الجيل القادم.. من مقاعد الدراسة إلى منصة الابتكار
بقلم: أ.د. عبدالله الغصاب
مساعد العميد للشؤون الأكاديمية السابق – كلية التربية الأساسية
تشهد دولة الكويت حراكاً مؤسسياً متسارعاً نحو إعادة الهيكلة والتطوير في مختلف قطاعاتها، في محاولة جادة لمواكبة التحولات العالمية وتحسين جودة الخدمات المقدّمة للمواطنين، ويأتي التعليم في طليعة هذه الأولويات، باعتباره الركيزة الأساسية لبناء الإنسان وتنمية الاقتصاد الوطني.
ورغم أن هذا القطاع قد شهد محاولات إصلاح متعددة على مدى سنوات، فإن تلك الجهود كثيراً ما كانت جزئية أو مترددة، مما جعل أثرها محدودًا على الواقع التعليمي، واليوم، مع تولي معالي الوزير المهندس سيد جلال الطبطبائي وزارة التربية، تجددت الآمال في إحداث نقلة نوعية، لما يمتلكه من خبرة في مجال الجودة، وروح قيادية تتسم بالحزم والطموح. غير أن الطريق أمامه ليس سهلاً، فالتحديات عميقة ومتجذرة.
ونحن، كأكاديميين ومختصين في المجال التربوي، نؤمن أن الإصلاح الحقيقي لا يبدأ من الهياكل، بل من إعادة النظر في جوهر النظام التعليمي نفسه، فالعالم يشهد تحولات تكنولوجية واقتصادية متسارعة، تفرض علينا إعادة تعريف التعليم بما يتجاوز الشهادات إلى المهارات، والإبداع، والقدرة على التكيف مع وظائف لم تُخلق بعد.
ولعل أبرز التحديات التي نواجهها اليوم هي اتساع الفجوة بين مخرجات التعليم وسوق العمل؛ فكثير من خريجينا يدخلون وظائف لا تمت بصلة إلى تخصصاتهم، أو يواجهون بطالة مقنّعة، في ظل نظام تعليمي ما زال يعتمد على الحفظ، ومناهج تقليدية، ومعلمين لم يحصلوا على تدريب حديث منذ سنوات.
ورغم الميزانيات الكبيرة التي تُخصص لهذا القطاع، لا تزال مخرجاته دون المأمول: غياب المناهج التطبيقية، ضعف استثمار التكنولوجيا، وانعدام الحوافز للمعلمين المتميزين. في المقابل، تؤكد التقارير الدولية أن 80% من وظائف المستقبل ستعتمد على مهارات تحليلية وابتكارية وتقنية، بينما ما زلنا نقيس قدرات طلابنا باختبار نهائي جامد، لا على مشروع أو فكرة قابلة للتنفيذ.
إن الاستثمار الحقيقي ليس في المباني والمعدات، بل في العقل البشري. وكلما أسرعنا في ربط التعليم بريادة الأعمال، والتفكير النقدي، والتعلم القائم على المشاريع، اقتربنا من بناء جيل يقود الاقتصاد بدلًا من البحث فيه عن وظيفة.
ومن هنا، نقترح مجموعة من الخطوات العملية، منها:
إعادة تأهيل المعلمين من خلال شراكات مع شركات عالمية مثل “مايكروسوفت” و”جوجل”.
• تقديم حوافز مالية ومعنوية للمعلمين المتميزين تشجعهم على الابتكار داخل الفصل.
• تعديل المناهج الدراسية لتصبح 50% نظرية و50% تطبيقية.
• إدخال مادة “الريادة والابتكار” كمادة أساسية بدءًا من المرحلة المتوسطة.
• تخصيص “يوم ابتكار أسبوعي” لتنفيذ أفكار ومشاريع طلابية.
• تأسيس “حاضنات أعمال طلابية” داخل المدارس والجامعات، بدعم من القطاع الخاص.
• إنشاء صندوق وطني لدعم المشاريع الطلابية، برأسمال يبدأ من 25 ألف دينار للمشروع الواعد.
وقد أثبتت التجارب الإقليمية أن التغيير ممكن؛ ففي الإمارات، أُطلق برنامج “روّاد 2030” وحوّل 120 فكرة طلابية إلى شركات ناشئة خلال عامين فقط. وفي السعودية، أسهمت “مدارس التميز” في رفع مؤشرات الإبداع بنسبة 40% عبر التعلم القائم على المشاريع.
نحن في الكويت لا تنقصنا الإمكانات ولا المواهب؛ ما ينقصنا فقط هو الإرادة التنفيذية الجريئة، والرؤية التربوية الحديثة التي تنقل التعليم من عباءة الورق إلى ميادين الإبداع والإنتاج.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.