انخفاضُ حجم العملة المُصْدَرَة، وآثارُه الاقتصادية
تُعرَفُ العملةُ المُصدَرَةُ، بأنها: النقدُ الذي أصدره البنك المركزي العراقي إلى التداول (أي: طبعه)، باستثناء النقد في خزائن البنك المركزي. “المصدر: البنك المركزي العراقي”.
لقد بلغ حجمُ إصدار (طباعة) العملة العراقية ذروتَه 104 تريليون دينار عراقي في شهرآبعام2024م، منها 8.5 تريليون دينار داخل المصارف، و95.5 تريليون دينار خارج المؤسسات الصرفية، أي: في الأسواق المحلية والخارجية.
بينما انخفض حجم الإصدار إلى التداول في شهر نيسان عام 2025م إلى 98.4 تريليون دينار عراقي، منها 7.2 تريليون دينار داخل المصارف، و91.2 تريليون خارج المؤسسات المصرفية، وهي الكتلة النقدية التي يتم تداولها في الأسواق المحلية، وتلك التي تمّ تهريبُها إلى الخارج (لا يوجد إحصاء دقيق بسبب التغييرات اليومية) “المصدر: البنك المركزي العراقي”.
بياناتُ البنك المركزي هذه تشير إلى انخفاض مقدار النقد المُتداوَل في الأسواق والمصارف بمقدار 5.6 تريليون دينار عراقي، خلال فترة ثمانية أشهرٍ الماضية.
السؤال: أين ذهب هذا الفرق؟
الجواب: تمّ حجبُه عن التداول من قبل البنك المركزي العراقي، وأُضيفَ إلى الاحتياطي المركزي، بهدف استخدامه لتغطيةالانفاقالعام من قبل وزارة المالية.
هذا الحجبُ أدّى إلى قلّة السيولة النقدية بالدينار العراقي في الأسواق، وساهمَ وجودُ كتلةٍ نقدية دينارية خارج العراق، لأغراض التهريب، وفواتيرُ الاستيراد المُفخَّمَةِ في تعميق نُدرة الدينار في الأسواق المحلية، مما أدّى إلى رفع سعر صرفه تجاه الدولار والعملات الأخرى.
تزامنَ ارتفاعُ سعر صرف الدينار مع الركودِ الاقتصادي في الأسواق، وانخفاضِ معدلات التضخم، إذ سجّلَ التضخمُ السنوي نسبةً قدرها 3.4% في شهر أيار الماضي، “المصدر: البنك المركزي العراقي”، في وقتٍ تُعاني فيه الموازنةُ العامة من عجزٍ كبير، تسعى حكومةُ السوداني إلى سدِّه بحجبِ السيولةِ الدينارية، وإصدارِ السندات الحكومية، والاقتراضِ العام.
بينما، كان من المفروض على الحكومة أن تقومَ بترشيدِ الإنفاق، واتخاذِ سياسة نقدية توسعية، وتوسيعِ قاعدة الشمول المالي، وتنشيطِ الاقتصاد، والالتزامِ بالامتثال المالي بدقةٍ في عمليات التعامل بالدولار، وطمأنةِ الخزانة الامريكية، لتحقيق مرونةٍ في حوالة أموال العراق المودوعة لدى البنك الفدرالي، وتوفير الدولارات اللازمة لتمويل الموازنة العامة.
الغريب، والعجيب، أنني أقرأ لبعض المختصّين، تبريرَهم لحجب السيولة بسعي البنك المركزي لخفض التضخم، الذي هو مُنخفضٌ أصلًا، وكأنّهم لا يرون الركودَ الاقتصادي الذي تعاني منه الأسواقُ المحلية.. هذه الأصواتُ النشاز، وأبواقُ السلطة، تساهمُ، شاءتْ أم أبَتْ، في تضليل حكومة السوداني، وفي تعميق معاناة المواطنينالاقتصادية.
ارتفاعُ سعر صرف الدينار ظاهرةٌ سلبية أكثر ممّا هي ظاهرةٌ ايجابية، خاصّةً وأنّ هذه الظاهرةَ لم تَتولَّدْ عن حركة السوق الطبيعية، بل نشأتْ بسبب حجبِ الدينار عن التداول، فهو لم يتسبّبْ بخفض معدل التضخم، ولا يبدو أنه يتسبّب بخفض وتيرة سرعته مستقبلا، وهو لم يمنع، كذلك، تَوجُّهَ المواطنين إلى تحويلِ مُدّخراتهم الدينارية إلىالذهبوالدولار.
ولا أدري ماهيةَ المعاييرِ الاقتصادية لهذه الفئة المُضلِّلة في إطرائِها لسياسات حكومة السوداني الاقتصادية المعطوبة والمشبوهة، وعلى أيّة مقاييس يستندون حينما يُصوِّبون حجبَ الكتلة الدينارية عن الأسواق، ويُمجِّدون انخفاضَ التضخم، ويُبرِّرون حجبَ البنك المركزي للدينار العراقي من الأسواق بمحاولة سحبِ الكتلة النقدية الدينارية الزائدة من التداول، والتي كانت قد تضخَّمتْ في فترات سابقة، في حين أنه، من المفروض عليهم، أن يقدّموا المشورةَ السليمة للحكومة، وأن يضعوا أمامها الخططَ الكفيلة بإجبار الأموال المُهرَّبة على العودة إلى داخل المؤسسات المصرفية العراقية، وأن يقدّموا لها الحلول الناجعة لتنشيط الاقتصاد وتنميته.
أدعوا حكومة السوداني، ومؤسساتها الاقتصادية، وكافة المراجع الأكاديمية، ومراكز الدراسات الاقتصادية، والمنظمات والمنتديات الاقتصادية، وكافة الخبراء والمختصين الاقتصاديين إلى إمعان النظر في الواقع العراقي الاقتصادي، وإعداد الخطط اللازمة لتصحيح المسار المالي والنقدي في العراق، وتجنيب شعبه ويلات الركود والفقر والبطالة.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.