تاريخ تزجيج الخزف في العراق
الكاتب: نيران يارث يونان
تاريخ تزجيج الخزف في العراق
الفخار والخزف والسيراميك كلمات مترادفة تعني الطين المجفف جيداً والمشوي بالنار . فن الفخار هو من أبرز الفنون وأقدمها . أثبت هذا الفن هوية الحضارات المتعاقبة على أرض الرافدين . خطا الفنان خطوا ت واسعة تشهد له أعماله الشاخصة لحد الآن ، ونحن الأحفاد نفتخر بتلك الأنجازات الفنية الرائعة والتي تحمل لنا رسالة الأجداد ، وتبرهن نهوض هذا الفن وتطوره وأبداع الفنانين القدامى به والتعبير عن مستوى حضارتهم .
تقدمت صناعة الفخار في ما بين النهرين فأخذ الطريق نحو التطور وذلك بأبداع الخزاف في نتاجاته أكثر وأجمل وأقوى مما كانت عليه في الحقبات التي سبقته . مرر أعماله بعدة تجارب لكي يعطي لها شكلاً أفضل وألوان زاهية وبراقة من ألوان فوصلت تجاربه الى مرحلة التزجيج ، أي تغطية الأعمال الفخارية بطبقة زجاجية ملونة وبراقة فيتحول الى خزف ذو البريق المعدني . جاء هذا الأبتكار نتيجة تقدم صناعة الخزف ، وفي عصر أزدهار الحضارة كان على الفنان أ يحقق مطالب ذلك المجتمع المتطور بتمرير أعماله بتجارب مختلفة للحصول على نتائج تناسب ذلك التطور ، فأنتجت محاولاته تحف خزفية مزججة رائعة أمتزجي فيها الدقة والجمال واللون واللمعان والرسم والزخرفة . ومن أرض الرافدين أنتشر فن التزجيج الى العالم فتعلمه المصريون ومنها أنتقل الى المغرب وأوربا .ومن جهة الشرق أنتقل الى بلاد فارس والبلدان المحيطة به .
أما عن تحديد تاريخ بداية التزجيج ، فالأنسان في بلاد الرافدين بدأ يصنع الأعمال الخزفية منذ النصف الثاني من العصر الحجري الحديث ، أي حوالي 6000 ق. م وأقدم الأكتشافات للفخار هي التي وجدت في تل حسونة شمال العراق . لسبب تصاعد حاجة الأنسان الى الأواني الفخارية تطورت الطرق والتقنية المستخدمة لتصنيعه وخاصة بعد أستقرار الأنسان في القرى والمدن . ففي بداية العصور التاريخية أي حوالي 3000 ق.م . دخل الخزف في منعطف جديد ومتطور ليغطي أحتياجات المنزل ، كأواني خزن المواد الغذائية أو السوائل وكذلك لدفن الموتى أو لوضع حاجياتهم الخاصة بها ودفنها معهم لأعتقادهم بأن الميت سيحتاج اليها في عالم الأرواح . من أهم النوافذ التي تستطيع من خلالها أن نرى تطور الحضارات القديمة لكي نقرأ تفاصيل حياتها اليومية هو فن الخزف . فعلى صعيد الدراسات الأثرية فالعديد من الأعمال المكتشفة من الفترة الممتدة بين الألف السادس والثالث ق.م تعبر عن تناغم في العناصر وعن جمالية الأعمال الراقية التي تعكس قدرات الخزافين في تلك الفترة .
أما عن تاريخ التزجيج ( أي وضع بطانة زجاجية تغطي العمل الفخاري لكي تظهر أكثر جمالاً ولوناً وبريقاً فقد وجدت لوحات سيراميكية مزججة في قصور أباطرة بلاد الرافدين قبل 4000 قزم كأباطرة أكد وبابل والدولة الآشورية . وتلك الفترة بدأت بعد استقراره ، فعرف مكونات التزجيج الطبيعية والتي تدخل في تركيبة الطين والتي يمثلها الفنان : الشمع ، الألمنيوم ، السليكا ، مساحيق الصخور الملونة والعظام …الخ .
أتحفتنا التنقيبات الأثرية في مناطق مختلفة من أرض الرافدين كالسامراء والمدائن وغيرها بنتائج راقية لتاريخ السيراميك في العراق . منها أقتصر طلائها بالمينا ، ومنها ذي الزخارف المرسومة لألوان الزجاج والتي حافظت على ألوانها وبريقها حتى في الفترة الأسلامية حيث يعد الخزف المحلي بزخارف من البريق المعدني من أجود منتجات الخزف في العالم الأسلامي وخاصة في القرنين الثامن والتاسع الميلادي .
أخيراً نقول العمل الفني المزجج للفنان العراقي القديم يعبر عن الصورة الحقيقية للتطور الحضاري في مرحلته ، وسعى الفنان الى ترقية أعماله الى مستوى عصره فكانت النتائج واضحة بوجود قفزة فنية بارزة في أعماله قياساً بأعمال الفترات السابقة . فعمل الفخار تتجلى به هوية تلك الحقبة من خلال ذلك العمل الفني الأصيل وتلك الأعمال البارزة التي تفرض فنها على التاريخ . فبالأضافة الى جماليتها تنقل تفاصيل أخبار تلك الحضارات الى الأجيال اللاحقة . اذاً فن الفخار المزجج هو مظهر من مظاهر كل حضارة عاشت على أرض الرافدين . بل برزت كل حضارة بنتاجاتها الفنية والأبداعية تحمل الطابع الوطني والحضاري والتي تشكل ارتباط وثيق بين أبناء تلك الشعوب والحضارات اللاحقة . ونحن اليوم نفاخر بأعمال تلك الحضارت ، لا وبل نعترف ونقول بأن جذور فن هذا العصر أستمد قوته من تربة تلك الحضارات الخصبة .
بقلم الفنانة التشكيلية
نيران يارث يونان
مدرسة ورئيسة قسم السيراميك في معهد الفنون الجميلة في بغداد سابقاً
ونزرد- كندا
..