خضوع القضاء العسكري وقوى الامن الداخلي للقضاء المدني هل يتفق
خضوع القضاء العسكري وقوى الامن الداخلي للقضاء المدني هل يتفق والفصل بين السلطات ويراعي خصوصية العمل الأمني والعسكري؟
1. عندما صدر قانون أصول المحاكمات العسكري رقم 22 لسنة 2016 وردت فيه احكام تنظم المحاكم في القوات المسلحة (قوات الجيش والقوات القتالية) واسرى الحرب فقط وعلى وفق احكام المادة (1) من القانون التي جاء فيها (تسري احكام هذا القانون العسكري المشمول بقانون العقوبات العسكري رقم ١٩ لسنة ٢٠٠٧ وعلى اسرى الحرب) .ونطاق القانون اعلاه يشمل كل من يسري عليه قانون العقوبات العسكري رقم 19 لسنة 2007، وهؤلاء حددتهم المادة (1) من القانون اعلاه التي جاء فيها (أولاً ــ تسري احكام هذا القانون على : أ ـ منتسبي القوات المسلحة العراقية المستمرين في الخدمة عن الجرائم المرتكبة اثناء الخدمة او من جرائها. ب ـ طلاب الكلية العسكرية وطلاب المعاهد والمدارس الخاصة بالجيش. جـ ـ الضباط المتقاعدين والمطرودين والمخرجين ونواب الضباط وضباط الصف والجنود المتقاعدين او المطرودين او المتسرحين من الجيش او من اي قوة عسكرية أخرى اذا كان ارتكابه الج#ريم*ة قد تم في اثناء الخدمة. د ـ الاسرى فيما يتعلق بالجرائم التي يرتكبونها في المعتقلات. هـ ـ الضابط وضباط الصف والجنود من الاحتياط المستمرين في الخدمة)
2. الا ان القانون أعلاه ورد فيه نص غريب عن سياق العمل التشريعي، عندما جعل قرارات محكمة التمييز العسكرية تخضع للتصحيح من قبل الهيئة الجزائية في محكمة التمييز الاتحادية، وهذه هيئة مدنية تتولى تدقيق قرارات محاكم الجنايات المدنية وليس العسكرية، وعلى وفق نص المادة (88) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العسكري التي جاء فيها (كل من آمر الاحالة او من يخوله والمحكوم عليه او وكيله والمدعي العام العسكري والجهة العسكرية المتضررة والمدعي بالحق الشخصي او وكيله الطلب من محكمة التمييز الاتحادية تصحيح الخطأ القانوني في الاحكام والقرارات الصادرة من محكمة التمييز العسكرية المشكلة وفق احكام هذا القانون والاحكام والقرارات الصادرة من محكمة تمييز قوى الامن الداخلي المشكلة بقانون اصول المحاكمات الجزائية لقوى الامن الداخلي رقم (١٧) لسنة ٢٠٠٨ استنادا لأحكام المواد (٢٦٦ ، ٢٦٩) من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (٢٣) لسنة ١٩٧١.
3. مع ان القضاء العسكري قضاء مستقل عن القضاء المدني، لخصوصية عمل القوات العسكرية وطبيعتها، وهذا ما قرره الدستور في المادة (99) التي جاء فيها (ينظم بقانون، القضاء العسكري، ويحدد اختصاص المحاكم العسكرية التي تقتصر على الجرائم ذات الطابع العسكري التي تقع من افراد القوات المسلحة، وقوات الامن، وفي الحدود التي يقررها القانون)
4. ثم ورد امر اخر أكثر غرابة، عندما جعل قرارات محكمة تمييز قوى الامن الداخلي تخضع للتدقيق من محكمة التمييز الاتحادية، وفي إشارة وردت بالمادة (88) من قانون أصول محاكمات العسكري رقم 22 لسنة 2016، ولم يذكر في هذا القانون تعديل لأحكام قانون أصول محاكمات قوى الامن الداخلي رقم 17 لسنة 2008، وهذا يخلق الالتباس لدى من يطبق القانون، لان قانون أصول قوى الامن الداخلي لم ترد فيه أي عبارة تشير الى تصحيح قرارها من جهة أخرى.
5. كما نجد ان المادة (84) من قانون أصول قوى الامن الداخلي قد اعتبرت قرارات محكمة تمييز قوى الامن الداخلي باتة ونهائية وعلى وفق النص الاتي (يقصد بالحكم البات الحكم الذي اكتسب الدرجة القطعية بتصديقه من محكمة تمييز قوى الأمن الداخلي أو بمضي المدة القانونية المحددة للطعن به تمييزا)
6. عند امعان النظر في نص المادة (88) الأصول العسكرية نجد انه حدد من له حق طلب تصحيح القرار لدى محكمة التمييز الاتحادية وهم (آمر الاحالة او من يخوله والمحكوم عليه او وكيله والمدعي العام العسكري والجهة العسكرية المتضررة والمدعي بالحق الشخصي او وكيله) وهؤلاء هم من منتسبي القوات العسكرية وليس من منتسبي القوات الأمنية،
7. وفعلا نظرت محكمة التمييز في عدة حالات طعن بقرارات محكمة تمييز قوى الامن الداخلي وتدخلت في الحكم ونقضت القرار الصادر عن محكمة التمييز قوى الامن الداخلي وجعل قرارها غير بات ونهائي على خلاف المادة (84) من قانون أصول محاكمات قوى الامن الداخلي، ومنها قرار محكمة التمييز الاتحادية العدد 11014/الهيئة الجزائية الثانية/2021 في ٢٧/٦/٢٠٢١م
الخلاصة: ان نص المادة (88) من قانون أصول محاكمات العسكري رقم 22 لسنة 2021 قد اعتراه العوار التشريعي في أكثر من موضع وعلى وفق الاتي:
1. قد صدر على خلاف مبدأ الفصل بين السلطات لان القضاء العسكري ذو طبيعة خاصة ولا يخضع لسلطة القضاء المدني ولا يعد من مكونات السلطة القضائية التي وردت على سبيل الحصر في المادة (89) من الدستور اطلاقاً التي جاء فيها (تتكون السلطة القضائية الاتحادية من مجلس القضاء الاعلى، والمحكمة الاتحادية العليا، ومحكمة التمييز الاتحادية، وجهاز الادعاء العام، وهيئة الاشراف القضائي، والمحاكم الاتحادية الاخرى التي تنظم وفقا للقانون)
وانما هو جزء من السلطة التنفيذية، بدليل ان قضاته من بين المنتسبين سواء في القوات المسلحة او القوات الأمنية والمحاكم ترتبط بالدائرة القانونية في وزارة الدفاع بالنسبة للقوات المسلحة وعلى وفق احكام المادة (36/أولا) من قانون الأصول العسكري التي جاء فيها (اولا- تشكل دائرة تسمى (الدائرة القانونية) ترتبط بوزير الدفاع ويرتبط بها عدد من المديريات والمحاكم العسكرية ) اما في قوى الامن الداخلي فإنها ترتبط بوزير الداخلية وعلى وفق احكام المادة (116) من قانون اصول قوى الامن الداخلي التي جاء فيها (لا سلطان لغير القانون على محاكم قوى الأمن الداخلي وهي مستقلة في إصدار قراراتها وأحكامها , وترتبط إدارياً بوزير الداخلية)
2. ان القضاء العسكري بما فيه قضاء الامن الداخلي ذو طبيعة خاصة تتعلق بالضبط العسكرية والواجبات القتالية والشرطوية ذات الاختصاص الدقيق الذي يلا يعلم به الا من كان قد درس القوانين العسكرية والشرطوية ومارس العمل فيها، وهو منهج معتمد لدى جميع الدول العربية وغير العربية، فضلا عن تعلقه بالإسرار العسكرية والأمنية الحساسة.
3. الية التشريع كانت على خلاف الصياغة التشريعية الصحيحة، لان النص أشار عرضاً الى نص قانون أصول قوى الامن الداخلي دون ان يعدل أي مادة من مواده مما جعل التناقض بينه وبين النصوص الأخرى ومنها المادة (83) من أصول قوى الامن الداخلي التي تعتبر قرار محكمة التمييز نهائي وقطعي
4. لم يتم اطلاع وزارة الداخلية ولم يمزج رأيها ورأي محكمة تمييز قوى الامن الداخلي عندما شرعت تلك المادة
5. ان مشروع القانون عند تقديمه وتدقيقه من مجلس الدولة لم يتضمن هذا النص، وانما وضع لاحقاً من قبل مجلس النواب،
لذلك لابد من الطعن بعدم دستوريته امام المحكمة الاتحادية العليا للأسباب أعلاه وأصحاب المصلحة في اقامة الدعوى هم كل من وزير الدفاع ووزير الداخلية. او تقديم مشروع قانون لتعديل هذا النص.
قاضٍ متقاعد
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.