“المحبة”هي جوهر الكتاب المقدس
“المحبة”هي جوهر الكتاب المقدس
الكاتب : نافع شابو
طبيعة الله الخالق هي “المحبة” :
وهي طبيعة جوهرية أزلية قبل أن يخلق (الله) العالم، فهي علاقة موجودة تربط الآب بالأبن، والأبن بالآب بالروح القدس (أي الله الثالوث الجامع في وحدانية واحدة ) .
يقول العلاّمة بولص الفغالي (وهو عالم مختص بشرح الكتاب المقدس) في إعلان الله، أنه “محبّة”1يوحنا4 : 8″ فيقول عن معنى المحبة ، وكيفية وجود المحبة في الله(الثالوث)”: ” الحُب هو الحياة في سبيل الآخر(للعطاء)، والحياة بالآخر(القبول). الحب هو الكف ّ عن الحياة في النفس وبالنفس وفي سبيل النفس”. من هنا تبرز حقيقتان جوهريّتان في المحبة، وهما: القبول والعطاء. فالحب المتوجّه نحو النفس هو أنانية لا محبة، ولا يَفيض منه شيء. أمّا الحب المتوجه نحو الآخر فهو خروج من النفس وعطاء. عطاء ماذا؟ لا أشياء، بل الجوهر “هذا هو جوهر سر الثالوث. إن كان الحب عطاء وقبولا، فلا بد أن يكون هناك عدّة أشخاص في الله. لا يعطي الأنسان نفسه لنفسه، ولا يقبل الأنسان نفسه بنفسه. وحياة الله هي حياة القبول والعطاء هذه” وهكذا عندما نقول الله محبة، نقول أنّه عطاء وقبول، وكمال المحبة هي بذل الذات من أجل المح*بو-ب، وهكذا نرى تجسد المحبة في شخص يسوع المسيح الذي بذل ذاته من أجل العالم كُلِّه “هكذا أحب الله العالم، حتى وهب أبنه ألأوحد، فلا يهلك كُلّ من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية “يوحنا 3:16” (انتهى الأقتباس)
هذه هي المحبة بأسمى درجاتها .وقلّما يموت ُأحدٌ من أجل أنسان بار، أمّا من أجل أنسان صالح فرُبّما جرُؤ َواحدٌ أن يموت. ولكن الله برهن عن محبته لنا بأنِّ المسيح مات من أجلنا ونحنُ بعدُ خاطئون “روميا 5 :7، 8”
أنّ طبيعة الله “محبة” هي طبيعة جوهرية أزلية قبل أن يخلق (الله) العالم، فهي علاقة موجودة تربط الآب بالأبن ، والأبن بالآب بالروح القدس (أي الله الثالوث الجامع) , فلا يمكن أن يكون الله” مجرد” فكرة فلسفية كما يعتقد الكثيرون بل هو مصدر ومنبع المحبة , فبدون المحبة لا توجد حياة , بل المحبة هي الحياة.
” وقال الله : “لنصنع الإنسان على صورَتِنا كمِثالنا” تكوين 1 :26″. آباء الكنيسة رأوا في هذا الجمع (لنصنع) ما سوف يُدعى الثالوث في أقانيمه الثلاثة. ألآب خلق بكلمته بالإبن (قال) والروح القدس “رف”. والإنسان خلقه الله على صورته (رجلا وإمرأة) . لهذا يمثل الأنسان الله على الأرض. وهو يستطيع أن يقيم علاقة حب مع الله، مثل علاقة الولد بوالديه.
الله ليس مجرّد او مركّب، بل ثلاثة أقانيم (اشخاص) متميّزين في جوهر واحد، أي الآب والأبن والروح القدس، يشتركون في طبيعة واحدة يجمعهم الحب قبل أن يخلق الله بكلمته السماوات والأرض “كُلّ شيء خلق به وله”كو1 :16″. الله خلق الأنسان على صورته كمثاله” قال الله “لنصنع الانْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا” تكوين 1 :26″
خلق الله الأنسان ليكون إبنا له ويبني هذه العلاقة بالمحبة. نحن صورة الله والمثال يسوع المسيح يمثلنا، والروح القدس الذي يحقق فينا هذه الصورة لتصبح تشبه الصورة الأساسية. آباء الكنيسة رأوا في هذا الجمع(لنصنع) ما سوف يُدعى الثالوث في اقانيمه الثلاثة: الآب خلق بكلمته، بالأبن (قال) ، والروح القدس “رفَّ.
يقول بولس الرسول “فاختارنا(الله) فيه قبل انشاء العالم لنكون عنده قدّيسين بلا لوم في المحبة”أفس 1:4، اننا خُلقنا على صورة الله كمثاله، يقول الله. فنحن نطمح في أن نعكس طبيعة الله عن طريق محبتنا وصبرنا ولطفنا وصفحنا وأمانتنا ونشاركه الكثير من صفاته وعواطفه. وأدراكنا لهذا هو أساس قيمتنا. فقيمة الأنسان ليس في الشهرة أو الجمال أو ما يملكه من المال أو المنصب أو الإنجازات أو النجاح التي يحقّقها في حياته، بل قيمته هي في أدراكه أنّ الله خلقه على صورته، وغاية الله أساسها المحبة لأن الله “محبة”، والكتاب المقدس لا يقول انَّ الله لديه محبة ، بل انّهُ محبة! وانّ المحبة هي جوهر صفات الله، وان هناك محبّة كاملة في شركة الثالوث. وعندما نَدرك أنّ لنا قيمة غير محدودة عند الله عندها يمنحنا هذا الأدراك. الحرية أن نحب الله وأن نعرفه معرفة شخصية وأن نحب أخوتنا في البشرية ، والله الذي أعطانا هذه القيمة وأحبنا فلا بد له هدف عظيم لحياتنا ، لأنّ الله لا يفعل شيئا مصادفة بل له سببا لكل شيء يخلقه ، وأنَّ سبب خلقه للكون والأنسان هو لأظهار مجده”السموات تنطُق بمجد الله والفلك يُخبر بعمل يديه “مزمور19:1″ ، لا نستطيع أن نتصور ما أعده الله لنا سواء في هذا العالم أو في الأبدية ” الذي ما رأته عين ولا سمعت به أذن ٌ ولا خطر على قلب بشر أعدّه الله للذين يحبّونه “1كورنثوس 2:9”.
مجد الأبن هو الحبّ الذي يجمع الآب والأبن، قبل ان يكون العالم. اي قبل الخلق، وهذا الحب يجمع الآب بالأبن بالروح القدس منذ الأزل، عندما كان الأبن في حضن الآب.
عندما نقول الله ” محبّة” ليست فقط محبّة لنا، بل عاش المحبّة أقصى الحدود. هو العطاء المعطي للحياة، وهو مصدر الحياة. في قانون ايماننا المسيحي نقول: “نؤمن باله واحد ضابط الكُل خالق السماء والأرض وكُلِّ ما يُرى وما لايُرى، وبربٍّ واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كُلِّ الدهور. إله من اله نورٌ من نور إله حقّ من إله حق مولود غير مخلوق مساوٍ للآب في الجهور.. ونؤمن بالروح القدس المنبثق من الآب والأبن … “.
الله أعد لنا الحياة الأبدية لنشاركه في ملكوته. “مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ، كَمَا اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ “أف 1: 3-4“.
يعرض بولس الرسول قصد الله في العالم، يعرض هذا “السر” الذي يقوم في ان يجعل من البشر أبناءه بالتبنّي في المسيح يسوع، وان يصالح كُلّ شيء في المسيح لحمد مجده. ذاك هو المعنى الأخير للخليقة. هذا المشروع يضمّ جميع البشر. ولكن يا للأسف الكثيرين أحبوا هذا العالم وخانوا الذي أحبهم ونسوا هدفهم الحقيقي وتعلقوا بما هو زائل.
يقول الرب يسوع المسيح في خطبته بعد العشاء السري وهي صلاة يتلوها يسوع من اجل تلاميذه الحاضرين ومن اجل المؤمنين به وهي وصية قبل موته على الصليب:”أَيُّهَا الآبُ أُرِيدُ أَنَّ هؤُلاَءِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ.” يو 17: 24“.
ونحنُ، كمؤمنين، فينا كُلِّ إمكانية الله، ولكن لازلنا لم نصبح مشاركين بالحياة مع الله بسبب الكبرياء الذي يتكلم عنها الكتاب المقدس عندما نزيح الله من حياتنا ونصبح نحن مكانه هذه هي الخطيئة الأصلية
الأنسان في الكتاب المقدس شخص فريد بنضر الله. فهو مخلوق ليعيش الحياة الأبدية مع الله او ينفصل عن
الله بكامل حريّته. الأنسان جسد ونفس وروح، أي ان الأنسان في المفهوم المسيحي شخص كامل.
المسيحية قائمة على ثلاثة أركان هي: الأيمان، الرجاء، المحبة. وأعظم هذه الثلاثة هي المحبّة. فنحنُ مُخَلِّصون بالأيمان، ولكن المحبة للآخرين والله، هي ردة الفعل عند من غفر الله لهم، وغفران الله كامل. قال الرب يسوع المسيح انّ من يُغفر لهم كثيرا يحبّون كثيرا “لوقا 7:47″ وحيث انّ الأيمان يُظهر في المحبّة، فيمكننا أن نفحص ونختبر محبّتنا لنعرف حقيقة أيماننا” غلاطية 5:6″ وهكذا ومع أنه لنا اليقين من جهة خلاصنا ، فأننا مازلنا نتطلّع في رجاء ويقين الى ما وراء الحياة ، الى مالا نستطيع رؤيته الآن ولكننا نعلم أنه أعجب من كلّ ما ندرك أو نتصوّر.فكلمة الرجاء تطلع من قلب المحبّة.
ريك وارين مؤلف كتاب “لماذا أنا موجود هنا على هذه الأرض” كتب يقول: أنّ أسهل الطرق لاكتشاف الهدف من اختراع ما، هو سؤال صاحب الأختراع. ويصح ذلك أيضا على اكتشاف الهدف من حياتك: اسأل الله”، من خلال الكتاب المقدس، سنعرف من نحنُ ولماذا خُلقنا والى أين نحن ذاهبون، بينما عجز الفلاسفة والعلماء والمفكرين عبر التاريخ أن يُجيبوا على هذه الأسئلة الوجودية . أنّ دافع الله لخلقنا هو محبته لنا فنحن (كبشر) مركز محبّته والأكثر قيمة في كلِّ خليقته.
وقال الرسول يوحنّا في رسالته الأُولى: “.الله محبّة ومَن يثبت في المحبّة يثبت في الله والله فيه”1يوحنا 4 :16
يسوع المسيح هو القدوة لنا في محبته لله الآب ومحبته للبشرية فهو المعيار والمقياس للعطاء والحب المضحي من أجل الآخر وقد توّج وتجلّى هذا الحب في قمة الجلجلة عندما مات من أجل العالم كله ولكن حبه كان أقوى من الموت فقام من بين الأموات ليقول لنا نحن أيضا عندما نحب الله ونحب الآخرين نستطيع نحن أيضا أن ننتصر على الموت بقوة محبتنا انّ مشهد الصليب هو تجسد للمحبة الحقيقية، اذ نرى المسيح باسطا يديه ليحضن العالم بيديه الممدودتين وطالبا من أبيه السماوي ان يغفر للذين صلبوه، ومشهد أمّه مريم وهي واقفة تحت الصليب تنظر الى أبنها الوحيد وهو يعاني من تلك الآلام الرهيبة لهو مشهد اخر لأم تتمزق أحشائها في كُلّ مسمار يدق في يدي ورجلي أبنها فقد كانت تحس بنبظات قلب أبنها المح*بو-ب وهو يتألم فكان قلبها ينزف دما لأوجاع ابنها ، هذا المشهد هو قمة تجسد العطاء حتى بذل الذات والتضحية التي لاحدود لها، انها كالنار التي تحرق سهام الموت لتنتصر الحياة . وهكذا فالذي يحب عليه أن يحمل صليبه ويسير في درب الآلام لينتصر على الموت .
في هذه الأيام أصبحت كلمة “المحبة” مشوّشة ضحلة المعنى بل هناك ، في الكثير من المجتمعات المنحلّة ادبيا ، من الذين لا يعرفون معنى المحبة الحقيقية ويختلط مفهوم المحبة والشهوة عند الكثيرين من الناس، ولكن عندما يسير الأيمان والرجاء جنبا الى جنب عندها يستطيع الأنسان أن يحب حقيقة لأنّ الأيمان هو أدراك أنّ الله محبة، فكُلّما اقتربنا من المسيح ، نظهر محبة أكثر للآخرين ، فعندما نفقد هذا الأيمان تبرد محبتنا.
يقول بولس الرسول: “البسوا ترس الإيمان وخوذة الرجاء، ولكن على جميع هذه البسوا المحبّة التي هي رباط الكمال” (قولسي 3/14). “. ثمّ يؤكّد بولس الرسول على كون المحبة هي الأعظم إذ يقول: ” أمّا الآن فيثبت الإيمان والرجاء والمحبّة. هذه الثلاثة ولكن أعظمهنّ، المحبّة (1قور13:13).
الأيمان هو طريق للوصول الى الملكوت، وهو أساس ومحتوى رسالة الله ، أمّا المحبة فهي العمل والتطبيق لترجمة هذا الأيمان وهي مفتاح الملكوت ، وأمّا الرجاء فهو التركيز على الهدف الأسمى للحياة في اليقين مما سنحصل عليه في ما وراء هذه الحياة.
لأنّه مهما كان الإيمان والرجاء عظيمين، فالمحبّة أعظم. الإيمان بدون المحبّة بارد، والرجاء بدون المحبّة عابس.
قبل أن نخوض في فهم مفهوم المحبة في الكتاب المقدس يجب ان نعرف ما هو هدف ومقصد وجودنا في هذه الحياة.
أمّا الرجاء فهو التركيز على الهدف، وعندما تتشتت الأفكار وتكثر الأهداف يصبح ألأنسان يدور في حلقة مفرغة ودوّامة لا يستطيع الخروج منها ويفقد الهدف الرئيسي في حياته ألا وهو التركيز على حياته الأبدية.
المحبة هي العمل والممارسة وهي أعظم المواهب(الفضائل) الروحية، فالمحبة هي أعظم السجايا البشرية ، فهي تعني الخدمة الخالية من الأنانية للآخرين ، ومن الممتع أن علم النفس (المستمد أصلا من الكتاب المقدس ) يؤكّد على أنّ الناس الذين يهتمّون بالآخرين أكثر مما على أنفسهم يندر أن يعانوا من الإحساس بقلة تقدريهم لأنفسهم وهم يشعرون بسعادة وفرح داخلي.
المحبة هي ثمر الروح القدس ولا يستطيع الأنسان أن يُحب الاّ بالولادة الجديدة (الولادة الروحية) عندها تتغيّر نظرة الأنسان الى الحياة فينظر الى الناس بنظرة المحبة وينظر الى الله نظرة الأبن للآب وليس نظرة العبد الى السيد فعندما تسيطر علينا قوة الروح القدس فلا بدَّ أن نثمر ثمار المحبة أمّا في حفظ الناموس فلن نسطيع أن نُحب لانّ هناك قوى خارجية، نتيجة الخطيئة، هي التي تسيطر علينا فنعجز عن حفظ الناموس وبالتالي فالناموس يديننا “غلاطية 5:22(راجع قصة الشاب الغني في انجيل لوقا حيث لم يستطع أن يتبع المسيح لتعلق قلبه بالمال بالرغم من حفظه للناموس ، لكن فشل في اول أمتحان مع السيد المسيح ). فالمحبة هي خلاصة الناموس والشرائع، فهي تسمو فوق القوانين الدينية والمدنية، فعلى المؤمنين أن يذهبوا الى ما هو أبعد من مطاليب العدالة البشرية متى أقتضت المحبة ذلك متمثلين بمحبة الله.
المحبّة ذروة الفضائل في الأيمان المسيحي.هي الطبيعة الخالدة اللامحدودة . المحبة ليست أحساسا بل أختبارا ، فهي ليست مشاعر وعواطف بل عزم على عمل الخير للآخرين فيسوع المسيح كان يقول ويفعل (يطبق مايقوله في أعمال الخير )”كان يجول ويفعل خيرا “يصف الرسول بولس المحبة في اروع صورها في رسالته الى مؤمني كورنثس الأولى فيقول: “المحبة تصبر وترفق ، المحبة لا تعرف الحسد ولا التفاخر ولا الكبرياء، المحبة لاتسيء التصرف ، ولا تطلب منفعتها ، ولا تحتدُّ ولا تظنُّنُ السوء . المحبة لا تفرح بالظلم ، بل تفرح بالحق . المحبة تصفح عن كُلِّ شيء ، وتُصدِّق كُلُّ شيء ، وترجو كُلّ شيء، وتصبر على كلِّ شيء ، المحبة لا تزول أبدا “كورنثوس13:4,5,6,7,8”.
انها أنشودة المحبة التي يستلهم منها الشعراء والعشاق عبر التاريخ، فهي كلمات نابعة من قلب هذا الرسول الذي أحب المسيح حتى الموت واحب الناس حتى كان يتمنى الموت من أجل خلاصهم . العالم يخلط بين المحبة والشهوة، ولكن على النقيض من الشهوة ، نجد أن المحبة ، التي هي من الله ، تتجه الى الخارج ، الى الآخرين وليس الى الداخل، الى أنفسنا ، فلا أنانية فيها بالمرة. أما الشهوة فهي الرغبة الشرهة وغير الطبيعية لأي شيء، وليس الجنس فقط، تجعل العين أقل حساسية، بل وتعمي من نور وجود المسيح “سراج الجسد هو العين. فان كانت عينك سليمة ، كان جسدك كله منيرا ، وان كانت عينك مريضة ، كان جسدك كله مُظلما” لوقا 11:34″.
هناك أمثلة(عن المحبة) ، ولو ضعيفة ، أمام العلاقة مع يسوع المسيح ، يمكن أن نراها في العلاقات الإنسانية: فمثلا علاقة المحبة بين الرجل والمرأة وعلاقة المحبة بين الوالدين والأولاد وعلاقة المحبة بين الأصدقاء الحميمين هناك تدرُّج للمحبة ، من حب مصلحي الى حب متبادل ، الى أسمى حب هو الحب المطلق وهذا الأخير لايخضع لشروط ولا لحدود فهو حب حتى للأعداء و الخطأة لأنّ الله “محبة” فلا يستطيع الّا أن يحب وهذا ما نراه قد تجسد في شخص يسوع المسيح أذ هو على الصليب أحب حتى الذين كانوا يصلبونه فقال قولا لا يستطيع الأنسان ( في طبيعته الخاطئة) أن يقول ما قاله يسوع المسيح إلّا من له محبة غير محدودة: “يا أبتاه أغفر لهم لأنّهم لا يعرفون ماذا يفعلون”لوقا 23 : 34″. الحب الحقيقي ليس ساكنا ولا ذاتي التمركز، لكنه يسعى الى الآخرين ويصل اليهم ويجذبهم.
يوحنا البشير هو يمثل البشرية كُلها لأنّ يسوع المسيح وهو على الصليب سلّم أُمِّه (مريم العذراء) لهذا التلميذ عندما قال لأمّه مريم “هذا هو أبنك “يوحنا 19 :26″وكانه يقول لنا أنتم أصبحتم أخوتي وأنا لن أدعوكم من الآن عبيدا بل أخوة ترثون ملكوت الآب معي، وهذا التلميذ هو نفسه من قال على لسان يسوع المسيح “أمّا الذين قبلوه (أي يسوع المسيح) ، المؤمنين باسمه فأعطاهم سُلطانا أن يصيروا أبناء الله “يوحنا 1:12”.
في أنجيل يوحنا يُقدم يسوع لنا الحياة الأبدية. وكُلنا مدعوون الى أن نبدأ الحياة في علاقة شخصية وابدية معه تبدأ من الآن”والحياة الأبديّة هي أن يعرفوك أنت الإله الحق وحدك ويعرفوا يسوع المسيح الذي أرسلته “يوحنا ” 3 :17″ .
ويقول هذا الشاهد ( الذي كان يتكيء على صدر يسوع وكان يسوع يحبه):”من يكون له الأبن فله الحياة . من لا يكون له أبن الله، فلا تكون له الحياة”1يوحنا 5:12″. ويقول أيضا”وكُلُّ محب مولود من الله ويعرف الله من لا يحب لا يعرف الله، لأنّ الله محبّة”يوحنا 4:7,8 .
قمّة أسفار العهد القديم هو نشيد الأناشيد الذي وصف المحبة بانها قويّة كالموت “الحبُّ قويّ كالموت …..الحبُّ لا تُطفئهُ المياه الغزيرة ولا تغمره ُ الأنهار”نشيد الأناشيد7:6,7″. المحبّة مثل ينبوع يتدفّق ويسوع المسيح هو مصدر هذا الينبوع ونحن نرتوي من هذه المحبة الطاهرة يسوع المسيح يقول جئت لكي أعطي لكم الحياة (اي المحبة). المحبّة أهم من المواهب الروحية، فالأيمان العظيم والتكلم بالألسنة والقدرة على المعجزات بلا محبة لا تجدي كثيرا. اذ يقول الرسول بولس: “لو تكلَّمتُ بلغات الناس والملائكة ، ولا محبّة عندي ، فما أنا الاّ نُحاسٌ يَطُنُّ أو صنج يرنُّ ولو وهبني الله النبوّة وكنتُ عارفا كلّ سرّ وكل علم ، ولي الأيمان الكامل أنقل به الجبال ، ولا محبة عندي فما أنا بشيء ….الخ”1كورنثوس 13:1″. بهذه الآية الرائعة لخّص بولس الرسول معنى أن يفقد الأنسان المحبة، أي المحبة لله والمحبة لأخيه الأنسان، فالأنسان يفقد إنسانيته بفقدان غذاء الروح أي المحبّة ، فالكتاب المقدس موضوعه يُلخّص بكلمة واحدة هي” المحبّة” ، فهو يتكلم عن أعظم قصة حبِّ عرفتها البشرية ، بين الله وبين الأنسان ، حتى وصلت هذه القصة ببذل الآب أبنه من أجل مح*بو-به “الأنسان” يوحنا 3:16″.
الله هو “محبّة” وهو مصدر المحبة، كالشمس التي هي مصدر النور، فلا يُمكن أن نعيش بغير محبّة الله لنا، كما لا يستطيع الأنسان أن يعيش دون الماء والغذاء، ولكن الطعام والماء لا يسدّان الاّ احتياجاتنا الجسدية الفانية ، أما محبة الله لنا فهو غذاء الروح ، فبدون الطعام الروحي سوف نتضور جوعا وعطشا ، كما نتضور جوعا وعطشا اذا لم نحصل على طعامنا اليومي الجسدي . انّ المحبّة التي تربط الآب بالأبن هي كالشمس التي تتفجر كلِّ لحظة نتيجة الحرارة والنار المشتعلة فيها ولكننا نحن أيضا نحصل من هذا الحب على شكل شعاء منبثق من هذا الانفجار فنحصل على دفئ وحرارة المحبة في حياتنا، فكما أنّ الكائنات ومنها الأنسان لا يعيش دون نور وحرارة الشمس هكذا نحنُ نصبح أمواتا دون محبة الله لنا. ادم الأوّل أختار الموت وحجب عن نفسه نور الحياة(الله) أمّا ادم الثاني يسوع المسيح جاء ليجعل في داخلنا نورا (الروح القدس) يتفجر بنار المحبة.
فمحبة الله لنا هي مصدر كُلِّ محبة بشرية وهي تنتشر كالنار في الهشيم والقش، وبمحبة الله لأبنائه يشعل جذوة المحبة في قلوبهم وهم بدورهم يحبون الآخرين الذين يستدفئون بحب الله وحنانه من خلال أولاده .
الله يرغب في علاقة شخصية لنشاركة قداسته، الله يريد الأرتباط بنا، ويسوع المسيح قال للمرأة السامرية “كُلُّ من يشرب من هذا الماء (ماء البئر ) يعطش ثانية ، أمّا من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا، فلن يعطش أبدا ، فالماء الذي أعطيه يصيرُ نبعا يَفيض ُ بالحياة الأبديّة “يوحنا 4 : 13”. نعم يسوع المسيح هو نبع الحياة الذي يشبعنا بحبه فيصير فينا نبعا للحياة الأبدية.
يقول اسحاق النينوي: “عندما نكون قد اكتشفنا المحبة ونأكل الخبز السماوي ونستلم غذاء بدون عمل أو تعب، لأنّ الخبز السماوي هو النازل من السماء والواهب الحياة للعالم “يو 6: 33” فهذا هو طعام الملائكة “مزمور 78 :25” انّ الذي اكتشف المحبة، هو ذلك الذي يأكل السيد المسيح في كل الأوقات ويصبح خالدا من ذلك الحين فصاعدا.
بماذا تتمييز المسيحية عن بقية الديانات والمعتقدات؟
الأجابة بكل بساطة لهذا السؤال هو” المحبة”. فكلّ الديانات التي جاءت قبل المسيح وبعد المسيح لم تشفي غليل الأنسان المتعطّش، ليس الى شرائع وقوانين النهي وفرائض للعقاب والثواب, بل كان الأنسان ولازال متعطش الى شئ أسمى من الأوامر والشرائع , كان ولا يزال متعطشا الى من يحبُّه ويبادله المحبة وهذه كانت غاية جميع الشرائع الألهية, لأن الله زرع فينا هذا الشوق الى المحبة .
“المحبة” هي شريعة المسيحية “أي العلاقة بين الله والأنسان وبين الأنسان وأخيه الأنسان” ففي المسيح يسوع لا الختان ولا عدمهِ ينفع شيئا, بل الأيمان العامل بالمحبة”غلاطية 5:6″. فما أعظم تأثير المحبّة في قصة حياتنا مع الله وما أعظم محبة الله لنا حتّى أنه بذل حياة أبنه يسوع المسيح من أجلنا”.
الله في المسيحية ليس غايته تخويفنا ولكنه يُظهر لنا عبر التاريخ عظمته وقدرته لكي ننتبه ونتأمّل ونعيد مراجعة حياتنا معه ولا ننسى أنّه غيور على هذه المحبّة، ولا يقبل أن نخون هذه المحبة بل علينا أن نُبادله المحبة، فهو يريد أن نتبعه عن محبة لا عن خوف. فلا نخاف من دينونة الله، لأنَّ الحُب الخالص يُثبِّتُنا في الخلاص ” لا خوف في المحبة ، بل المحبة الكاملة تنفي كُلِّ خوف …فعلينا أن نحبّ لأنّ الله أحبّنا أولا “1يوحنا 4 : 18 ، 19” .
تقول رابعة العدويّة (التي لُقِّبت بأميرة الحب وكانت من المتصوفين ):
“ان أحببتُكَ طمعا في جنّتُكَ فأحرمني منها وان أحببتك خوفا من نارك فأطرحني فيها ، ولكني أحببتُ ذاتك ، فأسكني في جنتك وأبعدني من نارك”.
هناك عبادة خوف في بعض الديانات أما في المسيحية ، المحبة تطرد الخوف . بينما نجد في بعض المعتقدات والديانات الآخرى عدم ايمانها بهذه المحبة بين الله والأنسان وبين الأنسان وأخيه الأنسان، فهناك حواجز بين الله كسيد الكون جالس على العرش بينما الخليقة ، ومنهم الأنسان ، هو عبد مطيع وما عليه الاّ أن يقوم بفرائض وأعمال لكي يكسب ودّ الله ويتجنب غضبه . أي انها علاقة بين سيد وعبد. بينما جاء المسيح ليعطينا الحق أن نصبح أبناء الله ويحررنا من العبودية “يوحنا 1 :12”.
المحبّة “في مفهوم المسيحية” هي دين وأيمان، والعبادة في المسيحية هي تعبير عن المحبة وليس خوفا والمسيح لا يسمّينا عبيدا بل أبناء الله ، سادة أحرار ، فقصْدْ الله من خلقنا لم يكن لكي نعبده( والا كان هذا الإله أناني وحاشى لله أن يكون كذلك) ، بل أنه لم يرى أجمل من صورته فخلقنا على صورته كشبهه ليحبنا . فنحن مخلوقين لنكون كاملين ولنشاركه في ملكوته الى الأبد. وما علينا الا أن نقيم علاقة محبة معه. فعلاقة الحب الذي يجمعنا مع الله هي من صميم هدف الحياة لتمجيد أسم الله والتمتع بملكوته ونحن في هذه الأرض.
يقول الأب هوفلان مرشد القديس شارل دي فوكو: لقد جعل (يقصد القديس شارل فوكو) الديانة حُبّا عندما يقول “الحب ديني وأيماني”.
ويقول الرسول بولس في مكان آخر بما معناه أنّ شهوات هذا العالم أعمت عيون الأمم (أي غير المؤمنين بالمسيح) فلا يستطيعوا أن يميزوا بين الخير والشر بين المحبة والشهوة، فهناك المحبة الحقيقية الصافية النقية التي هي عطاء. وهناك الشهوة الشريرة التي هي الامتلاك، الأولى سماوية والثانية هي من الشرير.
الكتاب المقدس قائم على ثلاثة ركائز، يستند عليها الإيمان المسيحي، تتعلق بالمحبة وهي :
أولا : محبة الله للإنسان. ثانيا: محبّة الإنسان لله. ثالثا: محبّة الإنسان لأخيه الإنسان
أولا: محبة الله للإنسان
1– الله خلق الكون بكلمته والأنسان على صورته ومثاله
لقد خلقنا الله لمحبته لنا، فنحن مع الله لنا قيمة خاصة وعندما نكون بعيدين عنه فنحن لا شيء، بل أموات، لأننا بذلك لا نتمِّمْ القصد الذي صَنَعنا من أجله. جاء في سفر التكوين: “وكانت الأرض خاوية خالية ًوعلى وجه الغمر ظلام، وروح الله يَرِفُّ على وجه المياه “تكوين 1 :2”. هناك تفسير رائع لقول كاتب سفر التكوين، لروح الله الذي يرفرف على وجه المياه، ويشبّهه بطائر النسر الذي يرفرف على فراخه ليحميها ويفرش جناحيه ليأخذ صغاره ويحملهم على ريشه “تثنية 32:11″اشعيا 31:5” هكذا يهتم بنا الله .
الله يحبنا , وليس لمحبته بداية , كما أنها متأنية لحدود لا تصدق , وكل ما نحن في حاجة اليه هو أن نتجاوب معه . إنّ محبة الله لنا تتجلى بنعمة الحياة التي منحنا وبها نتمتع بجمال الله وجمال الخليقة والعشرة مع أخوتنا البشر. الله خلق الكون كلُّه فلا شيء يصعب عليه فهمه.ومشروع الله هو مشروع حياة (رمز شجرة الحياة)
إنّ هذه المحبة تحررنا من كل قيود الخطيئة. وعندما نعرف أننا مح*بو-بين، من الله خالقنا، فعندها نتحرر ولا يستطيع الخوف ولا الموت أن يزحزح علاقتنا معه.
“ليس من مبدأين للوجود، إنّما هناك مبدأ واحد، وهو الله الذي هو بطبيعته ملء الخير والصلاح.. الخليقة من حيث أنّها تستمدُّ وجودها من الله ، إنّما هي صالحة في الأساس :”ورأى الله جميع ما صنعه فإذا هو حسنٌ جدّا ” تكوين 1 : 31″ .
ورد في سفر الحكمة :” فإنّك تُحبُّ جميع الكائنات ، ولا تمقت شيئا ممّا صنعتَ . فإنَّك لو أبغضت شيئا لما كوّنتهُ …إنّك تشفق على كُلّ شيء، لأنَّ كُلِّ شيء لك، أيُّها السيّد المُحبّ للحياة ” الحكمة 11 : 23-26 و12 : 1″.
الله يحب شعبه حتى وهو في حالة الخطيئة ولكنه يكره الخطيئة، الله عاش قصة حبِّ فاشلة مع شعبه اس*رائ*يل، هذا الشعب الذي خان الله ولكن الله كان أمينا على محبته وعهده الذي قطعه مع أبينا ابراهيم وموسى والأنبياء بأن يُرسل ابنه الوحيد ليكون وسيطا للصلح بين الله وشعبه المتمرد ليعيد تلك العلاقة (علاقة المحبة) . ولكن هذا الشعب بدل أن يرجع الى عهده مع الله بقي متمسكاً بعنادهِ وتمردهِ، بل ان هذا الشعب قام بصلب ابنه الوحيد.
انّ الله كان مع شعب أسرائيل باستمرار كالأب الذي يحنُّ على أبنائه ويعوّلهم ويرعاهم ويحميهم ومع ذلك رفض هذا الشعب النعم الكثيرة التي أنعم الله لهم وأنكروا الجميل الذي صنعه لهم. ويعبّر الله عن محبّته على لسان النبي هوشع بأروع تعبير فيقول:
“وأنا الذي علّمهم المشي وحمَلَهم على ذراعه…جذبتهم اليَّ بحبال الرحمة وروابط المحبة, وكنتُ لهم كأب يرفعُ طفلا على ذراعهِ ويحنو عليهم ويطعمهم…كيفّ أهجرك يا إفرايم …قد انقلبَ فيّ فؤادي واضطربت أحشائي . لا أطلق حدّةَ غضبي ولا أعود الى تدمير إفرايم، لأنّي أنا الله لا إنسان “هوشع 11 : 3-9”.
نعم شعب إس*رائي*ل تركوا الرب، ولكن الرب امين مازال يحبهم، وما قاله الرب لشعبه “أنا الله”. لا أتصرف كما يتصرّف الأنسان ، فالحب يتغلّب على الغضب . فالهنا إله الحب وليس ذاك الإله المخيف .
يقول الله على لسان النبي اشعيا”أتنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ثمرة بطنها ؟ لكن ولو أنّها نسيت , فأنا لا أنساكِ يا أورشليم. ها على كفَّيَّ رسمتُك واسوارك أمامي في كلِّ حين”اشعيا 49 : 15، 16″.
ويقول الله على لسان اشعيا النبي:”أبسط السلام عليها(على اؤرشليم) كالنهر وغنى الشعوب كجدول فائض ,فترضعون وتحملون في الأحضان , وتدللون كالطفل على الركبتين , كمن تعزّيه أُمّه أُعزيكم أنا”اشعيا 66:12,13″.
كُلنا يعرف حنان الأم على طفلها وسهرها الليالي في أرضاعه والأهتمام به بحنانها المعهود , ولكن قد تغفو الأم أحيانا وقد تنشغل بهموم الحياة أحيانا أخرى فلا تستطيع أن تبقى مع طفلها في كُلّ حين , ولكن الله يقول لشعبه أنّه لا ينساهم مطلقا , ولكن أحيانا كثيرة نشعر بأنّ الله قد تركنا , ولكن في الحقيقة هو لم يتركنا ولكننا نحنُ الذين تركناه (راجع الأبن الظال في أنجيل لوقا) . ويقول الله عن شعبه على لسان النبي هوشع:”كيف أتخلّى عنكم يا بيت أفرايم؟ كيف أهجركم يا بني أسرائيل ؟…قلبي يضطربُ في صدري, وكُلِّ مراحمي تتقدُ”هوشع 11 : 8″ .
الله لا يتصرف مثل الأنسان، فالحب يتغلّب على الغضب
فالله يقول أيضا على لسان اشعيا النبي «لأَنَّ أَفْكَارِي لَيْسَتْ أَفْكَارَكُمْ، وَلاَ طُرُقُكُمْ طُرُقِي، يَقُولُ الرَّبُّ”إش 55: 8” فهو أعظم منا بما لايقاس.فمعزّة الله لشعبه ومحبته لهم جائت في أجمل تعبير على لسان النبي زكريا فقد سمع النبيّ الله يقول عن شعبه الذي تعرَّض لغزوات أمم أخرى وتنكيلها به، عبارة نلمس فيها منتهى التماهي والحنان ” اذ يقول الله على لسان النبي زكريا:
“من يمسُّكم يمسُّ حدقة عينهِ “زكريا 2: 8”. ويقول على لسان ارميا النبي : “وأعاهدهم عهدا أبديا اني لا أتحول عنهم …وأفرح بأن أُحسن اليهم وأغرسهم في هذه الأرض بكُلّ قلبي وكُلِّ نفسي وأكون أمينا لهم”ارميا32:40,41 .
2 – ماذا يُخبرنا العهد الجديد عن محبة الله للأنسان؟
في العهد الجديد سوف نقرأ ونلمس تجسّد محبة الله للعالم كُلّه حتى التضحية والموت من أجل كُلّ الذين يقبلون يسوع المسيح أبنه الوحيد. يقول الرسول يوحنا تلميذ يسوع المسيح :”هكذا أحبّ الله العالم حتّى وهب أبنه الأوحد, فلا يهلك كُلِّ من يؤمن به , بل تكون له الحياة ألأبدية”يوحنا 3 :16″.
إنّ آلام يسوع المسيح من أجل البشرية هي أهم مراحل حياة الرب يسوع المسيح معنا في هذه الأرض، فهي مرحلة تتويج لمحبة الله لنا، لأنّ المُحِب يجب أن يتألم من أجل مُحبيّهِ، هذه المحبَّة المضحيّة، حتى الموت، هي لكي نعرف عظم هذه المحبة الغير المشروطة، حتى التضحية بالذات، لأنّ المحبة الحقيقية، هي بذل الذات من أجل المح*بو-ب
الأب هنري بولاد اليسوعي في كتابه “الولادة في الموت ” يقول:
“إنّ الحُبّ هو سرُّ الوجود ومُحرّك الحياة، به خُلِقَ الأنسان وانبثق من العدم، وبه أيضا يعيش ويتخطى الموت ويخلد في المسيح. من الممكن ان نشبّه الحياة بتيّار جارف من الحبّ يحملنا، والله هو نبع هذا التيّار ومُحرّكهُ، وكلّ انسان يُخلق يأتي به الحبّ من المجهول الى هذا التيّار. ومن يموت لاينفصل عن تيّار الحياة إن كان قد عاش الحبّ في حياته الأرضية، بل يتخطّى الموت ليصل الى الخلود”.الحب هو جوهر الوحي المسيحي. ووحده حُبّ الله للبشر يدلُّ على دافع الخلاص. هذا الحب الذي كشفه المسيح، يُحرّك الحبُّ فينا. المحبّة الإلهية تجلَّت في سرّ التجسّد، إذ صار الله بشرا ليسكن بيننا ويبذل نفسه من اجل خلاصنا. (انتهى الاقتباس).
في سر الأفخارستية والتأمل في هذا السر سنستطيع الغوص في محبة الرب يسوع لنا بلا حدود حتى أنه بذل نفسه وسفك دمه ليصير لنا قربانا وخبزا نأكله ليتّحد معنا
إنّ محبة الله للأنسان تجلّت في يسوع المسيح , فهو أظهر للبشرية محبّة غير محدودة وغير مشروطة , بل أعطانا المحبة الحقيقية التي ليس فيها غش ولا مصلحة ، انّها محبة بذل الذات والتضحية بحياته من أجل العالم كُلّه , وهذه التضحية تجسّدت على خشبة الصليب . فصليب المسيح هو رمز لمحبة الله للبشرية كُلّها، ومن يريد أن يتأمّل في محبة الله له فعليه أن يسجد تحت الصليب ويتأمّل يسوع المسيح المصلوب من أجله.
يسوع المسيح حوَّل الألم بالحب الذي في قلبه فصار الصليب شعار المسيح،والله أنزل القصاص بالمسيح بدلا من البشرية جمعاع . يسوع المسيح لم يذهب الى الموت مذلولا وخاضعا، فهو، في الحقيقة، أقوى من الموت وهو القائل :” …والآب يُحبُّني لأنّي أُضحّي بحياتي حتّى أستردُّها . ما من أحدٍ ينتَزع حياتي، بل أنا أُضحّي بها راضيا ” يوحنا 10 17 ، 18
إنّ محبّة الله هي لكلّ انسان حتى الخطاة , فكان يسوع المسيح يحنُّ على الفقراء والأغنياء ويغفر بمحبَّته اللامتناهية خطايا الناس ويشفي المرضى ويشبع الجياع ويحضن الأطفال بحنانه فيقول :”إن لم تصيروا كالأطفال لن تدخلوا ملكوت الله”متى 18 : 3″
لقد برهن يسوع المسيح أقواله بأعماله فهو على الصليب طلب من أبيه السماوي أن يغفر للذين كانوا يصلبونه ،وهو في قمة الآلام ، قال:”يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون” لو 23: 34″.. إنّ محبة الله لنا هي اساس لقيمة الأنسان، فقيمتنا الحقيقية تنبع من تقدير الله لنا وليس من تقدير الناس . الناس يقدّروننا حسب عملنا ونجاحنا وإنجازاتنا ومظهرنا، أمّا محبة الله فتعطينا ألأساس الحقيقي الفعلي لقيمتنا واستحقاقنا , وهو أننا ننتمي اليه. فمحبة الله عظيمة لكل أنسان”ولكنّ الله برهن عن محبّته لنا بأن َّ المسيح مات من أجلنا ونحن بعدُ خاطئون”روميا 5 : 8″. و يقول الرسول بولس: “فلمّا تم الزمان، أرسل الله أبنه مولودا لأمرأة، وعاش في حكم الشريعة, ليفتدي الذين في حكم الشريعة, حتى نصير نحن أبناء الله, والدليل على أنّكم أبناؤه هو أنّه أرسل روح أبنه الى قلوبنا هاتفا “أبي, يا أبي”. فما أنتَ بعد الآن عبدٌ، بل أبنٌ, واذا كُنت أبنا فأنت وارث بفضل الله”غلاطية4: 4-6″.
يقول كوستي بندلي عن معاناة الله مع الكون:
“على حدّ تعبير الفيلسوف المعاصر “عمانوئيل لافيناس “، يعاني الله ، على طريقته التي تفوق تصوّرنا ، حيال شرّ الكون . فمعاناة الله مع الكون تجلّت باجلى بيان في صليب يسوع. هذه المعاناة الإلهية، إنّما هي نتيجة طبيعية لحب الله للكون الذي خلقه. وإنّ هذا الحب “الجنوني ” ،على حدّ تعبير مكسيموس المعترف ونقولا كاباسيلاس ، وبعدهما في عصرنا ، هذا الحب ” الجنوني” تجلّى بأجلى بيان في صليب يسوع ، الذي شاء الله أن يذوق في إنسانيّة ” الحبيب” كلّ عجز الأنسان أمام القوى الجبّارة ، من كونيّة وأجتماعية ، التي تتآزر عليه لتسحقه ، أن ينحدر الى جحيمنا ويتجرَّع مرارته حتى الثمالة ، حتى ذلك الخوف والضيق النفسيّ المبرّح اللذين يعتريان ألأنسان إذا تعرَّض لاقسى الشدّة والكرب .
لذا حُقَّ للكاتب المسيحي “ليون بلوي” أن يصوغ هذه العبارة التي طالما استشهد بها برديلييف :” إنَّ وجه الله تسيل منه الدماء في الظلمة ” انتهى الأقتباس”
يسوع المسيح جاء يعيش معنا ، ويسكن بيننا ، كما الرب وسط شعبه في برّية سيناء . والمسيح ككلمة الله المُتَجسّد هو الكائن منذُ الأزل.. ولكن بما أنّ الكلمة هو الله، فهذا يعني أنّ الله جاء يُقيم بيننا “يوحنا 1 :14” فرأينا مجدهُ
يسوع المسيح جاء لخلاص العالم, وتحرير الأنسان من عبودية الخطيئة, فهو ليس لفئة معينة من البشر بل للعالم كله :
“أذهبوا الى العالم كُله وأعلُنوا البشارة الى الناس أجمعين “مرقس 16:15” . ويقول بولس الرسول أيضا كما ورد في سفر أعمال الرسل: “هو(الله) غير بعيد عن كُلّ واحد منا فنحن فيه نحيا ونتحرك ونوجد . ونحن أيضا أبناؤه”أعمال 17 : 27 ، 28 “
….ولكن الله بواسع رحمته وفائق محبّته لنا أحيانا مع المسيح بعدما كنّا أمواتا بزلاّتنا “أفسس 2 : 4” .
و قد شهد يوحنا “الحبيب”عن محبة الله الآب لنا بقوله: “أنظروا كم أحبّنا الآب حتّى نُدعى أبناء الله…إذا كان العالم لا يعرفنا ، فلأنَّه لا يعرف الله “1يوحنا 3 :1” .
في سفر الرؤيا يخبرنا البشير يوحنا عن سكن الله مع شعبه في الحياة ألأبدية : “ها هو مسكن الله والناس، يسكن معهم ويكونون له شعوبا. الله نفسه يكون معهم ويكون لهم الها, يمسح كلّ دمعة تسيل من عيونهم”رؤيا .21 : 3 ، 4”
كُلِّ هذه الآيات (وغيرها) تؤكد لنا نحن المؤمنين بيسوع المسيح أنّ الله ومنذ أن خلقنا فهو يريد منا أن نشاركه في ملكوته كأبناء ، وليس كعبيد ، وأن نستمتع بمحبته وحنانه الذي لا يمكن أن يدركها العقل ولا نستطيع أن نصل الى أعماقها .
يقول بولس الرسول في رسالته الى مؤمني افسس:
” لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ،وَأَنْتُمْ مُتَأَصِّلُونَ وَمُتَأَسِّسُونَ فِي الْمَحَبَّةِ، حَتَّى تَسْتَطِيعُوا أَنْ تُدْرِكُوا مَعَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، مَا هُوَ الْعَرْضُ وَالطُّولُ وَالْعُمْقُ وَالْعُلْوُ،وَتَعْرِفُوا مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ الْمَعْرِفَةِ، لِكَيْ تَمْتَلِئُوا إِلَى كُلِّ مِلْءِ اللهِ” أفسس 3: 18 ، 19″
انّ محبة الله لنا تفوق المعرفة فهي محبة كاملة وشاملة , فهي تمتد الى كل ركن في كياننا, فهي طويلة تمتد طيلة حياتنا , وهي عميقة لأنّها تصل الى أعماق فشلنا ويأسنا , وهي واسعة تُغطّي كُلّ أختباراتنا وتمتد الى كلّ العالم , وهي عالية تصل الى قمة أفراحنا وأعجابنا .فمحبة الله لنا ليس لها حدود ولا تُستقصى وتفوق المعرفة . فيسوع المسيح يهتم بكل احتياجاتنا , ولا يمكن أن نسقط من حسابه, فلا نخشى التهديدات ولا التجارب العسيرة , فكل هذه لايمكن أن تنزع محبة الله أو روحه من داخلنا, فلا شيء يقدر أن يحرمنا من حب الله .
يقول الرب يسوع المسيح لتلاميذه (وكُل المؤمنين به) :” أمّا أنتم , فشعرُ رؤوسكم نفسه معدود كُلّه”متى 10 :30″. فإلهنا اله حي غيور، وحبّه أكبر من أيّ مشكلة تواجهنا، والحياة الأبدية في المسيح أبنه هي نورا لكل البشرية, لأنّ الموت يجلب الظلمة الأبدية بينما يسوع المسيح هو نور الحياة الذي يزيل ظلام الموت: “فيه كانت الحياةُ ، وحياته كانت نورَ الناس”يوحنا 1 : 4 ” .
بالكلمة أعطيت الحياة للخليقة ، وبه أُعطيت لنا الحياة الفائقة الطبيعة ، حياة اللقاء مع الله .
ترد لفظة حياة 32 مرة في انجيل يوحنا و 127 مرة في العهد الجديد . الحياة هي عطية المسيح والمسيح هو ” الحياة”.
الله يدعو كلّ من يتقبّل حبّهِ الى ان يقاسمه حياته “روما 8 : 28”. وحين نعي أنّنا مح*بو-بون بهذا الشكل، نرجو رجاء يتيح لنا أن نواجه الاضطهادات التي نتعرض لها.
ليس سوى حياة المسيح ألأبدية المغروسة فينا، يمكن أن تبقينا أحياء في ملكوته الجديد الى الأبد: “به كان كُلُّ شيء , وبغيره ماكان شيء مما كان . فيه كانت الحياة , وحياته كانت نور الناس . والنور يشرق في الظلمة . والظلمة لاتقوى عليه”يوحنا 1 : 3 ،4 ، 5”
عندما قام الله بعملية الخلق فإنّه خلق شيئا من لاشيء بالكلمة “يسوع المسيح “.ولأننا كائنات مخلوقة، فليس لنا ما نفتخر به. فتذكّر أنّك وُجدت فقط لأن الله صنعك. وقد خلقك الله، وهو حي اليوم، وحبّه اكبر من أي مشكلة قد تواجهك .
السؤال هو لماذا كانت الحياة الأبدية في المسيح نورا لكل البشر؟
الجواب :لأنّ الموت يجلب الظلمة ألأبدية . وليس سوى حياة المسيح ألأبدية المغروسة فينا يمكن ان تبقينا احياء في ملكوته الجديد الى الأبد. المسيح حيٌّ الى الأبد لانه هو الله. وقد جاء الى الأرض ليهب البشرية رجاء حياته الأبدية ونورها. يسوع المسيح هو خالق الحياة وحياته تمنح النور للبشرية. وهو يزيل ظلمة الخطيئة من حياتنا. بولادة المسيح صار الله بشرا. وهو لم يكن جزئيّا انسانا وجزئيا الهاً، بل كان إلها كاملا وانسانا كاملا (كورنثوس 2 :9) .
وقبل مجيء المسيح لم يكن الناس يعرفون الله الّا جزئيا . أمّأ بعد مجيء المسيح فقد امكن للناس ان يعرفوا الله بالكامل لانه صار ملموسا ومرئيا لهم في المسيح. هو الذي كشف لنا حقيقة أنّ المحبّة والعدل وجهان لطبيعة الله يستخدمها للتعامل معنا. ركّز موسى على شريعة الله وعدله، بينما جاء يسوع المسيح مؤكّدا على رحمة الله ومحبّته وغفرانه.. كان الله يتصل بالناس في العهد القديم من خلال مختلف الناس وعادة من خلال الأنبياء، الذين كانوا يتلقون رسائل خاصة لتوصيلها.
إلّا ان ” الله لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ.” يو 1: 18.أ في المسيح كشف الله عن طبيعته وجوهره بطريقة يمكن رؤيتها ولمسها وإحساسها، ففي المسيح صار الله إنسانا يحيا على الأرض.
يقول الرسول يوحنا الحبيب :”تأمّلوا ما أعظم المحبّة التي أحبّنا بها الآب حتى صرنا نُدعى “أولاد الله “1يوحنا 3 : 1”. إنّ قيمتنا الذاتية كمؤمنين، مبنية على حقيقة ان الله يحبنا ويدعونا أبناء له . فنحنُ أبناؤه ألآن، وليس فقط فيما بعد في المستقبل البعيد .
“من كان عطشانا فلياتي , ومن شاء فليأخذ ماء الحياة”رؤيا 22 : 17” .هنا يدعو الرب يسوع المسيح كل انسان متعطّش لخالقه ان يأتي اليه . ونحن اليوم ، كُلُّنا ، عطشانين الى ماء الحياة وكثيرون يموتون من هذا العطش .
نعم المسيح يحبنا ويريد أن يسكن في قلوبنا , لأنّ أسمه هو عمّانوئيل (أي الله معنا) , وها هو يقول, لكل أنسان محروم من محبّته: “ها أنا واقف على الباب أدقُّه , فأن سمع أحدٌ صوتي وفتح الباب دخلتُ اليه وتعشيّتُ معه وتعشّى هو معي “رؤيا 20 :3”
نعم يسوع المسيح يريد أن يمتلك قلوبنا ليغمرنا بمحبته وحنانه وسلامه , لهذا صلّى في بستان جسيماني من أجل تلاميذه, حيث جاء في صلاته الموجه الى ابيه السماوي :”…أنا فيهم وأنتّ فيَّ لتكون وحدتهم كاملة ويعرف العالم أنّك أرسلتني وأنَّك تُحبّهم مثلما تُحبُّني “يوحنا 17 : 23″. ولكن ها هو الرب يسوع المسيح يبكي على أورشليم (رمز شعب اس*رائ*يل المتمرّد ورمز كُل الناس الذين لا يأتون الى المسيح المخلّص) فيقول: “أورشليم أورشليم ! ياقاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين اليها! كم مرة أردت أن أجمع أبناءَكِ، مثلما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها , فما أردتم”لوقا13 : 34” .
فهل نقبل الرب يسوع المسيح ليكون ملكا على قلوبنا ويأسرنا بحبه اللامحدود لتكون لنا حياة أبدية أم نرفضه من حياتنا ليبكي على قساوة قلوبنا كما بكى على أورشليم (رمز شعب أسرائيل)؟ . سؤال يجب على كُلّ واحد له قلب نابض بالحياة أن يُفكّر للأجابة عليه.
ونختم ، هذه التأملات ، بقول أنسان شاهد وأختبر محبة المسيح له وهو يوحنا ، التلميذ الذي أحبّه يسوع المسيح ، إذ يقول هذا الشاهد الذي عاش مع يسوع : “أنظروا كم أحبنا الآب حتى نُدعى أبناء الله “1يوحنا 3 :1 “…إذا كان العالم لا يعرفنا, فلأنّه لايعرف الله…لأنّ الله “محبّة”1يوحنا 4 : 8″ …….نحنُ ما أحببنا الله , بل هو الذي أحبنا وأرسل أبنه كفّارة لخطايانا”1يوحنا 4 : 10”
“ما من حبِّ أعظم من أن يفدي أبن الأنسان نفسه من أجل أحبائه” يوحنا 15 :13″.
بولس الرسول في رسالته الى مؤمني أفسس يقول:”وأنتم كُنتُم في السابق أمواتا بذنوبكم وخطاياكم ….تابعين رئيس قوات الهواء(الشيطان) …وكنّا أبناء الغضب كالآخرين أيضا . أمّا الله، وهو غنيٌّ في الرحمة، فبسبب محبّتهِ العظيمة التي أحبَّنا بها ، وإذ كُنّا نحن أيضا امواتا بالذنوب ، أحيانا مع المسيح ..وأقامنا معه ” افسس 2 : 1 ، 2 ،3 ،4 ،5 ،6″
اليست هذه القصة المختصرة للكتاب المقدس تُعطي لنا خلاصة موضوع الكتاب المقدس عن محبة الله الفائقة لشعبه حتى موت ابنه على الصليب لخلاص البشرية اجمع. ولا يمكن ان نصبح صالحين إلّا متى اتَّحدت حياتنا بحياة المسيح الكاملة.” لأَنَّهُ هكَذَا
أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.” يو 3: 16″
“…وتعرفوا محبّة المسيح التي تفوقُ المعرفة، فتمتلئوا حتّى تبلغوا ملءُ الله كُلّه”أفسس 3 : 19”
يقول بولس الرسول في رسالته الى مؤمني غلاطية :” …فحياتي هي الإيمان بابن الله الذي أحبّني وضحّى بنفسه من اجلي”غلاطية 2 :20″
“وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا.” (رو 5: 8″
كم تكون مسرّة الأنسان وبهجته مع خالقه الذي هو غير محدود ومحبته لنا غير محدودة. فالمحبة هي الحياة، فلا يمكن أن نفصل الحياة عن المحبة لأنّ الذي أحبنا أعطانا الحياة. لا شكَّ أن الله أبو الجميع لانّه خلق الجميع ، ويصل حبّه ورحمته الى الجميع . ولكن يبقى على الأنسان أن يقبل نداء الله بالأيمان بإبنه الوحيد “يوحنا 1 :12-13” وأن يقبل قيادة الروح له . هناك روح العبودية وروح ألأبناء . الله تبنّانا فصرنا أبناء مع الأبن الوحيد يسوع المسيح . فهو الذي علّمنا أن نقول: أبانا الذي في السماوات
“متى 6 :9”
يوقل بولس الرسول في رسالته الى روما :” فَإِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ نَحْنُ مَدْيُونُونَ لَيْسَ لِلْجَسَدِ لِنَعِيشَ حَسَبَ الْجَسَدِ. لأَنَّهُ إِنْ عِشْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَسَتَمُوتُونَ، وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِالرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ الْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ، فَأُولئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ. إِذْ لَمْ تَأْخُذُوا رُوحَ الْعُبُودِيَّةِ أَيْضًا لِلْخَوْفِ، بَلْ أَخَذْتُمْ رُوحَ التَّبَنِّي الَّذِي بِهِ نَصْرُخُ: «يَا أَبَا الآبُ». اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضًا يَشْهَدُ لأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلاَدُ اللهِ. فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَدًا فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضًا، وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ. إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ.” (رو 8: 12-17).
محبة المسيح لنا هي مثل الماء الحي الذي يروي عطش كل انسان فيرتوي ولن يعطش بعد ذلك ابدا وهي الخبز الروحي النازل من السماء الذي وحده يشبعنا. فمحبته تنعش النفس والروح وتشفي الجراح وتحّول الجحيم الى جنة. محبّة المسيح هي علاج النفس والروح والجسد
الحب هو جوهر الوحي المسيحي. ووحده حبُّ الله للبشر يدل على دافع الخلاص للبشرية. هذا الحب،الذي كشفه يسوع المسيح ,يحرّك الحب فينا والذي يدفعنا الى تحدي حتى الموت ,لأنّ المحبة أقوى من الموت, وهذا ما تشهد له تاريخ الكنيسة عبر الأجيال(وخاصة الكنيسة الأولى) ,ولكن للأسف صار الأيمان اليوم متزعزع وبدوره زعزع المحبة, واصبح الأنسان المؤمن يستسلم لتأثير المحيطين به, خاصة وقت الاضطهادات والمحن , وبسبب الانقسامات بين المسيحييّن أنفسهم أضعف ح*ما*س عرفته الكنيسة الأولى ,لقد حلّت الديانة الروتينية(ديانة الطقوس ومظاهر التدين) محل العلاقة(الحميمية) بين الأنسان وأخيه الأنسان . ونتيجة فتور الأيمان حلَّ فتور المحبة فنشاهد اليوم في الكثير من كنائس العالم فتورا وخمولا. اصبحت الكثير من الكنائس تمارس الشعائر الدينية كوظيفة(واجبات) طقسية يؤديها الناس دون تحريك قوّة الروح القدس ليشعل نار الأيمان ويلهب المحبة في قلوب المؤمنين، فأصبح ينطبق علينا قول المسيح عن ملاك كنيسة لاودكيَّة:”أنا أعرف أعمالك، وأعرف أنّك لا بارد ولا حارٌ,وليتُكَ كُنتَ باردا أو حارا! سأتقيّؤكَ من فمي لأنّك فاتِرٌ,لا حارٌ ولا باردٌ”رؤيا 3 : 15″.
ثانيا: محبة الإنسان لله
الله خلقنا لنشاركه في ملكوته ونقيم علاقة مباشرة معه ، لانه هو الحياة والنور والفرح . وعندما نفقد هذا الحب فنحن سنعيش في انفصال مع خالقنا وعندها سنفقد هذا الحب ونعيش في جحيم. تجسّد الأبن ” الكلمة ” في شخص يسوع المسيح هو لأعادة هذه العلاقة المفقودة ليصالحنا مع أبيه السماوي. الرب إله يحبّ وهو إله يُحبّهُ المؤمن ولا يكتفي بأن يخافه بل يريد الله من الأنسان أن يشاركه هذا الحب أيضا.
*الوصيّة العظمى في الكتاب المقدس
يقول الله في سفر التثنية: “الربُّ الهنا ربٌّ واحد. فأحبوا الرب الهكم بكلِّ قلوبكم وكُلِّ نفوسكم وكُلِّ قدرتكم “تثنية 6 : 5”.
هنا الله يريد أن نستغل جميع ملكاتنا الجسدية والروحية (الفكر، المشاعر ، المعرفة ، الحكمة ، القدرة…..الخ) من أجل تكريس حياتنا لتكون في كُلِّ لحظة في علاقة حب معه ، وها هو يسوع المسيح يُركّز على وصية المحبة في العهد الجديد ليقول لنا بأنّ المحبة (محبة الله ومحبة الأنسان) هي محور وخلاصة الكتاب المقدس . فعندما سأَلَ أحد الفريسيين يسوع المسيح ليجرّبه:”ماهي أعظم وصيّة في الشريعة؟ فأجابه يسوع :
“أحب الربَّ إلهُكَ بكلِّ قلبكَ، وبكلِّ نفسك َ، وبكل عقلك. هذه هي الوصية الأوُلى والعظمى. والوصيّة الثانية مثلها : “أحب قريبك مثلما تُحبُّ نفسك. على هاتين الوصيّتين تقوم الشريعة ُ كُلّها وتعاليم الأنبياء”متى22 : 37 – 40” .هاتان الوصيتان هما خلاصة وصايا الله العشرة وكلِّ الشرائع الأدبية في العهد القديم . يسوع المسيح ركّز الشريعة كُلّها في هاتين الوصيّتين.
“إذا قال أحدٌ “أنا أُحبُّ الله وهو يكره أخاهُ كان كاذبا”وصيّة المسيح لنا هي:”من أحبّ الله أحبّ أخاهُ أيضا”1يوحنا 4 : 20 ،21 “
هناك تقليد في تاريخ الكنيسة يقول : انّ يوحنا الرسول في شيخوخته كان يردّد كلام يسوع عن المحبة . وعندما سؤلَ لماذا تردّد كلام يسوع عن المحبّة أجاب : “الذي يُحبّ لايستطيع عمل سوء للآخرين بل يعمل كل ما هو خير للآخرين”
عندما نحب الله ونهتم بالآخرين فاننا نتمِّم الغرض من الوصايا العشرة وسائر شرائع العهد القديم. فمن الصعب أن نحب لو فكرنا في ذواتنا فقط . الخطيئة تجعل محبتنا لله وللآخرين تبرُد ، عندما نُحوِّل كُلِّ أهتماماتنا الى ذواتنا . نحنُ لن نستطيع أن نُحب عندما نُفكِّر فقط في أنفسنا .
طاعة المؤمن لله هي وليدة محبة لا مجرّد التزام في اطار الشريعة. يقول الرب يسوع المسيح: “اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي».”يو 14: 21”
من عرف محبة المسيح يعرف أنّ الحياة بدون المسيح الذي جسّد محبة الله لنا ليس لها معنى ، بل فيها فراغ وعطش وجوع وملل وخواء وعدم الراحة وفقدان السلام. لا يستطيع ايّ كائن أو أيُّة عقيدة أو أيُّ دين أو أيُّ فكر أو أيُّ حزب اشباع هذا العطش والجوع الروحي سوى الذي وهبنا الحياة ونفخ من روحهِ في أعماقنا وهو الإله الحي الذي يروي ويشبع حياتنا الروحية.
*يسوع السميح هو ينبوع الماء الحيّ
“كما يشتاق الأيلُ الى مجاري المياه، كذلك تشتاقُ نفسي اليك يا اللهُ ، اليك ، الى الإله الحيّ عطشت نفسي”مزمور 42 : 1”
انَّ الذين عرفوا محبة الله وأقاموا علاقة حُب معه يعرفون حنين الأنسان الى خالقه. هذا ما غنّاه أحد المغنين الذي كان بين العائشين في هيكل الله، فصار في المنفى(في بابل) ، وتحسّر على الأحتفالات المقدّسة ، ولاسيّما في وقت الأعياد ، وهو كان يرجو أن يعيده الرب الى خدمته . كما هو حنين الى حضور الله بشكل خاص في هيكله مركز حضوره. وكما هو حنين الخاطئ الى بيت الوالدي ، على مثال الأبن الضال (لوقا 15 : 12) :
كذلك ينشد داود النبي هذا النشيد عن اشتياقه لله في وقت الشدة فيقول:”يا الله ُ ، إلهي أنتَ ، وإليك أُبكرُ ، فإليكَ تعطشُ نفسي . جسدي يتوق اليك كأرض قاحِلة يابسة لا ماء فيها ” مزمور 63 : 1 ،2″ .
كما الأنسان لايستطيع ان يعيش بدون الماء والطعام هكذا الأنسان لامعنى لحياته بل هو ميت دون الماء الحي يسوع المسيح . كيان الأنسان كُلُّه تصرخ الى باريها لأنّها منه واليه ترجع. فكما أنّ الطفل يشتاق الى حنان ومحبة أمِّه ،وهو لا يستطيع الأستغناء عن هذا الحب والحنان ، هكذا في أعماق كُل انسان شوق وعطش وجوع وفراغ لا يُشبعهُ الاّ محبة الله وحنانه مهما بلغت معرفته وتعليمه وحكمته الأرضية .
ألأنسان الذي يعيش في علاقة حبّ مع الرب ، صوّرها كاتب سفر التكوين ، كإنسان يعيش في الجنة مع الله وكشجرة لا تذبل . ويقول كاتب المزمور:”فيكون كشجرة مغروسةٍ على مجاري المياه ، تعطي ثمرها في أوانه ” مزمور 1 : 3″
كشجرة لا تذبل”ارميا 17 : 8″. تلك كانت أشجار الفردوس المغمورة بالمياه “ارميا 17 : 6-8” هي صورة البركة التي ينالها البار .
الكثيرون اليوم أصبحوا مثل الشعب الأسرائيلي في الماضي، عندما اختاروا لأنفسهم اباراً متشقٌقة بتحّولهم عن محبّة الله، ينبوع الماء الحي، ليختاروا محبّة الأصنام (المال السلطة الشهرة المركز….الخ) وهي الشهوات الزائلة .
يقول الله على لسان أرميا النبي: “تركوني أنا ينبوع المياه الحيّ وحفروا لهم ابارا مشقّقةً لاتُمسِكُ الماء”ارميا 2:13” .
إنّ محبة الله تملأ حياتنا وتمنحنا القوّة للوصول الى الآخرين، ومع محبة الله سينجذب الأنسان الى المحبة الكاملة للكيان الأنساني .
نعم عالمنا اليوم منشغلٌ بأمور الحياة المادية واصبح هم الأنسان اللهث وراء كُلِّ ما هو جديد وما هو مريح وماهو مُبهر ومغري ، وكأنّه في صحراء وهو عطشان فيلهث وراء السراب ظنّا منه أنه الماء . ونحن في عالم شديد العطش الى ماء الحياة، عالم فيه المادة (الحسيّات) طغت على الحياة الروحية ، ونسى الأنسان أنّ ينبوع الماء الحي هو يسوع المسيح وحده الذي يستطيع أن يروي عطشه وجوعه الأبدي الى المحبة الألهية . يقول الرب يسوع المسيح :” الروحُ هو الذي يُحيي ، أمّا الجسدُ فلا نفع منهُ والكلام الذي كلمتُكُم به هو روحٌ وحياةٌ”يوحنا6 : 63″
ويقول الرسول بولس :” إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَلكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَقَدْ صِرْتُ نُحَاسًا يَطِنُّ أَوْ صَنْجًا يَرِنُّ”كورنثوس 13 : 1″
لاقيمة للمواهب الروحية إن لم تنعشها المحبة التي هي حياة الله من الداخل. فالمحبة هي في قلب الأنجيل ، وموجز مشروع الله في العالم . لاقيمة للشرائع والوصايا الإلهية بدون ان تكون المحبَة على رأس هذه الوصايا، أي محبّة الله ومحبّة الآخر ، كما اكّد على ذلك يسوع المسيح . دون المحبة تبقى الحياة مثل بركة الماء الآسنة الراكدة ، بينما يسوع المسيح يقول عن نفسه أنّه ينبوع الماء الحي ، رمز الحياة الأبدية وعطيّة الروح القدس، وكُل انسان في عطش الى حبّ حقيقي ، الى ماء الحياة . وهذا ما كشفه يسوع المسيح في حديثه مع المرأة السامرية عندما قال :” كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا الْمَاءِ(ماء البئر) يَعْطَشُ أَيْضًا وَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ”يوحنا 4 : 13 ، 14″.
وفي عرس قانا يُخبرنا يوحنا الحبيب أنّ يسوع المسيح قال للخدَم “إملاْوا الأجران ّ بالماء” يوحنا 2 :7″
وهنا الماء ترمز الى ملء الحياة الأبدية بيسوع الحي . جاء يسوع ليملأ حياتنا فرحا وليحوّل حياتنا القديمة الى حياة متجددة. إنتهى العهد القديم ، اليوم العريس موجود معنا فنحتفل نحن مع العريس( ابن الله) ، الذي جاء ليشاركنا الأفراح والأتراح . وها هو يطلب منّا أن نمتلأ من محبّته حتى نفيضه على الآخرين “استقوا ألآن وناولوا رئيس الوليمة ” يوحنا 2 :8 “. هذا هو الخمر الجديد رمز الحياة في العهد الجديد. هذا هو اليوم عرس الملك وهو مسرور أن يكون عروسه (الكنيسة) فرحة لان العريس موجود معها فيكمل فرحها. فكما هو ينبوع الحياة، ولكنه يريد أيضا أن نبادله المحبّة. فهو كما قال للمرأة السامرية “اسقيني ” يوحنا 4 : 7″ .إنّه يريد أن نسقيه أيضا بحبنا . فالحب يجب ان يكون متبادلا وإلّا سيكون حبا انانيّا.
يسوع المسيح عندما كان على الصليب صاح “أنا عطشان” “يو 19: 28″، لمحبتكم فإذا بنا نسقيه خَلّاً ومرارة. فبدل ان نروي عطش محبّته لنا سقيناه خلّاً رمز الأسترخاص به.أمّا هو اعطانا خمرا جديدا رمز الحياة الجديدة .
“ثُمَّ أراني الملاك نهر ماءِ الحياة صافيا كالبلّور ، ينبع من عرش الله والحَمَل “رؤيا 22 : 1” . ماء الحياة يرمز الى الحياة الأبدية، وهذا الماء ينبع من عرش الله ويسوع المسيح ابنه. إنّ حياتنا الأبدية نسقيها من الله وابنه يسوع المسيح (حمل الله الحامل خطايا العالم) .
*الحُبُّ أقوى من الموت
لأنّ “المحبة أقوى من الموت”نشيد الإنشاد 8 : 3” وانّ السلام والفرح هما ثمار محبة الله لنا, فلا فرح أو سلام بدون محبة.
يقول الدكتور اشرف ناجح في مقالة بعنوان “المحبّة اقوى من الموت”:
“إنّنا كمسيحيِّين لا نصدِّق أنَّ الحبَّ يموت إلى الأبد! فكيف تموت الحياة؟ إنَّ مَن يقول إنَّ الحبَّ يموت إلى الأبد هو كمَن يقول إنَّ الحياة تموت! فإنَّ الحياة في الواقع لا تموت، لأنّها إذا ماتت فهي لم تعد بعدُ حياة، إنّما موت! إنّما قد يتألّم الحبُّ، وقد يزرف الدّموع الغزيرة، بل وقد يُصلب ويموت، مُفضّلًا المح*بو-ب على كلّ شيء آخر؛ وإنّما لا، لن يموت الحبُّ إلى الأبد، لأنّ ثمَّة “القيامة” لكلّ “موت عن محبّة”، وثمَّة “أحد الفصح” لكلّ “جمعة عظيمة”! إنَّ ما نسمّيه “الموت” لأجل مَن نحبّ، ليس هو موتًا، إنّما حياة أبديّة، لأنّ الحبَّ هو الحياة الأبديّة!”انتهى الأقتباس”.
إنّ الحُبَّ الذي يربط الأنسان بيسوع المسيح هو حبٌّ سماوي عفيف ومقدّس ، وعندما تصل العلاقة الحميمية بين ألأنسان ويسوع المسيح الى القمة ، فعندها يستسلم الأنسان الى نشوة هذا الحبّ المتسامي ويسبح في سماء الكون ويشعر الأنسان انَّهُ قد قَهرَ الموت وأصبح خالدا .”لأنَّ الحُبّ اقوى كالموت “نشيد الاناشيد ٨ : ٦٧” . الحب قوي كالموت بل أقوى من الموت، نحن في الحب إذاً نحن في الله! . لذلك نحن أقوى من الموت! . يسوع قام وأقامنا معه، فأصبح الموت مهزوماً أمام هكذا حُبّ
كان أقوى شيء قبل المسيح هو الموت، فأخذ كمثال كأقوى شيء، فكل جبار مهما زادت عظمته وجبروته هُزِمَ أمام الموت. (بعد المسيح تَغَيَّر هذا فقيل “ «أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟” 1 كو 15: 55“.
والعروس في نشيد الأناشيد تود أن تقول أن محبة عريسها أقوى من الموت، وهذا ما إتضح على الصليب، وهي تعتمد على محبته القوية هذه ليعيد تشكيلها فتصبح على صورته. وهناك من أحب المسيح وصارت له نفس صورة هذه المحبة ونرى هذا في مواكب الشهداء الذين أحبوا الموت حبا في المسيح وفضلوه عن حياتهم. محبة المسيح كانت أقوى من الموت وظهر هذا على الصليب، ومحبة الذين أحبوه كانت أيضًا أقوى من الموت وظهر هذا في الاستشهاد.
للأسف في هذا الزمن فترت المحبة في قلوب الكثيرين بسبب ظهور أنبياء كذبة وأفكار ماديّة وتعلّق قلوب الناس بالشهوات الزائلة. صَدَقَ الرب يسوع المسيح عندما تنبّا عن المستقبل وفتور المحبة في قلوب الناس وحتّى المؤمنين عندما قال:
“ويرتد عن الأيمان كثيرٌ من الناس ، ويخون بعظهم بعضا ويبغض واحِدُهُم الآخر ، ويظهر أنبياء كذّابون كثيرون ويظلّلون الكثير من الناس، ويعم الفساد ، فتبرد المحبة في أكثر القلوب “متى 24 : 12و11 و10 ” .
*يسوع المسيح هو خبز الحياة الأبدية
يسوع المسيح عندما عمل معجزة تكثير الخبز واطعام الجياع ، كما جاء في انجيل يوحنا الأصحاح 6 .اكتفى الجمع بأكل الخبز العادي ، فتحمّسوا من اجل ذاك الذي اطعمهم هذا الخبز ونسوا يسوع المسيح الذي يعطي الطعام الحقيقي ، يعطي الحياة الأبدية .
وهذه الحياة ننالها بالأيمان ، الذي هو تعلُّق بالرب في شخص يسوع .أهتم السامعون بأعمال الله ، امّا يسوع فطلب منهم أن يؤمنوا ويقبلوا ما يُقدّم لهم . طلبوا من يسوع آية (علامة من عند الله) تضاهي معجزة المَن (الذي طلبه موسى لشعب اس*رائ*يل في البرية لانهم جاعوا، كما ورد في سفر الخروج). وقابل الشعب ما عمله يسوع وما عمله موسى، فرأوا أنّ موسى تفوّق على يسوع. اطعم يسوع خمسة آلاف. أمّا موسى فشعبا كاملا. اعطى يسوع خبزا مرة واحدة. امّا موسى فظل يعطي أربعين سنة. ولكن موسى يبقى الخادم في بيت الله، وما هو الذي اعطى المَن ، بل الآب السماوي . لهذا كان يسوع، ابن الله ، أعظم من موسى وهو يدعو شعبه الى الأيمان سواء رأى ام لم يرى.
رفع يسوع نظر اليهود الى خبز اهم من المَن ، الى خبز الله ، ووجّهم أبعد من العطيّة ، وجّههم الى من يعطي هذا الخبز والذي كان موسى صورة عنه . وللأسف اليوم العالم يريد الخبز الفاني ولايطلب خبز الحياة الأبدية. هناك من لا يزال على المستوى المادي ، وحين يحاول يسوع أن يرفعهم الى المستوى الروحي ، يستصعبون كلامه ويتركونه ، كما فعل الشعب اليهودي الذين كانوا يتبعون يسوع لأنه كان يعمل معجزات ومنها تكثير الخبز . ولكن عندما القي القبض عليه وصلبوه، تركوه وانكروه . ولهذا قال يسوع للشعب اليهودي الذي كان يتبعه:
“الحقَّ الحقَّ أقول لكم : أنتم تّطلبوني لا لأنّكم رأيتم الآيات ، بل لانّكم أكلتم الخُبز وشبعتم ، لاتعملوا للقوت الفاني ، بل أعملوا للقوت الباقي للحياة الأبدية”.يوحنا 6 : 26 ،27″
يسوع المسيح هو الخبز النازل من السماء والذي يأكل هذا الخبز يحيا الى الأبد امّا الذين يكتفون بالخبز العادي فهم توقفوا عند هذا الخبز ونسوا يسوع الذي يعطي الطعام الحقيقي وهو ” الحياة الأبدية”.
يقول الرب يسوع المسيح :
” الحق الحق أقول لكم : من يؤمن بي فله حياة أبدية. أنا هو خبز الحياة. آباؤكم أكلوا المن في البرية وماتوا. هذا هو الخبز النازل من السماء، لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت. أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم”يوحنا 6 :47 – 51″
يسوع أيضا واجه تجارب في حياته، هو لن يُتم ّ مهمته بواسطة قوّى فائقة الطبيعة من اجل حاجاته الخاصة ولا بواسطة قوّته “السحرية” ومعجزاته ليبهر الجموع فيرافقونه لحظة (يصفّقون – يتعجّبون) ثم يتركونه في طريق الصليب .ولا بواسطة مساومة مع إبليس تتيح لهما اقتسام العالم . فعندما قاد الروحُ القدس يسوع الى البريّة ليجرّبه إبليس ، أمتُحن يسوع في “البرية” فدلَّ على انه يحيا من كل كلمة تخرج من فم الله . بل دلّ أنّه هو الكلمة. وحيث خان آدم (عندما اكل من شجرة معرفة الخير والشر) ، كان يسوع أمينا ، فصار مخلّص جميع الذين يتقبّلونه . جُرّب فعرف ضعفنا. لايشكّ إبليس ببنوة يسوع الإلهية، بل ينطلق من هذه البنوّة لينتزع الأرتباط بالآب الذي أرسل ابنه الى العالم ليخلص العالم.
“فدنا منه المجرّب(إبليس) – بعد ان جاع يسوع بعد صيامه أربعين يوما – وقال له (ليسوع) :
“إن كنت ابن الله ، فقُل لهذه الحجارة أن تصير خُبزاً . فاجابه (يسوع) : “مكتوب : ” ليس بالخبزِ وحدَهُ يحيا الأنسانُ ، بل بكل كلمةٍ تَخرُج من فم الله” متى 4 : 4″
فكما اعطى الله المنَّ طعاما جسديا لشعبه في البرية (راجع سفر الخروج) لكي يرتبط به ارتباطا روحيّا ، هكذا يرتبط يسوع بأبيه وينتظر منه كلّ شيء. إنّ معرفتنا بالكتاب المقدس وطاعتنا ومحبتنا ليسوع المسيح ابن الله يساعداننا على ان نتبع رغبات الله لا رغبات الشيطان. لقد جُرّب يسوع من الشيطان، ولكنه لم يخطئ ابدا .
يسوع المسيح علّمنا كيف نُصلّي للآب السماوي لكي يعطينا خبز الحياة
حياة المؤمنين لها أولويات ويجب أن يكون في مقدمة أولويات الحياة هي التمتع بمحبة يسوع المسيح الذي هو مصدر المحبة وواهب الحياة :”من يكون له ألأبن فله الحياة ُ، من لا يكون له أبن الله ، فلا تكون له الحياة”1يوحنا 5:12″. وهو الذي يشغل قلوب العطاشى الى حنانه وحبه وعشرته ، وهو الخبز الحقيقي النازل من السماء الذي يعطي العالم الحياة . وهذا ما فعلته مريم ، أخت مرتا ولعازر ، عندما زارها يسوع المسيح في بيتها فجلست تحت أقدام يسوع المسيح وهي تستمتع بكلامه وتنظر الى وجهه المشرق وهي تذكر قول صاحب المزمور الذي يقول: “ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب” مزمور 34 :8″
نقرأ في بشارة لوقا ما قاله يسوع المسيح لمرتا عندما جاءت وقالت ليسوع :”يارب ، أما تُبالي أن تَترُكني أُختي (مريم) أخدُمُ وحدي؟ قُل لها أن تُساعدني !. ” فأجابها الربُّ :”مرتا ، أنتِ تقلقين وتهتمين بأُمور كثيرة ، مع أنّ الحاجة الى شيء واحد. فمريم أختارت النصيب الأفضل ، ولن ينزعهُ أحدٌ منها”لوقا “10:40,41 .
*الهنا اله العائلة
الرب يسوع المسيح علّم تلاميذه الصلاة الربانية وقال : صَلُّوا أَنْتُمْ هَكَذَا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ عَلَى الأَرْضِ. خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ. وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضاً لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ وَالْقُوَّةَ وَالْمَجْدَ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ.”
يسوع المسيح هو الذي علّمنا أن نخاطب الله كأب لنا لأنّه “خلقنا على صورته كمثاله”. ويسوع المسيح هو أخونا الأكبر، ونحن أخوة له. فنحن ننتسب الى عائلة الله، لأننا بالولادة الجديدة أصبحنا أبناء الله. ويسوع يعلّمنا ان نقدس اسم الله فينا بسر المعمودية ونعيش منذُ ألآن في ملكوت الله حيث يقول الرب يسوع:” ملكوت الله في داخلكم”لو 17: 21″. . وعلَّمنا ان نطلب خبزنا كفافنا اليومي رمز الأفخارستية (الشكر) وهو ايضا خبزالحياة . فنحن هياكل الله، لأنَّ الله ساكن في قلوبنا . فهذه الصلاة نموذجا حيّا عن علاقتنا بالله الآب وابنه يسوع المسيح .
يمكن تشبيه(مجازي) علاقة المحبة بين الله والأنسان وعلاقة الأنسان بأخيه الأنسان كعلاقة العائلة الواحدة ، فعندما تكون علاقة المحبة والحنان هي السائدة في العائلة الواحدة، عندما يحب الزوج زوجته ويضحي من أجلها كذلك الزوجة والأثنان يعكسوا هذا الحب لأبنائهم ، عندها يترعرع الأبناء ويرضعون بفيض المحبة والحنان الذي شبّوا عليه، وسوف تنعكس هذه العلاقة مع الناس الآخرين في المستقبل، فسيكون(في الغالب) هؤلاء الأبناء مح*بو-بين ويحبّون الآخرين من الناس ، هذا مايقوله حتّى علم النفس الحديث. بينما العائلة المتفككة من الصعب (في الغالب) على الأولاد الذين شبّوا في كنف هذه العائلة أن يحبّوا وهم أصلا حُرموا من محبة الوالدين لهم، فكيف يستطيعوا أن يحبّوا الله والآخرين أذا كانت صورة العائلة، متمثّلة بالأب والأم، مشوّه ومشوشة في هذه العائلة( التي تمثل علاقة الله بالأنسان). يقول المثل(فاقد الشيء لا يعطيه). الله في العهد القديم يصوّر علاقته بشعبه كالعلاقة الزوجية(راجع سفر النبي هوشع) فعندما يعبد شعب اس*رائ*يل آلهة الوثنيين ويخون الله المرتبط معهم بعهد مقدس ، فيشبّه الله هذا العمل كخيانة الزوجة (رمز للشعب ألأسرائيلي) لزوجها (رمز الله) ، أي الزنى، لأنّ الزواج هو عهد وسر مقدس ، وأحيانا يرمز لهذه العلاقة كالعرّيس والعروسة (راجع سفر نشيد الأنشاد).
انّ المؤمنين( الحقيقيين )الذين بنوا ايمانهم على صخرة المسيح وأختبروا محبة يسوع المسيح وعاشوا متمسكين وراسخين في محبتهم وايمانهم ،عندها لا تستطيع قوات الشر ولا الظروف الصعبة ولا الحروب ولا الضيقات ولا الموت أن يفصلهم عن محبة المسيح ، وهذا ما أختبره بولس الرسول فينقل لنا هذا الأختبار في أروع صورة اذ يقول:
“فمن يفصلنا عن محبة المسيح؟ أتفصلنا الشدّة أم الضيق أم الأضطهاد ُ أم الجوع ُ أم العُري أم الخطر أم السيف؟ فالكتاب يقول: “من أجلكَ نحنُ نعاني الموت طوال النهار، ونُحسب كغنم للذبح ” روميا 8 : 35 ، 36″
إنّ تعزية المؤمنين هو يقينهم أنّ المسيح لن يتركهم ولن يتخلّى عنهم مهما كانت الظروف صعبة ، فلا شيء يمكن أن يمنع حضوره الدائم معهم ، وهكذا نرى المؤمنين وسط كُل هذه الضيقات يعيشون بسلام روحي وهدوء لا يستطيع العدو أن ينتزعهُ منهم أو يسلب ارادتهم ، لأنّهُم يتّكلون على الذي مات من أجلهم ، فمحبّته لا تُقهر فهي أقوى من الموت. فالآلام يجب أن لا تُبعدنا عن محبة الله، بل تُساعدنا على الألتصاق أكثر بيسوع المسيح ، وأن تغمرنا محبّته وتُشفينا .
يسوع المسيح هو الشخص الوحيد به نستطيع أن نحصل على التمتع بمحبة الله وملكوته ، ويجب أن تكون محبّتنا ثابة مهما كانت الظروف وعلينا أن نراجع أنفسنا ونرجع الى مصدر المحبة ليغمرنا بمحبّته الغير المشروطة كما فعل الأبن الظال عندما ضاقت به الحياة وهو بعيدا عن أبيه، فقال في نفسه “أقوم وارجع الى أبي “لوقا 15 :18”. وكان الأب ينتظر رجوع ابنه وعندما رأهُ قادما من بعيد أشفق عليه وعانقه وقبّله “لوقا 15 :20”.
ثالثا: مَحبّة الإنسان لأخيهِ الإنسان
يقول القديس اوغسطين : أحبب وأفعل ما تشاء . فمن يُحِبُّ القريب لا يعمل له شرّاً”
جاء في كتاب “السرّ” للكاتبة “روندا بايرين” عن “تشارلس هانيل” قوله عن المحبّة مايلي:
“ما من قوّة أعظم شأنا في الكون كُلُّهُ من قوّة الحبّ. إنَّ الشعور بالحُبّ هو أعلى تردّد يمكنك ان تبثُّهُ، إذا أمكنك أن تغلق كُلِّ فكرة من أفكارك بالحبّ، إذا أمكنك أن تحبُّ كُلِّ شيء وكُلِّ شخص، فسوف تتحوَّل حياتك بشكل جذري “.
في حقيقة الأمر، أشار بعض من عظماء مفكّري الماضي الى قانون الجذب على أنّه قانون الحُب. وإذا أمعنتَ في الأمر، ستفهم السبب، فإذا خطرت لك أفكار غير طيبة حول شخص آخر، فسوف تتجسّد فيك أفكار غير طيبة. لايمكنك أن تؤذي شخصا آخر بأفكارك، بل إنّك فقط ستؤذي نفسك (وهو نفس قول المسيح لاتبادلوا الشر بالشر، بل احبوا اعدائكم).
إذا سيطرت عليكَ أفكار الحُبّ، فخمّن من سيتلقى المنافع، إنَّهُ أنت. وهكذا فإذا كانت الحالة المُهيمِنة عليك هي الحُب، فإنَّ قانون الجذب أو قانون الحُبّ يستجيب بأقصى وأعظم قوّة لأنَّك تقف على أعلى تردُّد ممكن. وكُلَّما زاد مقدار ما تشعر به وما تَبثُّهُ من حُبّ، زادَ مقدارُ ما تَمتَلِكُهُ من قوّة وطاقة.
ويضيف “تشارلز هانيل” فيقول:
“إنّ قانون الجذب هو المبدأ الذي يُعطي الفكرة قوّتها الديناميكية لكي تتناسب مع موضوعها، وبالتالي تتغلَّب على كُلّ تجربة إنسانية عصيبة، وهذا القانون هو مسمّى آخر للحُبّ . هذا مبدأ أساسي وأزلي متضمّن في كُلِّ الكائنات والأشياء
وفي كُلِّ نظام فلسفي، وكُلِّ دين وكُلِّ علم. ليس هناك مهرب من قانون الحُبّ. إنّ المشاعر هي الرغبة، والرغبة هي الحُب، والفكر المُشبع بالحُبّ لايُقهر أبدا “(إنتهى ألأقتباس ).
المجتمع المسيحي رسالته هي جذب الناس للمسيح بالمحبة التي يراها الناس فيهم فتنتقل الى الآخرين،فكما هناك قوة جاذبية بين الأجسام في الكون هكذا تكون الجاذبية بين الناس بالمحبة المستقات من يسوع المسيح الذي هو مصدر هذه المحبة . فالمسيحية تنفرد عن بقية الديانات بهذه المحبة،فهي مفتاح الحياة المسيحية بل مفتاح ملكوت السماء.
المحبّة هي في قلب الأنجيل وموجز مشروع الله في العالم . والمحبّة هي علامة مجيء الملكوت ، وهي قيمة هذا الملكوت على مثال يسوع المسيح .
أعظم شيء يحتاجه الأنسان على الأطلاق في حياته هو أن يُبدي الناس له محبتِهم ,وأتعس شيء للأنسان أن يعيش محروما من محبّة الآخرين له فهو سيعيش في تعاسة.
حتى علم النفس يؤكّد أقوال الكتاب المقدس عن هذه الحقيقة ,فالطفل المحروم من المحبة والحنان قد يتحول الى وحش كاسر في حياته بسبب حرمانه من حنان ومحبة الوالدين أو المحيطين به ,والأنسان في داخله طفلٌ يحتاج الى دُفئ المحبة ,لأنّ المحبة تُعطينا الفرح والسلام, فكلُّ البشرية تبحث عن المحبة لأنّها أجمل وأرقى علاقة بين البشرية وهي سرُّ(الحياة) لا يعرفه الاّ الذين يختبرون هذه المحبة .
وصية المحبّة بكل متطلباتها، حتى بذل الذات في سبيل من تُحبّ . لا حدود لها على مستوى القرابة والوطن والدين. هي شاملة، بل هي تُحبُّ حتى الأعداء . ومثالها محبة المسيح لنا، لا محبّة البشر بعضهم لبعض والتي هي تبادل بشريّ به أعطيك فتعطيني !. هذه العلامة التي تدل على التلميذ، وبدونها لا يدّعي أحد أنّه تلميذ يسوع
يقول الرب يسوع المسيح :” وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. بِهذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ” يو 13: 34-35“.
بولس الرسول يردد كلمة “أشعر” عشرات المرات فيدل على الاستعداد والأهمام كما يدلُّ على موقف محبّ. ويعبّر الرسول عن حبه من كُلِّ قلبه لإخوته، حيث القلب هو الشخصية ومركز العواطف والميول والإرادة والفكر وكل مبادرة. كُلّ هذا الحب لشركائه في النعمة لا في المهمة الرسولية وحسب، بل في السجن والاضطهاد اللذين لا يبدّلان شيئا في عواطفهم. حنان المسيح، حرفيا، أحشاء المسيح. فبولس الرسول تحدّث عن القلب، والحنان ثم عن الحبّ الذي عبر عنه عندما يقول “أيُّها الأحبّاء “فيلبي 2 :12” وهو الحبّ الي يتوجّه الى الجميع دون استثناء.
في رسالة بولس الرسول الى الأخوة القديسين في فيلبي يقول : “كَمَا أَنَّ مِنَ الْحَقِّ أَنْ يَكُونَ لِي هَذَا الشُّعُورُ تِجَاهَكُمْ جَمِيعاً، لأَنِّي أَحْتَفِظُ بِكُمْ فِي قَلْبِي، لِكَوْنِكُمْ جَمِيعاً شُرَكَاءَ لِي فِي النِّعْمَةِ…. فَإِنَّ اللهَ شَاهِدٌ لِي كَيْفَ أَحِنُّ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً بِعَوَاطِفِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ. وَصَلاتِي لأَجْلِكُمْ هِيَ هَذِهِ: أَنْ تَزْدَادَ مَحَبَّتُكُمْ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ فِي تَمَامِ الْمَعْرِفَةِ وَالإِدْرَاكِ” فيلبي 1 : 7-9″
المحبّة الحقيقية تتطلّب النمو والنضوج في المعرفة التي هي بحسب الكتاب المقدس بعيدة عن امتلاك أمور نجعلها في الذاكرة. فالمعرفة والحكمة هما امر عملي: حياة مع الله والآخرين، حيث المعرفة والكلمة والفهم تنتج عن حياة تليق بالله (راجع كولوسي 1 :9) . والمحبّة هي الطريق من اجل نموّ المعرفة والفهم. أي التمييز والحسّ الروحي. فالمحبّة لدى المسيحي هي أكثر من عاطفة. إنّها تتجذّر في المعرفة والفهم. كان الرسول بولس يتعرّض لبدعة في الكنيسة في كولوسي كانت الطليعة للغنوسية . كان الغنوسيون يُقدّرون كثرة المعرفة، ولكن الرسول بولس اثبت أنّ المعرفة في ذاتها فارغة ، ولكي يصبح لها قيمة ، يجب أن تؤدي الى تغيير في الحياة ، والعيشة باستقامة
يمكن أن يكون للمسيحيين تأثير يمتد الى خارج دائرتهم ومجتمعاتهم بسبب محبّتهم بعضهم لبعض. والمحبّة المسيحية للآخرين تنبع من الروح القدس (غلاطية 5 :22). والكتاب المقدّس يتكلّم عن المحبّة كفعل وموقف وليس مجرد عاطفة، فهي ثمر لحياتنا الجديدة في المسيح يسوع . فليس ثمَّة عذر للمسيحيين في عدم محبّتهم للآخرين، لأنّ المحبّة المسيحية ليست مجرد شعور، بل عزم على العمل لخير الآخرين.
وفي رسالة القدّيس بولس إلى أهل روميا يقول:” لا يَكُنْ عَلَيْكُم لأَحَدٍ دَيْنٌ إِلاَّ حُبُّ بَعْضِكُم لِبَعْض. فَمَنْ أَحَبَّ غَيْرَهُ أَتَمَّ الشَّرِيعَة؛ لأَنَّ الوَصَايَا: «لا تَزْنِ! لا تَقْتُلْ! لا تَسْرِقْ! لا تَشْتَهِ!»، وأَيَّ وَصِيَّةٍ أُخْرَى، تَخْتَصِرُهَا هذِهِ الكَلِمَة: «أَحْبِبْ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ!» (رومة 13 : 8-9). كُلّ هذه الوصايا تتلخَّص في وصية واحدة هي ” أحب قريبُك َ مثلما تحبُّ نفسكَ “متى 22: 39″. فمن أحبّ قريبهُ لايسيءُ الى أحد، فالمحبّة تمامُ العمل بالشريعة.
الرسول بولس يدعو المسيحيين لكي يعيشوا حسب قيم هذا الملكوت على مثال يسوع. هناك دين واحد هي المحبّة التي نمارسها، بين الأخوة وأبعد من الأخوة. هناك واجبات عديدة نقوم بها في المجتمع. وهناك واجب المحبّة.
المحبة لا يمكن أن تسمّى محبة الّا بوجود الآخر لأنّ المحبة هي انبثاق مشاعر جيّاشة من شخص يُعطي واخر يستقبل هذا العطاء. كيف أعرف من أنا أذا لم أعرف من أنت؟ فأنا بدونك لا أعرف نفسي. فمن خلال الآخر (أنت) أعرف حقيقة كياني وهويّتي وجنسي ,لأنَّك نضيري ومثالي .
المحبّة وفاء وعملية تجرّد من الذات من أجل الآخر ,وقمة السعادة الحقيقية هي في العطاء وليس في ما أحصل عليه ,وللأسف الكثيرون يستغلّوا المحبة لحالة النفع فتصبح سلبية ,وعلاقة المحبة ناجحة عندما أطبّق القاعدة الذهبية الورادة في الكتاب المقدس حيث يقول الرب يسوع المسيح في انجيل لوقا (وَكَمَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ هكَذَا. “لوقا 6 : 31 “.هذه هي القاعدة الذهبية وهي ملخّص الشريعة والأنبياء التي تستند الى المحبّة.
“لأنّ الله سكب محبّته في قلوبنا بالروح القدس الذي وهبه لنا”روميا 5:5” هكذا يجب على المسيحي أن تنبثق منه المحبة التي هي رائحة المسيح الطيبة المرتفعة الى الله ,فلا يخطئ الآخرون ملاحظتها “2كورنثوس2: 15”
رسالة المسيحي هي أنّه طالما أستقى محبته” من ينبوع الحياة ” يسوع المسيح معطي الحياة فلا بد لهذا المسيحي أن يسقي الآخرين بهذا الماء الحي “المحبة” الفائضة منه .لأن الكتاب يقول” مجانا أخذتم مجانا تعطوا”متى 10 :8″.
عندما يمتلأ المؤمن من محبة الله , فلا بد أن يفيض على الآخرين,انها محبة التضحية ومحبة فيها نشارك الآخرين أفراحهم وأتراحهم وأن نصل الى قلوبهم ونمسح دموعهم ونساعدهم في أجتياز كلّ مشاكلهم . يخبرنا البشير لوقا كاتب سفر أعمال الرسل كيف كان المؤمنين يشاركون الخبز مع بعضهم البعض وكيف كانوا يداومون في الصلاة في الهيكل بقلب واحد “أعمال 2 : 46 ، 47”.
المحبّة هي العطش الى الآخر والإحتياج الى الآخر وبذل الذات من أجل الآخر ,فقمة المحبة هي العطاء والبذل ، والمسيح أحبنا حتى النهاية وهو على الصليب صاح “أنا عطشان”يوحنا19 :28” إنّه عطش “المحبة” وهي تنبع من الداخل الى الخارج ,فهي تتدفق كما يتدفق الماء من الينبوع الصافي ,وهكذا كان الماء والدم الذي تدفق من قلب المسيح وهو على الصليب رمزا لهذه المحبة النابعة من قلب الله لنا نحن العاجزين عن ادراك هذه المحبة الغير المشروطة والمضحية. المحبة هي أن تبيّن للآخرين مدى أهتمامك العميق بهم. المحبة تأدي الى الصدق والأمان. المحبة تأسر القلوب. المحبة تستر الأخطاء.
مواهب الروح المتنوّعة مفيدة للكنيسة كلها . ولكن لا قيمة لهذه المواهب إن لم تنعشها المحبّة التي هي حياة الله من الداخل (ايوحنا 4 :8) . فالمحبة في قلب الأنجيل ” مرقس 12 : 28 – 34 ” وموجز مشروع الله في العالم “روميا 13 : 8-10”
يقول بولس الرسول في رسالته الثانية الى كورنثوس:
,” لو تكلّمتُ بلغات الناس والملائكة ، ولا محبّة عندي ، فما أنا إلّا نحاسٌ يطنُّ أو صنج يرنُّ…. المحبة تصبر وترفُق ,المحبة لا تعرف الحسد ولا التفاخر ولا الكبرياء. المحبة لا تسيء التصرف،ولا تطلب منفعتها, ولا تحتدُّ ولا تظنُّ السوء. المحبة لا تفرح بالظلم بل تفرح بالحق., المحبة تصفحُ عن كُلّ شيئ ,وترجوا كُلِّ شيء ,وتصبرُ على كل شيء ,المحبة لا تزول أبدا “. هذا النشيد الذي يسمى “نشيد المحبّة ”
نعم المحبة الحقيقية ليس فيها انانية وهي على النقيض من الشهوة ,لأن المحبة التي هي من الله تتجه الى الخارج الى الآخرين وليس الى الداخل ,الى أنفسنا ,وكُلما أقتربنا من المسيح نُظهر محبتنا للآخرين, فأنا لا أستطيع أن أقول لأنسان أن يكون منعزلا عن الناس والعالم كليّا أنه يُحبُّ ,لأنَّ المحبّة هي فعل متجسّد (كما جسّد يسوع المسيح محبة الله للعالم على خشبة الصليب). المحبة تعني العمل،عمل شيء من أجل من نحبهم ، (كما كان يسوع المسيح يطبق أقواله بأعمال الخير) ,وذلك ببذل الجهد والمال والأهتمام .المحبة تقاس بكيفية التعامل مع الآخرين بالخدمة الخالية من الأنانية . شبَّه الرب يسوع المسيح هذه المحبة بمحبة الطفل الصغير الذي لا يستطيع أن يردّ الجميل “متى 10:42”. من الصعب أن يحب الأنسان لو فكّر في ذاته فقط.
بولس الرسول في رسالته الثانية الى مؤمني كورنثوس فرّق بين المحبة والشهوات. فشهوات هذا العالم أعمت عيون الأمم(أي غير المؤمنين بالمسيح) فلا يستطيعوا أن يميزوا بين الخير والشر بين المحبة والشهوة, فهناك المحبة الحقيقية ، وهناك الشهوة التي هي الأمتلاك . ألاولى سماوية والثانية هي من الشرير.
يركز البشير يوحنا على المحبة كطريق للحياة الحقيقية،فيقول عن الذين لا يسلكون في المحبة”…..ولكن من يكره أخاه فهو في الظلام ,وفي الظلام يسلك ولا يعرف طريقه ,لأنّ الظلام أعمى عينيه”1يوحنا 2 :11″.
يسوع المسيح جاء ليضع لنا شريعة المحبة الحقيقية وهي أن نحبُّ حتى أعدائنا ، وهو يقول لتلاميذه :”سمعتم أنّه قيل :أحِبَّ قريبُك وأبغض عدوّكَ. أما أنا أقول لكم: أحبّوا أعدائكم “متى 5 : 13″ . المحبة تتجلّى عندما نغفر حتى لأعدائنا “لا تنتقموا لأنفسكم،أيُّها الأحباء, بل دعوا هذا لغضب الله .فالكتاب يقول :ليَ الأنتقام ,يقول الرب ,وأنا الذي يجازي ولكن :اذا جاع عدوُّك فأطعمه ,وأذا عطش فأسقه “روميا20 : 19،20”
الغفران قد يكسر حلقة الانتقام ويؤدي الى المصالحة المتبادلة .وقد يخجل العدو فيغيّر من أساليبه, فمقابلة الشر بالشر سيسبب لنا من الضرر مثل ما يسببه للعدو, ولكن الصفح عنه سيحررنا من عبء ثقيل من المرارة. المحبة تجمع كلِّ الأديان وتربطنا باله “المحبة “حيث الأيمان أحيانا “يُفرّق” ولكن لا يستطيع أن يحب الأنسان اذا كان خاضعا للعبودية(عبودية الخطيئة) ,فقط بالحرية (بعد معرفة الحق) يتحرر الأنسان ليستطيع أن يحب ويتحرر من كُلِّ المعتقدات التي تفصل الأنسان عن أخيه الأنسان .
من هو قريبي ؟
عندما سأل مُعلِّم الشريعة اليهودي يسوع المسيح من هو قريبي؟ فأجابهُ يسوع وقال:
” «إِنْسَانٌ كَانَ نَازِلًا مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَرِيحَا، فَوَقَعَ بَيْنَ لُصُوصٍ، فَعَرَّوْهُ وَجَرَّحُوهُ، وَمَضَوْا وَتَرَكُوهُ بَيْنَ حَيٍّ وَمَيْتٍ. فَعَرَضَ أَنَّ كَاهِنًا نَزَلَ فِي تِلْكَ الطَّرِيقِ، فَرَآهُ وَجَازَ مُقَابِلَهُ. وَكَذلِكَ لاَوِيٌّ أَيْضًا، إِذْ صَارَ عِنْدَ الْمَكَانِ جَاءَ وَنَظَرَ وَجَازَ مُقَابِلَهُ. وَلكِنَّ سَامِرِيًّا مُسَافِرًا جَاءَ إِلَيْهِ، وَلَمَّا رَآهُ تَحَنَّنَ، فَتَقَدَّمَ وَضَمَدَ جِرَاحَاتِهِ، وَصَبَّ عَلَيْهَا زَيْتًا وَخَمْرًا، وَأَرْكَبَهُ عَلَى دَابَّتِهِ، وَأَتَى بِهِ إِلَى فُنْدُق وَاعْتَنَى بِهِ. وَفِي الْغَدِ لَمَّا مَضَى أَخْرَجَ دِينَارَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا لِصَاحِبِ الْفُنْدُقِ، وَقَالَ لَهُ: اعْتَنِ بِهِ، وَمَهْمَا أَنْفَقْتَ أَكْثَرَ فَعِنْدَ رُجُوعِي أُوفِيكَ. فَأَيَّ هؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ تَرَى صَارَ قَرِيبًا لِلَّذِي وَقَعَ بَيْنَ اللُّصُوصِ؟» فَقَالَ(عالم الشريعة): «الَّذِي صَنَعَ مَعَهُ الرَّحْمَةَ». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ أَنْتَ أَيْضًا وَاصْنَعْ هكَذَا».” لو 10: 30-37″
القريب هو الذي يقترب من الآخرين بمحبّته ويعاملهم بالرحمة ولو كانوا من الأعداء. وهكذا يصبح السؤال: كيف يُمكِن أن تكون قريبا من كُلِّ إنسان؟ بهذه الطريقة تكون المحبّة بلا حدود ، ولا تكون شكليّة ، بل عمليّة (إذهب وأعمل ).
القريب (بالمفهوم المسيحي) هو أي انسان محتاج الى المساعدة,من أي جنس كان,ومن أي عقيدة ومن أي لون ,ومن أي خلفية أجتماعية,فالله أحب كُلِّ العالم : “اذا كان العالم لا يعرفُنا ,فلأنّه لا يعرف الله…..ولا يكون من الله من لا يُحبُّ أخاهُ”1يوحنا 3 :1، 10”
مثل السامري الصالح في انجيل لوقا يأكد فيه الرب يسوع أنّ المحبة لا تقف عند حدود الوطن والدين بل تتجاوز العقائد والفواصل الطبقية والحواجز التي يضعها البشر.
يسوع المسيح في مثل السامري الصالح يعطينا أربعة نماذج من الناس في تعاملهم مع القريب (أي الأنسان)
1- علماء الشريعة يتعاملون مع المواضيع المطروحة عن البائسين والمشردين والفقراء والمجروحين….الخ ,كموضوع للجدال والمناقشات فقط كما فعل عالم الشريعة اليهودية مع المسيح ليحرجه “لوقا 10 : 25”
,2- ويتعامل اللصوص (سارقي أموال الناس وتجار الحروب….الخ) مع هؤلاء الناس كموضوع للنهب والسرقة, كما تعامل اللصوص مع الرجل السامري في مثل قصة السامري الصالح.
3- أما الكاهن في مثل السامري الصالح يمثّل لنا الكثيرين من رجال الدين الذين يتجنّبون مواجهة المشاكل للآخرين لأنها مشاكل لا تتعلق بهم فهؤلاء يعتبرون مركزهم الديني مجرّد لغرض الإرشاد وتعليم الناس شريعة الله ولكنهم في الحقيقة قلوبهم بعيدة عن محبة الله وأخوتهم في الإنسانية ,الذين يعانون شتّى أنواع الآلام والظلم والفقر والجوع والمرض, بل هم بعيدين عن وصية الله الأولى التي تقول: “أحب الرب الهك من كلّ قلبك,وبكلّ نفسك,وبكل قوتك,وبكل فكرك,وأحب قريبك مثلما تُحبُّ نفسك”لوقا10 : 27” .
انّ الرب يسوع المسيح يقول لهؤلاء المتديّنين واللصوص والذين يحسبون أنفسهم علماء الشريعة :”أبتعدوا عنّي ,يا ملاعين ,الى النار الأبدية المهيّأة لأبليس وأعوانه : “لأنّي جعتُ فما أطعمتموني ,وعطشتُ فما أسقيتموني ,وكنتُ غريبا فما اويتموني ,وعُريانا فما كسوتموني ,ومريضا وسجينا فما زرتموني ” متى25: 41، 42 ، 43″
نعم أنّ مانفعله للآخرين يبين حقيقة محبتنا ,ويسوع المسيح يريد أثمار ايماننا وخاصة مع أخوتنا المجروحين جسديا ونفسيا وروحيا
4-أما السامري الصالح الذي(كان بحسب المفهوم اليهودي وثنيا), تعامل مع المجروح ,كانسان يستحق الحب والرحمة ,فهو يمثل كلِّ انسان صالح يساعد المحتاجين ويعمل على تخفيف معاناتهم معنويا وماديا ,قد تكون بكلمة طيبة أو محبة صادرة عن القلب التي تكفي لضماد جروح الآخرين ,أو القيام بأعمال الرحمة ومساعدة المحتاجين حوله
يقول يوحنا البشير هذا الشاهد الذي عاش المحبة ورأى الحق :”…فالوصية التي سمعتموها من البدءِ هي أن يُحبَّ بعضنا بعضا , لا أن نكونَ مثل قايين الذي كان من الشرّير فق*ت*ل أخاهُ هابيل….نحنُ نعرف أننا انتقلنا من الموت الى الحياة لأنّنا نُحبُ أخوتنا. من لايحبُّ بقي في الموت”1يوحنا 3:12,14″
ادم لم يستطع أن يعيش سعيدا وهو في الفردوس بالرغم من كُلّ المميزات التي أنفرد بها عن بقية المخلوقات حيث أعطاه الله السلطة ليكون سيد الكائنات والخليقة,الا أنه كان مهموما هائما ,فقال الله “ليس مستحسنا أن يبقى ادم وحيدا ,سأصنع له معينا نظيره”تكوين 2 : 18” هكذا خلق الله من ضلع ادم حواء نظيرة له ليبادلها المحبة .
يسوع المسيح جاء لخلاص العالم, وتحرير الأنسان من العبودية للخطيئة, فهو ليس لفئة معينة من البشر بل للعالم كله ، وهو القائل :”أذهبوا الى العالم كُله وأعلنوا البشارة (الأنجيل ) الى جميع الناس” مرقس 16: 15″.انها لمأسات بشرية حقيقية أن يُفكِّر(لمجرد التفكير) الأنسان بكراهية أخيه الأنسان .
المراجع
- التفسير التطبيقي للكتاب المقدس
- الكتاب المقدس قراءة رعائيّة