مقالات سياسية

هل تنتقل شرارة الحرب في غ*ز*ة إلى الضفة؟

تتواصل الحرب الإ*سر*ائي*لية على قطاع غ*ز*ة المكلوم لشهرها التاسع دون أن توقف تل أبيب حملاتها المستعرة على مخيمات النازحين في منطقة رفح الحدودية مع مصر، الى جانب هذا يشير التصعيد الأخير في الضفة الغربية الى احتمال أن تنفجر الأوضاع بشكل يدفع اس*رائ*يل الى تفادي الإنزلاق في مواجهة مع ح*زب ال*له حتى لا تتورط في المزيد من المتاعب.

ففي الأيام الماضية، شن جيش الاحتلال الإ*سر*ائي*لي هجوما على قرية “أم الخير” في الضفة الغربية، فشرد الجيش بالقوة ربع سكان تلك القرية البدوية وهدم عددا من منازلها، كما دخلت جرافات ومركبات عسكرية إ*سرائ*يل*ية القرية وهدمت ما لا يقل عن سبعة منازل قبل أن تغادر المنطقة، وأصبح هناك خمس عائلات أو ما يقرب من 40 شخصا من إجمالي 200 نسمة في القرية، بلا مأوى، بما في ذلك حوالي 30 طفلا.

تلك السياسيات الإ*سر*ائي*لية الهمجية لم تتوقف منذ السابع من أكتوبر، فوسع الجيش الإ*سر*ائي*لي من اقتحاماته وعملياته بالضفة مخلفا 553 قتيلا فلسطينيا في الضفة بينهم 133 طفلا، إضافة إلى نحو 5 آلاف و200 جريح، وفق بيان رسمي لوزارة الصحة.

كما كانت التصريحات العدوانية لوزير المالية في حكومة الاحتلال سموتريتش بشأن الاستيطان في الضفة الغربية، وحملات الاعتقال والمداهمة وتشريد ربع سكان قرية “أم الخير” البدوية، بمثابة سكب الزيت على النار الأمر الذي قد يدفع الفلسطينيين إلى الانتفاضة ضد الاحتلال، وفي نفس الوقت هو خطأ استراتيجي تقوم به إس*رائي*ل ولا تعرف عواقبه لكن من الواضح أن من آمن العقاب أساء الأدب.

وكان التسجيل الصوتي لسموتريتش اليميني المتطرف قد كشف عن خطة تعزيز السيطرة الإ*سر*ائي*لية على الضفة الغربية المحتلة وإجهاض أي محاولة لأن تكون جزءا من الدولة ا*لفلس*طينية، حيث قال إن حكومة بنيامين نتنياهو منخرطة في خطة سرية لتغيير الطريقة التي تحكم بها الضفة الغربية لتعزيز سيطرة إس*رائي*ل عليها بشكل لا رجعة فيه بدون اتهامها بضمها رسميا، وأن الهدف الرئيسي لهذه الخطة هو منع الضفة الغربية من أن تصبح جزءا من الدولة ا*لفلس*طينية، وذكر أن ذلك أمر درامي للغاية، مثل هذه التغييرات تشبه تغيير الحمض النووي للنظام، فيبدو أن هناك خطة واضحة لانتزاع السيطرة على الضفة الغربية من السلطة ا*لفلس*طينية بالتدريج وتسليمها إلى موظفين يعملون تحت وزارة الدفاع الإ*سر*ائي*لية.

كما أن سموتريتش المتطرف كشف الستار عن خطط بناء مستوطنات جديدة بالضفة بعدما حصل مؤخراً على أوامر من قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإ*سر*ائي*لي تقضي بأن تفرض عقوبات على شركات خلوية لا تحرص على تغطية 95 في المائة في المناطق خلف الخط الأخضر، وقد رصد مبلغ 50 مليون شيقل (15 مليون دولار) لتوسيع التغطية الخلوية، ورصدت وزيرة المواصلات، ميري ريغف (وهي أيضاً من الليكود)، مبلغاً يضاهي 20 في المائة من ميزانية خطة البنى التحتية في وزارة المواصلات للمستوطنات بالضفة الغربية، بما يعادل 3 مليارات شيقل (890 مليون دولار)، كما أن خطة توسيع البناء بلغت في 2023 أعلى مستوى لها منذ اتفاقات أوسلو في تسعينات القرن الماضي، كما تم الترويج مؤخرا لعدد قياسي بلغ 12349 وحدة سكنية في مستوطنات الضفة الغربية بما لا يشمل المستوطنات في القدس الشرقية.

وبلغة الأرقام، هناك نحو نصف مليون مستوطن يهودي يقيمون في 146 مستوطنة كبيرة، و144 بؤرة استيطانية مقامة على أراضي الضفة الغربية بما لا يشمل القدس الشرقية المحتلة، وهذه المستوطنات غير شرعية وتشكل عقبة أمام تطبيق حل الدولتين القاضي بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إس*رائي*ل، حيث كشف تقرير حديث أن عدد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة زاد بنسبة 3 في المائة تقريباً خلال عام 2023.

إن ما يحدث في الضفة الغربية خير دليل على أن المسار السياسي لحل الدولتين قد انتهى وأن الحكومة المتطرفة في إس*رائي*ل تمضي في خطة ضم الضفة إلى الكيان المحتل، وتحويلها إلى “كيبوتس” أو بؤر استيطان جديدة للإس*رائي*ليين على أرض فلسطين، فمنذ اليوم الأول للحرب على قطاع غ*ز*ة، لم تعش الضفة الغربية يوماً بحال أفضل، بل كان لها نصيب كبير من التصعيد والتوتر بل وزادت حملات الاعتقالات الإ*سر*ائي*لية فيها، وكثرت اقتحامات المستوطنين لمنازل الفلسطينين حتى وصل الأمر إلى اقتحام مدن وبلدات بهدف تنفيذ ضربات استباقية على الخلايا النائمة في الضفة الغربية، وكأن إس*رائي*ل تقول: نحن موجودون رغم انشغالنا بالحرب في غ*ز*ة.

ومن الواضح أن إس*رائي*ل تلجأ لاستخدام تكتيكات الحرب المتبعة في غ*ز*ة ضد عناصر فلسطينية في بعض مخيمات اللاجئين بالضفة الغربية، خاصة بعد أن نفذ جيش الاحتلال حوالي 40 غارة بطائرات بدون طيار في الضفة الغربية، خلال الفترة من أكتوبر إلى مارس، وكذلك ق*ت*ل الشباب بشكل يومي، آخرهم كانوا 14 شاباً ق*ت*لتهم إس*رائي*ل في مخيم نور شمس، هذا فضلا عن الغارات الجوية بالطائرات بدون طيار وعمليات القوات البرية التي تستهدف المسلحين، حتى سجلت الأمم المتحدة، ق*ت*ل أكثر من 435 فلسطينيا في الضفة الغربية والقدس الشرقية منذ 7 أكتوبر، وإصابة 4900 آخرين منذ ذلك الحين على يد القوات الإ*سر*ائي*لية أو المستوطنين. فهي تريد تحويل الضفة الغربية إلى جبهة حرب أخرى في الأراضي ا*لفلس*طينية.

وباستقراء المشهد، فربما ترغب حكومة نتنياهو في استغلال حرب غ*ز*ة لمضاعفة الاستيطان في الضفة الغربية وضمها إلى الكيان المحتل تدريجيا في اتجاه واضح وصريح لكتابة نهاية القضية ا*لفلس*طينية، متجاهلة الموقف الدولي من ملف الاستيطان والعقوبات التي فرضتها دول عدة في العالم الغربي على المستوطنين، فتستغل الانشغال العام بالحرب على غ*ز*ة لمضاعفة الاستيطان اليهودي وعرقة إمكانية التوصل إلى سلام وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

ربما يبرهن ما سبق ذكره على أن إس*رائي*ل ليس لديها نية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتصر على إشعال الأوضاع في كل أنحاء فلسطين حتى في الضفة الغربية نفسها حتى تنفذ مخططها بالسيطرة الكاملة على أرض فلسطين دون الاعتراف بحق أصحاب الأرض.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!