آراء متنوعة

طبول الحرب في زمن الحوار: الكورد والعراق في مرمى الجغرافيا

في ظل المباحثات الجارية بين إيران والولايات المتحدة، يعود إلى الواجهة سؤال وجودي في العلاقات الدولية: متى يصبح إعلان الحرب ضرورة حتمية؟ وهل يمكن أن يكون الخيار العسكري، رغم كلفته، أهون من ترك الأمور تتدهور دون حسم؟ هذا السؤال يأخذ بعداً أعمق عندما ننظر إلى خارطة التوازنات في المنطقة، وخاصة في ظل الأطراف المتداخلة مثل الكورد والعراق، الذين غالباً ما يكونون أول المتأثرين، وأقل من يُحسب له حساب في رسم السياسات الكبرى.

بينما تتصاعد التوترات في المنطقة، يظل السؤال الأهم مطروحاً : هل يصل الأمر إلى حد إعلان الحرب؟ وفي هذا السياق، يتزايد الجدل حول شرعية هذا الخيار العسكري في مواجهة تعقيدات الوضع الراهن. إعلان الحرب: متى يصبح شرعياً؟

في القانون الدولي، لا يُسمح باستخدام القوة إلا في حالتين: الدفاع عن النفس، أو بقرار من مجلس الأمن. لكن على الأرض، لا تحسم القوانين وحدها المشهد،

بل تفرض الوقائع والمعطيات حضورها القسري، فهناك لحظات تاريخية تتكثف فيها مؤشرات الخطر، بحيث تُصبح الحرب، رغم بشاعتها، أهون الشرّين.مع ذلك، لا بد أن تبقى الحرب آخر الدواء، يُلجأ إليها فقط بعد استنفاد كل أدوات الردع والحوار، ومع التأكد من أن كل البدائل قد فشلت، وأن الأمن القومي في مهب الريح.

وبعد أن تناولنا شرعية الحرب والأسباب التي قد تجعلها ضرورية، لا بد من النظر في الأطراف المتأثرة مباشرة بالصراع المحتمل. فما هو دور الكورد في هذه المعادلة، وهل هم في موقع الأمل بالتغيير أم في مواجهة المخاطر التي قد تلاحقهم في ظل هذه التوترات

أ- كورد العراق

1- لديهم تجربة سابقة في التعاون مع التحالف الدولي ضد د*اع*ش.

2- قد يُنظر إليهم كشريك، لكنهم عرضة لرد إيراني محتمل، خصوصاً إذا استُخدمت أراضيهم في أي عمل عسكري.

3- الأغلب أنهم سينتهجون سياسة التوازن الحذر، ما بين التنسيق مع الغرب، ومحاولة تجنب استعداء إيران.

ب -كورد إيران

1- يرون في أي فوضى فرصة للتحرر، لكن النظام الإيراني لن يتسامح مع أي تمرد.

2- قد يُستغل وجودهم كورقة ضغط، لا كقضية تحرر مستقلة.

3- هم أول من سيدفع الثمن إذا اشتعل الداخل الإيراني.

ج -كورد سوريا

4- لديهم بنية عسكرية وتنظيمية قوية نسبياً (قسد).

5- قد يحاولون التفاوض مع الأطراف الكبرى لتثبيت مكاسبهم، لكنهم مهددون من عدة جهات: إيران، النظام السوري، وتركيا.

6- على الأرجح سيتجنبون الدخول المباشر في الحرب إلا بضمانات قوية.

د -كورد تركيا

1- سيكونون تحت ضغط أمني متزايد، مع استغلال أنقرة لأي فوضى لتصفية خصومها الكورد.

2- من غير المرجح أن يكون لهم دور فاعل في الصراع، لكنهم سيدفعون ثمنه سياسياً وأمنياً.

خلاصة وضع الكورد: هم ما بين ورقة في الصراع وضحية له، ويصعب أن يكون لهم صوت مستقل ما لم تكن هناك نية دولية صادقة لحمايتهم أو دعمهم.

وبينما يستمر الكورد في لعب دورٍ مهم في الصراع الإقليمي، لا يمكن إغفال تأثير العراق كدولة محورية في هذا السياق. فما هو حال العراق في مواجهة هذه الأزمات؟ وكيف سيؤثر الانقسام السياسي والتدهور الأمني على مستقبله في حال اندلاع الصراع ؟

العراق، سيظل في عين العاصفة، حيث تتفاقم أزماته السياسية الداخلية، ويتعمق الانقسام بين القوى المختلفة، مما يضعه في مهب الريح. فيما يلي بعض من أبرز ملامح هذا الانقسام:

1- فصائل الحشد الموالية لإيران قد تدخل المعركة تلقائياً.

2- الحكومة المركزية ستكون في موقف معقّد، تحاول الحفاظ على التوازن بين واشنطن وطهران.

3- الشارع العراقي منقسم، بين من يرفض إيران، ومن يرى في أمريكا مصدر التهديد الحقيقي.

اما من حيث التدهور الأمني وكما يلي:

1- للاغتيالات والتفجيرات، واستهداف للمصالح الأجنبية.

2- خطر فراغ أمني في مناطق عدة، خاصة إذا انسحبت بعض القوات أو تغيّرت أولوياتها.

3- إمكانية عودة د*اع*ش مستغلاً الفوضى وغياب التنسيق.

أما في المجال الاقتصادي وكما يلي :

1- في ظل اعتماد العراق على إيران في ملف الطاقة، فإن أي تصعيد عسكري سيفاقم أزمة الكهرباء، ويفتح الباب أمام انهيار اقتصادي أوسع نطاقاً.

2- ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمحروقات، وانهيار الاستثمارات الأجنبية.

3- احتمال تراجع عائدات النفط بسبب اضطرابات الخليج، مما يؤدي إلى أزمة مالية.

وفيما يتعلق بالسيادة الوطنية وكما يلي :

1- الفصائل قد تستغل الوضع لفرض واقع جديد على الأرض.

2- احتمالية تدويل الملف العراقي تحت ذريعة حماية الاستقرار .

3- تقاسم نفوذ فعلي بين جهات داخلية وخارجية، يضعف الدولة أكثر.

وفيما تتداخل مصالح الكورد والعراق مع تحولات الصراع الإقليمي، يبقى الموقف الدولي مفتاحاً لحل هذه الأزمات أو تعميقها. كيف يتعامل المجتمع الدولي مع هذا التصعيد، وهل يستطيع أن يحدد ملامح الحل أم سيظل مائلاً إلى الردع والتصعيد على حساب الاستقرار؟

فرغم التوتر المتصاعد، لا يبدو أن المجتمع الدولي على قلب رجل واحد في موقفه من إعلان الحرب على إيران وكما يلي :1- الولايات المتحدة تميل إلى الضغط السياسي والعقوبات، وتستخدم التهديد بالحرب كأداة ردع، لا كخيار مفضل.2- الاتحاد الأوروبي يعارض أي عمل عسكري، ويدفع باتجاه إحياء الاتفاق النووي والحوار.3- روسيا والصين تعارضان بشدة أي تدخل عسكري في إيران، وتعتبرانه تهديداً لاستقرار المنطقة ومصالحهما الاستراتيجية.4- أما في المنطقة، فهناك انقسام واضح بين دول ترى في إيران خطراً مباشراً، وأخرى تخشى من تبعات الحرب أكثر من إيران نفسها.هذا الانقسام الدولي يعقّد فرص إعلان حرب مباشرة، لكنه لا يلغي احتمال نشوب صراع بالوكالة أو ضربات محدودة تحت غطاء الردع الوقائي.

واخيراً، وليس اخراً، إعلان الحرب ليس قراراً تُقرّره العواطف أو الشعارات، بل تُمليه المعطيات والوقائع. وفي منطقة كالشرق الأوسط، كل رصاصة تُطلق قد تُشعل حرائق لا تنطفئ لعقود. أما الكورد، فهم بين أمل الاستفادة من التغيّرات، ومخاوف أن يكونوا أول من يُضحّى به. والعراق، هذا الجار الذي يعاني من تراكم الأزمات الجغرافية والسياسية، سيبقى في واجهة كل صراع طالما لم تُبْنَ دولته على أسس السيادة والحياد الحقيقي.

وهنا ارى على الحكومة الاتحادية العراقية أن تتعامل مع تحديات الداخل بنظرة وطنية شاملة، تُعلي من قيمة المواطنة على حساب الانقسامات الطائفية أو الولاءات الإقليمية. فاستقرار العراق يتطلب تجاوز الصراعات بين مكوناته، سواء بين العرب (شيعة وسنة) أو في العلاقة مع الكورد. وفي هذا الإطار، فإن احترام النظام الفيدرالي، وضمان حقوق إقليم كوردستان وفق الدستور، يُعدّان حجر الزاوية في بناء عراق متماسك ومستقر ،كما أن ترسيخ الولاء الوطني الجامع، بديلاً عن الارتهان لمحاور الخارج، هو الطريق الحقيقي نحو السيادة والاستقرار.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!