حدود حرية التعبير بين النصوص الدستورية والواقع العملي – ياسر
المقدمة:
تعد حرية التعبير من الحقوق الأساسية التي تكفلها الدساتير الحديثة، حيث تُعتبر ركيزةً جوهريةً في بناء الأنظمة الديمقراطية وهي حق لكل فرد في التعبير عن آرائه وأفكاره دون خوف من الرقابة أو العقاب ومع ذلك يبقى التساؤل: هل النصوص الدستورية المتعلقة بحرية التعبير تتطابق مع الواقع العملي نجد إن التطبيق العملي لهذا الحق يواجه تحديات متعددة تتراوح بين القيود القانونية والضغوط السياسية والاجتماعية. ففي العراق، وبالرغم من النص الصريح الذي تضمنته المادة 38 من الدستور العراقي الدائم لعام 2005 على ضمان حرية التعبير، لكن الواقع العملي يكشف عن وجود فجوة بين النصوص القانونية والممارسات الفعلية . ولكون حرية التعبير ليست مجرد نصوص قانونية، بل هي ممارسة يومية تعكس مدى التزام الدولة والمجتمع بالمبادئ الديمقراطية. وبينما يظل التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين الحرية والمسؤولية، فإن ضمان هذا الحق يعد خطوة أساسية نحو بناء مجتمع أكثر انفتاحًا وعدالة.
في هذا المقال، سنناقش الأطر القانونية لحرية التعبير في بعض الدساتير، وأبرز التحديات والمعوقات التي تواجه التطبيق العملي لهذا الحق.
الإطار الدستوري لحرية التعبير
حرية التعبير تعتبر واحدة من أهم الحقوق الأساسية التي كفلتها الدساتير في جميع الأنظمة القانونية لأنها تنبثق عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي افد لها نصا في متن المادة 19 تضمن على أن: لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت. لذلك اصبحت حرية التعبير مكفولة في اغلب دساتير الدول ، إلا أن هذه الضمانات غالبًا ما تكون مشروطة بقيود تتعلق بالنظام العام والآداب العامة كما في الدستور العراقي، رغم أن الدستور ينص على حماية هذا الحق، إلا أن قوانين الإعلام والنشر، مثل قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، تُستخدم أحيانًا لتقييد حرية التعبير، مما يثير تساؤلات حول مدى توافق هذه القوانين مع المبادئ الدستورية.
التحديات العملية لحرية التعبير
اهم التحديات العملية لحرية التعبير هي تلك التي تحدث التضارب بين النصوص الدستورية والقوانين العادية بالرغم من العلوية التي يتمتع بها النص الدستوري على القانون العادي حيث اثبتت التجارب العملية غالبًا ما تكون هناك قوانين عادية تقيّد حرية التعبير بشكل يتعارض مع الدستور. في مصر، على سبيل المثال، على الرغم من النص الدستوري على حرية التعبير في المادة (65) من الدستور التي تنص على: “حرية الفكر والرأي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر.” الا اننا نجد إن قانون مكافحة الار*ها*ب يتيح فرض عقوبات على أي شخص ينشر أخبارًا تُعدّ مضللة. في عام 2020، حيث اعتقلت السلطات المصرية عدداً من الصحفيين والنشطاء بتهمة نشر أخبار كاذبة تضر بالأمن القومي، مما أثار انتقادات منظمات حقوق الإنسان. وفي تونس على الرغم من الحريات المكتسبة بعد الثورة، إلا أن بعض الصحفيين تعرضوا للملاحقة القانونية بسبب انتقاداتهم للحكومة.والحال مشابه في العراق حيث يواجه الصحفيون والناشطون في العراق قيودًا متعددة، تشمل الاعتقالات التعسفية والملاحقات القضائية، إضافةً إلى الضغوط السياسية التي تحد من حرية الإعلام. ولايخفى على أي متابع سعي الدساتير العربية في المحاولة لتحقيق التوازن بين حرية التعبير وحماية الأمن القومي.
إلا أن الإشكالية تكمن في أن تعريف الأمن القومي الذي قد يتمدد ليشمل أي انتقاد للسلطة، مما يجعل من ذلك منفذ لتقييد حرية التعبير بشكل مبالغ فيه، وتُستخدم قوانين مكافحة الار*ها*ب كذريعة لتقييد المعارضين السياسيين ومنعهم من التعبير عن آرائهم بحرية.
دور التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة جديدة فعالة للنقاش العام بعد الربيع العربي بل كان لها الدور الابرز في تغيير النظام في مصر ومنذ ذلك الحين اتخذت الحكومات العربية الكثير من الاجراءات للمراقبة الفعالة لهذه الوسائل ومنها العراق حيث تخضع للرقابة والملاحقة القانونية ، حيث شهدت الحركات الاحتجاجية مثل انتفاضة تشرين 2019 استخدامًا واسعًا لهذه المنصات، مما أدى إلى ردود فعل حكومية تضمنت حجب الإنترنت وملاحقة الناشطين.
الإصلاحات المطلوبة
لضمان حرية تعبير حقيقية، يجب إجراء إصلاحات قانونية تشمل تعديل القوانين التي تُستخدم لتقييد هذا الحق، وتعزيز دور القضاء في حماية حرية التعبير، إضافةً إلى دعم الإعلام المستقل ومنظمات المجتمع المدني. كما أن تعزيز ثقافة الحوار واحترام التعددية الفكرية يعدان من العوامل الأساسية لترسيخ هذا الحق في المجتمع.
بقلم د. ياسر الزبيدي
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.