جورج حبش قراءة في التجربة – مهند طلال الاخرس
جورج حبش قراءة في التجربة [حكيم الثورة ا*لفلس*طينية 1926 – 2008 ] كتاب يقع على متن 288 صفحة من القطع الكبير ، وهو من سلسلة اصدارات مجلة الهدف [كتاب الهدف 5] ، وهذه المجلة اسسها غسان كنفاني سنة 1969، وهذا الكتاب صادر عن الاعلام المركزي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بوابة ومجلة الهدف في غ*ز*ة/فلسطين.
هذا الكتاب حصيلة اوراق عمل قدمت خلال اربعة مؤتمرات عقدت في قطاع غ*ز*ة، وكتابات متنوعة نشرت على بوابة الهدف ومواقع سياسية اخرى، كالاداب والاخبار، احياء لذكرى رحيل مؤسس حركة القومين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
في مستهل التقديم يحضر ماقاله الامين العام احمد سعدات بحق الحكيم فيقول:” ان تكتب عن الحكيم جورج حبش فأنت تكتب عن فلسطين الوطن وقضية العرب الاولى، مسارها وسيرورة النضال الوطني الفلسطيني، ومشوار الكفاح للشعب الفلسطيني، فقد تماهت صورة الرجل مع صورة فلسطين.
وفي معرض الاستهلال ايضا يقول المناضل ابراهيم ابراش:” يوجد قيادات في كل الشعوب، توجد قيادات عابرة لا يتركوا برحيلهم اي أثر، لا على واقع الشعب، ولا في الذاكرة الوطنية، إنهم الذين سيرتهم الصدفة أو أطراف خارجية. في المقابل هناك قيادات تصنع تاريخا لنفسها ولشعبها؛ لذا تبقى في الذاكرة الوطنية، ومن حق الشعب أن يخلد ذكراها ويجعل منها قدوة للأجيال، ليس من خلال استنساخ الشخصية بل من خلال استلهام التجربة، والراحل جورج Habash الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من هذه القيادات التاريخية التي ستبقى فخر الشعب الفلسطيني والأمه العربية على طول العمر”.
الكتاب يتكون من عدة مقالات واوراق عمل ودراسات حاولت جاهدة قراءة تجربة الحكيم والاطلال عليها واطلاعنا عليها بغية تأصيلها في محاولة دؤوبة لتوثيق تجربة فريدة من نوعها [تجربة الحكيم] إلاّ ان هذه المحاولة التي نثق بنياتها الحسنة اخفقت في ان تعطي الحكيم ولو جزء يسير من حقه علينا كقائد ملهم شكلت مسيرته ومضة فارقة وسامقة تعانق السماء بفكرها وعطائها وسيرتها المجلجلة على طريق درب الالام.
هذا الكتاب ولولا بعض المشاركات العميقة مثل: سيف دعنا، وزمن الحكيم لفضل النقيب، وعصر جورج حبش لاسعد ابو خليل، ويواب حيفاوي ومشاركته المعنونة الثائر الصادق جورج حبش وجدلية تحرير فلسطين والثورة العربية ص ٧٢ ولغاية ٧٨، وماهر اليماني ص ٨٨ لغاية ٩٢ بمشاركته المعنونة نعم قدمت شكوى ضد الحكيم!!، وكذلك الامر مع مشاركة زوجته ورفيقة عمره هيلدا، هذه الشهادة ورغم انها جائت مقتضبة جدا إلاّ انها جاءت غنية ومؤثرة ومزدحمة بالدموع ص ٩٣ ولغاية ٩٦، حتى انك تحتاج لشلال من الدنوع في ص ٩٤ بالذات لتستطيع اكمال قراءتها.
وفي ص ١١٢ و١١٣ يطالعنا ماهر الطاهر بمجموعة من الثوابت كان الحكيم يؤكد عليها باستمرار، كذلك الامر مع ما ذهب اليه ابراهيم ابراش عندما عنون مقالته ” في ذكرى رحيل جورج حبش نستحضر تاريخا فلسطينيا مشرفا ص ١١٥ ولغاية ١١٧. وكذلك الامر مع المقالة الموسومة بعنوان ” جورج المصري” لاحمد بهاء شعبان ص ٢٠٢ ولغاية ٢٠٨. والماركسية والقومية لسلامة كيلة ص ٢٠٩ ولغاية ٢١٧. والمشاركة الاهم وذات الاثر العميق ما جائت على لسان احمد قطامش تحت عنوان اضافات الحكيم على الفكر القومي الماركسي ص ٢١٨ وحتى ٢٢٣. وسماح ادريس بمشاركته “رسالة جديدة للحكيم: كي لا تخبو الجمرة” ص ٢٦٧ ولغاية ٢٧٠ . واخيرا مشاركة وسام الرفيدي ص ٢٧١ وحتى ٢٧٣ والتي جائت تحت عنوان : كيف نحافظ على تراث الحكيم” .
في هذا الكتاب يمكنك تقليب الكثير من صفحاته دون وخزة ضمير، ودون ان تترك صفحاته اي اثر، لكن اياك ان تمر عن ٣ شهادات بالذات مرور الكرام؛ فتلك شهادات تُبكي الصخر وتحفر اسم الحكيم عميقا في الذاكرة، فهذا الرجل كان ولازال كجلمود صخر حطه السيل من علِ ؛ فهو محفور بذاكرة الاجيال وتبقى سيرته عصية على النسيان، وهذه الشهادات الثلاث هي :
اولا : ما ورد في شهادة ماهر اليماني ؛ فهذه الشهادة بالذات لا يمكنك المرور عليها مرور الكرام وفيها يقول :
” كان التوجه نحو الاستقالة قبل المؤتمر الخامس للجبهة في شباط الف وتسعماية وثلاثة وتسعين طلب أبو ماهر اليماني إعفاءه من مهماته القيادية ودعا الحكيم إلى أن يحذو حذوه، من أجل فتح المجال أمام عناصر الشباب ذات الكفاءة كي تتولى المسؤولية. الحكيم تمهل وتروى في اتخاذ الأمر والقرار، لكن أبو ماهر كان قد اتخذ قرار عودته إلى بيته.
اجتمع الحكيم بمعظم أعضاء اللجنة المركزية وشاورهم في موضوع تنحيه وتركه لمهامه. في كل ما شاهدت من تلك الاجتماعات ومنها ما كان مع إعضاء قيادات الفروع اصر الجميع على رفض فكرة تنحي الحكيم وعلى بقائه في سدة القيادة، معربين عن خوفهم على مصير الجبهة إن اتخذ خطوة كهذه.
كالعادة وفي الاستراحة بين الاجتماعات توجه إلي بالسؤال عن موضوع تنحيه، فقلت له : علمتنا أهمية التغيير وضرورته، لكني يا حكيم أحبك. فقال لي: ومن ترى بعدي، أجبت بلا تفكير أبو علي مصطفى؛ قائد وثوري وشجاع .
يا حكيم: معظم من معك الآن غير صادق، أعرف ماذا يقولون في الخارج، ومعي أسمائهم أن شئت. ابتسم الحكيم وهز رأسه قائلا: أعرف ذلك تماما، ومع بدء المؤتمر كانت الجبهة تناقش مواضيع مهمة فأعرض بعض الرفاق واتخذ موقفا سلبيا من الحكيم، ونجم عن هذا الموقف أن حجب 27 عضوا معظمهم أعضاء لجنة مركزية عامة وقيادات فروع أصواتهم الانتخابية عن الحكيم. لاحقا غضب الحكيم وقال بمرارة: أنا استشرت كل أعضاء اللجنة المركزية، ومعظم قيادات الفروع وبعض الكادر ، كلهم طلبوا مني البقاء، ولم يشر أحد إلي بضرورة ترك العمل إلا أبو ماهر اليماني، الذي كان مصرا على تنحنيتنا وفتح الباب للقيادات الجديدة.
ترك الحكيم القاعة الى غرفة جانبية ورفض رؤية احد، اردت الدخول إليه فحاول بعضال القيادين منعي…
دخلت إليه وبعد دقائق وصلت ضحكته إلى قاعة المؤتمر . حاول الجميع طوال عوام أن يعرفوا ماذا قلت له حتى ضحك كل هذا الضحك، صمت، وما زلت صامتا، وبقي الحكيم أمينا عاما ولم يستقل.”
ثانيا : ماورد في شهادة زوجته ورفيقة عمره هيلدا حيث تقول Hilda:” منذ أن تعرفت إلى هذا الإنسان الكبير تعرفت إلى السجون والشرطة والمخابيء تحت الأرض، وتعرفت إلى حياة المناف والتنقل بجوازات سفر متعددة، وجنسية مختلفة وأسماء مستعارة وتعرفت_ إلى محاولة الاغتيال وأحكام الاعدام، فضلا عن الملاحقات الأمنية من قبل الاجهزة الأمريكية والعديد من القوى المعادية، من تلك اللحظة أعلنت حالة الطوارئ بأى حدود اللياقة وتضرب على أشعر بالمسؤولية كبيرة…
لم تكن حياتي مع أحد القائد مفروشة بالورود بل مشينا معا درب الآلام، وكنت في قلب الأحداث الساخنةا جدارا استناديا… وكل تلك الظروف القاسية انعكست على حياتنا الخاصة، وعلى حياتي ابنتينا لمى وميساء والتي طالما فاتهما قسط وفير من الرعاية وتحلو بالصبر والتضحية. كانت معاناتنا كبيرة وكان علينا بعد كل عملية للجبهة أن ننتقل إلى أماكن أكثر أمنا ،أو ننقل طفلينا ليلا وهم نائمين حفاظا على سلامتهم.”
ثالثا: ما استحضره د.احمد سليمان قطامش على لسان الحكيم بتعريف نفسه قائلا:” أنا ماركسي يساري الثقافة، والتراث الإسلامي جزء أصيل في بنيتي الفكرية والنفسية، أنا معني بالإسلام بقدر إعتناء أي حركة سياسية إسلامية، كما أن القومي العربية مكون أصيل من المكونات..”.
هذا الحكيم صاحب الصولات والجولات وصاحب الحضور الدائم في سيرة ومسيرة الثورة ا*لفلس*طينية كان مدرسة حفرت ارثها بعمق، كيف لا وهو القائل
بالوحدة العربية الغير مشروطة كوسيلة تحرير فلسطين.. فقد أثبتت التجربة أن هناك شروط موضوعية كثيرة لتحقيق الوحدة، فقد لا تتحقق دون توفيرها، وإذا صار الفلسطينيين وفتحوا جبهات مواجهة غير مشروطة مع الص*ها*ينة دون محاولة تغيير الوضع العربي، فقد يفتقدون إلى العمق الإستراتيجي، بل قد يضربون من الخلف، وإذا تمكن من خلق اي تحالف ثوري يحتوي على ثقة الجماهير في إحدى بلدان العالم العربي، فيمكن أن يضرب هذا التحالف من خلال وحدة القوة الرجعية بالرغم من اختلاف اطيافها.
ونرى كيف يتميز الحكيم هذا الثائر الصادق المتمسك بأهداف الثورة، مع البحث الدائم عن الأساليب الملائمة للحصول عليها، كما نرى إيمانه الكبير بالجماهير الشعبية المصدر الأول والأخير للتغيير الثوري، ومن هنا تأكيده على الديمقراطية وإلاشراك الحقيقي للجماهير في العملية الثورية.
بقي ان نقول ان عقودا طويلة من اعمارنا قضيناها ونحن نسير تحت ظل مقولة الحكيم الاثيرة: “الثورة قامت لتحقيق المستحيل لا الممكن”. فطوبى وطيب لروحك وعن*فوانك وذكراك الباقية يا حكيم.
#مهند_طلال_الاخرس
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.