آراء متنوعة

السعودية وتركيا: صراع على النفوذ أم تبادل أدوار

السعودية وتركيا: صراع على النفوذ أم تبادل أدوار

الانفتاح السعودي – التركي على المزيد من الاستثمارات والذهاب نحو تحقيق استقرار يؤكد أن بينهما تنسيقا خفيا.

تنافس إيجابي
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الثلاثاء العشرين من فبراير الجاري خلال مؤتمر صحفي مع الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي، في العاصمة التركية أنقرة، إن “بلاده ستكون مثالية لاستضافة اللقاءات والمحادثات الأميركية – الروسية – الأوكرانية التي ستعقد في الفترة المقبلة.”

وكانت أنقرة احتضنت في مارس 2022 في إسطنبول مفاوضات بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا انتهت بالتوصل إلى اتفاقات لحل النزاع.

تصريحات أردوغان أتت بالتوازي مع المشهدية التي حصلت في الرياض، والتي ترجمت بلقاء بين مسؤولين أميركيين وروس، لإجراء محادثات بين الجانبين بشأن إنهاء حرب موسكو في أوكرانيا. وفي هذا السياق، قالت الخارجية السعودية إنه بتوجيه من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تستضيف مدينة الرياض محادثات بين روسيا والولايات المتحدة، وذلك في إطار مساعي المملكة لتعزيز الأمن والسلام في العالم.

بين مساعي الرياض لتعزيز الأمن والسلام في المنطقة والعالم، وبين تصريحات أردوغان ودعوته لاستقبال الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب من أجل إنهاء الصراع في شرق أوكرانيا، هل نستطيع الحديث عن وجود تنافس صاعد بين أنقرة والرياض على تكريس الحضور في الشرق الأوسط؟

من المبكر إصدار أحكام إن كان الأمر مجرد محض صدفة؛ ذلك التزامن بين تصريح أردوغان واللقاء مع ولي العهد السعودي، أو إنه أتى ضمن التنسيق القائم بين البلدين. لكن ما نستطيع تأكيده، هو تخطي المبادر التركي والسعودي الهدف المطلوب، من أجل التوصل إلى وضع حدّ للأزمة القائمة في أوكرانيا، إلى بروز دور أوسع يأخذ شكل التنافس على فرض النفوذ والحضور في النظام العالمي المزمع تشكيله.

العلاقة التركية – السعودية تأخذ شكل المنافسة بينهما، لكنّ الأكيد لن تتحول إلى صدام طالما يعملان سويا على تقاسم إرث الرجل المريض المتمثل اليوم في إيران

إن وصول ترامب إلى البيت الأبيض، ورفعه مجددا شعار “أميركا أولا”، عزز التوجه لبناء النظام العالمي متعدد الأقطاب الذي تسعى إلى تطبيقه كل من الصين وروسيا. هذا ما حفّز الدول الإقليمية على تفعيل دورها على المستويين الإقليمي والدولي، عبر طرح المبادرات لمعالجة القضايا الساخنة في العالم على قاعدة “نحن هنا”.

لا يخفى على أحد ذلك الصراع بين تركيا والمملكة على خلفية احتضان أنقرة للجماعات التي تنطوي تحت ما يسمى جماعة الإخوان المسلمين، التي تجد في حضورها الرياض تهديدا لأمنها القومي، على خلاف تركيا التي يتفرع حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا من مدرسة الإخوان المسلمين، ما كرس التباعد بين الرياض وأنقرة.

الرغبة واضحة عند الرئيس أردوغان في العودة إلى الماضي العثماني، وما عبّر عنه رئيس الوزراء التركي الأسبق داود أوغلو لإحياء حقبة الدولة العثمانية في الشرق الأوسط لا يتوقف عند التمنيات. إذ في عام 2019 أعلنت تركيا عن مبادرة “آسيا من جديد”، ضمن إطار رؤيتها لسياساتها الخارجية في المئوية الجديدة. ومع دخول الأزمة ا*لفلس*طينية مرحلة التعقيدات بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن خطته لتهجير أهالي قطاع غ*ز*ة، وجدت تركيا أن عليها أن تلعب دور العراب للفلسطينيين.

عمل أردوغان على إيجاد بديل يوقف من خلاله ممارسة الابتزاز الأميركي لتحويل غ*ز*ة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” في حال وافقت بعض الدول على استقبال الغزاويين. فكان عليه استنهاض دور رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، حيث سلط موقع “فورميكي” الضوء على الجولة الدبلوماسية التي قام بها الرئيس أردوغان في آسيا وشملت ماليزيا وإندونيسيا وباكستان، بهدف تعزيز التعاون وتوجيه دعوة للولايات المتحدة للتخلي عن مشروعها بحق القطاع والدعوة للدول الإسلامية إلى وضع خطة لإعمار غ*ز*ة.

علاقات وثيقة

الصراع على النفوذ في الشرق الأوسط، وتفعيل دور القيادة أمام القضايا المستجدة، بات هو موضوع التباعد التركي – السعودي. إذ تعتبر المملكة أن ذهاب أردوغان نحو مجموعة آسيان لإعمار غ*ز*ة وربما إلى دعم سوريا التي تتوق إلى طي صفحة الأسد وحلفائه على رأسهم إيران، هو رسالة للدبلوماسية السعودية التي نشطت على أكثر من خط بهدف تقليص دورها لاسيما وإن الجميع يعتبر أن لا إعمار إلا بدعم سعودي.

التنافس مع تركيا انسحب على القضية ا*لفلس*طينية، حيث رفع الأمير محمد بن سلمان ورقة رئيسية أمام التطبيع مع إس*رائي*ل وهو الاعتراف بدولة فلسطينية على أساس مقررات جامعة الدول العربية التي انعقدت في بيروت عام 2002. هذا ما عزز من موقع الرياض كصمام أمان للقضايا العربية، حيث بات من المؤكد دورها الريادي الذي لا تستطيع تركيا أن تتجاهله.

المنافسة السعودية – التركية تقوم على استخدام كلاهما أوراقا رابحة ترفعها، ولكنّ المملكة قد تمتلك ورقة أقوى أمام تركيا، وهي العلاقة المميزة مع إدارة ترامب. هذه العلاقة التي وصلت إلى مستوى متدن مع واشنطن في عهد بايدن، إلا أن ولي العهد السعودي عرف كيف يكسب اللاعب الأميركي لصالحه من خلال إغرائه برفع قيمة الاستثمار والمشتريات من الشركات الأميركية إلى 600 مليار دولار بعدما حددها ترامب بـ400 مليار دولار.

تأخذ العلاقة التركية – السعودية شكل المنافسة بينهما، لكنّ الأكيد لن تتحول إلى صدام طالما يعملان سويا على تقاسم إرث الرجل المريض المتمثل اليوم في إيران، بعد خسارتها الكثير من النفوذ في المنطقة. لهذا سينعكس تنافسها بالإيجاب على المنطقة من خلال انفتاحهما على المزيد من الاستثمارات والذهاب نحو تحقيق الاستقرار، وهذا ما يؤكد أن بينهما تنسيقا خفيا.
د. جيرار ديب
كاتب ومحلل سياسي لبناني

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!