مقالات دينية

العنصرة … عيد ميلاد عروس المسيح ( بنطيقوسطي )

الكاتب: وردا اسحاق

 

 

العنصرة … عيد ميلاد عروس المسيح ( بنطيقوسطي )

بقلم / وردا أسحاق عيسى

وندزر- كندا

 

بعد قيامة الرب يسوع من بين الأموات ، كان يلتقي مع التلاميذ لمدة أربعين يوماً وبعدها صعد الى أعلى السموات ليجلس على يمين القدرة وكما قال لرئيس كهنة اليهود ، وبسبب هذا القول شق رئيس الكهنة ثيابه ” مر 14: 12 ” .

صعد يسوع الى السماء وأرسل وعده الى الكنيسة وهو الفارقليط . صعد الى العلاء فسبي سبياً وأعطى الناس عطايا . وأما أنه صعد فما هو إلا أنه نزل أيضاً ، أولاً إلى أقسام الأرض السفلى ، الذي نزل هو الذي صعد أيضاً فوق جميع السموات لكي يملأ الكل ” أف 4:8-10″ وهذه الآية تتعاطف مع المزمور ( صعدت الى العلاء سبيت سبياً ، قبلت عطايا بين الناس ) ” مز 18:68″ .

صعود المسيح الى السموات هو أنتصار عظيم على أعدائه الذين سيجثون له وسيضعهم تحت موطىء قدميه . وبصعوده الى السماء أعطى الناس عطايا ” أف 8:4″ وخاصةً أرساله المعزي الى الكنيسة يوم الخمسين وحسب وعده في الآية ( وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب بأسمي فهو يعلمكم كل شىء ويذكركم بكل ما قلته لكم ) ” يو 36:14″ . أما المؤمنين بعد فترة العنصرة فيحل عليهم الروح القدس بمسحة الميرون المقدسة . لهذا نقارن كلام يسوع في تلك الآية مع كلام الرسول يوحنا للمؤمنين في الآية ( وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم ولا حاجة بكم أن يعلمكم أحد بل تعلمكم هذه المسحة عنها كل شىء ) ” 1يو 2: 20 ،27 ” . سمي عيد العنصرة بعيد الخمسين ، ويصادف في يوم المئة من بدء الصوم الكبير . يتوسط بينهما يوم قيامة المسيح من بين الأموات . تحتفل الكنيسة المقدسة بهذا العيد لأنها أستلمت الروح القدس ليبقى معها دائماً ويعمل فيها . وفي هذا اليوم ولدت الكنيسة المقدسة عروس المسيح . يصادف هذا العيد مع عيد اليهود الذي يسمونه بعيد الخمسين أو عيد الحصاد . والحصاد يرمز الى عمل الروح القدس في حصد ثمار روحية للنفوس العائشة في الظلمة . ففي أول يوم الحصاد الذي هو يوم حلول الروح القدس على المؤمنين حصد الرسول بطرس بعظةٍ واحدة ثلاثة آلاف نفس ” أع 41:2″ . كان اليهود يحتفلون به كعيد أستلام شريعة الله من قبل موسى النبي من الله على الجبل والتي كانت تحتوي على الوصايا المكتوبة على لوحي الحجر ، أما أبناء العهد الجديد فيحتفلون بهذا اليوم كعيد حلول الروح القدس الذي كتب وصايا الله على قلوب لحمية للمؤمنين بالمسيح ، ومن تلك القلوب تنشر الكلمة الى الآخرين كما فعل بطرس في اليوم الأول . المسيح لن يكتب لنا الأنجيل على الحجر أو الورق ، بل سجله في قلوب المؤمنين .

 

قام المسيح في اليوم الأحد ، وهبط الروح القدس على شكل ألسنة على المؤمنين في يوم الأحد أيضاً لكي يحل يوم الأحد محل السبت فيصبح الأحد هو اليوم الذي صنعه الرب . صاحب نزول الروح القدس عدة مظاهر غريبة منها ، سماع صوت غريب كأنه دوي ريح عاصفة وبشكل ملفت سمعوه الناس في كل أنحاء أورشليم التي كانت مزدحمة باليهود الأتقياء القادمين من الأمم فتوافدت الى الأخوة المجتمعين لكي يعرفوا مصدر الريح ، وكما قال الرب لنيقوديموس ( الريح تهب حيث تشاء وتسمع صفيرها ، ولكنك لا تعلم من أين تأتي ولا ألى أين تذهب ، هكذا كل من ولد من الروح ) ” يو 8:3″ حل الروح على المؤمنين على شكل ألسنة نارية وأعطى لهم مواهب كثيرة للخدمة والكرازة والنبوة ولصنع المعجزات والحكمة ومواهب الشفاء والتكلم باللغات وتمييّز الأرواح وأخراج الشياطين . ” 1قو 12: 8-10″ وهكذا تم أعطاء الوظائف ليكون البعض رسلاً وبعض أنبياء يتنبؤون ، والبعض مبشرين في أنحاء العالم ، والبعض رعاة ومعلمين والكل يعملون لخدمة بنيان الكنيسة التي هي جسد المسيح ” أف 4: 11-12″ وأعطى الروح لهم قوة وسلام . السلام الذي وعد به المسيح بقوله ( سلامي أعطيكم ) ” يو 27:14″ . كذلك صار الروح القدس شفيعاً في المؤمنين ” عب 25:7″ وأعطاهم المجد للثبوت في المسيح , يعطى للمؤمن في سر التثبيت ( الميرون ) أو المسحة المقدسة . عن طريقه يثبت المؤمن وينال نعمة الروح القدس ، فيأخذ قوة ثلاثية للنمو في الأيمان المسيحي ويوهب استنارة عقلية تقوي إرادته في عبادة الرب ومخافته ليدخل الى مرحلة الجهاد الروحي ، لأن في سر المعمودية نولد ولادة ثانية من الفوق ( يو 5:3) وفي سر الميرون نأخذ قوة روحية لكي نثبت وننمو روحياً فتجري من قلوب المؤمنين أنهار ماء حي ( يو 7: 37-39 ). كلمة ميرون يونانية تعني ( طيب ) وعناها رائحة عطرة . سر الميرون منفصل عن سر المعمودية والسّران لا يجوز تكرارها أبداً . يعطى سر الميرون بعد المعمودية ( طالع 1 قو 11:6 و عب 2:6) .

الروح القدس الذي هبط من السماء في يوم العنصرة على الكنيسة هو روح الله المحي وروح الحياة ، وروح القوة والحقوالمشورة والحكمة والفهم ( أش 2:11) فالذي ينال السرين يولد ميلاداً جديداً روحياُ سماوياً . وكما كانت الأرض خربة وخالية وظلمة وروح الله يرف على وجه المياه ، وبعدها قال الهه ليكن نور فكان نور ( تك 2:1 ) هكذا أيضاً كانت النفس البشرية بعد السقوط خربة وخالية من النعمة والحق ، ثم أعاد الله خلقتها بالماء والروح فصارت تستريح مع المسيح ( نش 5 ويو3:3 ).

حلول الروح القدس على شكل ألسنة نارية يرمز الى ظهور الله على شكل نار في العليقة ( حز 2:3 ) وفي النار على جبل سيناء ( حز 18:19 ) . يمثل النار والريح أشارات لظهور الله لنبي حزقيال ” حز 4:1″ وكانت الروح الألهية تأكل الذبيحة المقبولة في العهد القديم . لكن النار التي حلت على التلاميذ لم تحرقهم في علية صهيون لسبب واحد وهو لأن المسيح حمل خطاياهم على الصليب . فالنار التي حلت عليهم كانت رمز الكلام والحجة اللذان استخدماها الرسل في التبشير فعرفوا الحق وبشروا به كما قال لهم الرب ( متى جاء روح الحق فهو يرشدكم الى جميع الحق ) ” يو 13:16″ . أنقسام النار التي حلت على التلاميذ على شكل ألسنة فلكي توزع عليهم المواهب حسب قياس كل منهم . وهذه النار تنبأ عنها يوحنا المعمدان قائلاً ( هو سيعمدكم بالروح القدس والنار ) ” مت 11:3 ” . وبهذا ولدت الكنيسة ومن ذلك اليوم بدأت تنطق . أما نحن فقد ولدنا بالماء والروح القدس بالمعمودية ” يو 5:3″ .

أما موهبة التحدث بالألسنة فلم يكن الهدف منها جذب أنظار الناس وأنتباه اليهود القادمين الى التلاميذ بل لغرض أستخدامها في للكرازة في أورشليم والأمم . في بابل تفرقت الألسنة بسبب الخطيئة ( تك 11:1-9 ) ، وفي أورشليم استخدم الرب الروح القدس لتجميع وتوحيد الألسنة والأمم ، والغاية منها لأعلان الخلاص للجميع الناس من كل أمة وقبيلة ولسان لتجتمع مع الرب في الفردوس ( رؤ 5) .

وختاماً نقول بأن الروح القدس الذي حل على المؤمنين ثبّتَ أيمانهم وغيّرَ طبيعتهم الضعيفة وأعطاهم قوة جديدة لم يفهمها أحد وأعطتهم الغيرة للخدمة في أورشليم واليهودية والسامرة وفي العالم أجمع وحررهم من الأنسان العتيق وألبسهم الأنسان الجديد ( المسيح ) الذي يتجدد حسب صورة خالقه ، فيصبح حقل الله وبنيانه ( 1قو 3: 9-10 ) .

وهكذا الروح القدس يعمل في كل أسرار الكنيسة المقدسة وفي حياة المؤمن عندما يحل عليه في سر الميرون المقدس لكي يعطي النعم والفضائل اللازمة في حياته المسيحية الجديدة . لهذا نطلب من الله ونقول : روحك القدوس الذي أرسلته على تلاميذك في يوم العنصرة لا تنزعه منا  ، لكن جدده في أحشائنا لأنه يختمنا بختم ملوكي في أعماق أنفسنا فنحمل صورة أبنك الإله فينا ، فتصير النفس والجسد بكل أمكانياتها وتصرفاتها ملكاً للرب ، فإننا نحمل الختم الألهي الذي يعلن أن كل ما فينا هو منه وله ، وهذا ما حدثنا به الرسول بولس قائلاً ( والذي يثبتنا معكم في المسيح وقد مسحنا . هو الله الذي ختمنا ومنحنا عربون الروح في قلوبنا ) ” 2 قو 22:21 ” . إذا علينا أن نسلك بالروح ( أف 18:5 ) ونطلب حلول الروح وملئه لتجديد حياتنا ولكي يهبنا مواهبه الكثيرة ترفعنا الى القداسة والكمال الروحي .

ليتبارك أسم الرب الذي أرسل روحه القدوس الى كنيسته المقدسة .

يمكنك مشاهدة المقال على منتدى مانكيش من هنا

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!