الجزائر وتحدياتها في ظل التوترات الحاصلة مع دول الإتحاد
الجزائر وتحديات الساحل الإفريقي: ما الذي يجب فعله؟
في ظل تزايد التوترات الأمنية والسياسية في منطقة الساحل الإفريقي، تواجه الجزائر تحدياً استراتيجياً بالغ الحساسية، بالنظر إلى موقعها الجغرافي وحدودها الطويلة مع دول غير مستقرة كمالي والنيجر. ومع تصاعد تهديدات الجماعات المسلحة، والتغيرات السياسية المفاجئة، والانقلابات العسكرية، يبرز السؤال الجوهري: ما الذي يجب أن تفعله الجزائر لحماية أمنها القومي والمساهمة في استقرار محيطها الإقليمي؟
—
1. تعزيز المقاربة الأمنية الذكية
اعتمدت الجزائر منذ سنوات سياسة دفاعية صارمة تعتمد على تأمين الحدود عبر منظومة عسكرية قوية، وهو أمر ضروري، لكنه غير كافٍ. المطلوب اليوم هو مقاربة أمنية ذكية تمزج بين الردع العسكري والتعاون الاستخباراتي مع دول الجوار، إضافة إلى دعم تنمية المناطق الحدودية لتجفيف منابع التطرف والتهريب.
—
2. توسيع الدور الدبلوماسي الإقليمي
بعد سنوات من الحذر وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، يبدو أن الوقت قد حان لتلعب الجزائر دور الوسيط الإقليمي النشط. فهي تملك رصيدًا دبلوماسيًا جيدًا وحيادًا نسبياً يجعلها مقبولة من جميع الأطراف. يمكن للجزائر أن تقود جهود المصالحة، خصوصاً في مالي والنيجر، وأن تُعيد بعث “اتفاق الجزائر للسلام” الذي وُقّع عام 2015 لكنه بقي معطلاً.
—
3. التنسيق مع الشركاء الدوليين
رغم التحفظات على التدخلات الأجنبية، إلا أن التنسيق مع المنظمات الإقليمية والدولية مثل الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة يمكن أن يكون أداة لتعزيز الاستقرار، شريطة الحفاظ على سيادة القرار الوطني. كما أن فتح قنوات حوار أمنية مع دول مثل نيجيريا وتشاد قد يسهم في بناء تحالفات جديدة ضد الار*ها*ب العابر للحدود.
—
4. دعم التنمية في الجنوب الجزائري
لا يمكن الحديث عن أمن دون تنمية. فالجنوب الجزائري المتاخم للساحل بحاجة إلى مشاريع تنموية كبرى توفر فرص عمل وتعزز اندماج السكان المحليين في الدولة. إن تعزيز الاقتصاد المحلي والبنية التحتية سيكون أحد خطوط الدفاع الأولى ضد التهديدات القادمة من الخارج.
—
5. بناء خطاب إعلامي موحد وواقعي
وسط التضليل الإعلامي والحملات التي تستهدف الجزائر من بعض الجهات، لا بد من استراتيجية إعلامية ذكية توضح مواقف الدولة وتعزز الوعي الشعبي بخطورة ما يحدث في الجوار. فالتحديات لا تواجهها الحكومات وحدها، بل تتطلب تعبئة وطنية واعية.
إذن فالجزائر اليوم أمام مفترق طرق إقليمي حاسم. التحديات في الساحل الإفريقي ليست بعيدة، بل على مرمى الحدود، والانكفاء لم يعد خياراً واقعياً. المطلوب هو استباق التهديدات برؤية شاملة توظف كل أدوات الدولة: الأمن، الدبلوماسية، الاقتصاد، والإعلام. الجزائر، بتاريخها وثقلها، قادرة على أن تكون ركيزة استقرار لا لنفسها فقط، بل للمنطقة بأسره.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.