الحوار الهاديء

ماذا سيحصل لو شارك مقاتلي شعبنا في القتال / د . عبدالله رابي

الكاتب: الدكتور عبدالله مرقس رابي
ماذا سيحصل لو شارك 
مقاتلي شعبنا في القتال؟
 
د . عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي
 
                       على اثر الغزو الد*اع*شي المتطرف لمدينة الموصل وسهل نينوى حيث الكثافة العالية لشعبنا الكلداني والاشوري والسرياني في بلداته وقراه التي كانت عامرة ومتمتعة بالامان والاستقرار النسبي مقارنة بمناطق أخرى في العراق ، تشكلت مجموعات عسكرية مسلحة تابعة للأحزاب القومية للأثنيات الثلاث لا يعدو تعدادها اكثر من 4000 مقاتل بحسب ما نُشر في الاعلام .ونشرها كان أول خطأ ترتكبه الاحزاب لان من المعروف ما تمتلك الدول أو الاحزاب أو الجماعات من المقاتلين والذخائر وما يرتبط بالشؤون العسكرية يظل سريا.وأن كان هذا الرقم صحيحا أو مقاربا ، يعني أن أحزاب شعبنا تفتقد الى أبسط قواعد الامن العسكري .
وقد أصبح موضوع تسليح أبناء شعبنا مثار أهتمام ومناقشة المهتمين  القياديين والسياسيين والاعلاميين منذ البدء في تدريب القطعات المُشكلة ،ودلت التصريحات والاراء على الانقسام بين الرفض والقبول لتشكيلها. الا أنه بالرغم من ذلك أستمرت في أعداد نفسها والتهيئة للمشاركة في القتال لتحرير سهل نينوى ومدينة الموصل .
سوف لا أتناول الموضوع عسكريا من ناحية الاستعداد للقتال والضبط العسكري، بل سـأتناوله أنطلاقا من المعطيات الديمغرافية والسياسية والدينية والاجتماعية كمتغيرات مستقلة تعتمد عليها مسألة مشاركة المقاتلين في الحرب من عدمه .أي بمعنى آخر ما العلاقة بين هذه العوامل وظاهرة مشاركتهم بالقتال ؟ وما هي التداعيات التي ستفرزها المشاركة في القتال ؟.
أذ لا بد من المؤسسة السياسية والعسكرية أن توليا أهمية كبيرة  للتركيب الديمغرافي في المجتمع فهو أحد المتغيرات البشرية الاساسية التي تدخل في مقومات التخطيط السليم للدولة أو المؤسسات لمختلف أصنافها وبما فيها المؤسسة العسكرية .فمعرفة العدد الاجمالي لسكان البلد لوحده لا يمكن الاعتماد عليه في مسألة التخطيط ما لم تُفصل الخصائص السكانية وربطها بالمتغيرات الاخرى للتوصل الى النتائج الصحيحة وفي ضوئها تُتخذ القرارات .
مدى وحدة هذه القوات
                       بحسب التصريحات الاعلامية التي صرحت بها الاحزاب من الاثنيات الثلاث ،لاتوجد وحدة بين هذه القطعات  وحتى لم تقبل بالتنسيق فيما بينها.فحالها التنظيمي والتعاوني والتنسيقي هو أنعكاس لما هو عليه أحزاب شعبنا من عدم التنسيق ووحدة الخطاب والتعاون والكل يبحث عن الزعامة . ولا تدرك شيء في الاتفاق  بحسب الاكثرية وهي موزعة كالاتي :
1 – قوات حراسات سهل نينوى ، لاتزيد عن 3000 مقاتل ،تابعة لادارة المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري ،ومرتبطة بوزارة البيشمركة في أقليم كوردستان العراق.
2 – فوج وحدة حماية سهل نينوى   ولا يزيد عددهم عن 260 مقاتل ، بأدارة الحركة الديمقراطية الاشورية ( زوعا ) .وهي مرتبطة بوزارة الدفاع للحكومة المركزية.
3 – كت*ائ*ب قوات سهل نينوى ولا يزيد عدد مقاتليها عن 100 .بأدارة حزبي بيث نهرين الديمقراطي وبيث نهرين الوطني،وهي مرتبطة بوزارة البشمركة ايضا .
4 – المجموعة القتالية ( دويخ نوشا ) وقد حاولت العثور على عدد مقاتليها فلم أجد وفقا للأعلام أكثر من 12 مقاتل بأدارة الحزب الاشوري الوطني ، وبتمويل ذاتي ، وأذا كان الرقم صحيحا ، فهذا لا يغطي حراسة قيادة الحزب .
بالرغم من أن تسمية هذه القوات موحدة جغرافيا بعبارة ( سهل نينوى ) ، ألا أن ما ألاحظه فعلا هو الانقسام،ليس في الادارة فحسب ،بل في تبعية التمويل التي سيكون لها تبعات سيئة على وضعها القتالي والمستقبلي .الى متى تبقى أحزاب شعبنا لا تدرك معنى الوحدة وأهميتها ؟ فمن المعروف الفئات السياسية أو المذهبية أو الاثنية من الشعب مهما أختلفت ، في حالة الازمات والاضطهادات والحروب يتحدون على الاقل بصف واحد ضد العدو.
فأذن دخول قوات شعبنا بهذه الحالة الانقسامية والتبعية في التمويل  ستترك أثرا بليغا على المقاتلين بمشاركة العوامل الاخرى كما سنرى.ويمتد هذا التأثير الى مابعد تحرير بلدات شعبنا ،لان عامل التمويل سيضطلع دورا كبيرا في مجريات الامور والتنظيم والادارة في المنطقة ،فمن المعروف هناك أختلافات سياسية وأدارية وجغرافية حول المنطقة بين الحكومة المركزية وحكومة أقليم كوردستان ،فالجهتين هما على خط من النار ،فأذا لم يكن هناك تدخلا أمنيا من قبل قوات عسكرية خارجية ستحل الكارثة وتبدأ الحرب من جديد بين الطرفين ،وعليه سيكون مصير قواتنا مجهولا .
ديمغرافية المنطقة
                      تعد منطقة سهل نينوى من المناطق التي تتميز بتباين سكاني كبير ، أذ درجة التجانس فيها تساوي صفر وفقا لدراسات أنثروبولوجية أجراها أساتذة قسم الاجتماع في جامعة الموصل في الثمانينات من القرن الماضي .قد أشارت تلك الدراسات  الى أنها تتميز بتركيبة ديمغرافية في غاية التعقيد، حيث تتألف هذه التركيبة من:
أثنيا :العرب ، الكورد ، الكلدان  ، السريان ، الاشوريين ، الشبك ، التركمان  .
دينيا ً: الاسلام ، المسيحية ، الايزيدية ، وأقلية كاكائية .
وأما التوزيع الاثني على الاديان هو : العرب يتوزعون بين الاسلام  ومنهم السنة الغالبية والشيعة الاقلية ،وقسم من الايزيديين يقرون أنهم من العرب .
الكورد هم من السنة ،والكاكائية والايزيدية .
الشبك  يصرحون بتبعيتهم بحسب الاوضاع السياسية والامنية ، ففي عهد النظام السياسي السابق أعتبروا أنفسهم عرباً،بينما في ظل النظام السايسي الشاذ في العراق ينقسمون بين العرب والكورد وبعضهم يؤكون بأنهم أثنية مستقلة .
أما الاثنيات الثلاث الكلدانية والاشورية والسريانية كما هو معروف هم من المسيحيين ويتوزعون الى مذاهب كاثوليكية وأرثودكسية ونسطورية .
ماذا نتوقع من المواقف السلوكية لهذه التركيبة الديمغرافية المعقدة  في ظل النظام السياسي المضطرب والصراعات الطائفية والاثنية  لتحقيق أهدافها الجغرافية والسياسية والاجتماعية ؟
كانت منطقة سهل نينوى تتمتع بالاستقرار التام قبل عام 2003 ،فلم تُسجل حوادث صراعية بين الاثنيات والاديان بشكل جماعي في ظل القانون والسلطة القوية للدولة ،وأن كانت بعض الخروقات الفردية تحدث الا أنها ليست بأهمية قياسا للأستقرار والتكيف والعيش المشترك الذي تمتع به سكان المنطقة .
بينما الأوضاع السائدة في العراق عموما بعد العام المذكور توصف كما يأتي: فقدان الامن ووجود اراضي شاسعة خارج سيطرة الحكومة ،  وبروز النزعات القومية والدينية والمذهبية  والصراع على السلطة والتهميش للأحزاب الصغيرة من قبل الاحزاب الكبيرة المستحوذة على السلطة بحسب نظام المحاصصة السيء  ،وتدخل دول الجوار لدعم الصراعات المذهبية، لان الفئات المذكورة في التركيبة السكانية تمتد جغرافيا في البلدان المجاورة مثل المذاهب الدينية والاثنية. وتفشي الفساد في أعلى الهرم السياسي في الدولة والقضاء والتعليم والكساد الاقتصادي الحاد وأنتشار الج#ريم*ة وأستمرار الحروب ودوامة سفك الدماء والابادة الجماعية والتهجير القسري.والصراع حول الارض في منطقة سهل نينوى بين العرب والكورد .
وقد مضى أكثر من ثلاثة عشر سنة على هذه الحالة الشاذة والمرعبة أجتماعياً ونفسياً  وأقتصادياً على المجتمع العراقي، وهي فترة تكفي بحسب المقاييس العلمية لتغيير السلوكيات الناجمة من تغيير العقول لانتشار الافكار الدينية المتخلفة التي لاتقبل التعايش السلمي المشترك مع المختلف دينيا.وثم المشهد الدموي اليومي بين أفراد المجتمع الذي يتطبع في أذهانهم  وبالاخص عند الاطفال والمراهقين .  سببت هذه المتغيرات في أنماء وأثارة الغرائز الفردية الجامحة من حيث الحقد والكره والانتقام وحفزت مجتمعة النزعة الحيوانية للفرد العراقي التي تقوده الى ارتكاب السلوك الاجرامي الخطر كلما تسمح الظروف .وتعد الحروب أفضل الاوضاع المناسبة لتفريغ الشحنات العدوانية،وكانت النتيجة  هي أنعدام الثقة بين سكان الوطن الواحد.
وأن كانت هذه الحالة السائدة في المجتمع العراقي عموما ،الا أنه أكثر بروزا وخطورة في محافظة نينوى لتميزها بالتركيبة الديمغرافية المعقدة كما وضحت أعلاه ،أضافة للـتاثيرات الناجمة من السيطرة الد*اع*شية المتخلفة والدموية وما فعلت من ممارسات شنيعة لا يتقبلها العقل البشري المعاصر بحق سكان المنطقة ،فكان لها الدور الكبير في تضاعف أثر العوامل المذكورة في خلق روح الكره والحقد والانتقام بين أفراد المجتمع . 
فأذن ستشارك قوات شعبنا المُشكلة في القتال في بيئة أجتماعية سكانية مشحونة بالعداءات المذهبية والقومية والصراعات على الارض ،ومتشبعة سلوكيا بروح الانتقام وأنعدام الثقة ،أي العدو هو من أهل المنطقة بمعنى بعد أنتهاء القتال سيستمر العيش الى جانب أثنيات شعبنا في بلداتهم وقراهم ،وسيكون الانتقام بمقتضى العقلية الدينية التي تلقاها وهو أمر مشروع بالنسبة الى المتطرفين متى ما تسنح الفرصة  ،فتستمر دوامة فقدان الامن لشعبنا وفقدان الثقة بجيرانه وأستمرارية القلق الاجتماعي .
ومن جهة أخرى ،ستكون الحالة على أشدها خطورة لان القوات القتالية متوزعة في تمويلها وولائها بين فئتين متصارعتين على سهل نينوى نفسه وهما العرب والكورد ،اضافة الى مواقف الشبك والايزيدين من تواجد المسيحيين في سهل نينوى ومطالبتهم بمحافظة تتمتع بأدارة مستقلة ،أو حكم ذاتي في ظل الاقليم أو الحكومة المركزية ،وفي كلتا الحالتين تشكل خطورة على مستقبل شعبنا طالما موضع المحافظة التي يُطالب بها شعبنا هي قلب الحدث والصراع بين العرب والكورد .والمسالة لم تُحسم لحد هذا اليوم .
فأذن نتوقع أن تكون قوات شعبنا الهدف في القتال لانعدام الثقة بين الاطراف المشاركة ، لانهم يتصيدون لبعضهم ،فمن هم موالون للكورد سيكونوا هدفا مقصودا أو عفويا لنيران الجيش والحشد الشعبي والعكس صحيح.أو سيكونوا عرضة لنيران المجاميع الاخرى المشاركة الى جانبهم من سكان المنطقة،ففي كل الاحوال ،ستسهم المشاركة الفعلية لقوات شعبنا بشكل مباشر في القتال الى تعرض مقاتلينا الى النيران للأسباب المذكورة وفي مقدمتها أنعدام الثقة بين المجاميع القتالية التي تنضم معهم ،بدليل أن الحشد الشعبي مُصر في الزحف نحو المنطقة للمشاركة في تحرير الموصل ، واقليم كوردستان من جانبه يُصرح ،أن الاراضي التي تُحررها قوات البيشمركة ستبقى أراضي كوردية.  
وما العمل؟
                أن وجود قوات قتالية لابناء شعبنا في ظل الاوضاع  السياسية والامنية الشاذة في العراق أمر ضروري وأنما : وفقا للمعطيات المذكورة اعلاه من تعقد الوضع الديمغرافي والاجتماعي والسياسي والامني  وتداخل المتغيرات في منطقة سهل نينوى أرى أن واجباتها العسكرية القتالية أن تقتصر على حماية بلدات وقرى شعبنا المنتشرة في المنطقة بعد تحريرها من البراثن الد*اع*شية .أي يكون موقفها العسكري موقف دفاعي لصد أي أعتداء عليها في المستقبل ،وليس لصالحها المشاركة الفعلية في القتال. واذا تشكلت محافظة سهل نينوى ومنحت أدارة ذاتية او حكم ذاتي لابد أن تُبذل المساعي للحصول على حماية دولية الى أن تستقر الاوضاع الامنية في العراق.
ولا بد من البحث عن طرق موحدة لرفع الروح المعنوية لدى المقاتلين من أبناء شعبنا تقوم بهذه المهام دائرة مختصة لها تحت عنوان ( التوجيه المعنوي ) ،ويعمل فيها أختصاصيون في علمي النفس والاجتماع والاعلام لايجاد برنامج في التوجيه المعنوي يعتمد على الاسس العلمية .
وعليه ، على المسؤولين والقادة الاداريين والاحزاب السياسية أن لا يتسارعوا في أتخاذ القرار للمشاركة من عدمه ،وعليهم دراسة العوامل المؤثرة والتداعيات لمشاركتهم فعليا في القتال بتمعن ودقة ،وأن لا ينطلقوا من نشوة الح*ما*س العاطفي ،بل الانطلاق من التدبير العقلاني وعدم الافراط بأرواح شبابنا .
تمنياتنا لمقاتلينا بالتوفيق في الدفاع عن بلداتنا وقرانا .
8 / آذار / 2016
                                                          
  ..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!