حميد عبد الله نموذجاً: الإعلام حين يُمسك بزمامه
عماد آل جلال
في زمن يتراجع فيه بريق الكلمة الصادقة وسط ضجيج التزييف، تلمع بعض الأسماء كنجوم تهتدي بها العقول الباحثة عن الحقيقة. الدكتور حميد عبد الله، واحد من تلك النماذج النادرة في الإعلام العربي والعراقي، الذين لا يصنعهم المنبر بل يصنعون هم للمكان اسماً وهيبة. إعلامي لا يُصنّف ضمن قوالب جاهزة، ولا تنطبق عليه مقاييس الشهرة المؤقتة، لأنه ببساطة ينحت مجده بأزميل الذكاء والبحث والتحليل الحر، لا بأدوات الاصطفاف أو المجاملة.
لقد عرفه المشاهد العراقي والعربي من خلال برامج شكلت جزءاً من ذاكرة الرأي العام، أرّخت لحقب عراقية عصيبة، ولامست قضايا حساسة بمهنية وجرأة. ولعل الأهم من كل ذلك، هو ما زرعه في وعي الجمهور من ثقة ومصداقية، ندر أن نجد مثيلاً لها اليوم، حين أصبح الولاء للحق تهمة، والحياد موقفاً لا يحتمل.
الدكتور حميد ليس فقط صوتاً إعلامياً رصيناً، بل مؤرخ يمتلك أدوات التحليل السياسي والمعرفي، كونه أستاذاً أكاديمياً متخصصاً بتاريخ العراق الحديث، ما يمنحه تفوقاً معرفياً في طرح الأسئلة قبل تقديم الأجوبة. لا يكتفي بسرد الوقائع، بل يحفر في الذاكرة الوطنية، وينفض عنها غبار التهميش والنسيان، موثقاً، ومحللاً، ومثيراً للأسئلة الكبرى.
ما يلفت في حضوره أيضاً هو ذلك المزيج الإنساني الراقي بين شخصية “الحمامة” في رقتها، و”الصقر” في دقته وشراسته في اصطياد الفكرة. يحمل في قلبه الجنوب بثقافته وقيمه الأصيلة، وفي ذهنه الوطن بأحلامه الجريحة وآماله العريضة. هو ببساطة، صوت من لا صوت له، وذاكرة من لا ذاكرة لهم.
في زمن تعصف به موجات التزييف، يظل حميد عبد الله ثروة معرفية وطنية، ورمزاً لما يمكن أن يكون عليه الإعلام حين يُمسك بزمامه الأذكياء.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.