آراء متنوعة

خذني بعيدًا أيها البساط السحري

د. مريم خلف الشمري

“خذني بعيدًا أيها البساط السحري”، همسة تخرج من أعماق قلب عراقي يقف على ضفاف دجلة، ينظر إلى الماء الذي يحمل ذكريات الأجداد وآلام الحاضر. في زمن تتشابك فيه خيوط الحياة بين الأمل واليأس، يصبح البساط السحري ليس مجرد حلم طفولي، بل دعوة للتحرر من قيود الواقع، للطيران فوق أطلال الماضي وأحزان الحاضر، نحو سماء لا تعرف الحدود.

أيها البساط السحري، خذني بعيدًا عن ضجيج المدن المثقلة بالغبار والخوف. ارفعني فوق بغداد، حيث تنام الكرخ والرصافة تحت عباءة التاريخ، ودعني أرى النخيل يرقص مع الريح كما كان في أيام السلام. خذني إلى البصرة، لأشم عبير شط العرب دون أن تعكره رائحة الدمار، وإلى أهوار الجنوب، حيث كانت القصبات تحكي قصص الصيادين قبل أن تجف المياه.

لكن لا تتركني هناك، أيها البساط. اطوِ المسافات وخذني إلى أحبائي الذين شتتهم الزمن. إلى أم انتظرت عودتي على عتبة دار قديمة، إلى أخٍ رسم الحنين في عينيه قبل أن يغادر إلى بلاد بعيدة، إلى صديق ضحكنا معًا تحت شجرة توت قبل أن تفرقنا الحرب الى اب فارقني مبكراً قبل ان ارد بعضاً من الحنين. دعني أعانقهم ولو للحظة، أيها البساط، ثم ارجع بي إلى أرضي، لأنني، رغم كل شيء، لا أستطيع أن أتركها.

خذني بعيدًا، لكن ليس للهروب فقط. ارفعني عاليًا حتى أرى العراق من فوق، كما لم أره من قبل: أرضًا تتنفس التاريخ، تحمل جراحها بكبرياء، وتخبئ في طياتها بذور الأمل. دعني أرى المستقبل من خلال عينيك السحريتين، حيث يعود الأطفال للعب في الحدائق، والأنهار تغني أناشيد الحياة، والناس يبنون بدلًا من أن يهدموا.

أيها البساط السحري، أنت لست مجرد نسيج من خيوط الخيال. أنت رمز لروحنا التي ترفض الاستسلام، لأحلامنا التي تطير رغم الثقل، لإرادتنا التي تبحث عن نور في ظلمة الليل. خذني بعيدًا، لكن أعدني أقوى، لأواجه الواقع لا لأهرب منه، ولأزرع في تراب العراق بذرة حلم قد تكبر يومًا.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!