آراء متنوعة

شاعر لم يعرض عن عراقيته

شاعر لم يعرض عن عراقيته

عبدالرزاق عبدالواحد بريشة فائق حسن
لو تسنى لكل الذين يشعرون بالضآلة أمام شاعرية عبدالرزاق عبدالواحد أن عرفوا كيف اتصل وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دوفيلبان عام 2003 بالشاعر العراقي بعد أن علم بوجوده في باريس، ومنحه الإقامة الدائمة ومن ثم الجنسية الفرنسية باستثناء نادر، قائلا له “فرنسا موطن الشعراء” ومعبرا عن انبهاره بشعره بعد أن قرأه بترجمة المستشرق الفرنسي جاك بيرك.

أقول لو تسنى لهم، فهل سيتوقفون عن الخيال الرخيص وينصبون مشانق العدالة المكسورة كلما جاءت سيرة الشاعر الراحل وبعد كل تلك السنين على وفاته مغتربا؟ مع أنه كان لا يريد من الحياة أكثر مما أخذ. وعلى استعداد لكي يعطيها فوق ما أعطيت.

سنجد ما يشبه الإجابة في متن كتاب “رسائل عبدالرزاق عبدالواحد من باريس إلى مسقط” التي احتفظ بها الشاعر عبدالرزاق الربيعي في صور مستنسخة من البريد الإلكتروني.

وسيجد قارئ هذا الكتاب ما يشبه السيرة الحسية لسنوات عبدالواحد في باريس وكيف يتأمل العراق الذي سقط في لجة الدماء بعد عام 2003.

رسائل الشاعر عبدالرزاق عبدالواحد من مغتربه الفرنسي
عندما يتعلق الأمر بي فقد كنت شاهدا قريبا من سنوات عبدالرزاق عبدالواحد تلك ما بين باريس ودمشق وعمان في رسائل إلكترونية فرطت بها -لسوء الحظ- بعد تغيير بريدي الإلكتروني. حرضته على العودة للنشر آنذاك، وكنت أول من نشر قصيدته الشهيرة “كبير على بغداد” أثناء عملي في صحيفة (الزمان) بعد أسابيع من عبور الدبابة الأميركية على جسر الجمهورية. وأغلب قصائده الأخرى فضلا عن عمود أسبوعي لمذكراته الشخصية كما أشار في ذلك بإحدى رسائله إلى الربيعي. لكن هذا الكتاب الصادر قبل أسابيع عن منشورات كلمات في بغداد، بمثابة وثيقة تسجيلية تعيد تعريف الإنسان الكامن في الشاعر وهو يتأمل العراق يداس بأقدام الغزاة، فيما يتصاعد صراخ الرعاع على هدر دمه.

يرفض عبدالواحد في واحدة من تلك الرسائل أن يكون لاجئا، بعد أن اقترب موعد نهاية إقامته في باريس ويكتب “بقي لي فيها حق إقامة لمدة شهر ونصف إذا انتهت فأنا أمام واحد من خيارين: أن أتركها ولست أدري إلى أين؟ أو أطلب اللجوء السياسي فيها عندها سأموت حسرة، وكما ترى الأمر في وطننا يزداد سوءا يوما بعد يوم وأخشى على حماقة أرتكبها أن أحمل هذا الجسد لأدفنه في العراق.”

لكن اتصال الوزير دوفيلبان ينهي هذا الترقب ويجعل باريس تعيد للشاعر كرامته المهدورة في بغداد.

يكتب أبوخالد في رسائله إلى الربيعي بثقة الشيخ الذي لم ينكسر “لا تكتئب فشيخك لم يبلغ به الأمر بعد حد الهلع عليه، لا تكتئب أيها الإنسان النبيل، فأنا ما زلت بخير رغم ما أعانيه من ضيق، هو العمر والغربة والوطن الذي يزداد خرابا يوما بعد يوم، وهو القلق على من تركنا بين النيران، ومع ذلك فشيخك عرف المعتقلات والسجون والتشريد والغربة، ولكن يومها كانت تضيء في داخله شعلة الإيمان بالوطن، يحملها عن*فوان شبابه وعن*فوان شعره، وكان إذا اغترب واثقا أنه سيعود وأن العراق ينتظره، ومع ذلك لا تكتئب، فوجه الحسين يبقى ساهرا على شطآن دجلة والفرات.”

وفي مناجاة حزينة، بمثابة موضع فخر للربيعي يكتب له “مجنون في الثالثة والسبعين بحب العراق (رحل عبدالواحد عن 85 عاما) يا عبدالرزاق أنت الآن العراق القريب الذي يستطيع أن يسمعني صوته ويوصل إليّ شواطئ دجلة والفرات ونكهة طين الدهلة في الجنوب.”

ويتعهد في رسالة أخرى، حيث الحياة ما زال بها رمق لكي تعاش. بكتابة ذكرياته مع صدام حسين، سيكون لها وقع خاص، ذلك أنها ستستغرق الوضع الأدبي في العراق خلال هذه الفترة، ذلك ما يضع ابنة الشاعر الراحل رغد أمام مسؤولية تاريخية وأخلاقية لنشر تلك الذكريات إذا كان الشاعر قد كتبها فعلا.

كرم نعمة 
كاتب عراقي مقيم في لندن

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!