مقالات

ضوء على مقترح التعديل الرابع للقانون الانتخابي في العراق –

قدم السيد رائد المالكي عضو مجلس النواب مقترح تعديل قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم 12 لسنة 2018، واذا اقر التعديل سيكون التعديل الرابع للقانون الانتخابي، الذي تم تعديله بموجب قانون التعديل الثالث رقم 4 لسنة 2024. ياتي هذا التعديل في وقت بدأت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تحضيراتها لاجراء انتخابات اعضاء الدورة السادسة لمجلس النواب 2025، والتي من المتوقع ان تجرى في نهاية شهر تشرين الثاني من هذه السنة، حيث ان فترة تحديث سجل الناخبين قد بدأت منذ 25 اذار الفائت.
أن اللجوء الى اجراء تعديل للقانون الانتخابي على الرغم من وجاهته وأهميته، لكنها للاسف أصبحت سنة غير حسنة تمارس من قبل القوى السياسية المسيطرة في مجلس النواب قبل كل عملية أنتخابية. حيث يتم التغيير في النظام الانتخابي أو الصيغة الحسابية مع تعديل احكام أخرى تتعلق بشروط الترشح، أو الية عد وفرز الاصوات وما الى ذلك. لكن الهدف الاساسي للتعديل يكون منصبا على الية عمل النظام الانتخابي المعتمد في القانون، حيث يتم صياغته ليلبي المصلحة السياسية لتلك القوى، وتضمن أستمرارهم في مسك السلطة على الرغم من تغير عاملي الزمن ومزاج وتوجهات الناخبين في العراق. لذلك بأعتقادنا بأن هذا المقترح قد جاء ضمن هذا التوجه السياسي السلطوي، وفي ظل وضع أقليمي ودولي متوتر ومتغير، والعراق كدولة يحاول أن يكف بنفسه من تأثير هذا البحر المتلاطم الامواج. لكن النخبة السياسية الحاكمة في العراق تبدو أنها مصرة على ضمان الاستمرار في السلطة وبحكم تطويع القانون الانتخابي، وعلى الرغم من كل المتغيرات الجيوسياسية في المنطقة والعالم.
ولاجل تبيان ماهية مقترح تعديل القانون الانتخابي هذا، فلا بد من تسليط الضوء على مواده وفقراته المقترحة لاجل تثبيت عدد من الملاحظات أزائها:
1-لا بد أن نقر بأن بعض مواد وفقرات مقترح التعديل قد تهدف الى تنزيه وتجويد العملية الانتخابية في العراق. لذلك جاءت المادة الاولى من مقترح التعديل بأن يكون عدد المرشحين لكل قائمة أنتخابية يجب أن لا تزيد عن عدد المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية ولا تقل عن 4 مرشحين. وهذا أمر أيجابي تطالب بها منظمات وشبكات المراقبة المحلية للانتخابات منذ سنين، حيث أن ذلك سيؤدي الى سهولة وقصر فترة البت في شروط الترشح من قبل المفوضية والوزارات والهيئات ذات العلاقة، لانها تؤدي الى تقليل عدد المرشحين في الانتخابات.
2-المادة الثانية من المقترح أضافت مادة أخرى للقانون هي المادة 7 مكرر، حيث أن المادة السابعة من القانون هي الخاصة لشروط المرشح. فالمادة المقترحة تقرر بأن تنتهي عضوية المرشح من مجلس النواب اذا فاز في أنتخابات مجلس المحافظة، وهكذا الحال بالنسبة لعضو مجلس المحافظة الذي يترشح لعضوية مجلس النواب ويفوز فيها. السؤال هو لماذا لا تكون الاستقالة وأنتهاء العضوية من تاريخ مصادقة المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على قوائم المرشحين وهل سيسري هذه الامر على الوزراء والمحافظين ورئيس الوزراء أو أي منصب بدءا من درجة مدير عام فما فوق.
3-بخصوص المادة الثالثة من مقترح التعديل اللذي يتعلق بطبيعة النظام الانتخابي حيث تقرر بأن تكون نسبة 30% من المقاعد المخصصة لكل دائرة أنتخابية، حيث المحافظة بحدودها الادارية تعتبر دائرة أنتخابية هذه النسبة من المقاعد يكون الفوز فيها للحاصلين على أعلى الاصوات في الانتخابات ومن جميع القوائم. وتخصص نسبة 70% من مقاعد الدائرة الانتخابية التي هي المحافظة، ليطبق فيها نظام التمثيل النسبي وفق صيغة سانت ليكو المعدلة لتبدأ عملية القسمة لاصوات الاحزاب ب 1.5 بدلا من 1.7.
هذه المادة تثير الكثير من التساؤلات والملاحظات ونشير الى أهمها:-
أ‌-أن هذا المقترح قد أغفل بأنه قد يكون ضمن الاحتمالات أن مرشحا ما قد يحصل على عدد من الاصوات تؤهله للفوز بمقعد ضمن الفائزين بنسبة ال 30% من المقاعد في الدائرة الانتخابية، لكن مجموع أصوات القائمة الانتخابية التي ينتمي اليها لا تؤهلها للحصول على أي مقعد، فكيف سيمنح مقعدا لمرشح ضمن هذه القائمة وهل أن هذا المقعد هو للمرشح أم للقائمة.
ب‌-لا يوجد أي تسمية للنضام الانتخابي المقترح، هل هو نظام أنتخابي مختلط كالنظام الانتخابي المتوازي، لان النظم الانتخابية المتوازية المختلطة غالبا ما تطبق على نطاق الدولة بكاملها. لذلك فأنه لو طبق هذا المقترح بعد التعديل في الصياغة، وعلى مستوى العراق بحيث تكون نسبة ال 30% من المقاعد في مجلس النواب يكون العراق دائرة أنتخابية واحدة ويطبق فيها نظام التمثيل النسبي وفق صيغة سانت ليكو المقترحة. أما نسبة ال 70% من مقاعد مجلس النواب فتقسم كل محافظة الى عدد من الدوائر الانتخابية تتراوح حجمها بين (3-5) مقاعد ويطبق فيها أحد نظم الاغلبية، كأن يكون نظام الكتلة، أو نظام الصوت المحدود، أو نظام الصوت الواحد الغير المتحول. فسيكون هذا مقترحا وجيها لانه سيؤدي الى زيادة المشاركة السياسية للاحزاب والتنظيمات والوصول الى قبة البرلمان.
ت‌-أن الناخب وحسب ألية التصويت في النظام الانتخابي في العراق كون القائمة هي شبه مفتوحة، حيث يصوت الناخب لقائمة أنتخابية حزبية مع أحد المرشحين من ضمنها، أو يصوت لمرشح فردي. لذلك فأن الناخب أنما يصوت للمرشح لكونه ضمن قائمة حزبية، أي أن قناعته بالتوجه السياسي بذلك الحزب، وكون المرشح هو ضمن هذا التوجه السياسي. لذلك فأن حرمان قائمة الحزب من أصوات المرشحين الحاصلين على أعلى الاصوات بنسبة 30% من المقاعد في الدائرة الانتخابية أنما هي تعتبر خلافا لارادة الناخب وخلاف الية التصويت في النظام الانتخابي، ويحرم الحزب من الاصوات التي حصلت عليها اولا ومن ثم المرشح ثانيا. ويبدو واضحا أن هذا المقترح أنما يستهدف بعض الشخصيات الجامعة للاصوات في الاحزاب السياسية وقد يكون من ضمنها بعض قادة الاطار التنسيقي الشيعي.
ث‌-لم تقرر المادة الية وطريقة أستيفاء نسبة الربع من المقاعد للمراة بالنسبة لنسبة ال 30% من المقاعد في الدائرة الانتخابية، فمثلا في محافظة المثنى التي خصص لها 7 مقاعد حيث أن نسبة ال 30% من مقاعد الدائرة الانتخابية تكون مقعدين، فهل سيتم أستبعاد أستيفاء نسبة الربع من هذين المقعدين، أم سيمنح مقعدا منها للمراة ،وهكذا الحال بالنسبة لبقية المحافظات. بالاضافة الى أنه ليس من العدل والانصاف أبعاد مرشح حصل على مقعد كونه ضمن الفائزين بأعلى الاصوات ليستبدل بأمراة لم تحصل الا على أصوات قليلة، وهل سيبقى ضمن التنافس داخل القائمة في حالة الاستبدال أم سيستبعد نهائيا.
ج‌-لم تشر هذه المادة الى الية الترشح ضمن المقاعد الحاصلين على أعلى الاصوات بنسبة 30% من مقاعد الدائرة الانتخابية، حيث أن استقطاع أصوات المرشحين الحاصلين على أعلى الاصوات ضمن القائمة الانتخابية، ومن ثم تطبيق نظام التمثيل النسبي وفق صيغة سانت ليكو المعدل بنسبة 70% من مقاعد الدائرة الانتخابي هو غبن للقوائم الانتخابية الحزبية كما أسلفنا. لذلك فأنه أذا كان الترشيح لنسبة ال 30% من المقاعد في الدائرة الانتخابية هو ترشيح فردي ويكون التصويت له كمرشحين أفراد في بنية ورقة الاقتراع وخارج القائمة الحزبية فستكون أحد الحلول الجيدة لتطبيق هذا النظام.
ح‌-ان هذه الصيغة التي لا اسميها باي نظام انتخابي لو اقر بشكله الحالي سيؤثر عل نتاج الانتخابات بالنسة للاحزاب والقوائم الانتخابية التي تعتمد على بعض قادتها وزعمائها، في جمع الاصوات، سواء كان في المحافظات او على النطاق الوطني. لكنه لن يؤثر كثيرا على نتائج التصويت بالنسبة للاحزاب التي تملك ماكنات انتخابية متمرسة، ولدبيها جمهور من الناخبين الحزبيين الملتزمين والمنظمين، بحيث يستطيع الحزب من توجيه ناخبيها للتصويت لمرشحيها بشكل لا بكون هنالك بون شاسع في عدد الاصوات التي يحصل عليها كل مرشح.
4-المادة الرابعة من مقترح التعديل ابقى على المحافظة كدائرة انتخابية واحدة، على ان تقسم محافظات بغداد ونينوى والبصرة الى دائرتين. ولم توضح المادة بان هذا التقسيم بالنسبة للمحافظات الثلاثة هي لانتخابات مجلس النواب فقط، ولم تحدد ايضا الية ومعيار التقسيم، ولا الجهة التي تقوم بذلك، والتي غالبا ما سيكون مجلس النواب نفسه. وماهو المعيار لبذي يعتمد في التقسيم، هل سيكون معيار السكان، ام التشكيلات الادارية، ام التقسيم الجغرافي، ام على اساس توزيع المكونات. ولا بد ان نوضح ان عدد المقاعد المخصصة للمحافظات الثلاثة هو عدد فردي (بغداد 69، نينوى 31، البصرة 25 مقعدا)، فلا يمكن التقسيم مناصفة، عليه فان عملية التقسيم قد تستغرق وقتا طويلا، بالاضافة الى ان ذلك قد تثير مشاكل ومنازعات بدعوى عدم العدالة في التقسيم والمعيار الذي تعتمد عليه.
5-مقترح تعديل القانون الانتخابي اغفل موضوع نتائج الاحصاء العام للسكان في العراق 2024، الذي في حال المضي في تعديل القانون فقد تبرز مطالبات بتعديل المادة 15 من القانون ليكون عدد مقاعد مجلس النواب 461 مقعدا، حيث حينئذ يستوجب تعديل عدد المقاعد المخصصة لكل محافظة حسب عدد نفوسها، وهكذا الحال بالنسبة لمجالس المحافظات، وذلك استنادا الى حكم الفقرة الاولى من المادة 49 من الدستور.
6-المادة الخامسة من مقترح التعديل تمنع استغلال المال العام والحصول على التمويل الخارجي او اموال الاوقاف، وتقرر استبعاد المرشح الذي يثبت قيامه بذلك. هذه المادة تعتبر خطوة جيدة لغرض الحد من أستغلال المال العام لتمويل الحملات الانتخابية الخاصة بالاحزاب السياسية والمرشحين. وتعتبر موضوع بيان مصادر التمويل للاحزاب السياسية والمرشحين وتحديد السقف الاعلى للانفاق الانتخابي لها، وضمان مراقية الهيئات الرقابية والادارة الانتخابية لذلك، ووضع العقوبات الصارمة لمخالفيها، فأن ذلك يعتبر ضمن أهم قواعد النزاهة والعدالة في السباق الانتخابي. لذلك نلاحظ أن القوانين الانتخابية الحديثة تضع أحكام تفصيلية لموضوع التمويل والانفاق الانتخابي ولنا أمثلة في القوانين الانتخابية في الدول العربية بهذا الخصوص مثل الاردن وموريتانيا ولبنان وتونس وغيرها. لكن بسبب عدم وضع نصوص قانونية تفصيلية ملزمة بهذا الخصوص فأن تطبيق هذه المادة لن تؤثر على موضوع الحد من أستغلال المال العام من قبل الاحزاب السياسية والمرشحين في الحملات الدعائية الانتخابية لها. مثل ما كان الحال بالنسبة لتطبيق أحكام القانون الانتخابي بهذه الخصوص سابقا، وأيضا لم تؤثر تطبيق المادة 23 من قانون التعديل الثالث رقم 4 لسنة 2024 التي الزمت المفوضية بأصدار تعليمات تحدد بموجبها الحد الاعلى للانفاق الانتخابي في انتخابات مجالس المحافظات سنة 2024.
7-المادة السادسة من مقترح هذا التعديل تأتي في أطار عدم أستغلال مؤسسات الدولة من قبل الاحزاب السياسية والمرشحين لتقديم الخدمات للناخبين خلال فترة العملية الانتخابية. حيث يجب هنا عدم الخلط بين الخدمات التي تقدمهه الدولة للمواطنين ضمن الاختصاص والوصف الوظيفي للوزارات ومؤسسات الحكومة العراقية. لكن تقديمها كأستغلال للمنصب والوظيفة من قبل البعض لاجل الحصول على التاييد والتصويت لصالحهم في الانتخابات، فهذا خلاف قواعد النزاهة والعدالة والتنافس الحر بين المرشحين، والتي تعتبر ضمن أهم أهداف القانون الانتخابي. عليه فالمقترح الافضل هو منح أجازة أجبارية لكل مرشح يشغل منصب مدير عام فما فوق، وقبل مدة لا تقل عن أربعة أشهر من يوم الاقتراع، أو تقديم الاستقالة من الوظيفة تلك خاصة بالنسبة للمناصب العليا في الدولة العراقية.
ان التساؤل الذي يثير هنا حول تقديم مقترح تعديل القانون الانتخابي هو حول وجود توافق في مجلس النواب على فقرات هذه التعديل من عدمه، أم أنه يعبر فقط توجه ورغبة لقوى الاطار التنسيقي فقطـ خاصة وأن هنالك تصريحات مستمرة من قبل عدد من قادتها، حول ضرورة تشريع قانون أنتخابي عادل وعدم تكرار أخطاء الماضي. ولا يعرف ايضا هل أن قوى تحالف بناء الدولة متفقة على التعديل من عدمه، حيث لا أعتقد أن جميعها متفقة على أحكام ومواد مقترح التعديل.
ولابد من التسائل أيضا حول وجود توافق على المضي في عملية تشريع هذا المقترح بصيغته المقدمة، بشكل طبيعي بموجب القانون والنظام الداخلي لمجلس النواب، أم أن القانون الانتخابي ونتيجة طرح عملية التعديل في مجلس النواب وبسبب الخلاف حول أهم القضايا في القانون الانتخابي، مما قد يجعل تعديله يكون سببا في عدم الاتفاق على المضي في تعديل القانون، أو أن الصيغة النهائية في حال الاتفاق حولها قد تكون مغايرة لصيغة المقترح المقدم.
ولكن لماذا لم يتم تقديم مقترح لتعديل القانون الانتخابي في فترة سابقة أي قبل ثلاثة أشهر أو أكثر، حيث أن الفترة الزمنية المطلوبة لتشريع هذا التعديل قد تؤثر على موعد أجراء الانتخابات. حيث نعتقد أنه في حال عدم وجود توافق على تشريعه فأن الانتخابات ربما تتأجل والتي يجب أن تجرى في موعد قبل 25-11-2025، وفي ظل الضروف السياسية الحالبة المتأزمة أقليميا ودوليا، فأن تاجيل الانتخابات فب العراق ستفتح الابواب على مصراعيها أمام جميع الاحتمالات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!