مقالات دينية

آيات من العهدين تثبت أنتقال العذراء إلى السماء ܫܘܢܵܝܐ

الكاتب: وردا اسحاق

 

 

آيات من العهدين تثبت أنتقال العذراء إلى السماء ܫܘܢܵܝܐ ܕܥܕܪܐ

  بقلم / وردا أسحاق قلّو 

  

( ثم ظهرت آية بينة في السماء : إمرأة ملتحفة بالشمس والقمر تحت قدميها ، على راسها إكليل مِن أثني عشر كوكباً ) ” رؤ 1:12 ”                               

أنتقال مريم العذراء إلى السماء هي عقيدة أيمانية كاثوليكية . أنتقالها يرتبط بعصمتها من كل الخطايا وحتى من خطيئة الأبوين الأصلية لكونها ” محبول بها بلا دنس ”  . بسبب الخطيئة جاء المرض والموت على البشرية ، لكن العذراء بريئة من دنس الخطيئة ، إذاً يجب أن لا يكون للموت سلطانًاً عليها ، نعلم بأن أجرة الخطيئة هي الموت . كما قد كتب ( ليس إنسان بار ، ولا واحد … ) ” رو10:3″  فيجب على الجميع أن يذوقوا الموت ، لكن مريم يجب أن لا يجوز أن تخضع لهذا العقاب لأنها مستثنى من هذا الشرع ، لأنها لم يكن لها حصة في خطيئة الأبوين لكونها موجودة قبل وجود آدم وكل الخلائق في مخطط الله الخلاصي للبشر ، لكي تصبح هيكلاً مقدساً يحمل القربان الأول السماوي . وبها حققت خطة الله الخلاصية لبني البشر بعدالسقوط ، فتنبأ الكتاب ، قائلاً عنها  ( فهي تسحق رأسك ، وأنت تترصدين عقبه ) .

العذراء أستثنيت من العقاب لأن ، محبة الآب ملأتها ، ونعمة الإبن خلصتها ، والروح القدس قدسها ، ومعها بدأت شركة الروح القدس بين الله والإنسان وجعلها الله نموذجاً لعمل الثالوث في كل إنسان مستحق للقداسة .

فبما أن مريم كانت بريئة من الخطيئة ، فلم يكن لازماً لها أن تموت ، بل أن تستمر على الدوام حية ، وأما أنه كان يلزمها أن تموت لمجرد حبها لأبنها لكي تنتقل وتكون بقربه ، ولأنها كانت ترافقه في حياتها الزمنية حتى ساعة موته باكية ومتألمة في طريق الجلجلة وتحت الصليب على حبيبها الذي فارقها ، وقد عبّرَ عن هذا الألم سفر مراثي أرميا ” 16:1″ فقال عنها ( لذلك أنا باكية وعيناي تنبعان المياه ، لأن المعزي أبتعد عني ) . ماتت العذراء ميتتاً صالحة ، وكان يجب أن تموت أيضاً لكي لا يحسبها الكثيرين أفضل من أبنها الذي مات . مات لأنه حمل خطايا العالم ، وأجرة الخطيئة هي الموت .

 ماتت مريم لكن يجب أن لا يبقى جسدها المقدس على هذه الأرض ، بل ينقل بمعجزة إلى السماء ، فكما إنها بمعجزة حبلت بالرب وولدته وهي عذراء وبدون أن تشملها لعنة مغاض الولادة كباقي النساء ” تك 16:3″ كذلك كان انتقالها إلى السماء بمعجزة دون أن ينال من جسدها الفساد .   

يسوع حفظ أجساد قديسين كثيرين من الفساد ،  فكيف لا يحفظ الجسد المقدس الذي حبل به ومنه أخذ جسده المبارك ، فكان لائقاً إذاً أن يمجد ذلك الجسد المملوء من النعم ( لو 28:1)  وأن لا يترك على هذه الأرض إلى يوم القيامة ليقوم مع الأموات ، بل رفعه إلى السماء لأنه جسد مميز ، إنه جسد أم الله وأم الكنيسة . هكذا ينبغي أن لا نقارن أم الله بعبيده . كذلك كان يفضل عدم بقاء ذلك الجسد المبارك على الأرض لكي لا يحول المؤمنون قبرها إلى معبد ويعبد من دون الله ، ولهذا السبب أيضاً أخفى الله أجساد أخنوخ وموسى وإيليا .

هناك من يظن بأن من يؤمن بعقيدة أنتقال العذراء إلى السماء سيساويها مع أبنها الذي صعد إلى السماء ، لكننا نقول الفرق واضح جداً وهو إن يسوع الإله قام وصعد بقدرته الإلهية ، أما مريم فقد تم نقل جسدها من قبل أبنها تطويباً لها، ولكي تصبح  بكر المنتقلين إلى السماء من بني آدم ، وأنتقالها إلى السماء روحاً وجسداً هو علامة لقيامة وأنتقال كل المؤمنين إلى السماء بواسطة أبنها يوم الدينونة العظيم ، عندما تتغيرتلك الأجساد الحيوانية إلى ممجدة كصورة جسده الممجد ( فيل 3: 20-21) .

كيف نثبت كتابياً أنتقال جسد العذراء إلى السماء ؟ 

 نقول : كان موت العذراء كالباب الذي عبرت من خلاله الى أبنها بالنفس ، والله أراد أن يرفعها اليه بالجسد أيضاً ، فتحدث الله لنا عن هذا الأنتقال على فم أنبيائه في العهد القديم قبل ولادتها . نتناول بعض الآيات التي تثبت لنا حقيقة أنتقال الجسدين المباركين ” يسوع والعذراء ” إلى السماء ، منها ( قم أيها الرب إلى موضع راحتك أنت وتابوت عزتك ) ” مز 8:131″  . لنسأل ونقول ، من هي تابوت عهد الرب وعزته ؟ إنها العذراء مريم ، فتابوت العهد المغلفة بالذهب لكي يحفظها من الفساد يرمز إلى العذراء مريم المليئة من النعم التي حفظتها من فساد الخطيئة لكي تكون أناءً نقياً يحمل جسد الرب يسوع كما حمل تابوت العهد لوحي الشريعة والمن والعصا ، والتي كانت ترمز إلى المسيح له المجد .

كما أن سفر نشيد الأناشيد يوصف لنا صعود العذراء إلى السماء بالجسد ، يقول (من هذه الطالعة من القفر كعمود بخور معطرة بالمر واللبان وكل عطور التاجرِ ؟ ) “6:3”  . (من هذه الطالعة من القفر المستندة على حبيبها ) ” 5:8″ .

 

أما العهد الجديد :

كانت وصّية الرب يسوع لتلميذه يوحنا على الصليب ( هذه أمك ) فكانت بلا شك ومنذ تلك اللحظة مع يوحنا الى يوم رقادها . فهل كتب الرسول يوحنا شيئاً عن مصير جسد العذراء بعد الموت؟ ولماذا قبر العذراء خالي من الذخائر ، وهل كتب الرسول يوحنا شيئاً عن مصير جسد العذراء ؟ كما نعلم كان أسلوب يوحنا في الكتابة مخالفاً لأسلوب الأناجيل الأزائية فلم يكتب الأحداث كما هي ، بل عبر عنها بأسلوب مغاير وحسب الرؤى التي كان يراها ، فكتب عن العذراء بعد رقادها وانتقالها الى السماء بعد أن رآها في رؤية وهو في جزيرة بطمس فقال ( وأنفتح هيكل الله في السماء وظهر تابوت عهده في هيكله ، وحدث بروق وأصوات رعود وزلزلة وبرد عظيم ) ” رو 19:11″

 هنا نجد تكرار ذكر تابوت العهد . وكما ذكرنا تابوت العهد القديم كان يرمز الى العذراء مريم ،  لكن هنا لا يقصد يوحنا اللاهوتي تابوتاً مادياً بل العذراء التي حملت المسيح ، لان السماء عالم آخر وهو عالم الأرواح فلا يمكن أن تظهر الأشياء المادية ، بل كان جسد العذراء الممجد .

بما أن الله الذي حفظ جسد العذراء على الأرض في البتولية وكمال القداسة ، فكان يجب تكريم ذلك الجسد لأن لا ينال منه الفساد وأن لا يبقى على هذه الأرض بل ينقل إلى جوار أبنها في السماء .

نقلوا لنا الآباء الأوائل منذ القرون الأربعة الأولى وبلغات عديدة وقد تحدوا بشدة كل البدع لكي يحافظوا على الوديعة التي تسلموها من الرسل الأطهار، لكننا لم نجد كتابات لهم يدافعون بها ضد من يقاوم هذا الإيمان ، بل كان الجميع متفقين على عدم بقاء جسد العذراء على الأرض .   

تحتفل الكنيسة الكاثولكية بعيد أنتقال العذراء بالنفس والجسد  في يوم 15 آب من كل عام أعلنه البابا بيوس الثاني عشر في 1/11/1950م  . الكنيسة تؤمن بأن الرب يسوع أستقبل والدته مع أجواق الملائكة وأكرم ذلك الجسد الطاهر الذي حمله تسعة أشهر ، ومنه أخذ جسدا أنسانيا ، أنه جسد والدته التي أرضعته ونذرت نفسها لكي تكون أمه وأمته وحسب قولها للملاك الذي بشرها . فالعذراء التي كرمت الرب وخدمته ، هو أيضاً أكرمها ويكرم كل من يحبه ويعمل بوصاياه

قيل عن العذراء بعد رحيلها ومنذ الأيام الأولى ظهرت عجائب وشفاءات كثيرة من قبرها وذاع خبر تلك المعجزات في الأوساط اليهودية فقرروا أخراج جسدها وحرقه ، فلما فتحوا القبر لم يجدوا فيه غير رائحة البخور العطرة فآمن الكثيرين منهم . كما يقول التقليد بأن جسد مريم حملته الملائكة إلى السماء وأخفي ذلك عن أعين الرسل عدا توما الرسول الذي كان في بلاد الهند وقت نياحها ، لكنه رأى تلك الرؤية العجيبة وهو الذي أخبر الرسل وقال: 

لقد حملتني سحابة لملاقات جسد العذراء في الهواء ، وناداه أحد الملائكة قائلاً ” تقدم وتبارك من جسد كلية الطهر ” ففعل . ثم أرتفع الجسد إلى السماء ، أما هو فأعادته السحاب الى الأرض .  

 بعدها ذهب توما الى أورشليم لمقابلة الرسل الذين أخبروه بنياحة العذراء ، فطلب منهم أن يرى بنفسه الجسد المبارك ، إنه نفس توما الذي لم يؤمن بقيامة المسيح إلا بعد أن يراه ويلمس آثار المسامير في جسده ، لهذا كشفوا له التابوت فلم يجدوا إلا الأكفان فحزنوا جداً لأعتقادهم بأن اليهود قد سرقوه ، فأخبرهم توما عن الرؤية التي شاهدها في الطريق فتأكدوا وآمنوا بأن ما رآه يوافق نهاية اليوم الثالث الذي انقطع فيه صوت تسابيح الملائكة التي كانوا يسمعونها عند القبر لمدة ثلاثة أيام ، هكذا صنع لها القدير عظائم وكما تنبأت بأنشودتها ، ومن تلك العظائم إنتقالها العجائبي إلى السماء. وهكذا تمت مشيئة الله برفع جسد العذراء ونفسها إلى كما الحب الإلهي . كما تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية المقدسة بهذا الأنتقال وتحتفل به .

ختاماً نقرأ عن عقيدة أنتقال العذراء إلى السماء بالنفس والجسد في هذه الأسطر :

 إن مريم بانتقالها إلى السماء تدعونا اليوم لنعيد النظر في نوعية إيماننا وصلاتنا ومحبتنا . إنها تريد أن ننتقل من اليأس إلى الرجاء ، من الخطيئة إلى البرارة ، من الحقد إلى المسامحة ، إنها تدعونا لكي نزيل الحواجز من أعماقنا فننفتح على الله وعلى الآخرين بالمحبة والتسامح والغفران ، وخاصة الذين يجمعنا معهم الايمان الواحد ، وان لا نجعل من الألفاظ والتعابير الفلسفية واللاهوتية وحتى من الطقوس والمذاهب والقوميات حاجزا يبعدنا ويفرّقنا عن بعضنا بل نتمسّك بما يوحدنا جميعا ، جوهر ايماننا الذي لا يختلف عليه مسيحي حقيقي واحد يعيش في العالم … ألا وهو يسوع المسيح ابن الله مخلص البشرية … انجيل واحد .. معمودية واحدة … وذبيحة الاهية واحدة تضمنا جميعا الى جسد يسوع السري ، الذي يتمثل بكنيسة واحدة ، جامعة ومقدسة ورسولية ، فنعيش بالمحبة والاخوة ونحقق رغبة يسوع في الوحدة المسيحية الحقيقية الشاملة لنبني معا ملكوت الله على الأرض

أقبلي صلواتنا وطلباتنا يا مريم ملتمسين منك الشفاعة عند أبنك الإله الذي مات لأجل خلاصنا
أنك عظيمةُ عند الرب.

 

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!