترامب إلى البيت الأبيض مرة أخرى، قد يرى في مثل هذه الخطوة فرصة لتعزيز تحالفه مع إس*رائي*ل وترسيخ إرثه كـ “صانع صفقات تاريخية”. لكن هذا السيناريو يواجه تحديات جمة ومنها على سبيل المثال وليس الحصر:

أولاً، المجتمع الدولي، بما في ذلك حلفاء أمريكا التقليديون في أوروبا، قد يرفض مثل هذا القرار بشدة، معتبرًا إياه “قنبلة موقوتة” تهدد استقرار المنطقة.
ثانيًا، الدروز أنفسهم، سواء في السويداء أو الجولان أو في لبنان، أظهروا تاريخيًا مقاومة للاندماج الكامل في إس*رائي*ل، حيث رفض معظمهم في الجولان قبول الجنسية الإ*سر*ائي*لية، متمسكين بهويتهم السورية.*تحليلنا الذي يندرج بين الطموح والواقع على الأرض:
إس*رائي*ل قد تحلم بضم السويداء كجزء من استراتيجية طويلة الأمد لتوسيع حدودها الفعلية، مستغلة الفوضى السورية وانشغال القوى الكبرى بصراعات أخرى. لكن هذا الطموح يصطدم بصخرة الواقع. الدروز، بتماسكهم الاجتماعي ورفضهم التاريخي للتبعية، ليسوا أداة سهلة في يد أي قوة خارجية. مشيخة العقل الدرزية في لبنان، بقيادة شخصيات مثل الشيخ وليد جنبلاط، قد تواجه ضغوطًا، لكنها أثبتت قدرتها على الصمود أمام محاولات النظام السوري نفسه لكسر إرادتها، فكيف بإس*رائي*ل؟
أما ترامب، فإن أي أمر تنفيذي قد يصدره سيكون “سيفًا بلا غمد”، يثير ردود فعل عنيفة من روسيا وإيران، اللتين تريان في سوريا خطًا أحمر استراتيجيًا. هذا دون الحديث عن الشعب السوري نفسه، الذي قد يرى في مثل هذه الخطوة “خيانة للوطن”، مما يشعل انتفاضة جديدة تتجاوز السويداء إلى كل الأراضي السورية.
أن رؤيتنا وسياق ما تم ذكره أعلاه يندرج ضمن الواقعية المفهوم السياسي والديني، والزيارة الحالية قد تكون “طلقة استطلاع” لقياس ردود الفعل، لكن تحولها إلى استفتاء أو انضمام فعلي للسويداء إلى إس*رائي*ل قد يبقى حلمًا إس*رائي*ليًا بعيد المنال على الأقل بالنسبة لنا في الوقت الحالي في ظل الرفض الدرزي والمعارضة الإقليمية. إس*رائي*ل قد تلعب على وتر “الترهيب والترغيب”، وترامب قد يمنحها شيكًا على بياض، لكن إرادة الدروز ووعي المنطقة هما الحصن الذي سيبقي هذه الأحلام مجرد “سراب في صحراء السياسة”. المستقبل قد يحمل مفاجآت، وبما أن هناك الانقسام الداخلي والسويداء ليست موحدة سياسياً. لان هناك تيار وطني يتمسك بالسيادة السورية، وآخر متهم بالتقارب مع إس*رائي*ل، هذا الانقسام قد يكون أرضية خصبة لتدخلات خارجية. وخلق دور الفوضى المفتعلة وترجمتها على ارض الواقع ومن خلال التفجيرات أو الاشتباكات المفتعلة قد تُستخدم كذريعة لتبرير تدخل إس*رائي*لي أو لدفع الدروز إلى طلب الحماية وهذا يتماشى مع النمط التاريخي لخلق أزمات تُحل بفرض واقع جديد. أو من خلال اختراق الفصائل الدرزية ودعم فصائل محلية بالسلاح والمال من قبل إس*رائي*ل وتكون موالية لها موالية وذلك لفرض واقع انفصالي أو على الأقل طلب الحماية منهم.

ومع ضعف الدولة السورية الوليدة وفي ظل الصراع الطائفي المستمر، تفتقر دمشق لسيطرة كاملة على الجنوب، مما يفتح الباب بالتالي لتدخلات خارجية وإيجاد كذلك صراع داخلي “درزي / درزي ” لتأجيج الخلافات بين الوطنيين والمتعاونين لإضعاف المحافظة وتبرير التدخل.

ولكن التاريخ يعلمنا أن الدروز، بجذورهم العميقة في الأرض، لن يكونوا جسراً لأطماع الآخرين بسهولة وهذا ما نتمناه، وان يكون مشايخ الدروز يقفون وقفة رجل واحد ضد الأطماع الإ*سر*ائي*لي في توسيع حدود نفوذها المصطنع وبالأخص وقفة  مشيخة العقل الطائفة الدرزية في لبنان وبشخص الشيخ وليد جنبلاط .

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!