الأسقف مار توما المرجي
الكاتب: مشرف المنتدى الديني
الأسقف مار توما المرجي
وردا إسحاق قلّو
ولد توما بن يعقوب في الربع الأول من القرن التاسع في قرية نحشون الواقعة في بلاد سلاخ التابعة لأقليم حدياب ( أربيل ) . دخل دير بيت عابي سنة 832 م ، وفي عام 837 م أقامه البطريرك أبراهام الثاني المرجي كاتماً لأسراره . ثم عهدت إليه رئاسة الدير ، وبعد سنين قلائل رسم أسقفاً على مقاطعة المرج . له مخطوطات عديدة ، وهو كاتب كتاب الرؤساء الذي يتكون من خمسة أجزاء وتطرق فيه على الرؤساء العشرين الذين تعاقبوا رئاسة دير بيث عابي ، وكذلك ذكر أخبار تخص الرهبان الشهيرين والبطاركة أمثال أيشو عياب الثاني ، وأيشو عياب الثالث . كما يتضمن كتاب الرؤساء على تاريخ الأديرة والنساك النساطرة الذين عاشوا في جهات دجلة الشرقية مدة ثلاثة قرون وهو خير ملحق مكمل لتاريخ الكنيسة النسطورية في فترة يسودها الغموض ، فأنه يطلعنا بشىء عن أسباب أحتكاك الكنيسة النسطورية بالسلطة الفارسية الحاكمة ، أو أختلافها معها . ومن كتاب الرؤساء نستلخص بعض القصص التي تسرد لنا السيّر الذاتية لبعض الرهبان القديسين الذين عاشوا في دير بيث عابي مع ذكر آيات ومعجزات حصلت على أيديهم ، وأعتبروا طوباويين وقديسيين . دونها مار توما المرجي بأمر من الأخوة القديسين الساكنين معه في نفس الدير المقدس فنقل لنا سيّر الأشخاص الفضلاء والبارزين منهم بين أخوتهم .
أما المصادر التي أعتمد عليها فكانت من التقليد المتوارث عن الآباء السابقين له ، فجمع قصص وروايات قيلت منذ السنين الأولى لبداية الدير فدفعته رغبة الوقوف على حقائق تلك التقاليد إلى التجوال في عهد أسقفيته على النفائس الموجودة في خزائن كتب الأديرة . ولنزاهته ، صرح مراراً بأنه لا يهدف من كتاباته إلى الأرباح النجسة ، أو إلى المجد العالمي الكاذب ، إنما الأمر الذي حدا به إلى تدوين مآثر القديسين وتراجمهم هو إطلاع الناس على تلك الكنوز الخفية التي طالما ظلت دفينة وتحريضهم على الأقتداء بسيرتهم الفاضلة. يتكلم عنهم بأحترام وبتعابير يشتم منها التقدير والإجلال ، لكننا نراه عنيفاً وقاسياً عندما يتكلم عن الهراطقة وأعمالهم . فيرشقهم بكلمات نابية وينسب إليهم ألقاباً تنبىْ عن التنافر الذي كان موجوداً بين المذهبين النسطوري والمنوفيزيتي .
أرتأينا نشر سيرة هذا الأسقف الذي نقل لنا وللأجيال سيرة قديسين كثيرين عاشوا في دير بيت عابي ، وبعده سننشر السيّر الذاتية لقديسين وطوباويين عاشوا في بلادنا .
نذكر أبرز كتابات هذا الأسقف الجليل الكثيرة حسب الترتيب الزمني وكما يلي :
1- كتاب ( سيرة بعض الرجال القديسين ) يذكر فيه قصة ربان قفريانوس ، وربان جبرائيل .
2- قصتا ( ربان قفريانوس وربان جبرائيل) اللتان جرت حوادثهما في منطقة بيرتا الواقعة في بلاد مركا وعن قصة مار أيشو عزخا الآرامي ، أسقف سلاخ التي جاءت مع قصة ربان جبرائيل . وكذلك قصة الأسماعيلي عمران بن محمد التي كتبت أيضاً في قصة ربان جبرائيل .
3- كتاب ( الرؤساء ) الذي هو المصنف الثالث الذي أنتجه مار توما المرجي وقد أنهاه سنة 850م والذي يتكون من خمسة أجزاء يتطرق فيه عن حياة القديسين الذين عاشوا في دير بيث عابي ، وقد قام معظمهم بدور رئاسة الدير . سمي الكتاب الذي تناول سيرتهم بكتاب الرؤساء .أول من نشر مقتطفات من هذا الكتاب وأطلع المستشرقين عليه في موجز باللغة اللاتينية هو الشيخ يوسف سمعان السمعاني عام 1768م في القسم الأول من الجزء الثالث من كتابه المسمى ( المكتبة الشرقية ، روما سنة 1725ص 463-501 ) وفي الجزء الثاني ( ص 490- 496 ) معتمداً على مخطوطة فاتيكانية ترتقي إلى سنة 1663 .
ويعنون السمعاني وعلى أثره السيد ( بدج ) كتاب الرؤساء عنواناً ثانياً هو ” التاريخ الرهباني وهذا العنوان قد يؤدي بكثيرين إلى عدم تفهم غاية الكتاب ، وقد ذهب البعض إلى أعتباره تاريخاً كاملاً للحياة الرهبانية لدى النساطرة . فأبدوا دهشتهم من عدم ذكر بعض أشخاص عظماء فيه أمثال مار أوجين الذي طبقت شهرته الآفاق ، لما حيك حوله من القصص الأسطورية ، غير أن توما المرجي لم يدر يخلده ألبتة أن يكتب تاريخاً شاملاً ، بل كتب تاريخ ديره ورؤساته ومن يمت إليهم بصلة .
في سنة 1893 قام العلامة المستشرق الأنكليزي السير ي . أ . وأليسد ( بدج ) بنشر نص الكتاب باللغة الكلدانية وترجمته الأنكليزية وذلك بمجلدين ، ووضع له فهارس وحواش بالكلدانية والأنكليزية . وترجمة ” بدج ” جيدة إلى حد الأعجاب من سعة إطلاع هذا العالم على دقائق اللغة الكلدانية .
أخيراً قام الأب بولس بيجان اللعازري الفارسي الكلداني بنشر النص الكلداني في باريس سنة 1901 ، ، وعربه ووضع حواشيه الأب ألبير أبونا . كذلك نشر القس سليمان الصائغ ( مطران الموصل لاحقاً ) ثلاث مقالات عن توما المرجي ، وعن كتاب الرؤساء في مجلة ( النجم ) البطريركية التي كانت تصدر في الموصل .
في الختام نقول : دير بيث عابي يقع إلى الجنوب من قرية ( خربا ) الكائنة على مسيرة خمسة وأربعين دقيقة إلى الشمال الغربي من بلدة عقرة . ويحدد التقليد المحلي موقع الدير في بيادر تلك القرية . أما مؤسس دير بيث عابي فكان الربان يعقوب الذي أبصر النور في منتصف القرن السادس الميلادي في بلدة لاشوم في مقطاعة بيث كرماي .
سننشر لاحقاً سيرة حياة قديسين وطوباويين كثيرين عاشوا في دير بيث عابي المقدس .