مقالات دينية

رواية شفرة دافنشي حول زواج المسيح من المجدلية والرد عليها

الكاتب: وردا اسحاق

رواية شفرة دافنشي حول زواج المسيح من المجدلية والرد عليها

بقلم/ وردا أسحاق عيسى

وندزر – كندا

بعد أن تناولنا موضوع القديسة مريم المجدلية في مقال خاص في الرابط التالي وأرجو الأطلاع عليه قبل قراءة هذا الموضوع :

https://mangish.net/forum.php?action=view&id=9699

سنبحث في هذا المقال موضوع زواج المسيح له المجد من مريم المجدلية بحسب أدعاء الروائي الأمريكي دان براون في روايته ( شفرة دافنشي ) بعد أن روّجَ الكثيرين من الكُتّاب موضوع العلاقة العاطفية بين المسيح ومريم المجدلية من خلال كتاباتهم في الكتب والصحف والأطروحات والندوات والبحوث الأكاديمية العديدة تناولوا فيها موضوع زواج المسيح من المجدلية مريم وعن أولادهم وبناتهم ، وهناك من يقول بأنه كان هناك محاولة لأختيال أطفال المسيح والمجدلية قبل عقد من صلبه ، فكم كان عمر يسوع له المجد إذاً عندما تزوج ؟ قبل دان براون تداولت أفكار ونشرت كتب عديدة تتضمن الأكاذيب والضلالات وتلفيقات هدفها ضرب الأديان وأقناع الناس بأن كل دين مبني على الأكاذيب الباطلة . ومن هؤلاء الكتاب نذكر البروفيسورة كيرين كينغ الباحثة والأستاذة في علم اللاهوت بجامعة هارفاد الأمريكية التي أصدرت 8 كتب وأبحاث تاريخية بعلم اللاهوت وهي أيضاً خبيرة باللغة القبطية القديمة فترجمت نص تلك البردى المكتشفة في أرياف مصر بنجع حمادي والتي تتحدث حول زواج المسيح .

 

 

 تلك البردية تعرضت للتآكل في جزء من نَصِها بسبب عامل الزمن والمناخ وبعرض 4 سم وطول 8 سم ، ففيها عبارة غير مكتملة بقيت فيها 4 كلمات فقط ، وهي عبارة مثيرة للجدل ، ترجمتها تقول ( قال لها يسوع ” زوجتي ” .. ) إلا أن النص غير مكتمل ، لكنه يوحي بأن المسيح كان يتحدث فيه الى تلاميذته الحواريين ، لأنه وردت في النص عبارة أخرى جاء فيها على لسان المسيح ، قوله ( أنها قد تصبح من أتباعي ) . كما أن الدراسات التي أجريت على نصٍ سابق له بأكثر من 150 سنة كان ضمن ما أطلقت عليه البروفيسورة أسم ( أنجيل زوجة المسيح ) وكان متداولاً ذلك الوقت . كما تقول بأن بعض المسيحيين الأوائل كانوا يتداولون أنجيلاً فيه سرد لحياة المسيح ومواعظه وبأنه كان متزوجاً وفق تعبيرها التي قالت أن البردية تم التأكد من أصالتها تماماً لكنها ليست دليلاً بعد على وجود زوجة للمسيح ، مع أن في العبارة تلميح مهم لها ، كما أنه أول نص يتحدث عن زوجة في حياة المسيح ، مضيفة أن تواتر الروايات عن المسيح غير متزوج بدأ بعد 200 سنة تقريباً من ميلاده . كما أضافت قائلة ، القرن الثاني شهد جدلاً واسعاً في ما إذا كان الزواج وما يتبعه من أقامة علاقات جنسية مسموحاً بها للمسيحي خصوصاً لمن ينذر نفسه لخدمة المؤمنين . وهذا تقليد كنسي نشأت بسببه الرهبنة وتطورت لتصبح مع الزمن فعل ممارسة يومية للأيمان المسيحي . والرهبنة بدأت وتطورت فعلاً منذ القرن الرابع في مصر أولاً .

ورواية شفرة دافنشي التي نشرت عام 2003 لدان براون ، هي رواية ذات مسحة بوليسية خيالية تجارية ، لهذا صنفت على رأس قائمة الروايات الأكثر مبيعاً لأنها حققت مبيعات تصل الى 60.5 مليون نسخة ، وتم ترجمتها الى 50 لغة ، والرواية هي ملخص لأفكار الكُتّاب الذين سبقوا دان في البحث عن هذا الموضوع والذين اعتمدوا على الكتابات المنحولة وأساطير الأولين وخرافات العصور الوسطى عن الكأس المقدس ومريم المجدلية فبنوا منها أكاذيب حول لوحة ليوناردو دافنشي ( 452-519) على أن الجالسة عن يمين المسيح هي زوجته مريم المجدلية بينما كل المؤمنين يقولون أنه يوحنا الرسول . كما نقول ، الفنان دافنشي الذي رسم لوحة العشاء الأخير قبل 500 سنة لم يفكر فيما يدعون به مطلقاً ، بل فكرة الموضوع المرسوم يدور بين الرسل وبوجود المسيح عن الموضوع الجوهري لكلام المسيح الذي قال لهم ( الحق الحق أقول لكم أن واحداً منكم سيسلمني ) ” يو 13: 21″ كل الموجودين مع المسيح على المائدة هم الرسل فقط وليس فيهم أمرأة ( أي المجدلية ) حسب أدعاء دان ، وكان من يمين المسيح يوحنا الرسول وهو بدون لحية لكونه شاب في مقتبل العمر وأصغر كل الرسل عمراً وقد مات فعلاً آخر كل الرسل . وعن يسار المسيح هو الرسول فيلبس وكان أيضاً بدون لحية ، وهذا يدل على أحترام المسيح للصغير كالكبير ، وهكذا كان يعمل النبلاء في عصرهم .

 تم الترويج لشفرة دافنشي بشكل مبالغ من قبل الأعلام الأمريكي والغربي وكأنه كشف مهم عن الأسرار الخفية في المسيحية والغاية من هذه الحركة هي ضرب المسيحية بقوة ! وقرأها الملايين فدفع منتجي السينما الى تحويل الرواية الى فلم سينمائي كان بطلها النجم الأمريكي توم هانكسي . و تُرجِمَ كتاب دان براون الى لغات عديدة ، منها العربية فراح بعض الكُتاب العرب يكتبون لصالح الرواية ولغرض تشويه صورة المسيح دون أن يكلفوا أنفسهم للبحث والدراسة ومعرفة حقيقة لتلك الرواية التي شمِتت بالمسيحية واليهودية وحتى الأسلام بقولها أن الأديان ملفقة .

كل ما أدعى به دان في روايته بعيد كل البعد عن الحقيقة لأن معظم مزاعمه هي من خرافات أساطير وخيال وتلفيقات أنتحلها من كُتّاب يسمونهم ب ( متأملي العصر الجديد ) .أعتمد في كتابة روايته على تسع مصادر أهمها:

 

1-  ( كتاب الدم المقدس – الكأس المقدسة ) لميشيل بيخت وريتشارد لي وهنري لنكولن الذي نشر في عام 1982 . تضمن الكتاب فكرة خيالية أفتراضية بأن المسيح قد تزوج من المجدلية علماً بأن الكُتّاب الثلاثة لا يعترفون بمصداقية نظريتهم ويقرون أنها مجرد نظرية تأملية ، لكن دان أخذها كمصدر لروايته .

2-  (كتاب كشف سر فرسان الهيكل ) : كتبه لين بكنت وكليف برنس علم 1997 في بريطانيا

3-  (كتابات مارجريت ستاربيرد ) : تأثرت بكتابات الدم المقدس وهي كاتبة من مدرسة متأملي العصر الجديد التي تؤمن بنظرية المؤامرة والرمزية التي تعتمد على الأشاعات والخرافات والأساطير وتتوهم أنها موجودة في الكتاب المقدس . ركزت في كتاباتها على تمجيد ما يسمى بالأتحاد بين المسيح ومريم المجدلية ، أو الأنثى المقدسة . في سنة 1993 نشرت كتابها ( المرأة وقارورة المرمر) . أفترضت في كتاباتها أن مريم أخت لعازر هي التي دهنت المسيح بالطيب . وهي بالفعل مريم المجدلية التي ترمز الى الكاهنة الألهية ، وكذلك تعتبرها المرأة الخاطئة التي غفر لها المسيح خطاياها في بيت الفريسي .

4-  وَمِن المعلومات الأخرى التي حصلوا عليها الباحثين عن هذا الموضوع كانت من كتاب أسمه ( الأنجيل المفقود ) الموجود في المكتبة البريطانية منذ عام 1847 كما يعتقدون بوجود زوجتين للمسيح وطفلين . أعتمد الباحثون على دراسة أجزاء ذلك الكتاب كما فعلوا عند العثور على جزء من أنجيل آخر مفقود والذي أعلنت كارين كنغ الباحثة في جامعة هارفارد عن أكتشافه حديثاً مع وجود شائعات التي وردت حينها بتزييف الوثيقة المكتشفة . إذ كشفت الفحوصات الكربونية بأن تاريخها يعود الى القرن الثامن الميلادي وهو تاريخ أحدث مما افترضته كينغ ، ويبين أن كُتّاب هذه الروايات لا يهتمون بحقائق التاريخ بل يجعلون الخرافة مساوية للحقيقة فأفترضوا تاريخاً مزيفاً وأحداثاً ملفقة وأعتمدوا على أفتراضات وتأملات وأدعاءات وهمية وقدموها كأبحاث علمية في حين أنها تناقض جوهرياً مع حقائق التاريخ المدونة والموثوقة . كل هؤلاء الكتاب هراطقة لكونهم عديمي الأيمان ولا يكترثون من الدينونة الأخيرة ، لا تهمهم التحذيرات المكتوبة في الأنجيل ( طالع رؤ22: 18-19 ) . نكروا لاهوت المسيح وزعموا أنه مجرد نبي كباقي الأنبياء ، وهو أنساناً كباقي البشر أحبَ وتزوج من مريم المجدلية وأنجب ذرية ذات دم مقدس وأن مريم المجدلية هي الوعاء المقدس ، وكل ما كتبوه كان أوهاماً ملفقة لا علاقة لها بالكتاب المقدس ولا تليق بالله الكلمة المتجسد .

أما عن رأي علماء الديانتين المسيحية والأسلامية وقفت موقف التصدي لتلك الوثيقة البردية  مؤكدين بأن معلوماتها خاطئة وأن أيمان الديانتين تنفيان زواج المسيح ، أضافة الى معتقدات الديانتين تؤكد بأن المسيح لم يتزوج قط . عبرت الكنيسة الأرثوذكسية القبطية والأزهر عن رفض الوثيقة أنطلاقاً من جمع الأدلة التي تشير الى عدم زواج المسيح .

علق عميد كلية الشريعة – جامعة الأزهر الدكتور جودة عبدالغني بسيوني قائلاً نحن نعرف من خلال كل الأدلة أن المسيح لم يتزوج ، فرفض ما جاء في الوثيقة التي تعود الى القرن الرابع الميلادي وقال عنها أنها غير حقيقية على سبيل القطع ولا تصل فيها الى الشك في مدى مصداقيتها ، بل نرفضها . كما رد مجد عاشور الذي يشغل منصب المستشار الأكاديمي للمفتي في مصر بالقول أنه : من الثابت في الشريعة الإسلامية والشرائع السماوية ، بل وفي كل الطوائف المسيحية ان المسيح لم يثبت زواجه ، وأن هذا الأمر معلوم في جميع الأديان .

وهناك أدعاء حول وجود ( أنجيل خامس ) من قبل البروفيسور باري ويلسون من جامعة يورك في كندا ، و كاتب النصوص وصانع الأفلام الأسرائيلي سيمكا جاكوبوفيك اللذين بحثا في وثائق أخرى مكتوبة على جلود الحيوانات باللغة السريانية تعود الى القرن الأول الميلادي ، لكن تلك القصة السريانية لا تشير الى المسيح بشكل مباشر ، بل الى رجل يدعى ( جوريف ) وتحكي القصة عن زوجته ( أسينيث ) والتي يدعون بأنها هي مريم المجدلية . وهكذا يعتمدون في بحوثاتهم هذه على أناجيل منحولة ( أناجيل أبوكريفا ) . وتلك الوثيقة تتحدث عن زواج جوزيف وأسينيث على يد فرعون مصري ويعتبرون جوزيف أبن الله ، كما تم أكتشاف أناجيل مثيرة في الأراضي المصرية في منطقة نجع حمادي عام 1945 منها أنجيل توما المنحول وأجزاء من أنجيل فيليب وماري تلميذ المسيح الذي بشر في ما بين النهرين  وغيرها من الأناجيل .

للرد على هذه الأدعاءات والأتهامات التي لا تليق بالمسيح وتعليمه وشخصيته ونسله لأنه أبن الله وليس من بني آدم ، فأدعائهم بزواجه من المجدلية هو رفض لآلوهيته وجعله أنساناً فقط كباقي البشر، أو كباقي الأنبياء أو من أدعوا النبوة فتزوجوا بزوجة أو زوجات ،  وهكذا كانوا يفعلون اليهود بالمسيح لهذا قال لهم (ولذلك تحكمون عليّ بحسب البشر … ) ” يو 15:8″ . المسيح أنسان وأله معاً وأنه من عالم الأرواح تجسد لكي يأخذ جسداً بشرياً ، لكنه أيضاً أبن الله ومن ثمر الروح وليس من ثمر الجسد الترابي . كان آدم أنساناً مأخوذاً من التراب والى التراب عاد . أما المسيح فلم يؤخذ من التراب ولا من نفضة رجل ، بل هو من الروح القدس الذي حل في أحشاء مريم لهذا لا يجوز أن يعود الى التراب كباقي البشر بل تحول جسده الى حقيقته الأولى في ما قبل التجسد فأصبح جسداً نورانياً روحانياً وعاد الى عالمه ومملكته ، وكان يستطيع وهو في الجسد أن يعود الى طبيعته النورانية كما فعل على جبل التجلي لأنه ليس كأبناء هذا العالم ، لهذا قال لبيلاطس ( مملكتي ليست من هذا العالم ) . عاد الى عالم الأرواح لكي ينظَمّ الى كائنات نورانية وتلك الكائنات لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله في السماء ” مت 30/22″ عندما نريد أن ندرك أسرار الله علينا أن نفكر بما للروح ، والروح يكشف لنا ما في عمق الله  كما قال الرسول بولس . أما الأنسان الذي يفكر بعقله البشري كدان براون فلا يستطيع أن يدرك كل ما يخص روح الله ولا يقدر أن يعرفه لأن الجسد لا يفهم خفايا الروح ، أما الروحي فيميّز كل شئ ولا يميّزه أحد ، لأنه من عرف الرب فيعلمه ، وأما نحن فلنا فكر المسيح ” طالع 1قو 2: 11-16″ . فأفكار دان براون وأمثاله هي أنسانية لا تستطيع أن تفهم الروح لأن الروح عندهم جهالة . أما تفسيرنا لعلاقة المسيح بالمجدلية وغيرها من النساء التي التقى بهم المسيح فهي علاقة الخالق بالمخلوق فكيف يتزوج الخالق مخلوقته ؟ يسوع تعامل مع المرأة كمخلوقة وساواها بالرجل لأن المرأة في الأنجيل هي المكملة للرجل في مفهوم الأنسان الواحد والأثنان هما جسداً واحداً . وهذا ما كان منذ البدء دون أنتقاص من قدر المرأة . فالرجل والمرأة خلقهم يسوع على صورته ومثاله ” تك 27:1″ لكن في العهد القديم وبعد ظهور اليهودية وضعوا المرأة في المرتبة الثانية ، أي بعد الرجل وانتقصوا من حقوقها ولم يكن مسموحاً لها بالتعليم . لكن المسيح أعادها الى مكانها فرفعها كالرجل وكان يسمح للنسوة لمتابعته واشترك المرأة في الخدمة والتقى بنساء كثيرات كالأرملة التي أقام أبنها من الموت ” لو 7: 11-17″ والمرأة الخاطئة التي دهنت قدميه بالطيب ” لو 7: 36-50″ والسامرية الزانية ” يو 4:2-7″ وشفاء المرأة الحدباء ، والمرأة نازفة الدم . ومريم ومرثا أخوات لعازر . ومريم المجدلية التي حررها من الشياطين السبعة ، والمرأة الكنعانية التي شفى أبنتها ” مر 7: 24-30″ وهكذا البشير لوقا وضّح لنا موضوع أهتمام الرب يسوع بالمرأة وتعامله مع كل الناس بنفس الأحترام .

رد الأنبأ أرميا الأسقف العام للأقباط الأرثوذكس في مصر على ما جاء في وثيقة البردية متسائلاً عن تاريخها ومدى صحتها. مشدداً على أنه لم ترد في المسيحية خرافات كهذه .

أما القمص عبدالمسيح بسيط مدير معهد دراسات الكتاب المقدس في سبرا الخيمة ، وأستاذ اللاهوت الدفاعي وتاريخ العقيدة ، وهو أيضاً صاحب دراسات وأبحاث حول مخطوطات قبطية دينية تم العثور عليها في مصر . عبّرَ عن رأيه بأن تفسير نص البردى مخالف للعلم التاريخي . كما ذكر بأنه شاهد صورة البردية وقرأ نصها ، واعترف بأن ترجمة كلمة ( زوجتي ) أو ( عروسي ) هي كتابة غنوصية ، والغنوصيين كانوا فرقة مسيحية نشأت في القرن الميلادي الأول ، وكانت تعتقد بالزواج الروحي بين الأفراد ، لا الجسدي المعروف ( لذلك فإن المسيح يقصد الكنيسة بكلمة زوجتي ، لا أمرأة تزوج منها ) على حد قوله . كما شرح أن الغنوصيين المعروفة فرقتهم بأنها ( المحبة للمعرفة الألهية ) يبتعدون من الزواج لأيمانهم بأن الأرواح سجينة في الأجساد ، وأنجاب طفل جديد يعني أنجاب سجين جديد ، وأن الأجساد لا تتحرر إلا بمعرفتها لهذه الحقيقة ، والله عندهم واحد ، لا مرئي أرسل المسيح الى الأرض ليحرر الأرواح السجينة ، لذلك فإنه لم يقصد أمرأة من حكمة ( زوجتي ) في النص بل كنيستي .

 أجل كان للمسيح زوجة وهي كنيسته ، ولحد اليوم نقول ( الكنيسة هي عروس المسيح ) . كما كانت تقول وتقول وستقول كل راهبة نذرت نفسها للمسيح والتي رفضت الزواج بأنني عروس المسيح ، فهل تقصد الزواج الجسدي أم الروحي ؟

أما الفاتيكان فأصدرت بياناً شديد اللهجة عن موضوع زواج المسيح مفى من خلاله أن يكون المسيح قد تزوج سواء من مريم المجدلية أو غيرها . وأن البيان أشار الى عدم وجود أدلة تدعم هذا الأدعاء الكاذب .

أما الأب اليسوعي سامي حلاق فعلق على أدعاءات دان براون وأكاذيبه في رواية ( شفرة دافنشي ) مستخدماً في تعليقه صورة العشاء الأخير التي رسمها الفنان الأيطالي ليوناردو دافنشي ، قائلاً :

التأمل في لوحة العشاء الأخير لدافنشي

هذه اللوحة رسمها ليوناردو دافنشي في ميلانو على جدار غرفة الطعام بدير السيدة مريم ( يظهر الباب في الأسفل ) ، وهي تمثل العشاء الأخير الذي تناوله المسيح مع تلاميذه الأثني عشر . وقد أزدادت شهرة هذه اللوحة على شهرتها بسبب رواية ( هيكل الرؤيا ) ” 1997 ” التي تقول إنّ التلميذ إلى جانب المسيح هو إمرأة أسمها مريم المجدليّة ، فتبنى دان براون هذه النظرية وبنى عليها روايته شفرة دافنشي (2003) .

بدأ دافنشي رسم اللوحة في سنة 1495 ، واستعمل فيها المنظور بطريقةٍ رائعة تظهر للمشاهد جميع التفاصيل ، حتّى الأشياء التي على المائدة . أبعادها حوالي 9 أمتار طولاً و4 أمتار ونصف عرضاً . تقول الرواية أنّ رئيس الدير ، حين رأى دافنشي يتباطأ في العمل ، غضب وكتب له كلاماً قاسياً ، فأجابه ليوناردو : إنّهُ يكّد في البحث عن وجهٍ يناسب يهودا الخائن . فإن لم يجد وجهاً يناسب ما في ذهنه ، سيرسم وجه رئيس الدير نفسه .

أظهرت الترميمات أنّ ليوناردو كتب أسماء التلاميذ بالقرب من رؤسهم ، وتؤكد ذلك المسوَدات الورقية التي رسم عليها ليوناردو اسكتش اللوحة . وهذا يسقط كل التأويلات التي قيلت عن هذه اللوحة . المشهد يصّور لحظة . إنها لحظة إعلان يسوع عن خيانة أحد التلاميذ له ، فظهرت لدى الأثني عشر ردود فعلٍ مختلفة ، وهذا سبب الحركة والديناميكية في الشخصيّات المرسومة ، وهذا أيضاً سبب غياب الكأس عن المائدة ، كما عهدنا أن نراه في اللوحات التي تصوّر هذا الحدث .

من اليسار إلى اليمين : يشكّل برتلماوس ويعقوب بن حلفا وأندراوس مجموعة ، تبدو أنهّا تفاجأت بالنبأ . ويبدو أندراوس يرفع يديه معلناً أنّه ليس هو ، في حين يعقوب بن حلفا يده ليربّت على كتف الذي بجانب أندراوس ليسألهُ .

يهوذا الإسخريوطي وبطرس ويوحنّا هم المجموعة التالية . يحمل يهوذا كيس دراهم ، ربّما ثمن خيانته أو لأنّه كان أميناً للصندوق ، ويبدو عليه خائفاً إذا أنكشفت خطته . تحت يمينه مملحة مقلوبة ، ويساره تشرف على ألتقاط الخيز ، إشارة إلى أنّه خان الخبز والملح . هو الوحيد الذي يسند مرفقه إلى الطاولة ، ورأسه أخف أفقياً من الجميع . أمّا بطرس ، فينظر غاضباً ، ويمسك سكيناً بأتجاه معاكس للمسيح ، إشارة إلى ما فعله في بستان الزيتون ، حين قطع أذن أحد المهاجمين للقبض على يسوع . إنّه يوَشوِش يوحنّا : ( سله مَن هو ؟ ) ويوحنّا يميل برأسه ليسمع ما يقوله له بطرس .

على يسار المسيح توما ويعقوب الكبير وفيلبّس . توما مضطرب ، يرفع سبّابته مشكّكّاً بصحّة الخبر . يعقوب يمدّ ذراعه ليهدّي توما وكأنّه يقول ( أصبر ، دعنا نفهم ما الأمر ) . يشير فيابيّس بيده إلى ذاته ( ألعلي أنا يا رب ؟ ) .

متّى ويهوذا بن حلفا ( تدّاوس ) وسمعان الغيور يشّلون مجموعة أقصى اليمين . متّى وتدّاوس يلتفتان إلى سمعان لعلّهما يجدان لديه جواباً عن تساؤلاتهما .

يعطي المسيح دليلاً لمعرفة الخائن : الذي يتناوله لقمة الخبز معي . يشير إلى ذلك بيده اليسرى ، ويوجّه يمينه إلى نفس قطعة الخبز التي سيتناولها يهوذا . أمّا وجهه ، يبدو عليه الحزن وكأنه سيبكي تأثراً بهذه الخيانة .

صمم ليوناردو اللوحة على مبدأ الثلاثية ، أشارة إلى الإيمان المسيحيّ بالثالوث : مجموعات الرسل الثلاثة ، النوافذ في الخلف ثلاثة ، وجسم المسيح يشبه المثلت ، ثلاثة أبواب جانبيّة تفضي إلى الصالة.

( الأب سامي حلاّق اليسوعيّ )

 

أخيراً نقول بان الروائي دان براون والكُتّاب الذين سبقوه في أثارة موضوع زواج المسيح من مريم المجدلية هم عديمي الأيمان ، يبحثون عن الشهرة والمال كما يسعون الى ضرب الأيمان المسيحي وقطيع المسيح بضرب الراعي أولاً فنكرو لاهوته فزعموا أنه مجرد نبي كباقي الأنبياء أو أنساناً حكيماً أوفيلسوفاً . وهو كباقي البشر له الشهوة ومن حقه أن يتزوج وينجب أطفالاً ، وهكذا قربوا الفكرة من الأيمان المسيحي بجعل مريم المجدلية هي الكأس المقدس التي تحمل رموزاً سرية ترمز الى نسل المسيح من المجدلية. وهي التي أنجبت الملوكي المقدس ، والرحم الذي حمل ورثة المسيحية والكرمة التي أنتجت الثمرة المقدسة . هكذا يبحثون عن الجزئيات في الكتاب المقدس لكي يقنعوا الناس بها فينسبون أحداث في الأنجيل الى المجدلية كأدعائهم بأنها هي التي غسلت أرجل المسيح ومسحتها بشعرها ( بينما الفاعلة الحقيقية كانت أمرأة خاطئة ) كذلك يجعلوا مريم أخت لعازر التي جلست عند قدمي المسيح في بيتها هي المجدلية . بينما الفاتيكان أكدت بأن المريمات الثلاثة مختلفات ، فمريم أخت لعازر ليست المجدلية ، ولا مريم الخاطئة التي مسحت قدمي المسيح في بيت الفريسي هي المجدلية ، بل المجدلية هي التي أخرج منها الرب سبع شياطين ، فأسلوب أختلاط المعلومات عند دان وغيره هو لخدمة أدعائاتهم الكاذبة ولزرع الشك ولأنجاح مشاريعهم الكتابية أو السينمائية وغيرها من أجل المال وكسب الشهرة ولضرب المسيحية .

لنسأل دان براون وغيره ونقول : إذا كان الجالس على يمين المسيح هي المجدلية فأين هو إذاً الرسول العظيم يوحنا الرائي الذي كان مع الرسولين الكبيرين بطرس ويعقوب أبن زبدي علما بأن هؤلاء الثلاث كانوا بشكلون الحلقة الأقرب الى المسيح في ثلاث مواقف مهمة منها التجلي ، علماً بأن يوم العشاء الأخير مهم جداً جداً وفيه أسس يسوع أكثر من سر من أسرار الكنيسة المقدسة كسر الأفخارستيا والكهنوت بقوله ( أعملوا هذا لذكري ) . نقول لهؤلاء الذين باعوا أيمانهم كيهوذا الأسخريوطي من أجل المال أن يعودوا الى أحضان الكنيسة ويعترفوا بجريمتهم لأن كل أنسان تعثر بسبب أعمالهم وأكاذيبهم سيدفعون للديان ثمن هلاكهم لأنهم كانوا العثرة .

سيرة المسيح على الأرض كانت طاهرة لكي لا تصبح  بشريته على الأرض مهانة فيصبح عثرة للأجيال فقال ( طوبى لمن لا يعثر ) ” مت 6:11″ . المسيح جاء خادماً ومضحياً ومثالاً صالحاً يعيش بقمة القداسة والكمال  ، لم يكن من هذا العالم ليتزوج من بنات هذا العالم كما فعل أنبياء كثيرين لهذا قال ( أنتم من هذا العالم أما أنا فلست من هذا العالم ) ” يو 23:8″ . ( “أنتم من أسفل “ أي من الطبيعة الترابية التي تتزوج ، أنتم محدودين بزمن ، وبالموت ” أما أنا فمن فوق “ أي من الطبيعة الألهية الخالقة ، أنا من السماء ،  أي لست من الزمن بل أنا لا محدود بزمن لأنني أزلي خالد وقائم بذاتي ودائم بكياني ) أما نزوله الى الأرض فكان لأجلنا فقط ، وأما في حقيقته فسيبقى ” من فوق ” وهو موجود معنا كان أيضاً موجوداً في السماء ، لهذا قال ( ليس أحد صعد الى السماء إلا الذي نزل من السماء ، أبن الأنسان الذي هو في السماء ) ” يو 13:3″ . قال هذا وهو يتحدث الى اليهود ويقول لهم ( أبن الأنسان الذي هو في السماء ) .

نقول لبراون ولغيره بأن المسيح لن يتزوج ولم يكن له نسلاً لأن الكتب المقدسة المعترف بها تقول ( ثمر الروح هو الروح ، وثمر الجسد هو جسد ) وهذه الكتب تتكلم عن كائن روحاني سماوي نوراني من عالم النور والأرواح والكائنات النورانية الذي فيه ( لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله في السماء ) ” مت 30:22″

فهل يفهم دان براون هذه الحقائق عن المسيح الإله المتجسد ؟ فليقيس مزاعمه التي تستند الى خرافات وأباطيل لا تمت الى الواقع بصلة ومتناقضة مع تعليم الأناجيل والرسائل الموجود في العهد الجديد . أما الوثائق المنحولة التي لا تعترف بها الكنيسة فكتبت من قبل مجهولين لم يصدق عليها رسل المسيح ، بل تم تسميتها بأسماء رسل وتلاميذ المسيح . وفي الحقيقة كتابها مجهولين ، فمثلا تم أكتشاف في عام 1945 في جنوب مصر أنجيل توما وأنجيل بطرس وأنجيل ماري . فهل الرسول توما بشر في مصر أم في الهند والصين ، وهل التلميذ مار ماري بشر في مصر أم في بلاد ما بين النهرين فلماذا لن يكتشف العراقيين على أرضهم أنجيل مار ماري ؟

نختم بحثنا بالقول : أبواب الجحيم لا تقوى على كنيسة الرب وكتابه المقدس .

المصادر

1-    الكتاب المقدس

2-    رواية ” شفرة دافنشي ” للروائي الأمريكي دان براون

3-    كتاب ” مريم المجدلية ” للقس عبدالمسيح بسيط

4-    آراء وتعليقات شخصيات دينية كاثوليكية وقبطية وأسلامية ضد رواية دافنشي

5-    تفسير الأب سامي حلاق اليسوعي للوحة دافنشي وتعليقه على آراء دان براون

يمكنك مشاهدة المقال على منتدى مانكيش من هنا

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!