آراء متنوعة

بداية حوار لإنهاء الحرب في السودان أم تسوية ناعمة مع

بداية حوار لإنهاء الحرب في السودان أم تسوية ناعمة مع الماضي

 

البحث عن مشروع سلام لا يُقصي أحدًا
في توقيت بالغ الحساسية، حيث تستعر المواجهات المسلحة وتتعاظم حالة الانسداد السياسي في السودان، أعلن التحالف الوطني الديمقراطي لقوى الثورة “صمود” عن إجازة وثيقة سياسية قال إنها تمثل رؤية متكاملة لإنهاء الحرب، واستعادة مسار الثورة، وبناء الدولة السودانية على أسس جديدة.

وبحسب ما أفاد به الناطق الرسمي باسم التحالف، عبدالكريم صالح، خلال مؤتمر صحفي عُقد في 16 يونيو الجاري، فقد أُعدّت الوثيقة بمشاركة جميع مكونات التحالف، ويُجرى حاليًا توزيعها على الكتل والتنظيمات السياسية، إلى جانب المجموعات النسوية والشبابية وسائر القوى المدنية، بهدف مناقشتها وتلقي الملاحظات تمهيدًا لانطلاق حوار وطني مدني واسع حول سبل وقف الحرب.

ولا شك أن هذه المبادرة تمثل تطورًا إيجابيًا يحمل بصيص أمل في إمكانية تأسيس حوار بنّاء قد يفضي إلى توافق سياسي عريض، يضع حدًا للحرب ويؤسس لدولة مدنية تستلهم شعارات ثورة ديسمبر وتعالج اختلالات الماضي البنيوية والسياسية. لكن ملاحظة جوهرية تفرض نفسها هنا: لم يُعلن تحالف “صمود” – حتى الآن – عن إدراج تحالف “السودان التأسيسي” ضمن الأطراف التي ستُعرض عليها الوثيقة.

في تقديرنا، فإن إشراك تحالف “تأسيس” في مناقشة وثيقة “صمود” أمر بالغ الأهمية، ليس فقط لما يمثله من ثقل سياسي ونضالي، وإنما لأنه يضم قوى مدنية وشبابية أعلنت بوضوح انحيازها لثورة ديسمبر، إلى جانب منظمات مجتمع مدني ذات صلة عميقة بالشارع الثوري.

◄ إشراك تحالف “تأسيس” في مشاورات “صمود” لن يُضعف الوثيقة، بل سيمنحها بعدًا وطنيًا أوسع ويضفي عليها قدرًا أعلى من المصداقية، بالنظر إلى ما يتمتع به التحالف من وزن سياسي وعسكري لا يمكن تجاوزه في أيّ تسوية

صحيح أن تحالف “تأسيس” يضم حركات مسلحة، لكنها فصائل ذات رصيد مقاوم في مواجهة نظام المؤتمر الوطني، ووقفت ضد انقلاب 25 أكتوبر 2021. ومن أبرز هذه القوى: الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو، وحركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي بقيادة الهادي إدريس، وحركة قوى تحرير السودان بقيادة الطاهر حجر. كما يضم قوات الدعم السريع، التي يدرك تحالف “صمود” جيدًا أنها لم تكن الطرف المبادر بإشعال الحرب في 15 أبريل 2024، بل أعلنت مرارًا استعدادها لوقفها، وشاركت في منابر تفاوضية متعددة، من بينها توقيعها “إعلان المبادئ” مع تحالف “تقدّم” (الذي تطوّر لاحقًا إلى “صمود”)، من أجل إيقاف الحرب واستئناف مسار الانتقال المدني الديمقراطي.

وقد أبدت هذه القوى التزامًا معلنًا بالعودة إلى مسار التحول المدني، وتفكيك دولة الحزب الواحد، وإعادة هيكلة المنظومة الأمنية، وهي أهداف تتقاطع بوضوح مع ما تطرحه وثيقة “صمود”.

وفي ما يتعلق بالانتهاكات ضد المدنيين، فلا يجوز – ولا ينبغي – إعفاء أيّ طرف من المساءلة. فالمعطيات الميدانية وشهادات الضحايا تشير إلى تورط جميع الأطراف، بما في ذلك ميليشيات موالية للجيش، ما يستدعي تحقيقًا نزيهًا وشاملًا يكشف الحقائق ويؤسس للعدالة بعد انتهاء الحرب.

من هنا، فإن استبعاد أيّ طرف أعلن التزامه بوقف الحرب ومبادئ الثورة لا يبدو مبررًا، خاصة إذا كان الهدف المعلن للوثيقة هو إنهاء الحرب نفسها.

خلاصة القول، إن إشراك تحالف “تأسيس” في مشاورات “صمود” لن يُضعف الوثيقة، بل سيمنحها بعدًا وطنيًا أوسع ويضفي عليها قدرًا أعلى من المصداقية، بالنظر إلى ما يتمتع به التحالف من وزن سياسي وعسكري لا يمكن تجاوزه في أيّ تسوية وطنية جادة.

أما استبعاده، مع فتح الباب في الوقت ذاته أمام قوى كانت جزءًا من “الكتلة الديمقراطية” أو دعمت انقلاب 25 أكتوبر، فإنه يثير تساؤلات مشروعة حول نوايا الوثيقة، وهل تسعى فعلًا إلى تشكيل جبهة مدنية وطنية عريضة لإنهاء الحرب، أم أنها تفتح الطريق أمام تسوية انتقائية تعيد إنتاج التحالفات القديمة بواجهات جديدة؟

مثل هذا النهج يعيد إلى الأذهان تحذير الدكتور النور حمد مما سماه “توزيع البيض بين سلة الثورة وسلة الكيزان.”

وختامًا، لا بد من التأكيد على أن السودان اليوم في حاجة إلى مشروع سلام لا يُقصي أحدًا من قوى الثورة، بقدر ما يُقصي مشروع الحرب ومن يصنعونه.

عادل إبراهيم مصطفى
سفير السودان السابق في تركيا

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!